|
|
| وديع سعادة الأعمال الكاملة,تحميل ديوان وديع سعادةpdf ,الأعمال الكاملة للشاعر وديع سعادة |
| | ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2012-09-27, 4:43 pm | | وديع سعادة
الأعمال الكاملة
ليس للمساء إخوة 1981 خُطّ باليد ووُزّع باليد أوائل 1973
I ليس للمساء إخوة(1968) I في هذه القرية تُنسى أقحواناتُ المساء مرتجفةً خلف الأبواب. في هذه القرية التي تستيقظ لتشرب المطر انكسرتْ في يدي زجاجةُ العالم.
II هذه المياه تَفتحُ أقنيةَ الليل في الجسد. هذه المياه وهذه المراكب نقودُ عميانٍ نسوا أنفسَهم على أرصفة الضوء ونسوا أن يرفعوا شبكة العمر. III ستخرجون بقميصٍ صارخٍ لتقابلوا اعتزالاتكم. في الليل أو في النهار ستخرجون وعلى حدةٍ يقابل كلُّ واحد اعتزالاتِه ينقّب طويلاً في الحقول ولا يجد كنز حياته في الليل أو في النهار ستثقب المحيطاتُ بدلاتِكم وتبحثون عبثًا عن إبرة الشمس.
IV إعرفْ أنّك لن تجعل من الشمس حبيبةً وإنْ كنتَ في رداءٍ كثيرِ الثقوب وأنّك حين تَدلفُ فوق ساقية الروح ببطء ستكون الماءَ الضائع وحين ترصف أنفاسَك في الفضاء قضبانًا كثيرة الذكريات. أنت ولو كانت لك نجمةٌ صغيرة ولو فتحَ الليلُ أحيانًا حياتَهُ لأعواد ثقابك ستأخذ غيرَ الضوء طريقًا وتطلُّ في وقت غير مناسب على نافذة العالم.
V فراشةُ الحُبّ تطير بعيدًا وعطلةٌ قصيرة على كفّها لكنَّ يدي أضاعت مفاتيحَها. أتدلَّى فوق سور الأسماء وغيمةٌ تشبه اليد ترفع لي قميصَ الشتاء.
VI بعيدًا عن السقوف الحميمة جميعُ الأمطار لا تغسل مظلاتنا والنهاراتُ الناسية مظلَّتَها في يد الليل تقذف بنفسها من مطلقِ نافذة لتستخرج خاتمَ نومها.
VII من كلِّ محطةٍ في الأرض العرباتُ مقبلة كأسماء واضحة في ملفّات التعاسة، والنهار سوق المرايا جدرانٌ مزهرة أكثر ممّا ينبغي والعيونُ غيوم سقطتْ.
VIII في يدكَ تنمو شرايينُ الذهول وتغترب يدكَ التي تلوّح للمارّة كالرسائل.
IX مع أنّ وعاءَ الصمتِ هو الوحيدُ يلمعُ بيننا أعرفكَ أيّها العالم أيّها العجوز القميء في صحن ذاكرتي. وإنّي، إذ أتقدّم بخطى مبعثرة إلى أبواب مودّتك المقفلة، لا أكون ناسيًا أنّ المفاتيح التي نعثرُ عليها في أشواقنا هي المفاتيح الخطأ. أعرفُ أية مجارٍ من التأسف أيامُكَ مع أنّ كلّ شيء مضى الآن ولم يعد يتدلّى بيننا غيرُ عشبة الماضي الجافّة.
X إنّها محاولةُ الدخول في عنق الحُبّ الذي يندلق خارج فمي أو التقاطُ نجمةٍ كساعةٍ مخرَّبة في صندوق الأمل ثم الوقوف والالتفاتُ نحو مزرعةٍ شحيحةِ البصر تعبر فيها الفصول بقليلٍ من التعاسة.
XI بينما كنتَ تعبر أمكنةً واسعة كان ثمّةَ شيء يشبه الحُبّ يتذكّركَ أمّا الآن وقد قطعتَ شوارعَ غير مدثَّرة وودّعتَ أرصفةً كثيرة فالأمل الذي أراد التحدّثَ إليكَ عند كلّ خطوة يكفّ عن النداء. أنتَ يا من حسبَ أنَّه عبرَ كلّ الاشياء جلستَ وقتًا أطول في مقهى الماضي. XII ينبغي الإعترافُ بأنّ الأيّام ترسو كضفادع ميّتةٍ وتجعلُ الابتساماتِ موجعةً أمام البحيرات، وأنّ المحبّة ملحٌ أزرق ملحٌ يسقطُ الآن وحيدًا وأزرق.
XIII إذنْ رأيتُ نفسي كمعطفٍ مثقلٍ بأوحال النهار أقفُ أمام صبّاغ المساء المقفل.
II ليس للمساء إخوة (1973 – 1980) مرحلة أولى كيف يكون هذا الشوق كضفدعٍ خارجَ بحيرته؟ كيف هذا النهارُ رمادٌ في السماء؟ وهذه العاصفة في الرأس كيف لا تحرّك غصنًا؟
I ما فائدةُ الوثوب إلى الغابات وإطعام الغزالة النحيلة حين تسقط عصافيرُ الدهشة كخشبةٍ من بناية قديمة؟ أنا النموُّ الاسودُ تحت الأبراج والحيواناتُ الكونيّة ترعاني لستُ الصبيُّ الذي يدخل برجَ العائلةِ في المساء أبحثُ عن نجمةٍ أقرأ تحتها حياتي أرتقي سلّمَ الضوء أهبُ ورقةَ نقدي الأخيرة لليد المعروقة فوق جسر القلب.
II هؤلاء الّذين يتوقون العودة وليس لهم قطار ولا نجمة ولا حتّى صرصار في طريقهم يغنّي، الّذين كّرتْ كنزةُ أحلامهم ولحياتِهم صوتُ ارتطامِ المرآة على الحجر، مرّات كثيرة سيعرفون موتَ المسافات ويكتشفون العالم بلا طريق.
III تغرقُ في بئرِ المحبّة اليابسة سكران ماذا تقول للمارّة كي تخطفَ مرفأ؟ شربتَ نهاركَ دفعةً واحدة رقصنا في الساحة ولم تقدّم نشوتك رفعْنا مياهَنا إلى حدودها وأنتَ تفكّر في صحراء يدك بعْها قلنا لكَ بعْها وارفعْ وجهكَ لا رايةَ الحرّية قلْ هذه شجرتي وأنا أرغب في عريها لكنّك حرّكتَ إبرةَ الألم وأعدْتَ حياكةَ يأسنا جميعًا.
IV الرغبة نقاءٌ مالح مرايا عاريةُ الظهر عشبةُ التجاويف قريةُ ميّتة في فمي.
V تقول القابلة القرويّة: وُلدتَ في زاوية البيت بين قمر النعاس والعيون المطفأة كانت الأزهار صغيرة الطريقُ عجوزًا وشجرةُ الرحمة تهتزُّ في النهر حيث الغصون و العصافير ترى نفسَها مكسورة.
VI العشقُ مَرَّةً أسقط الملاك في وجهي حمل أصابعه و خرج إلى الموت يربط عنقَه بوردة وخرج من العمر حصان أنهى سباق الرغبة.
VII جلس المنظّرون والعشّاق والسكارى والأموات يحيون ذكرى الأرض القديمة هيكلُهم على كلس الجدار حطامهم على المفارق ينتظرون زهرة الخدر من حجارة العيون.
VIII نقّبوا عن ظلال رؤوسكم وتفيّأوا الزمن جفّف القلوب ولا بئر غير عيوننا ندفن فيها وجوهَ من نُحبّ.
IX أيُّ زمن سيأتي بقميص أبيض؟ أيّ درب ستأتي ونلعب مع الأطفال؟ أيّ خروف نطعمه أيدينا؟ أيّ حلم وكلّنا على قارعة الطريق نلملم انهيار الوجوه.
X يصعدُ الليل إلى الحلم و نحن نرسم غصنَ الشوق يصعد النوم إلى الثمر ونحن نوقظ زهر النشوة. هكذا بخطوةٍ أولى يُستنزف الحُبّ وأصابعه الحمراء تلوّح ولا ترى القتلى.
XI ماذا على الّذين مثلي أن يفعلوا وأصغرُ فراشة هي أكثرُ دهشة؟ الدائرةُ نفسها المشهد، النافذة، الوجه. سأخرج فارغًا حتى من قميص قلبي وبرصاصةٍ وحيدة أطلُّ على الصمت هذا الهدف المتراقص أبدًا.
XII هناك مشروعُ قصيدة ضفّة أفرشُ عليها السمكَ الواجف في رأسي. اذهبي يا امرأة سوداء على بابي يا مراكب اذهبي أحلامي كافية لأغلق هذا الباب وأنام مياهي كافية لأغرق.
XIII يجب أن يكون هناك طريقٌ آخر إلى الغابة الوترُ المشدود بين عينيَّ و الأشجار على وشك الانقصاف. أيّتها الكلمات يا غابتي يا شجرتي اليابسة في فمي على طول الطريق سواقٍ و أزهار حجارةٌ لمن تعبوا شمسٌ للنهار قمرٌ للّيل وليس على حروفك عصفورٌ يسلّي. يجب أن يكون هناك طريقٌ آخر الأصواتُ أقفاص. IVX أودُّ أن أعلّق قلبي على جبيني كما تعلّق الأمُ اسمَ طفلها على مريوله أودُّ أن أكتب رغبتي على الثلج وعلى رمل البحر محبّتي. في العيون في العيون الشمسُ تثلج.
مرحلة ثانية ها هي الطريقُ تنكسر كعودٍ يابس وعلى أعلى جبال القلب تجمع الخرافُ البيضاءُ نفسَها وتعود إلى الحظيرة.
I قبالةَ البحر أو الجدار أريدُ الدفاعَ عن نفسي بكلّ الرعب لا بالصراخ لأنَّ الوقت مرَّ طويلاً ولا أعرف إذا الصراخُ لا يزال.
II مهما بدا طاهرًا هذا الوجه إنّه ملعب العائلة. الذكرى ثلج لا يُضمن الوقوفُ فوقه طويلاً إرحلْ.
III سأذهبُ إلى الغابة أقعدُ مع الحطّابين وبفأس دهشتهم أقطعُ أحلامي وألقيها في النار. يقول الحطّابون: اليابسُ يُقطع.
IV إذا سقط نجم علامةُ شؤم إذا سقطتْ شجرة موت إذا سقطتَ في وجهي أيّها النورس فلأنّي أدرتُ غروبي صوب الشرق ومضيتُ في مياهي.
V أزقّةُ أيّامي مليئةٌ بالزجاج ومثل صبيّ يركضُ عمري حافيًا في عمري.
VI أحملُ ذهولي مخترقًا جنونَ الحلقات في وجهي تنزفُ حربةُ الأبديّة. أنا نظيف البياضُ يكسوني أمشي على طريق أبيض أقعد على كرسيّ أبيض أحلامٌ ناصعة نسيانٌ ناصع.
مرحلة ثالثة نتسلّق ضحكاتنا لأنّ صراخنا شاهقُ جدًا.
I لم يَعُدْ في دمي غيرُ الكلمات واللون الأحمر البسْ قناعَ الرحمة و اطردْني يشتاق صمتي غيرَ لهاثك. ماذا جئتَ تفعل ماذا جئتَ تقول ماذا جئتَ تقطف يا زارع اليباس كي يكلّم الفراغَ كالأبله؟ حديقتي أصغرُ من جنين ليس فيها غيرُ ورقةِ السهو نبتتْ في غيابك.
II أنتم قميص المجاعة. دلقتم محابر وجوهكم على أوّل النهار فاسودَّ عمرُنا القصير. غرقتْ أقدامُنا في الأسْوَدِ وصارت صالحةً للكتابة. بها وقّعنا على الطرقات أحصنة جديدة. أوقفوا نسلَ الاحلام. ما عاد العالم يسع. أسمعُ ضجيجًا هائلاً، قرقعةَ عظام، الأحلام ترفس نفسها، تنهق، تفترس، تروث. أوقِفوا نسلَ الأحلام. كَثُرَ الروث وانبرتْ زهرةُ الأزمنة. على صدر كلٍّ منكم زهرة الزمان. أحار كيف أسمّيكم.
III سيّدتي في الفضاء الكئيب لا تُرجعي وجهي إليَّ لا تتدفّقي نحوي كالأنهار لا تندلقي كالبراميل الحرّيةُ نصفُ اشمئزازي والرهينة نصفي الآخر وكلُّ أولادي الموت.
IV يا قاطعَ الطرق يا شرسًا يا مجنونًا يا حُبّي دعْ ممرًّا لرحيلي دعني بعيدًا مع ورق الشجر أستلقي على حجر يمكنني أن أقعد مع صرصار أستطيع أن أغنّي لنملة أقرأُ قصائدي في مِزَق ثوبي ثلاثُ ابتسامات من الفجر وثغرٌ كاملٌ للغروب على رؤوس أصابعي قطيعٌ غريب لا يعود من البراري.
V أخرجُ إلى تسكّعي قاطعًا حدائق الوجوه رائحةُ الصمتِ برتقالة وشيخوخة الوعي قطارٌ سريع. أيَّهُ لقاءُ الحزن أيَّهُ لقاءُ الحلمِ يا قطرات الطريق؟
VI مرَّ الوردُ ابني الحبيب ورجع و قال: خلّصني يا أزرقَ الأرض يا أبيضَ الفراشة المكان يؤنّث نفْسَه.
VII اشتبكي معي يا حشائش الأيّام الأولى في رقصة الأيّام الأخيرة في كلا عنقينا أشعَّةٌ مترمِّدة.
VIII تقفُ في آخر صفّ المسافرين إلى النهار وتُريدُ أن ترى نفسكَ العاشقَ الوحيد اعترفْ أنَّ القطار انكسر وأنّكَ وحيدٌ على الرصيف شوقُك الحمّى برودةٌ كئيبة وأسنانُكَ حين تبتسم لا تضيء حتى فمَك.
IX الأبراج المبلّلة بالضوء تطفو على كتفي إنّه شروق سخيف بدايةُ أوّل يوم في مصنع العالم وجهي يقتله ظلُّه على الشرفة.
X قولوا أيَّ شيء للعصافير في شجرة التفاح كي ترحل خبزٌ في أشواقها يأسر خطواتي.
XI إلى جاد وسيمون وغادة، وأنتَ ما اسمكَ؟ لا أعرف لكن ألم أرَ وجهكَ تحت شتاء آذار يذوب كحبّة سكّر وأنتَ تسرع؟ ومرَّةً قعدنا؟ كان الزغبُ ينبت في وجوهنا. قالت أمّنا تطيرون غدًا. زقزقنا. وها على الثلج نقعد نتأمّل أقدامنا الصغيرة. ما هذا الواقع من فم السماء كأنه لنا؟ قالوا جاء يزيحُ الصخرَ يفتحُ الباب. انخفِضوا انخفضنا. سمعنا ارتطامَ جسده. رأينا تفتُّحَ جراحه. وقلتُ: لن أمسّ جرحك أبدًا لئلا يُقفل نبعُ الرغبة. وضع جاد عينه في الماء صارت سمكة. سيمون عينُه في الفضاء غيمة. وعينُ غادة قطنٌ ينفشه الحزن. كنّا التقينا. دخل البوّابُ أعلنَ انتهاءَ الزيارة. كيف تصيرين هكذا مطرًا أحمر ينزل عليَّ في الشوارع؟ أمّي غزلتْ لي كنزةً بيضاء عملتْ لها جيوبًا للزبيب وعبّأتْها. لبستُها وخطرتُ أمامكِ. أبي مرّةً زار المدينة. ضيّفوه برتقالةً حملها إليَّ من بيروت في جيبه. اقتسمناها وركضنا في البساتين. أبحثُ عن زبيبةٍ، حبّةِ قمحٍ، بذرةِ برتقالٍ أضعُها في منقادكِ وأنت في العش لا أجد. كيف يصير أهل القرى من دون قمح هكذا؟ جاء الشتاء يمزج البرد بالذكرى وها نحن لا نريد غيرَ غطاء.
_________________ حسن بلم
عدل سابقا من قبل hassanbalam في 2020-12-14, 4:35 pm عدل 1 مرات | |
| | | | ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2012-09-27, 6:51 pm | | المياه نشيد 1983 أُرفرفُ لا لأنّ هذا قفصٌ أو غابة بل لأنّ الريح تضربني الهواءُ كثيرٌ و الأجنحة مستجيبة ولكنْ بقاعٌ كلّها هذه البقاع منحنٍ على النهر لا أريد الجلوس منحنٍ لا أريد الوقوف ماءٌ وسقسقةٌ وماء للجذوع الهرمة جمْعٌ سائر في الظلام وصمت في البدء كنتُ صيفًا ممَّددًا ورأسُ خَصْمي معلّقٌ على الغصون كنتُ مائتًا جميلاً في سفينة ثلجَ نسيانٍ غريبٍ على أرخبيل وأرمي خواتمَ الوعود الآن أتثاءبُ من الزهر إلى الزهر أرمي الخواتم وأنام عندي فَرَسٌ لا اعرفُ ماذا أفعل بها أمتطيها لأتسلَّى لا ماء هنا لا جذوع لا جَمْع بل مجرَّد وهْم ولا وقت لتقول الوداع كلُّ الذينَ عرفتُهُمْ ماتوا وكلُّ من أعرفُهُ يموت هنا في جزيرة الفجر كنتُ سمَّاكًا يرث القصب في الصباح سائسٌ وفي المساء أقعدُ أراقبُ الغروب طيورٌ سودٌ تنقر الخبزَ عن رأسي محكومٌ بالإعدامِ وبذكرى يمامةٍ ثلجيَّة رشَشْتُ لها الحبَّ طيلة الشتاء كنّا وحيدين في الغابة لم يكن هناكَ ما نقوله صمَتْنا ونظرْنا في السماء هذه مدينة الموتى أنا بعينيَّ المظلمتين أراهم يملأون الممرّ متهدّلٌ عيناي مفقوءتان وأرى وأنتظرُ العالمَ السفليّ في ظلِّ الجدار هذه عصاي حيّةٌ مستقيمة فتحت لي طريقًا وفي رحلتي الطويلة والرمحُ في يدي سمعتُ الصوتَ (كمياهٍ كثيرةٍ ونحاسٍ نقيّ) وميّت... كنتُ بيلسانًا عاشقًا في حقل أبي كنتُ قرية في وسط الرذاذ أُطِلُّ عليها من مفرقٍ قديم السواقي اجتمعت الآن في وجهي والأطفال عادوا إلى البيوت ماذا في هذه الجبال إذًا غير أن يجري النهر أن أفسِحَ الطريق للعابر الغريب أغسلَ الحصى أترك على الحفافي قَصَبًا وأمضي المياهُ المياه الجهات موحشة وكثيرة كيفَ أعودُ إلى أهلي مليئًا هكذا بالهبوب أنتظرُ الطيورَ المهاجرة لأعيدَ محبَّتي إلى الجبال سأغادر لكنّي أعود لأُلقي حطبي الغابة وهبتني نهارًا آخر استضافني البطيء الزاحف على الأوراق ومرّ السمّنُ السرّي فوق رأسي كنتُ ريَّانًا مليئًا بالغيوم فانحنيتُ على نبعي ودلقتُ الدموع نامتْ أورور على حقلٍ يباس ولم ترَ جسدًا يصعد إلى السماء ولا ملحًا يمشي ما رأتْ أورورُ غيرَ أقدامٍ وملحٍ في البحر لو انَّ هذا البحرَ مبلّل لو انَّ هذا الخشب اليابس يابسٌ حقًّا بماذا يمسحُ الإنسان نفسه لينام؟ طوى النسرُ جناحيه على النبع القديم عائدًا إلى النعاس عصفورة حكيمة تعرفُ أنّ ما رآه كان حزنًا غابرًا في الجبال عشبٌ كاسد ها أنا أمشي وحيدًا تحت المطر :أمشي وحيدًا وأهتف هذي هي الأرض، هذي هي الأرض مولود جديد يتعرّض الآن للهواء (يا حارسة البوّابة يا امرأة المزلاج يا صاحبة القفل المقدّس ماء سيّدك في داخلي إنّه في داخلي فليمْض إلى الأرض وطأتُ المدينةَ الموفُورة غابةَ الظِلِّ الوارف والمياه الأولى الخضراءَ المتباعدةَ الركبتين وعندما ارتفعتُ ارتفعتْ معي كلُّ الأسماك اضطربَ الغمرُ زال عن البحر وجهُ المرح واستبدَّ الهلع بالأنهار العالية) قطرةً قطرة ينزل الموتى على بابي ومركبٌ يتوقّف لأجلي تحت الشمس وجالية فقيرة من الرعشات تعودُ إلى الرمل أيها الماء الأبديّ أنا المغسُول في نهر الخلود (كنت جميلاً كغابة أبيض كالشمس في الماء أرعى غَنمي على رأس الجبل وأمامَ الجميلة كنهرٍ يبتعدُ عن النبع فارقتُ الحياة) (أنا الآن الريشةُ الزرقاء يتركها العصفور للشوك) رميتُ إبرةَ الرعب كطاووس صغير أنا فطرٌ عاشق تحتَ السَّهْم لا شيءَ هنا لا شيء غيرُ عشب الصمت لماذا أنْهَرُ غزلانَ غفلتي على مهل فلترعَ هذه الخرافُ على مهلٍ فلترعَ وتَسْتَلْقِ لستُ الراعي و لستُ الغنم لكني أحنو على المياه تركتُ جرَّتي في العين ورجعْتُ الشمسُ أشرقت عليَّ طويلاً وأرسلتُ ثغائي كلَّهُ خَزَفًا إلى الجبال الشبكة تصفّي نفسَها من الملح ماذا ينفعُ أن أرمي محبَّتي على الماء أن اُعَرِّضَ ملائكتي للأحلام ليلي للملائكة أنْ أفتحَ إناءَ عشقي وأُفسد سهوي الزمنُ يشفي وجهَهُ ببطء ويمسحُ الشوقَ عن شواطئي
رجل في هواءٍ مستعمل يقعد ويفكّر في الحيوانات 1985 إنَّهُ رملٌ مشبوه تحت سماء حقيقية وشاعر يقدّم برتقالةَ رأسه بقليل من الكلمات لأوَّل بوهيميّ. رجُلٌ آخر يحاول كتابةَ القصائد وأمطارٌ غزيرة.
شيء من هذا القبيل لم أحلم مطلقاً بأنَّ ذلك قد يحدث: مجموعة هائلة من السنوات وعليّ أن أُبيدها بمطرقة! كلُّ هذا وَصَلَ فجأة كبركان يجب أن أعزل بلحظةٍ جميعَ رماده ولستُ آسفاً لكنني ضجران وتعبتْ يدي. سنوات! سنوات! سلالم لا تنتهي لالتقاط ملاكٍ أو ذبابة أيَّام وحيتان بَشَرٌ غيرُ مدعويّن ومطابخ ورؤوس نيئة أو مشويَّة وفروجٌ وآلاتُ رجالٍ ومزابل لا يمكن وضعها كلَّها الآن في طابور وهرْس أصابعها. لذلك الرؤيا باردة وينبغي الصراخ بشيء آخر الأرواح تافهة يمكنك أن تثقل أجنحتها بالأسراب الانتحارية أو تطلق عليها مصارعي السومو وتتفرَّج.
على الجبال على الجبال التي لا يضحّي الثلجُ بنعله الجديد لهبوطها يسلَّم بريدُ الحماقات اليوميَّة، قسراً، لقلوب مفتوحة كقعر سفينة- (جان جيونو يتذكَّر أكثر المساعي مهانةً وتلقيح الناس ضد السموم بتسميمهم قليلاً كلَّ يوم، إدوارد توماس يتفحَّص الجبهة تحت مطر بارد و ناعم حائراً هل يبقى قرب النافذة أم على السلَّم حيث يأتي تحطُّمه في الطبقة السفلى بشكل أفضل، وجوه روبرت موزيل تجمع بين رافائيل وأنثى الخنزير وهو متأكد أنَّ المرء يمشي بعد سلاسل الحراس كأيّ سائح) – على الجبال إذن حيث تُسلَّم جميع الرسائل لغير أصحابها، مع خصياتٍ صغيرة جائزةِ ترضية، يلاحَظ أنَّ الغوغاء تجمَّعت بفعل اللواط وأنَّ تشريح الحنان البشريّ والسلام المحشّش باستمرار يتمُّ بلا دم. الشوارع تنام هكذا: ثلاثة مليارات نعل في خبطة واحدة تحّركها جماجمُ للاستعمال الخارجيّ، مراكزُ عبادة بُنيت مناصفة بين عرق الرجال والمومسات، فلوريساناتٌ أوتوماتيكية من أقدام العبيد فوق مكاتب الرؤساء، سماواتٌ بأعضاء تناسليّة وآلهة تنتف شَعرها بسكَّر رخيص. على الجبال؟ أيّ جبال؟
العمل اليومي هاي أنت تعال لن نفعل شيئاً اليوم الشمس مملَّة والمطر رتيب وليس لي جَلَدٌ حتى لارتداء قبَّعتي. هاي أنت لا تقلْ إنك مستعجل وصائب حتماً كالطلقة لن تخسر شيئاً إذا ألغيتَ كلَّ الرحلة يمكنك أن تستغني عن الله وتكلّمني هل كان عليك أن تتعلَّم كلّ الكلمات لتقول فقط وداعاً أيها الأصدقاء؟ ساعدني قليلاً للاستلقاء على هذا الرصيف ومنع العبور إلى تلك البقعة ساعدني فقط لكي يمرَّ الهواء.
في شارع الكسليك في شارع الكسليك. تحت غيمة. مع ريشٍ وحده فى الفضاء. ريش، وحده. الأصدقاء رشُّوا الحمام. نظروا إلى الشتاء. وضعوا كتباً على المنضدة. وناموا. الشمس تتدلَّى أيضاً يجب إسعافها بالمخدرات، كفيرونيك الفرنسية ليل بكامله لامتصاص شارع الكسليك من دمي ليل لفأر يقضم الحوانيت ويجعل قدموسَ مجذافاً يقطع السين بلحظةٍ بين فخذيها. في شارع الكسليك أربعة رجال يراقبونني وقمر غير مكتمل بنايات لا يزال عمَّالها يرفعون الأحجار والشوارع تتدلَّى يجب إسعافها بالنظرات، كاليونانية الضائعة في ساحة سينداغما، مخدَّرة وحزينة وأنا أمتص أرسطو من دمها وأُرسل سقراطَ ليلعب بالكونيا. أربعة آلاف رجُل وراء امرأة واحدة. أربعة آلاف مسلَّح، لأنَّ ذكراً وأنثى يقذفان من أحشائهما مدينة لأنَّ مصرياً كان يرتجف، يتمدَّد، يسيل فوق أربع خفَّانات. لبنان، لبنان، تظنُّ أننا لا نرى. ملاحةٌ دموية. سياحةُ جلود. شفاهٌ تلثم دولاراً على قفا أميركا. الذي يرتجف يضعُ نفسَه في الماء. يذوب كعشبٍ حنون. ينحني ويذهب يترك وراءه ساعةَ يد، وكمَّين. لبنان، لبنان، وراءك ارتجافات مهجورة. أرى خرطومَ مدفعٍ في أنفك، مستودعَ جثثٍ في عينيك، وشحاذاً يتبعه كلب على صلعتك. لبنان، هذا دولار لك، انصرفْ. أريد عطوساً. يجب أن أسحب لبنان من صدري. في شارع الكسليك، أتثاءب أحياناً. الليلة عيد القديس جاورجيوس، ذهبنا إليه في مرسيدس 180، وضعنا له ليرتين، وعدنا لنطعم القطط. مريولُ طفلٍ على الحبل. وشاحنات جنود. أجسادٌ تعرق وتتبخَّر، بلا صوت.
رأيت رفاقي رأيتُ رفاقي متعبين يمشون كأبطأ السواقي يستعيرون قصباً نحيلاً ويغنُّون لإلهاء خيباتهم يصرخون أحياناً لإعادة دمهم الذي يتنزَّه في الشوارع ويحفرون ثقوباً لنوم المتأخرين من عروقهم. رأيت رفاقي يجلسون أياماً على الكراسي ليسلُّوا أرواحهم الضجرة على الطاولات يوصلون بصعوبةٍ تنفُّسَهم بسلك الهواء ويرسلون شيفرةَ حياةٍ غير مسموعة المتجوِّلون مع الفجر قطعةً قطعة مغسولين كيفما كان بأيدي السجناء الذين ضربوا حارس المحطَّة وسافروا بلا حقيبة استلقوا صامتين في ارتعاشات منحرفة نخزوا شرايينهم وفرشوا السجائر في طريقهم من الباب إلى الدرَج ومن الدرج إلى الباب غير واجدين ما يبرِّر خطوة إضافية. عرفتُهم من عيونهم من وقوفها الطويل في الشتاء البطيء رأيتُ خصلات شعرهم حمائم وجبينهم كزقاق جانبيّ هادىء. سمعتهم ينادون أصواتهم لتعود من الهواء ورأيت ظلالهم تغفو على حائط بسيط. مخنَّثون قدّيسون غرقى وسكارى جاؤوا من السهول والغابات لنسف القطار التقوا حكماء وأحجاراًً ونبتات مضحكة تحسَّسوا لحم بعضهم بعضاً ارتطموا بأضلاعهم وتفكَّكوا.
محاولة للوصول إلى بيروت من بيروت قصيدة إلى سركون بولص هل كان عليَّ أن أخرج اليوم لأمسّد بأصابعي الصغيرة قذيفةَ الأعداء أن أذهب في طريق يذوب إسفلتها مستعيداً عمَّالَ منجمه الذين تناثروا بديناميت مستعيداً عميانه، وبوهمييّن قدامى يراقبون انسلاخَ الأرض عن جلدها كقرصان محروق هل كان عليَّ أن أخرج لأذهب إليكِ بعد موت آخر أرساغي، وقدميّ، ويديَّ المتعانقتين كعريسين أُطلِقَ عليهما الرصاصُ قبل المساء بعد أن جُرِّدتُ من أسلحتي جميعها في وادٍ يلعب فيه المغول، وأذهب إليكِ الآن، أحاول أن أذهب إليكِ بما بقي لي: فكُّ مدروزة بالرصاص نُصبتْ علامةً للجنود في وقت فراغهم رأسٌ يوضع عادةً فوق كتفين كفلّينة تقاوم حوتاً في رأس صنَّارة ذراعٌ لا تستطيع التلويح قريةٌ بعيدة، بعيدة جداً انبثقتْ ذات يوم من دخان السطوح وشجرة تزيّنها ابتساماتُ الغربان. أحاول أن أذهب إليكِ وذلك لا يستدعي سوى رحلة بسيطة: نزهةِ رصاصة بين التباريس وشارع الحمراء لكنَّ ضفَّتيك مفصولتان ببحر لامع من المتفجرات وحرّاس بابك يركلونني، فأتدحرج أتدحرج بلا قرار.
فرس على الباب هل يجب أن يطول هذا إلى ما لا نهاية؟ الهواء الإشارة الأبدية واليد التي فلتتْ خلسةً مني؟ في البدء، ماذا كنت أريد في البدء حين أُخذت على حين غرَّة بحياةٍ لا تزال تلطم حوافرها على بابي حين رأيتُ، أو ظننت أني أرى رملاً سيكون في آخر المطاف لؤلؤةً قلتُ ونمتُ من التعب أخيراً على ظهر باخرة تنقل حمولةَ عظامي. جُننتُ وجُننتُ ثم جُننتُ كواحد دوَّره التدحرج في تفسُّخات الأرض كجمجمةٍ في أطلسٍ مهملٍ وسحريٍّ كمنيٍ مقذوف وفيه جمجمة! هل كان يجب أن يطول هذا إلى ما لا نهاية؟
على بعد خطوة بضربةِ سكّينٍ حاد ربما ينشطر الغشاء هذه المرَّة وتخرج الخيولُ من دمي العروقُ مستلقية كجريمةٍ مهمَلَة وعلى بُعد خطوة انزلاق بسيط يمكن أن يُحدثَ المعجزات فالمعجزات زلَّة قدم. على بُعد خطوة المعمل فوق القناة فيه إصلاحات بلا نهاية وسكارى تحت الرذاذ يعبثون بأصابعهم على بعد خطوة عاهرة الميناء حيث تغتسل ثيابُ التاريخ وتُنشر على الحافة وجميعُ الرجال يرفعون البنادق لوضع نقطة.
المشهد هذا هو المشهد مع شيء من الإثارة لامرأة تحبل في وسط الشارع ورأس على الرصيف لا يتسلَّمه أحد وبين وقت وآخر يد فارغة وسائق يحاول تحريك فمه.
صدفة هكذا صدفة رجلٌ مبلول يقف على الساحل رجل عاد أخيراً من محاولة يائسة لشفاء النمور من داء الغابات قرصان أراد الاستيلاء على النحاس ومداواةَ حيواناتٍ منقرضة هنديٌ أحمر يتذكَّر صيحات وريشاً ملَّوناً، هكذا ببساطة رجل يعوّض خساراته بالوقوف قليلاً أمام دكَّان مقفل.
البحث عن عميل وأيضاً قطارٌ عائد من الحرب بجثثٍ أُجالسها ونحتسي القهوة. هناك عميل بين المسافرين يجب أن أجده في الحال عميل يأخذني فوراً إلى رأس العالم في هذه اللحظة يجب أن يتمَّ كلُّ شيء انفجارٌ يودي بالعجلات أو يوقف سلحفاةَ الدماغ العنيدة وهذا الجنديُّ إلى يميني وامرأة تسحب نفسها وتدخل المرحاض والبصَّارة ثانيةً والخطوط و الحلازين. الآن فوراً مع الجثث والقهقهات.
مهما شرحوا مهما شرحوا لي هناك مجموعة أخيرة من الأصدقاء تتدلَّى فوق السور شحَّاذٌ يمشي تحت شمسٍ بارزةِ العظام يدٌ نحيلة في يومٍ معزول. الفضاء ملقىً تحت سطحٍ خشبيّ وعشرُ بطَّاتٍ تنام منذ الأمس في ضوءٍ ضعيف وقطَّة سوداء تتأمَّل الأجساد المربوطةَ بالشجر.
محطة الشمال مهرِّبون بياقات بيضاء تحت ثلج ناعم ومعطَّلة الآن قشرة الأرض ومحطَّة الشمال حيث كان يجب أن نذهب. أمام صفَّارة القطار محيطاتٌ منشورة لتجفّ، بالكاد أسمعُ هذا.
قليل من الأرواح لا شيء يوجب الذهاب الى الغابة ربما الأفضل أن أتوقَّف كالحيوان اللطيف لأشمَّ رائحةَ الهواء، ولا شيء يوجب الذهاب الى البحر إذا أردتَ أن تطعم العائلة أو ترسلَ التحيات، الصنوجُ كانت كافية مع قليل من النار والأرواح.
كان همّي كان همّي أن أصطاد بفكّي السفلى هرَّةَ الألوهة وأُوقف ضربات المنجم فوق رأسي حيث تعرق ملائكةٌ مهجَّرة كعمَّال مضحكين، عوض ذلك أفيض بالجثث باحثاً عن دواءٍ لهرموناتٍ مزوَّدةٍ برماح وجزءٌ من ذاكرتي أسقف يتمخَّط يفتحني كجمجمةٍ تنخرها ذبابة جمجمة فتىً مائل إلى شجرة الإعدام طويلاً غائماً مبلَّلاً بكسلٍ بدمٍ أكثر بطئاً من السهول وكلُّ نبضة من جسده تعانق المتنزّهين في الحديقة.
دخان أبيض ماءٌ يسقط على الجسر ولبوءات في دفن الشتاء والهواءُ يتابع السير إلى المقهى. الحمام يأتي اليوم وسنذهب لرؤية المداخن الدمُ نقيٌّ بحيث تُمكن رؤية العظام: كائنات مالحة في وعاء ودخان أبيض.
صداع بسيط بعد الخطوات الخفيفة و الابتسامة التي أرسلتُها على كلّ حال في هواءٍ مستعمَل يومٌ آخر، القميص على يدي طوال الوقت وعظامُ النهار هذه. إنه يومٌ عاديٌّ زجاجةٌ مكسورة في حديقةٍ عامَّة فقط يومٌ مهمَل كصداعٍ بسيط.
جيّد أجلس بنيَّةٍ واضحة ومشروعة إلى فنجان قهوة الأمور الشخصيَّة تتمشَّى وما تبقَّى يجلب اليأس، البنُّ البرازيليُّ في النهاية جيّد.
نهار طيّب السكرتيرة الألوفة تترجَّل من قميصها العامل النشيط يصبُّ مصنعاً في كأسه، إنه نهارٌ طّيب خالة امرأتي ذهبتْ إلى مصر وعادت! وصل الحديد اطمأننتُ أخيراً، حياتي تأخذ اتجاهها الصحيح وقبولي في معمل الصلْب شهادة على حسن سلوكي، رافعةُ السيكسويلات تُثبت لي هذا بإصبعها ومطارقها تؤكّد عدمَ خيانتي. إفعلْ شيئاً أرجوك وَصَلَ الحديد، حديدٌ يُصهَر ثانيةٌ لتحويله إلى سكاكين فالشوارع ستُفرَم كخسٍ طازج.
الليلة الليلة ثيابٌ نظيفة تأخذ وجهةً مخطئة وبحرٌ يتوارى كسبَّاح. هذه الليلة الشبيهة بجبلٍ يفرُّ من الأرض كم من الحيوانات كانت ستنتسب إلى رائحتي وكم كنتُ سأعضُّ الفجر.
واضح ومختصر كنتُ صبوراً جداً لأتقبَّل تلك الحركات بحذاءٍ نظيف ورأسٍ مليءٍ بالقناني. في الأدغال بندقية مسنَّة وثعلب واضح ومختصر.
الطريق إلى الحيوان أعرف على الأقلّ من حذائي أنًّ المطاردة لا تزال طويلة لكني لن أكفَّ عن رشق هذا الحيوان بالماء والحجارة وربما سأبحث عن سلاحٍ آخر كالتظاهر بالموت أو التلويح بجثَّة ثورٍ برّي يرعى في عظامي أو أية حيلة أخرى كمعاودة الهبوط إلى الغابة والتغلغل في النمور والشرايين أو النوم قرب أحمال القصب وافتراس الوقت بالغناء.
التحدث إلى الخيول كان عبثاً أن أُفهم الأحصنة أنَّ السباق مخجل في هذه المنحدرات وأني أفلست تماماً من القمح اليوميّ والماء للذكرى وعبثاً أرمي علفَ الصداقة وأدعُ رأسي خفيفاً كنسمة تذهب إلى الشاطئ فيما الطرقاتُ سنونواتٌ مهاجرة ويجب أن ألقّم البنادق لاصطياد المهاجرين، ولم يكن عليَّ أن أنام أو أنهض لأعرف أنَّ الشمس لا تتعثر بالدلافين.
هذا ما يحدث السريرُ مرَّةً أخرى قبل أن أنتشرَ في النهار كالشظايا، يحدث دائماً: نشيجٌ متقطّع قنواتٌ من المصل على الظهور قبالةَ دكَّان التبغ حيث يمكن تأمُّل الأضلاع الناجمة عن تداخل الشوارع.
غراب الأبدية يوم قَّررتُ اصطيادَ غراب الأبديَّة أفهمتُهم جيّداً أنَّ هذه الغابة ليست من عاداتي وأنَّ في فمي طيوراً تنقد النمل الأصفر والكآبة، ورميتُ خطواتي في النهر لأغسل عني الفضاء.
السفر إلى أثينا كانت تمطر وننتظر البواشق قبل أن نقرّر متابعةَ الطريق إلى صديقين في أثينا: جاد وسركون. أحدهم يصرخ في وجهي مطلوب قَدَمٌ شاغرة للحدائق العامة، عملٌ كاملٌ بلا معاش أخذتُ فرصةً وها أنا ذاهب إلى أصدقائي يقال هناك أكروبول يتَّسع لثلاثة سكيرين.
تحية لقدمي جالس أتأمَّل قدميّ: أدغالٌ خرَّبتها قميصٌ مستعجلة أظافُر ملساء في منتجعٍ روحيّ تستقبل ذئاباً تخرج تباعاً من أفواه الماشية: إنها خدعة للتودُّد ليتحمَّل اثنان أنهما شبيهان يتَّجهان معاً وفي الوقت نفسه إلى طريدة الغد، إلى الحافة التي لا يمكن هبوطها على مهل، الغد المرفوس في أيّ لحظة بمؤخّرة الماضي بأذنابٍ ضربتْه طويلاً وهي تلوّح في الهواء وبقدمين تستعدَّان لجولة في دماء الطريق. ألا يمكنني أن أزهو لأنَّ قدميَّ هنا، أمامي وصديقتان!
الحفلة بما أني أصبحت جاهزاً للأعراس مثل إوزَّة على طبق فلتبدأِ الحفلة الآن ليرقصِ القتلة و اللواطيون مع الملوك و القديسين ولتباركِ العاهراتُ هذا العرسَ بدلاً من الكهنة ليكون لهذه الليلة نسل جميل. لتبدأِ الحفلة فأنا جاهز تماماً كالصناديق.
الحيّ الغامض على عجَل وبفتَّاحة العلب في يدي يخرجُ المزيد من الرغوة: رجالٌ يمشون كتمرينٍ ضعيف على البيانو أنهارٌ تنتظر عند البَّوابة وضلوع تفتح كمِظلَّة. في الشارع نهار غائم وبقعٌ من الأسبوع الماضي، إنهم ذاهبون في جنازة هذا الأحد.
كان يمكن كان يمكن أن يحدث شيء ما كالظلّ، مثلاً أو ضربة ثوب في فضاءٍ قلِق كان يمكن للنهار أن يذهب في كلّ اتجاه كمدفعِ رشاش وأن نقف كرداء يلقي نظرةً على الميناء بعد حمَّامٍ ساخن نهار رائع يا سيّد شارل.
بينكم في هذه الأيام أحاول أن أجدَ لصّاً يأخذ كلَّ شيء دون أن يوقظني أبحثُ عن ضمانٍ أكيد للآخرةِ كأتونٍ جديد مثلاً يبدّد فحمَ ماضيَّ أو امرأة أرشو بها من يعاند تدلّي جسدي، في هذه الأيام الخاليةِ من مشنقةٍ عشيقة أريد أن أعرف فقط كيف ألوك ألسنةَ الساعات كلَّها لحظةً لحظة ومع ذلك تفتح فمي في الصباح كلمةٌ لطيفة ورمح يدأب في تشطيب هوائي. لصّ أليس بينكم لصُّ محترم يا سادة؟
السهر مع شارل شهوان بعد محاولات كثيرة وسقوطِ ريفٍ بكامل سكاَّنه العالمُ مجدَّداً وصديق أربط معه بقية النهار بشرفة صديقٌ يضع عادة ساحلاً في جيبه بين مجموعة من الآلام والقصائد. لكننا ونحن نعبر الجسر عثرنا على فكّ ديناصور وحذاءِ متسكّعٍ يتابع السير بعد توقُّف صاحبه.
مهمة محدّدة إنها عربةُ زنوج تنقل كسيحاً من "الإنكا" إلى نيويورك، عربة تغصُّ بالطبول وسط شارعٍ يغصُّ بالمتسوّلين وأضواء تكشف بهدوء أحذية المارّة. مهمَّة محدَّدة: جنرال بقدمين يتعقَّب آثار قدم واحدة في ليلٍ مخصَّصٍ أصلاً للزواحف.
البحيرة الأيروتيكية سقطتُ من السماء مع أنَّ هذه الحركة ليست موسيقية سأمضي الليلة في الخارج مع نجوم جديدة ربما. أنا، وديع، أجلسُ كسلطعون على الرصيف منتظراً أصدقائي، اجتزتُ بحيرةَ الله الإيروتيكية واستلقيت.
الإقامة في الغرفة الوحيدة التي لا تتكلَّم اليونانية في أثينا أمام بحر يأتي زبدهُ من لهاثِ غريق أنتظرُ باخرة كْريتْ المحمَّلة بِفتى يتحوَّل إلى برميل راكي أو نملةً ذهبتْ بتذكرةٍ مجانيّة إلى سان فرانسيسكو في رأس صديقي. في الرقم 75 من شارع إيبيرو اليوناني- المؤجَّر مع ابتسامة شهرية من المرأة المسمّاة آريتي تسيتزاس المولودة خصيصاً لنصب الكمائن على باب جيبي- أكملتُ تدريبات الانتظار كحصانٍ يقف حائراً بعد معركةٍ مات فيها جميع الجنود يتأمل حبرَ معاهدة السلام ولا يفهم، أقف كسائق صهريج ضخم يرى فرساً تحت الدواليب تحاول أن تتذكَّر، بَعْد، سطرين من أشعار الفروسية. هل هي الإقامة اذاً؟ إذا كانت الإقامة حسناً تكون: الإقامة في الاسم الموسيقيّ لإيبيرو المحشوّ كمصرانٍ بالمهاجرين والذي تعبره مع الفلاسفة شاحنات البطيخ. أفهم أحيانًا أفهمُ أحياناً ماذا يحدث بعد الصلاة: ملاك يذهب طيراناً إذا سبقه الباص ومؤمنون مصابون بالغرغرينة يرتاحون على الصخور. إذا كان الشرفاء وحدهم يدخلون الجنَّة ماذا لو تهيَّجوا؟ ليس ممنوعاً طبعاً ارتجاف قضيب على نفقته الخاصة أم أنكم تريدون أن يتحمل اللهُ النفقات؟
بلاسما افترضْ أوصدتُ النوافذ والأبواب، هراء. الحياة تنشُّ أيضاً من الجدران. يجدر بي أن أَنزل لمسح جلْد الطاولات وإيجاد دعامة لعمودي الفقريّ. عروق يجب أن تتنزَّه. سماسرةُ بْلاسْما. تقريباً دمٌ بشريّ. كريَّات مسروقة في الليل وموضوعة في قساطل. سواء كان الوقت يوم الشكر أو يوم السعال، العالم هادئ كآلة حلاقة أمام المرآة. الولادات مقذوفة بتهذيب كالتبوُّل على التنك. وفي الخارج، مجموعة من مصارعي الثيران تُفرغ مثاناتها.
دعوة إلى الرقص أرغبُ أن يخرج من هذه القصيدة كلب أتملَّقه بعظم، بحلمة راقصة أغريه بحرف ناعم، بواو كذنب كلبة تستعدُّ للمضاجعة، بصور أكثر الكلبات شبقاً في التاريخ كلب أو أية تسلية أخرى حتى نهاية القصيدة ماذا يمكن أن أفعل غير هذا؟ أجذب الرب من رقبته وأدعوه إلى الرقص؟ أحيك زوجاتِ السفراء ملابسَ داخلية؟ أبني مصنعاً لدعم الاقتصاد الوطني؟ مطبعةَ مستندات سرية لخدمة الحكومة؟ أم أطلّق زوجتي؟ اسمعْ، أيمكن أن يطلّق الرجل امرأته اذا كتب قصيدة وخرج منها كلب؟ أرغب إذن أن يخرج كلب ففي قصيدة سابقة خرج العالم أقنَعته بالعودة إلى المصحّ وَعَدَني، ولم يذهب واستعملتُ كلَّ الكلمات البحرية ولم تعلق سمكة بماذا يفيد الورق فليخرج الكلب.
كمين أخير لن أتوقَّع شيئاً فليذهبِ القطار كلُّ شيء باقٍ حتى صراخُ طفلي بين الجدران، هناك جارٌ يزورني لشرب القهوة أو لإبادة النهار وبعد ذلك جميلٌ أن أذهب إلى النوم.
خاتمة هذا كلُّ ما أردتُ أن أرسله في يومٍ محتشد: قنينة وقبَّعة لرجل مات قبل لحظة.
مقعد راكب غادر الباص 1987 حياة تمتدُّ إليَّ يدها باحثةً في أحشائي عن مدينة وأنا ولدٌ أرعن، راكبٌ درَّاجة يهرِّب زنزاناته في الليل يمشي مخمورًا حاملاً رجلاً مجنونًا منذ الصباح على ذراعه ذاهبًا نحو مصحّ محتفظًا من كل ماضيه بـ: أحشاء ومفتاح لا يجد له بيتًا، الرحلةُ وضعتْه هنا لينظر إلى الشجر ولتسقطَ منها ورقتان على كتفه.
البواخر راسية في الميناء البواخر راسية في الميناء لاعبو ورق، نشارة خشب، أمواج وقططٌ صغيرة تنظر إلى الحمَّالين نوعٌ نادر من الارتعاشات يقف في هذا الشارع في الصباح مثلاً، حين تمرُّ الصنارات في اتجاه البحر، تبدأ المعامل في العواء ترتدي النساء ثيابهنّ ورجال الأعمال الذين تركوا الشارع محمرًّا وراءهم يبتسمون لسمكة كبيرة نائمة على الفرْش الهواء يهبُّ الآن أمرٌ غريب! ربما في الملجأ السرِّي، هنا، حيث يستلقي كلبٌ على الباب رأينا ذلك الرجل يلعب دورَ التلَّة التي تنظر إلى البحر أمام البواخر أمام البستان الجميل.
أعتقد أن المروحة تدور يا ألن غينسبرغ إسمعْ يا ألن أنا على الرصيف وقد نفد تبغي أفتحُ عينيَّ وأغمضهما وأحيانًا أستعيد تلك الليلة حين مسحنا اللعاب عن أفواه الأموات ثم نزلنا السلّم معًا وتمشينا على البحر المروحة تدور الآن وأحبّ أن أعتقد الهواء سنونوة لطيفة وأنا أسند نفسي على الزواية مراقبًا تنمُّلَ ركبتيَّ المروحة تدور الآن في رأسي يا ألن وفمي الذي يشبه كشك جرائد يتحلَّى بالصمت بضعُ أسنانٍ ماتت فيه كما يموت الحيوان وحدث أني في أحد الأيام اكتشفتُ الصبر تحت شجرة وتحدَّثت عن الروح في عربة بسيطة ونحن نسير بمحاذاة النهر الدخانُ يا ألن الدخان، ورنَّاتٌ جميلة! وفي الجهة الأخرى، على الشاطئ الرملُ يقف وحده وأحيانًا تُخرج له الأسماكُ حجرًا ليجلس عليه، هل هذا منظرٌ لائق؟ في يدي يومٌ قتيل وأريد أن أدفنه بهدوء. نقطة بعيدة ملحٌ قليل ينام في يدي التي أستمتع بصمتها الدائم ملح كأنَّ يدي كانت في الماضي بحرًا ورأسي الموجود معي الآن يمشّط شعره في قارَّة بعيدة أحلام بعد منتصف الليل في قرية عابرٌ في شارع بسيط فيه دكَّان ونقطة بعيدة أعتقد أنها مقعد.
ظله ينحدر ظلُّه مع سيل طويل متدفقًا من قرى بعيدة يفكّر في جذع شجرة ربما أو صيّاد سمكٍ نهريّ يوقف تقدُّمه المجنون نحو محبة فقدتْ رأسها اليومَ أيضًا، يتدفَّق بعيدًا ناظرًا صوب حياته مثل حريق شبَّ فجأةً في نزهة، وينحدر ظلُّه يوقظ بضعَ نسائم على التلَّة وينحدر في قرية مجهولة قرية مجهولة تمامًا لا يشعر بها سكَّانها حتى باللمس.
أذهب هادئًا إلى المرآة عملٌ ناعم أن تنظر إليَّ وتبتسم إذا ابتسمت وأرجوك لا تقرع الباب إني واقف على النافذة أتأمل الجسر العملُ الشريف، أنا فعلته اليوم: نظرتُ إلى البحر. رأيتُ في الشارع ناسًا معطَّلين ثم دخلتُ الحانة شربتُ قنينة بيرة، وخرجتُ برأسٍ سكّير متصورًا أن الله كان في الأصل عصفورًا يزقزق للشعوب إذا كانت الأمكنة ترقص في الخارج لماذا لا تذهب وترقص معها ألا تحبّ الموسيقى؟ صفوفٌ من البط أريد أن أراها وأنا مدعوّ مدعوٌّ اليوم كي أمشي كالدمية ومن فتحات ثوبي يخرج لحم يمكنك أن ترى مثله عند الجزَّار ألوّحُ به وأفكِّر أنَّ العالم ربما تنقصه عظْمةٌ ليمشي ثم أذهبُ هادئًا إلى المرآة وأمشّطُ شعري.
أمتعة رخيصة في هذه اللحظة وأنا أتحدث مع المساء كعاملَين خارجين من مصنع يظهر أمامي مستقبل غريب يكفي أن أنظر إليه حتى يتدلَّى في الوديان، في هذه اللحظة مستقبل يتدلَّى أرسمُ له شبكةً في الوادي ليصل سليمًا أو على الأقل حقيبته التي أنا فيها وهكذا أصل عظْمةً ساخنةً تخرج من ثكنة و تتنزَّه تخبرني عن حياتها عن جلدها النادر وأطفالها المولودين في الغربة مني ترسل لي كل مساء كلماتها حافية من بلد بعيد لتسألني: ماذا ستفعل الليلة ماذا ستفعل الليلة يا وديع بحياتي! ومن فمي الذي تستلقي فيه صرخات الذي تستلقي فيه أمتعة رخيصة تخرج كلمة وداع صغيرة لا يسمعها حتى الجالسون في أذني.
نزهة المساء غالبًا وأنا أسير على إسفلت من لَحْم العابرين تأخذني نجمةٌ بيدي في نزهة المساء الوقت الذي يجرفون فيه النهار نجمةٌ بين جبلين مطفأين: فقيرين في حانة يريدان أن يؤوياني، وذهبتُ وها أنا في مصحٍّ فوقه نجمة! هل كان عليَّ أن أمشي كل هذا الوقت لأصل إلى هنا؟ ولماذا؟ ألم يكن أبي يتبع العمَّال مسوقًا بسوط؟ لماذا إذن خرجت لأنزّه الكلاب غير المروَّضة في رأسي بينما حياتي تموت من الجوع وأطفالي ينظرون صامتين إنني، بالكاد، أقود عمياني إلى البحر. سنواتٌ كثيرة، ومكان يرقص فيه المجانين مع الغرقى على ضوء سيكارة الصمت كنزي الوحيد ويده المرتجفة وراء الباب تقودني بلمسها.
العودة الباب وحده في الليل والليل في العاصفة والعاصفة نحلةٌ تحوم حول ذراعي وذراعي مستندة على سطح سفينة ذراعٌ بدأتْ زحفها منذ أول ريح حتى وصلتْ إليَّ وبما أني وصلتُ أخيرًا بما أني وصلتُ إلى قريتي في صندوق كان قلبًا أشكرُ الحمَّال الذي رافقني كرصاصة تخاوت الآن مع الجرح وأتأمَّلُ درفتين خشبيتين تنزلان إلى الوادي. الريح تعبث بشعري الريح تعبث بشَعري وأنا بين ضفتين أرسل للأولى يدي اليمنى وللثانية يدي اليسرى لكنهما تخرجان من كتفيّ – هكذا ببساطة وتختفيان! رأسٌ (ليس غريقًا تمامًا وفي الوقت نفسه غريق تمامًا) تعبثُ الريح بشعره الأسود جالبةً من الجبال ربما، أو من السواحل سمكًا غريبًا يحدّق بي وأكتشفُ أنه رأسي! ولكن المهمّ الآن أين ذراعاي؟ هل رأى أحدُكم أو أصطاد بالصدفة شيئًا يسبح كالذراع؟
صحراء مع ذلك فعلتْ يدي واجباتها وكدحتْ كالحفَّار في صحراء وبينما أهرّب الرمال التي كانت في الماضي أمواتًا تغرز أظافرها في كتفي وتعيدني إلى صوابي إلى تاريخها المصنوع من طحن اللحوم وإلى ذراع الهدنة في جزيرة تهبُّ عليها رياح الجرحى حاملةً الطعامَ للجنود جمعتُ ثروتي بالغزو و الحيلة ودحرجتُ عقدًا طويلاً من اللآلئ حتى وصلَ إلى عنق الحياة أقول لها تعالي، تقدَّمي يا حياة هذا لكِ لؤلؤ نادرٌ من خليج بعيد لا تعرفينه، وهو لكِ أنت تعالي وتهرب مني حياةً ألمّعُ لها لؤلؤًا وتهرب مني! صحراء شاسعة ليس فيها أحياء ولا أموات وعليَّ أن أتابع الحفر حتى يأتي ميت!
النهار في رحلته الوحيدة قبل أن تأخذني الرحلةُ بصبرها الطويل لأمشي معها على خيطٍ بين جبلين شاهقين كانت الحياة لا تزال في كهف تنتظرني لأفكَّ أزرارها وأمتصَّ حلمتيها اللتين يجري فيهما نهرُ الجنون، وبينما المنارة تختارني وحدي وتجنّد لي أضواءها منذ ملايين السنين اكتشفتُ أنَّ الفندق الذي فجَّرته قذيفةٌ هذا الصباح كنتُ نائمًا فيه! ريشةٌ شاردة في الفضاء، أركضُ وراءها قبل أن تتحوَّل إلى طير! وفي ساعةٍ هَجرَها سكَّانُها ونُقلت أمتعتُها في سفينة مع الفجر حملتُ الحقيبة وخرجت إلى الإبرة التي تخيط جلْدَ عميانها بالطريق.
بلدان غريبة هناك بلدان غريبة تنبت خلسةً في رأسي بلدانٌ تستيقظ من ليل طويل وتفرك عيونها بدهشة أعمى وحيد من سنوات وصلَ فجأةً غريقٌ إلى ساحله وأتخيَّلُ أني رأيتُ علامتي في الحُفَر التي تركتها البلدان بعد رحيلها، وهناك أيامٌ أصل إليها على حمَّالة ومقاهي المدن جميعها تقريبًا في فمي وفيها رعاة بقر ورغم أني نسيتُ معطفي على كرسيّ المقهى فإني مع ذلك أرتديه الآن في الشارع والمطرُ كلمة خرافيّة والأمكنةُ تعني: مغول ورائي ولأني طردت نفسي من جنَّة الكلمات إلى صمت يقف في منتصف الطريق كيدٍ مبتورة أحاول أن أتملَّق بالإشارة عودَ كبريت مترددًا بين أن يضيء أو يبقى في علبته وبينما يصل إليَّ إيقاعُ الحياة من بعيد كأصوات طبول في أفريقيا أتأمَّلُ المدن التي مات جميع سكَّانها بالصبر وأتابع الطريق عابثًا بزرّ قميصي.
أحاول أحاول باليد التي خرجت مني إلى ذراعٍ أخرى أن أوقف سيارة تأخذني في هذا الليل إلى بيتي.
ضمير الغائب بعدما قال وداعًا وخرج بقي منه ظلٌّ صغير تصنعه لمبةُ البيت فمشى وراءه. اجتاز البوابة ثم، فجأة، أطفأوا الضوء ففقد طريقه. في الصباح حين فتحت الخادمة النافذة رأت ظلاًّ ينام وحده على الإسفلت.
النظرة كان يقعد على الدرجة السفلى، ينظر إلى الثلج ينزل أمام رواقه ينظر إلى الطريق متبينًا سيارات سريعة آملاً أن يلوّح له راكبٌ ما أن تتوقف سيارة، ينزل واحدٌ منها وينظر إليه. تذكَّر فجأة ثلج ماضيه، حين كانت حياته في ذاك الليل تجلس في الوسط، بين المقعد والكرات الصغيرة على الزجاج تذكَّر هواءً قارصًا، وهمَّ أن يُحضر بطَّانيته لكنَّ قلبه كان يقول له إنَّ راكبًا سينزل الآن، ويتَّجه إليه. في الصباح، لعب الأولاد طويلاً بكرات الثلج أمامه وكان ناصعًا وبعينين مفتوحتين، تمثاله. الهجرة حين ذهبوا لم يقفلوا أبوابهم بالمفاتيح تركوا أيضًا ماءً في الجرن، للبلبل والكلب الغريب الذي تعوّد أن يزورهم وبقي على طاولاتهم خبز، وإبريق، وعلبة سردين. لم يقولوا شيئًا قبل أن يذهبوا لكنَّ صمتهم كان كعقد زواج مقدَّس مع الباب، مع الكرسي، مع البلبل والإبريق والخبز المتروك على الطاولة. الطريق التي شعرت وحدها بأقدامهم لا تذكر أنها رأتهم بعد ذلك لكنها تتذكر ذات نهار أن جسدها تنمِّل من الصباح إلى المساء بقمح يتدحرج عليه ورأت في يومٍ آخر أبوابًا تخرج من حيطانها وتسافر، ويذكر البحر أنَّ قافلة من السردين كانت تتخبَّط فيه وتمضي إلى جهة مجهولة. ويقول الذين بقوا في القرية إنَّ كلبًا غريبًا كان يأتي كل مساء ويعوي أمام بيوتهم.
ذاك المساء، على حجر كان كلُّ شيء في منتهى الرقة. العمَّالُ المتعبون، ظلال الحمائم، الملابس على الحبال البعيدة. شعر أن حياته أيضًا كانت رقيقة معه ذاك المساء. مشى معها إلى أقرب حجر، وقعد. تذكَّر آخر أغنية تعلِّمها في المدرسة، ورقص مع الشارع مع حديد المحلات المقفلة، وبلاطات الرصيف، التي كانت تخرج من طينها القديم وتبتسم. مشى مع القيثارات التي رقصت معه كلَّ الليل حتى أصبحَتْ ضلوعَه. على شعره نسمة هواء. في عينيه نجوم في عنقه عقد. همَّ أن يقول لأحد قربه: هذا العقد هدية من عيد ميلادي. لكنه التفت إلى الحجر الوحيد لَمَسَهُ بلطف وأغمض عينيه.
رفقة كان لا يخرج إلاَّ في الأيام المشمسة ليكون له رفيق: ظلُّه الذي يتبعه دائمًا. ينظر وراءه ليتحدَّث إليه، ليبتسم له. يلتفت بخفَّةٍ لئلا يغافله على دَرَج ويتسلَّل إلى بيت يخبره حكايات مشوِّقة لئلا يضجر منه هذا الظلّ ويهرب، في الصباح يُعِدُّ كوبين من الحليب، على الغداء يُعِدُّ صحنين، وكان يعود إلى بيته عند غياب الشمس يقعد على حجر ويبكي حتى الصباح.
الحشد تلمَّس قماش المقعد وعرف أنه ليس وحده أحسَّ بفرحٍ غريب وهمَّ أن يغنِّي، لأوَّل مرة يشعر بجسد هذا المقعد، بالأيدي التي صنعته وربما هي معه الآن، بالمدينة التي جاء منها، بالحمَّالين الذين أوصلوه إلى الغرفة، بالذين جلسوا عليه من عهد بعيد، وها هم جميعهم، واحدًا بعد واحد، يدخلون. نظر إلى يديه، ثم إلى الحشد فإلى المقعد بلومٍ شديد وخرج صافقًا الباب وراءه.
المتعبون المتعَبون يجلسون في الساحة ينصتون إلى عبور النسمات، التي كانت في الأرجح بائعين متجوّلين أو متسكّعين، فقدوا أقدامهم للمتعبين ساحة بلاطاتها، مع الأيام، اكتسبت صفات إنسانية حتى أنها إذا غاب واحدٌ منهم تبكي. المتعبون في الساحة، وجوههم ترقُّ يومًا بعد يوم وشَعرهم يلين في هواء الليل و الأضواء الخفيفة، وحين ينظرون إلى بعضهم ترقُّ عيونهم أيضًا إلى درجة أنهم يظنون أنفسهم زجاجًا وينكسرون.
الربيع أخضر، السماء زرقاء لا يمكنه فعل شيء الهرَّة وحدها تجلس قربه يدغدغها، يداعب صوفها الناعم، يقول لها كلمة لا تعني شيئًا ولكن فقط كي يسمع صوته. شعاع ضعيف يدخل غرفته ويقعد على الكنبة يبقى لحظة قرب ساقه، ثم يرحل وبين وقت و آخر تنتابه هبَّات هواء لا يعرف إن كان عليه أن يستعملها لقول شيء ما أو للتنفُّس العلامة الوحيدة للحياة في الخارج بقعةُ رطوبة صغيرة على الحائط لكن، معه تبغ لهذا النهار أيضًا صورة في محفظته يدخّن غليونًا يمكنه أن يستعيض عن الحياة بالصور، وراح يغنِّي: الربيع أخضر، السماء زرقاء في الصباح تطلع الشمس في الليل يطلع القمر الجهات أربع و الفصول أربعة ومن الجهات والفصول تأتي الأرانب والرياح والغناء وعلى التلَّة حجر، على التلَّة حجر. ثم لمس هرَّته بحنان داعب صوفها الناعم وعاد إلى النوم.
خطوة ناقصة المقهى في الزاوية. يكفي أن يحرِّك قدميه قليلاً حتى يصل. تقدَّم خطوة ووقف. السماء صافية والنجوم عذبة إلى درجة أنها لا تنظر إليه، وفي الساحة لا شيء، فقط عشبة صغيرة في شقّ حجر وقف يتأمل ورقها الخجول ومشى، متأكدًا أنها لا تعرف حتى اسمه. شيء كالصراخ يدخل أذنيه ورغم أنه يعرف أن الإسفلت ليس ضلعًا بشريًا رفع قدمه. ثم ضحك ضحك كثيرًا حتى جرت أنهارٌ من عينيه فيها ظلال أشجار وأسماك وبيوت وعجائز ينقلون كراسيهم إلى الشمس أمام الباب، ضحك حتى غابت قدمه وغاب الإسفلت وصدى "صباح الخير" من آخر الخارجين من المقهى.
مقعد راكب غادر الباص وداعًا أيها الله، إني أمشي ناظرًا إلى قدمي، ذاهبًا إلى المقهى للقاء الأصدقاء وداعًا، إني أشيخ، المقهى في الساحة، أصعدُ درجتين وأجلس سمعتُ كارمينا بورانا ومشيت، المسجّلة تغني الآن وحدها، قرب الشبّاك المغلق مطر خفيف على الزجاج، مطر خفيف على الميناء المقابل وداعًا، الساعة الرابعة، معي موعد مع أصدقائي أصعدُ درجتين، وأجلس نضحك فاتحين فمًا على فم، ورديين خارجين من البرَّاد من الأسكيمو مع الدببة، من الأسكيمو مع زحَّافات تجرّها الكلاب، مع جلود الماعز فمًا على فم، كمتناكحين متزوجين الضحكات الإلهية، الكلمات غير المفهومة، الأجنحةَ التي لبستها الملائكة، وطارت متزوجين خمسة سنتمترات من الهواء تسبح فيها أفواهنا، ملائكةً جديدة، طيارين ساقطين بمضادات اوراقًا روحية ممزَّقة، قطعًا من الأشباح، آلهة متروكة على الأدراج نتحدَّث ساحبين من أفواهنا إبرَ الكلمات، الخيوط من عروقنا المنسوجة بقياسات غير دقيقة ونذهب في الشوارع منشرحين اننا تحدَّثنا، ورمينا برتقالاً من النوافذ، وسمعنا الصمت المرتجف للطرقات أننا تعاركنا مع صاحب المقهى، تعاركنا مع سائق الصهريج، تعاركنا مع الله، وخرجنا شارل بلحيته الشقراء ككوز تين، ببنطلونه المصنوع ليتَّسع لناس آخرين لا يجدهم عباس برأسه المصبوب في المعتقلات ماري بجسدها النازل من جبال الثلج، وعلى وشك أن يذوب عبده بغرفته الجديدة، هاربًا من حميدة العجوز، ليستمني بحريَّة عقل بحبه الضائع، بإيزادورا، بوجع ظهره، بالـ "آر. بي. جي" التي سقطت أمامه ضاحكين ضاحكين ضاحكين نرفع أيدينا في الفضاء، نخفضها إلى الأرض، نعيدها إلى جيوبنا نصبُّ على أنفسنا الماء لنستفيد من أجسادنا سجَّاداتٌ تحت الشتاء، وبرٌ ناعم يتحدَّث مع المارَّة، قاطرات منبثقة من العورات ونصرخ معًا: وصَلَ الباص الإلهي، وصلت حقائبنا حقائب حقائب حقائب، حقائبنا ضائعة بينها فلندخل المقهى نُجلس معنا على الطاولة وبر أجسادنا، نجلس لحانا، معاركنا استمناءاتنا غلَّة نهارنا من بيع قطع مغشوشة من التخيُّلات ممالك بيضاء تغنّي على النوافذ أبديةٌ في الممشى، أبدية مربوطة بخيط ونُرجع الكرسيَّ قليلاً ليمرَّ الهواء، وداعًا وداعًا أيها الله بالهواء الذي يمرُّ بيننا، بالماء الذي دلقتَه عليَّ، وداعًا بعينيك اللتين تترصدانني من وراء الباب، بفمك الأزرق، بنظَّارتيك المصنوعتين عند "نظَّارات الحكيم الطبية"، ويديك اللتين تقولان لي: هذا هو الطريق وداعًا بمعصميك الجميلين، بساعتك التي تشير إلى وقت مجهول، الساعة الرابعة الآن، وداعًا شبطين، 6 كانون الأول 1962، أبي –هيكلٌ عظميٌّ محروق يُسند ركبتيه بيديه، وكنبةٌ يخرج منها الدخان شعاع قمر يدخل من الكوَّة وعلى المائدة سمكة غير ملموسة، قنينة عرق فارغة، ورقة لوز أمام الباب كنت أزن 40 كيلو مع الورقة التي أكتب عليها الشعر 40 كيلو مع ابتسامتك، مع نظرتك، مع يدك على كتفي، مع سمكتك على الطاولة، مع لحمك المحروق 40 كيلو مع دخانك جواد الجنّة ينطلق، نقطةُ عرَق على جبهته "صان بوت" تبحر إلى لارنكا، تمشي على البحر قرب السمك، "صان بوت" الشمس الخشبية المسافرة تودّعها يدٌ يتحرك خنصرها قليلاً، ويعود إلى مكانه نتحرَّك في مقاعدنا، نمرّر أصابعنا على شعرنا، نضرب دماغ الوقت قبالتنا على الحائط مرتدين قمصانًا مفتوحة على الصدر، ننظر إلى بعضنا ونبتسم ننظر إلى العابرين الذين يشبهوننا جالسين وسط دخان السكائر، جالسين أو واقفين أو عابرين، آكلين حجارة الشارع، آكلين الشرفات من أمام السيارات، من أمام عربة التوقُّعات التي توقفت عندنا حاملين رأس المحبة عاليًا وصارخين شرايين محطَّمة، أمعاءُ أرض طويلة مرمية على حوافي الطرقات حاملين سواحل، أبراجًا، قطعًا هوائية، هياكل سفن، أيدياً وأرجلاً وصدورًا تلبس القمصان وقدمُكِ يا أمي التي تقيس 20 سنتمترًا حذاؤكِ الذي صنعه لكِ شقيق أبي سنة 1957، ولا تزالين ترتدينه الآن أظافركِ الطويلة وأنت تنتظرين أن يبتسم وديع لتسأليه: هل تقصّها لي؟ ركبتاك الزاحفتان على الشوك والحجارة نحو ضريح قديسة، ليتوقف أبي عن السكْر فستانك الوحيد كأنه لاصق بجسدك، جسدك المترهل الذي خرجتُ منه ذات يوم حاملاً عينين صغيرتين وأصابعَ بالكاد تحتمل الهواء مادًا يدي تحت نقاط المطر لسيارات سريعة ذاهبًا إلى باريس بالأوتوستوب أقنع صاحب المقهى بلغة فرنسية ركيكة Une bouteille d’Arak extra لقاء ترويقة مجانية نائمًا تحت مواقف الباصات في ثلج كانون الثاني نائمًا في مأوى العجزة، مع مئة وخمسين عجوزًا يسعلون طوال الليل ويذهبون بالدقائق إلى المراحيض على نهر السين، مع ورق الشجر على المقاهد على الطريق مع حقيبة كبيرة، راميًا أغراضها قطعة وراء قطعة، وقارئًا على جذوع الشجر: "الصيد ممنوع" في هندايا، بيدين فارغتين أخيرًا على الحدود الإسبانية، وتنقصني عشرون بيزيتا للوصول إلى مدريد وداعًا الكنبة قرب الباب، القنينة على الطاولة، الله في السماء، أبي في القبر، الثلج على الجبل الوقت مغمىً عليه في الشارع، الحياة جالسة مع صديقها وراء الصخرة، غناءٌ يصل إليَّ من مكان بعيد نمشي حاملين أجسادنا، ملفوفين بضمَّادات عتيقة من الضلوع، ملفوفين بعروق مسروقة، بجلود ناعمة ناجية من الحروب نضع جسدًا أمام جسد ونحدِّق في الحيطان هاي، لويس، أعطنا كأسًا أخرى سركون سيكتب الليلة مئة قصيدة، جاد سيكتب رواية كاملة عن الحرب اللبنانية ويهاجر غدًا صباحًا إلى ملبورن أعطنا كأسًا يا لويس الدماغ سيتحوّل بعد قليل إلى قطة لطيفة، العميان سيبصرون، الأبدية ستدلّي أثداءها وتقول خذوا، الله أخيرًا سيقدّم شفتيه، هذه الكرة الأرضية ستصبح من مسروقاتنا الخاصة سأصبح ملكًا يا لويس اعطني كأسًا برجي هو برج السرطان، عندما أستيقظ أجد نفسي في العالم من جديد وأنظر مليّاً في عورتي أمشّط شعري وأخسر منه عشر شعرات تقريبًا برجي هو برج السرطان، برج بلا شَعر، بيد صغيرة بالكاد تزحف على الأرض، بعينين شبه مرئيتين تؤديان خدمتهما الإجبارية على الصخور أحتفظُ بمنظر سفينة تبتعد، بأصداف ابتسامات غريقة، بعيون عميان منسية على الرمل أحتفظ بليالٍ فقيرة تأتي إليها الرياح بالصدفة ولكن يا لويس أنتَ لا تفهم كل هذا فقط قلْ لي: لماذا لا تدع صديقي يسند قدميه المتعبتين على زجاج مقهاك وهو بعد قليل سيتابع المشي كل حياته اسمعي يا أمي مريم العذراء اسمعي يا أمي فرنجيه، أنا لا أحب لويس الياس صديقي، شعيا صديقي، لكني لا أحب لويس المطر ينزل على النافذة في الخارج أواني زهور، كنبةٌ أعتقد أنها تبلّلت على المقعد كتلة صغيرة، أعتقد أنَّها هرَّة واقف في شارع صغير، أمدُّ يدي للمارَّة أنت تعرف يا جاد، كان ينقصنا ربع ليرة للوصول إلى ساحة البرج مبسّطٌ في شارع الحمراء، مبسّط أمام كلية الآداب، قرب بائع فستق سوداني، أبيع "ليس للمساء إخوة" وبعد ذلك المعامل في أوستراليا، النهوض في الرابعة صباحًا وانتظار الباص، والوقوف تسعة أشهر أمام آلة في مصنع هولدن لجمع تذكرة العودة إلى بيروت ثم 1975 وحقيبة أمشي بها بين قرية وقرية بائعًا الاسعافات الأولية للمسنّين قوموا نبحث عن مقهى آخر "داون تاون" بناء حجريّ جميل، فيه كراسٍ تطلُّ على البحر نجلس ونضع إصبعين على البار، وداعًا إني أشيخ معي في صدري ضلوع ضعيفة، كانت ترغب يومًا أن تلعب الجمباز معي رأس بكامل تجاويفه معي يدان صامتتان أرافقها كل النهار، ثم نتصافح ونذهب إلى النوم ماذا يفعل كسولٌ على مدى أربعين عامًا بهذه الأعضاء؟ وداعًا القمر على الماء، رَجُلٌ على الطريق، وشاحنة مسرعة نمشي كتفًا على كتف، مصطدمين بأنفاس عمياء راكضون راكضون راكضون حاملون الحقائب، حاملون الأولاد والنساء، الطاولات والكراسي و المزهريات، وراكضون متسابقون بأقدام نحيلة، بجذوع أشجار مكسورة، وما الداعي؟ مناسبة متواضعة: الحياة وداعًا، النافذة أمامي تطلُّ على الميناء، ومغلقة منذ البارحة المطر خفيف وجميل، الكنبة في الخارج، الأبدية في الممشى، يدي على الطاولة قَدَمُ أمي تقيس 20 سنتمترًا وداعًا.
بسبب غيمة على الأرجح 1992 ظلال زحلوا نحوَ الماءِ منحدرين من جبالهم ظلالاً ناعمةً لئلاَّ يوقظوا العُشب. خيالاتُهم حينَ مرَّتْ على الحقولِ فارقَهُمْ بعضُها ونامَ هناك وخيالاتٌ تشبَّثَتْ بالصخورِ وانمغطَتْ وأعادتْهم إليها. زحلوا حتَّى وصلوا إلى الماءِ مُنهكين وفوقَهم كانتِ الشمسُ تبحثُ عن إبرةٍ لتُعيدَ وَصْلَهُم بالظلال.
نظرة يترك _________________ حسن بلم | |
| | | | | وديع سعادة الأعمال الكاملة,تحميل ديوان وديع سعادةpdf ,الأعمال الكاملة للشاعر وديع سعادة | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
|
|