ستانسلاس رودنسكي من سلالة الشعراء «الملعونين» الطويلة، والغريبة، المتصادمة مع ذاتها، ومع المجتمع، والتاريخ، والمعتقدات. والتي ربما من فرط حساسياتها، ورهافتها وشفافيات دواخلها أو سرائرها، وعدم توازن علاقاتها مع ما هو سائد، ومريح، وهنيء. إنها السلالة الشقية بامتياز: من الشاعر الألماني هولدرن، إلى أنطونان أرطو، وفان غوغ، من دون أن ننسى غي ده موباسان (شنق نفسه)، وكذلك ظاهرة رمبو (شعرياً) وفرلين؛ إنها السلالة غير المنتسبة إلى ما هو «طبيعي» أو متوازن... ضربت بعض شعرائها الأزمات النفسية، والاحتلال لكي لان قول الجنون كموباسان وهولدرن، وأرطو، وشاعرنا ستانسلاس رودنسكي.
لكن، ما هو مأسوي وإبداعي (لكي لا نقول تراجيدياً أن إبداع هؤلاء ارتبط بسلوكهم، وبخروجهم على سلوك المألوف. هولدرن بقي نحو 45 عاماً في حالاته غير المتوازنة، وفي هذه الفترة الطويلة كتب أعظم نصوصه. وكذلك أرطو الذي هزمه جسمه، وانتهى إلى مصح، كفان غوغ، وموباسان؛ وهنا بالذات يمكن الكلام على نصوصهم «الخارقة» المتدفقة، بلا ارتباط بما هو قائم من تقاليد. جنونهم إبداعي، غذي شعرها بالمأساة، وبالتحضير في الألم، والخوف، والعزلة، والموت الداخلي، والتمرد وكسر الأنماط والأساليب.
ستانسلاس رودنسكي واجه وضعه بالشعر. بالصراخ. بالثورة. بالغضب والألم والمعاناة واليأس، كأنما العالم كله تخلى عنه، وكذلك «السماء» والأرض.
تأثر السوريالية الأوروبية، لا سيما الفرنسية (وهو فرنسي) مع بروتون، وفيليب بو، وأرطو (في بداياته)، لكنه لم يكن ملتزماً لا بيانات بروتون (الستالينية) ولا بيانات تريستان تزارا الدادائية. فوضعه النفسي والعصبي هو السوريالية نفسها. هو تدفق اللاوعي الجارح، القاطع، الموجع، وليس كما أنتج بعض السورياليين نصوصاً مفبركة، مترفة نظرية... على أهمية بعضها، بل هو اللاوعي الساطع. أو الجنون الواعي. «دار غاليمار»، تولت جمع قصائد لستانسلاس غير منشورة وأصدرتها في كتاب بعنوان «أنا أحياناً ذلك الرجل» (ستانسلاس من مواليد 1927 وتوفي عام 1981 في أحد مصحات مدينة ليون الفرنسية).