قصائد لسركون بولص وقاسم حداد وسيف الرحبى
إلى امرئ القيس في طريقه إلى الجحيم – سركون بولص
لي جمرٌ
لهذه الليلة
ثمة مدفأةٌ أبسطُ نحوها يديّ
وأصغي إلى عاصفةٍ ترود في الظلام كضبعةٍ شبِقة
عويلها الفاجعُ لم يعد يُطربني..
أصغي
لكي أسمع الصحراءَ تُغنّي
وليس صهيل أميركا المُتعالي كألف حصانٍ جريحٍ
من حولي، إلى عصرٍ آخر سفّتهُ يدٌ قويَّةٌ في الرمل
في ذلك الفم الفاغر للزمن حيث الأطلال
دائماً بانتظار
المناسبات
بسَقْط الَّلوى. بين الدَّخولِ فحَوْمَلِ. إنَّها دائماً هناك
إنَّها دائماً أصواتٌ ومن التيه إلى التيه
تثرثرُ الريحُ في ودياننا كامرأةٍ هَرِمة لنا بها علاقة رحيمة
ولا نريدها
أن تموت
في الغرب كنا أم الشرق نضرب واحداً
بأسداس الثاني ونقول
«ضيّعني أبي صغيراً» أجل ضيّعني ولن أستريح
«اليوم خمرٌ، وغداً أمرٌ» تقول الريح
ولي خمرٌ وجمرٌ ومُعلَّقة
قد أهزِم بها جنياً يزدريني في مثل هذه الساعة
لا يقبل التأخير محمَّلاً بكلِّ ضغائني
ليعلمني أسرار السَّوادِ في سراديب سويدائي
وهذا الغسق اللعين، المُتكاثف ظلاً فظلاً
ليعلم أنَّني أحلم في آخر قطرة ترشح من سدولهِ
بأنواعِ الهُموم، بأنواعِ الهُموم!
بالرمال، بتيماء خيالي، وبكَ أنتَ أيضاً، بكَ
وبالمصير
أيها الملك الهارب من ذلك الوغد
المنذر بن ماء السماء…
ذلك الوغد الذي ليس اسماً يُطاردنا حتى باب الجحيم
ذلك الاسم الأجوف كالطبل، ذلك الطاغية، ذلك
العبد.
ذلك الوغد، إنّهُ دائماً هُناك.
ذلكَ الظلّ الذي يحتلُ زاويةً في القلب ولن يَنزاح
كزردك المسموم («هدية» من «صديقك» ملك الروم)
إنَّه هناك.
ضربةُ الحتف من يد مطيّتِهِ
عدوّنا الأُميّ المُتلهف الأكثر عماءً من «ليلٍ تَمطَّى بصلبهِ»
تلكَ الدودة المُعلَّقة في أسفل الإجاصة
في بستان عزلتنا الوارف حتّى النهاية، ذلك
المخلبُ المَدفون في لحم القوافي، ولن، لن، لن ينزاح
يا امرؤ القيس
لا أمام الانتصار ولا اللا انتصار، قد يسلب رجلاً كلّ شيء
حتى ينتهي الرجلُ على الحصيرة
لا جمرٌ
ولا خمرٌ
ولا أمرٌ.
*نص: سركون بولص
*من ديوان: حامل الفانوس في ليل الذئاب
حيث السحرة ينادون بعضهم بأسماء مستعارة – سيف الرحبي
ليس بيني وبينكِ
أيتها الساحرةُ الولودُ
إلا هذه الكثبانُ من الرملِ،
وهذه الأزمنةُ المكدَّسةُ أمامَ بابي،
تقولين كلامًا لا أفهمه
وتقولينَ هذيانًا، أفهمُهُ
بسرعةِ سقوطِ النيزكِ على رأسي.
أيامٌ تتلوها أيام،
ونحنُ نحدقُ في هذا الوثن،
الممدَّدِ على أرضِ الأنبياء
أسوقُ قطيعكِ بعصا الراعي
أمامي تبكي رغباتُكِ،
وتنفجرُ كأنها قابَ قوسينِ أو أدنى
من القيامة.
نصالٌ تبرقُ في ليلٍ
كأنما لم أكن عائدًا من أسفارٍ سحيقةٍ
حينَ ارتميتُ في ظلالك الثكلى.
***
وكما تكرُّ الفصولُ على الصحراءِ
في شكلِ ذئبٍ وحيدٍ
وفي شكلِ مئذنة،
تنحدرُ الرمالُ من الأفقِ الشرقيِّ
المحاذي لبلادِ الأحباش
حيثُ السحرةُ ينادون بعضهم
بأسماء مستعارة.
لقد فتكت بها الرياحُ الهوجاءُ
وأمَّها البِلى
كديارِ أحبِّةٍ غربت للتوِّ.
أسمعهم ينادونني باسمي المستعار،
أن اغرب عن وجهنا
لستَ منِّا ولسنا منكَ.
وقد ناديتهم قبلَ ذلكَ
أمواتًا وأحياءً
أن اغربوا عن..
لكنهم ظلّوا يحدقون في جثَّتي
طوالَ أزمنةٍ، ويغرزونَ مخالبهم العمياء.
وقالوا لكَ نغلُ السلالةِ
وظلَّوا ينثرون الإشاعاتِ حول قبرِ جدِّك.
***
قتلى يملأون الصالةَ
ويشاركونني السريرَ وغرفة النومِ
حتى قنينةِ النبيذ.
أراهم يتآمرون في قعرها
ويضحكون،
محدِّقين في جثتي
بعيونٍ، يبدو من أشكالها، أنهم قدموا
من كلِّ جهاتِ الأرض.
عيونٌ ملؤها الخيبةُ والتذكر
وكنتُ أسمعُ نداءهم منذ الولادة
يأتيني عبرَ قوسِ الأثيرِ
لطفولةٍ جبلية.
أسمعُ غناءهم الصاعدَ من الأجداث
طيورًا بيضاءَ تخبطُ سقفي،
طيورًا عاتيةً وأليمة:
تلك أرواحهم في سفرها الليليِّ
نحو الأحبِّة.
ينادونني باسمي
أن ارحل من واحة الجنرالات
فمثلكَ ليس نبيًا
ولا أوتيَ رأسَ الحكمة..
***
*نص: سيف الرحبي
معنى الموت – قاسم حداد
معنى الموت
لم أكتشف سِرَّ ابتسامتكِ الغريبةِ وقتَها
كنَّا نذوبُ عذوبةً وأنوثةً
كانَ العناقُ الحرُّ والمجنونُ يأخذنا هنالك
كانت الكلمات لا تقوى على المعنى
يدانا ريشة في الغيم نلهو عن مشاغلها
كتفان في شغفٍ، ووشمُكِ نافرٌ
أسماؤنا في الأرض
نكبحُ شهقنا ونعالج البركان
نغفو في شظايانا فنوقظها بصمتٍ طائشٍ
ونَفُزُّ في خيلِ القبائل حولنا نارُ العناقات الوشيكة
لا نؤجلُ ما يحضّ على الرهائن بغتةً
تبدو ابتسامتكِ الغريبة ضحكة مكبوتة
كنتِ تدارين انتظاراً ما
فألمحُ عابراً يجتازنا
سرُّ الغريبة فيِكِ لا يخفيك
شيءٌ شابحٌ عبرَ احتضانتنا
أرى عينيكِ لا تريانني
ويداكِ تلتمسان أشياءً
وصوت الناي يأتي من مكانٍ ما
كخيطٍ غامضٍ يمتدُّ فينا الآن
أذكرُ أنني حاولتُ شَدَّكِ فانتفضتِ
كأنَّما شخصٌ غريبٌ يعتريكِ
نهرتِني
فصرختُ في الشهوات عن نوم القبيلة وانتباه الخيل
أنْ يكفي جنوناً
وابتسمتِ
لم أكتشفْ سرَّ ابتسامتكِ
فما الشيء الذي تخفينَه ويُخيفُ
مرَّتْ غيمةٌ
فارتجَّ في الجسدين برقٌ وانتبهتُ لكلِّ أعضائي تُكابر
بغتةً غابَ الهواءُ
وكَفَّتْ الأنفاسُ عن جريانها
لم أُدرك المعنى
ولكني شعرتُ بأننا مِتنا فهل كنتِ ترينَ بأنَّنا في شرفةٍ تهوي بنا،
من دون أن ندري؟
فهل في لحظةِ الحبِ انتهاءٌ موشكٌ
هل للقبيلة للسُّلالة لاحتقانِ الدمّ
شكلٌ شاخصٌ يطغى علينا عندما نفنى
وهل كُنّا نموتُ؟
البُكاء
وبكيتُ من ويلِ انتظاري
كلَّما طالَ انتحرتُ
أردُّ الموتَ عنكِ وما أتيتْ
بكيتُ أصقلُ دفتر الصحراء في دمع القصيدةِ
في يدي وعدٌ لديكِ وما أتيتْ
بكيتُ في ليلٍ نحيلِ الضوء في شغفٍ
بكيتُ كأنَّ لي فيكِ احتمالاً نادراً يحنو عليكِ وما أتيتْ
بكيتُ مثل طفولة الأشياء
مثل الأخضر الوحشيّ في الغابات
مثل الحزنِ في الناياتِ
وما أتيتْ
بكيتُ في بيت الطبيعة وهي تكتبُ شِعرَها
تفشي لي الأسرارَ مأسوراً بها
لكأنها تبكي عليَّ وما أتيتْ
بكيتُ وحدي والقصيدة وحدها ودمي وحيدٌ
وانتظاراتي هنا
تمحو يداً وتمدُّ أخرى
مثلما يحنو كلامُ الله من ولهٍ عليكْ
وما أتيتْ
بكيتُ أكرز في شعوب الله كي تأتي
فهل يكفي بكاءٌ صارخٌ في وحشة الصحراء
هل حبي نبيٌ في رعيته وقلبكِ خارجٌ في الشكِّ
هل أبكي عليكْ
*نص: قاسم حداد
*من ديوان: طرفة بن الوردة