hassanbalam ® مدير المنتدى ®
رسالة sms :
عدد المساهمات : 11555 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر :
| | قصة صعود رجل الأعمال إبراهيم العرجاني من طريد للعدالة إلى صاحب نفوذ تجاوز سيناء إلى غزة | |
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] العرجانى
خلال الأشهر الماضية، مع استمرار حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، والتي تسببت في مقتل عشرات الآلاف حتى الآن، أصبح معبر رفح منفذًا وحيدًا لعبور البشر والمساعدات.
في الأسابيع الأولى للحرب، توجه الأمين العام للأمم المتحدة إلى هناك لعقد مؤتمر صحفي من أمامه يطلب السماح بدخول المساعدات. الدولة المصرية نفسها حشدت مشاهير ومؤثرين إلى هناك. نشطاء من مناطق مختلفة حول العالم اندفعوا لتنظيم قافلة بشرية للوصول إلى المعبر، وربما -إذا سمحت السلطات المصرية- العبور بها إلى القطاع (انتهت بـ«تأجيل» الأمر وترحيل عدد من هؤلاء النشطاء من مصر).
رسميًا، تُصر مصر على أن المعبر مفتوح بالفعل، لكن إسرائيل هي من تهدد باستهداف ما لم يحصل على موافقة مسبقة منها، خصوصًا بعد قصف المعبر عدة مرات في بداية الحرب. في هذه الأثناء، أصبح دخول البضائع التجارية بدل المساعدات وتسعيرات خروج الناس من القطاع «أسرارًا» يعرفها الجميع.
وراء المعبر، يقف شخص وحيد تتقاطع عنده خطوط الأعمال والسلطة والعلاقات الدولية. شخص تحول، خلال أقل من عقد، من طريد سابق للعدالة إلى قائد كتيبة من القبائل تساعد الجيش في حربها على الإرهاب، وأحد أكبر رجال الأعمال في مصر: إبراهيم العرجاني.
يثير صعود العرجاني خلال السنوات الماضية أسئلة كثيرة. وأصبحت هذه الأسئلة أكثر إلحاحًا مع استمرار الحرب. كل شخص أو شيء يمر الآن عبر معبر رفح، وبشكل شبه حصري، عبر شركات العرجاني وشبكة علاقاته.
تمكن العرجاني عبر السنوات من السيطرة على البنية التحتية لكل ما يدخل القطاع وما يخرج منه. تسببت فوضى الحرب في البداية في إفلات بيزنس المعبر من تحت سيطرة شركاته، لكن هذا لم يستمر طويلًا. تمكن العرجاني خلال الأسابيع الماضية من استعادة سيطرته عليها.
حصل «مدى مصر» على عدد من الوثائق وتحدث خلال الأشهر الماضية مع 17 مصدرًا: ستة فلسطينيين جربوا تنسيق الخروج من غزة، واثنان من المنسقين المصريين، واثنان من السائقين العاملين مع شركة «هلا» المملوكة للعرجاني، ومصدر يعمل في معبر العوجة، ومصدران من جمعية «الهلال الأحمر المصري»، وأربعة من قبائل سيناء، شرحوا كيف أسس العرجاني إمبراطوريته خلال عقد واحد، في بلد تُعرف مؤسساته بسيطرتها، وكيف انتهى إلى بسط نفوذه على المنفذ الوحيد إلى غزة، يتحكم في دخول قليل من الحياة إلى القطاع الذي يموت تحت القصف والجوع.
خلال الأسابيع الأولى من الحرب، رفضت إسرائيل السماح بدخول أي مساعدات إلى قطاع غزة. وفي المقابل، رفضت مصر السماح بإجلاء الأجانب ومزدوجي الجنسية من القطاع كضغط على حكومات العالم التي كانت هذه المسألة أحد أهم أولوياتها.
استمر هذا حتى مطلع نوفمبر الماضي حين أعلنت القاهرة عن بدء إجلاء الرعايا الأجانب أو مزدوجي الجنسية من داخل غزة عبر معبر رفح. تعمل هذه الآلية من خلال إرسال الحكومات كشوفات بأسماء مواطنيها في غزة للجانب المصري، والذي يُعد بدوره قائمة «الجوازات الأجنبية» تُرسل يوميًا إلى إدارة المعبر بجانبيه المصري والفلسطيني، بعد موافقة الجانب الإسرائيلي. وتولت الحكومات إخبار رعاياها بتوقيت السفر بعد إضافة أسمائهم، وكذلك انتظارهم على الجانب المصري عبر مندوبين للسفارات تصحبهم حافلات تنقلهم مباشرة إلى مطار القاهرة.
إلى جانب هؤلاء، هناك حاملو جوازات السفر المصرية أو الوثيقة المصرية للاجئين (وهي وثيقة اعتادت مصر إصدارها للفلسطينيين)، إلى جانب الفلسطينيين الذين لا يملكون أي جوازات أخرى.
حددت وزارة الخارجية آلية منفصلة لحاملي الجوازات المصرية. يسجّل المصريون بياناتهم عبر رابط أو طلب إجلاء يُسلم عن طريق أي أقارب لهم في القاهرة في شباك 9 بمبنى وزارة الخارجية. وتقوم السلطات بإضافة الأسماء إلى قوائم تُرسل إلى المسؤولين عن المعبر على الجانبين. وأكدت الوزارة أن هذه الآلية «تعتبر الوحيدة للعودة لأرض الوطن وأي وسيلة أخرى تندرج ضمن أعمال النصب والاحتيال واستغلال الظروف الصعبة، التي يمر بها قطاع غزة، ولا علاقة للدولة المصرية بها».
لكن هذه الآلية لم تنجح مع سماح*، التي جرّبت كلًا من الرابط وتسليم الطلب، لإخراج شقيقتها وأطفالها من غزة، منذ مطلع ديسمبر دون أن تظهر أسمائهم في القوائم.
أخبرت سماح «مدى مصر» أنها استمرت في التردد على الوزارة لفترة طويلة للاستفهام حول مصير طلباتها حتى أخبرها أحد الموظفين هناك أن الأمر بيد جهاز المخابرات العامة، وأن عليها التوجه لهم. توجهت سماح بالفعل إلى مقر «المخابرات» لتتحدث مع مسؤول عبر هاتف بوابة الجهاز السيادي، لكنه أخبرها أنهم ليسوا مسؤولين عن هذا الأمر.
في النهاية، ومع انتشار حكايات من خرجوا بعد دفع أموال للتنسيق، أدركت أنه «لازم ندفع رشوة علشان تنزل أسامينا في الكشوفات». ما تصفه سماح بـ«الرشوة» هو ما يُعرف باسم «التنسيق». وصل سعر التنسيق لحملة الجوازات المصرية حتى منتصف يناير 650 دولار لمن هم فوق 16 سنة، و325 دولار لمن دون ذلك. لم تتمكن سماح من تدبير هذا المبلغ، واستمرت أختها وأطفالها عالقين في القطاع.
الطلب المقدم للخارجية
على العكس منها، تمكن لطيف*، فلسطيني يعيش في الإمارات، من إخراج زوجته وأمها المصريتين. تكلفة «تنسيقهم» كانت 650 دولار للشخص (1300 دولار لكلتاهما)، دفعها لشركة «هلا»، المملوكة للعرجاني، مقابل إدراج أسمائهم في كشوف التنسيقات المصرية، ليتمكن بالفعل من إخراجهم أواخر ديسمبر الماضي.
يختلف الوضع بالنسبة للفلسطينيين بسبب عدم وجود آلية رسمية لخروجهم. ولهذا لم يتمكن لطيف من إخراج أمه وإخوته الفلسطينيين ليلحقوا بأبيهم العالق على الجانب المصري في مدينة العريش.
دخل الأب، الرجل الستيني، إلى مصر برفقة إحدى بناته، التي تزوجت حديثًا، من خلال معبر رفح قادمًا من غزة، ليودعها في مطار القاهرة إلى مقر إقامتها الجديد في ألمانيا. في طريق عودته إلى غزة يوم 7 أكتوبر، بدأت حركة حماس هجومها على إسرائيل، فيما أطلقت عليه عملية «طوفان الأقصى»، وبدأت إسرائيل عدوانها على القطاع. أُغلق المعبر وقُصف عدة مرات، فبقي الأب في العريش، يقيم في أحد فنادقها، ويتكفل أهل الخير في المدينة بدفع إيجار الغرفة بعد أن نفدت كل أمواله.
على الناحية الأخرى، على بعد نحو 40 كيلومتر، وخلف الأسوار الحدودية التي تفصل قطاع غزة عن سيناء، تقيم زوجته وابنتاه مع شقيق زوجته وأسرته داخل خيمة في عراء رفح الفلسطينية.
لم تتوقف محاولات الأب لإخراج عائلته من القطاع بعد أن فقد كل ما يملك إثر قصف منزله الذي بناه «بشقى العمر»، كما يصفه، في خان يونس. تواصل الأب مع مندوبي «التنسيق» في غزة أوائل يناير الماضي، لكنهم طلبوا 11 ألف دولار لكل شخص، أي 33 ألف دولار لخروج زوجته وابنتيه. هذا المقابل الكبير لأنهم فلسطينيون لا يحملون أي جواز سفر آخر.
خلال الأسابيع الأولى، بعد السماح بالخروج من غزة، بدأ كثيرون في اغتنام الفرصة ومحاولة الحصول على قطعة من كعكة التنسيق. كل من يتمتع بشبكة علاقات بأشخاص نافذين في مصر بدأ في استخدامها لإدراج أسماء على كشوفات التنسيق. كما استغل كثيرون صعوبة اللحظة للنصب على العديد من الفلسطينيين.
يحاول لؤي نصار، فلسطيني يعيش في بلجيكا، جمع 100 ألف دولار لإخراج 25 شخصًا من عائلته، من بينهم والده ووالدته وأبناء أشقائه الأطفال، والذين تشتتوا في أنحاء غزة بعدما قُصفت منازلهم.
يوضح لؤي أن عائلته فقدت كل شيء يمكن بيعه لتدبير أموال التنسيق: «المنازل والسيارات قُصفت، حتى الذهب فُقد وسط حطام المنازل». لذلك لجأ إلى موقع «gofundme» حيث أطلق حملة لجمع الأموال على أمل إخراج عائلته قبل أن يلاقي أي شخص منها مصير أسرة خاله التي قُتلت في إحدى الغارات.
حملات جمع تبرعات عبر موقع «gofundme»
انتشرت هذه الطريقة لجمع الأموال للتعامل مع أزمة أموال التنسيق. خالد*، فلسطيني يعيش في أستراليا، تواصل مع عدد كبير من المنسقين لإخراج والديه، اللذين نزحا إلى منطقة دير البلح، حيث يعيشان في خيمة، يقول لـ«مدى مصر» إن عددًا من الفلسطينيين الذين تمكّنوا من الخروج أخبروه أن بعض المنسقين يقومون بالتنسيق مرة أو مرتين على أقصى تقدير قبل أن يتوقفوا حتى لا يتم كشف هوياتهم لأن «التنسيقات كلها غير قانونية وتحت الطرابيزة»، بحسب تعبير خالد، ما يتسبب في صعوبة أكثر في الوصول لمنسق مضمون. لكن في كل الأحوال، دشّن خالد حملة عبر موقع «gofundme» لجمع أموال خروج والديه.
ارتفعت الأسعار مع مرور الوقت. بحسب عائلات فلسطينية تحدثت إلى «مدى مصر» في أوقات مختلفة طوال الأشهر الماضية، بدأ تنسيق خروج الفلسطينيين بسعر خمسة آلاف دولار في بداية نوفمبر الماضي، حتى وصل إلى 11 ألف دولار نهاية يناير الماضي، قبل أن تتدخل شركة «هلا»، المملوكة للعرجاني، للسيطرة على فوضى التنسيق المتزايدة، حسبما كشفت بيانات الشركة وشرح المصادر المختلفة.
في البداية، اكتفت «هلا» بتنسيق خروج المصريين وحاملي الوثائق المصرية للاجئين، وامتنعت عن تنسيق خروج الفلسطينيين، وهو ما أخبروا خالد به حين تواصل معهم في منتصف يناير الماضي للسؤال عن تنسيق لوالديه.
لكن هذا تغير خلال الأسابيع القليلة الماضية. بدأت الجهات الأمنية في المعبر، منتصف يناير، في سؤال العابرين «انت منسق مع مين؟»، بحسب منسق مصري ومواطن فلسطيني خرج أقاربه من غزة في نفس الفترة.
أعلنت الشركة أن حجوزات تنسيق الجوازات المصرية تتم فقط عبر مقر الشركة الواقع في مدينة نصر بالقاهرة، وعدم وجود أي وسيط أو وكيل للحجز، بما يعني أنه يجب دفع مبلغ التنسيق بالدولار في مقر الشركة وإلغاء العمل مع وكلاء الشركة في غزة، شركتا «المشتهي» و«حمد ستار».
وصل تنسيق من شركة «هلا» بتاريخ 11 فبراير 2024
كذلك، أوقفت «هلا» التنسيق على الجوازات المصرية، وهو ما استمر خمسة أيام فقط قبل أن تُعلن فتح الباب من جديد. الإعلان يقتصر على الجوازات المصرية، لكنهم بدأوا العمل كذلك على تنسيق الجوازات الفلسطينية وعمل تسعيرة ونظام دفع جديدين، بحسب مصادر فلسطينية مختلفة تواصلت مع الشركة خلال الأسابيع الماضية.
التسعيرة الجديدة للفلسطيني، بحسب فلسطيني قام بالتسجيل بالفعل لدى الشركة، خمسة آلاف دولار لكل شخص يتجاوز عمره 16 عامًا، و2500 دولار لمن هم أقل من 16 عامًا. واستمر سعر التنسيق للجواز المصري عند 650 دولار للجميع، و350 لمن هم أقل من 16 عامًا. فيما استمرت تسعيرة تنسيق حاملي الوثيقة المصرية للاجئين بـ1200 دولار لحاملها. ما تغير في حالتهم أن سعر خروج الأقارب من الدرجة الأولى، والذين كان يُسمح بخروجهم بنفس السعر، أصبحت تسعيرتهم في النظام الجديد مثل حامل الجواز الفلسطيني (خمسة آلاف دولار لمن فوق 16 عامًا و2500 دولار لمن أقل من 16 عامًا).
واستحدثت «هلا» إقرارًا يوقع عليه صاحب التنسيق يفيد بعدم إمكانية استرداد مبلغ التنسيق إلا في حالة الرفض الأمني فقط. في هذه الحالة، تعيد الشركة الأموال مخصومًا منها تكلفة «الاستعلام الأمني لدى الأجهزة الأمنية المصرية»، والتي كانت 50 دولار قبل أن ترتفع في التسعيرة الجديدة إلى 100 دولار.
إقرار «هلا»
تغيرت طبيعة قوائم من يُسمح لهم بالخروج. مع بداية السماح بالخروج أوائل الحرب، كانت تُعلق في المعبر قائمتين: قائمة «الرعايا الأجانب»، وقائمة الجوازات المصرية. بعدها، أصبح هناك ثلاث قوائم: «الرعايا الأجانب» و«الخارجية» وقائمة «هلا». وهكذا، توقفت أعمال جميع المنسقين ليستقر البيزنس عند شركة العرجاني.
قائمة المصريين
قائمة هلا
قائمة الأجانب
تنسيق الخروج من غزة ليس وليد هذه الحرب. قبل 2005، وقت خضوع غزة للاحتلال الإسرائيلي المباشر، كان بإمكان أي شخص السفر في أي وقت. لا تخلو الإجراءات من تضييقات الأمن الإسرائيلي، مثل تأخير دخول الأتوبيسات لصالة المعبر بالساعات، أو إجراء تحقيق مع بعض المسافرين. ولكن في النهاية، كان الجميع يغادر في نفس اليوم.
لكن مع انسحاب إسرائيل أحاديًا من القطاع في 2005، تسلمت السلطة الفلسطينية مسؤولية إدارة الجانب الفلسطيني من المعبر بموجب اتفاقية المعابر، والتي تقضي بوجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي، وتشترط موافقة إسرائيل على قائمة أسماء المسافرين قبل 48 ساعة من سفرهم.
استمر هذا حتى سيطرت حركة حماس على قطاع غزة وأزاحت السلطة الفلسطينية في 2007. منذ هذا الوقت، خضعت الصالة الفلسطينية في معبر رفح لسيطرة حماس، والتي أعلنت آنذاك «لن نقبل بالعودة إلى قفص الحصار ولا إلى اتفاقية المعابر الموقعة عام 2005، نريد معبرًا مصريًا فلسطينيًا حرًا».
لكن مصر لم تفتح صالتها من المعبر، الذي أُغلق لفترة طويلة، ما دفع مئات الآلاف من أهل غزة لاجتياح الحدود والدخول إلى سيناء في 2008. أعقب ذلك فتح المعبر أيام معدودة ثم إغلاقه فترات طويلة، واستمر الوضع على هذا الحال حتى ثورة 25 يناير 2011، ليُعلن رسميًا فتح معبر رفح بشكل دائم. خلال هذه الفترة أيضًا بدأت بعض التنظيمات المسلحة في الظهور في سيناء.
ازداد تدهور الوضع الأمني في شمال سيناء في الربع الأخير من 2013، عقب مظاهرات «30 يونيو». واقتصر فتح معبر رفح على أيام معدودة في الشهر، الأمر الذي استنكرته حماس، واصفة تعامل السلطات المصرية مع الجانب الفلسطيني بـ«المجحف»، ومطالبة «بتحديد آلية واضحة في التعامل مع المعبر». تباعًا، أصبح طبيعيًا أن يُغلق المعبر لفترات طويلة، وصلت أحيانًا إلى 50 يومًا متواصلة، ويُفتح لأيام تُخصص لمرور المرضى والطلاب والحالات الإنسانية والعالقين والمعتمرين والحجاج، ما وصفته حماس وقتها بأنه «جريمة ضد الإنسانية».
خلال هذه الفترة، كان تنسيق الخروج من غزة يتم عبر مكتب وزارة الداخلية التابعة لحكومة حماس في منطقة «أبو خضرة» بالقطاع، والتي كانت ترسل بدورها قوائم الأسماء للجانب المصري. هذه هي العملية الرسمية لتنسيق الخروج، والتي استمرت حتى الحرب. لكن الموافقات كانت تستغرق شهورًا، ينتظر المسافرون بعدها فتح المعبر.
كانت هذه هي بداية بيزنس التنسيقات غير الرسمية: الأموال مقابل الإضافة إلى قوائم سفر المعبر وخدمة سفر مختلفة. أصبحت التنسيقات غير الرسمية هي الطريقة الأكثر شيوعًا للتنسيق. كلمة «تنسيق» بمفردها أصبحت تعني «غير رسمي» مقابل أموال.
بدأت التنسيقات في 2013 بسعر يتراوح بين 1500-2000 دولار للشخص الواحد، بحسب مختلف المصادر الفلسطينية التي تحدثت إلى «مدى مصر». عندما بدأت التنسيقات، كانت سوقًا كبيرًا يتنافس مختلف المنسقين فيه. ولجأ الجميع إليهم لضمان السرعة والراحة.
أحد أوائل المنسقين وأهمهم حتى الآن سيدة فلسطينية يعرفها الجميع باسم «أم هشام» (يتحفّظ «مدى مصر» على نشر اسمها الرباعي).
تحظى أم هشام بهيبة كبيرة، كما يبدو واضحًا في طريقة حديث مختلف المصادر الفلسطينية عنها. اسمها يثير الخوف، ويتفق الجميع على علاقاتها الواسعة في كل من فلسطين ومصر. بحسب ثلاث مصادر فلسطينية، أحدها يتولى منصبًا رفيعًا في السلطة الفلسطينية، كانت أم هشام أول من بدأ «بيزنس» التنسيق.
كانت أم هشام موظفة في سكرتارية رئيس جهاز شرطة فلسطين التابع للسلطة الفلسطينية في غزة. بعد سيطرة حماس على القطاع في 2007، أمرت السلطة الفلسطينية موظفيها في القطاع بالبقاء في منازلهم مع استمرار صرف رواتبهم بشكل شهري، وذلك لتعطيل مهام إدارة حماس للقطاع. وكانت أم هشام من بينهم.
يصف مصدر السلطة أم هشام بأنها «امرأة ذكية»، حيث بدأت تأسيس تجارة خاصة بها. بدأت في التردد على مصر عبر معبر رفح، وتحولت إلى «تاجر شنطة»، بحسب المصدر، حيث تخصصت في تجارة السجائر والمعسل وبيعها في أسواق غزة، مرجحًا أن ربما هذا ما جعلها توطد علاقتها بالجانب المصري.
يضيف أنه مع الإغلاق المستمر للمعبر بعد 2013، بدأ الراغبون في السفر في اللجوء إليها بحكم علاقاتها. المصادر أجمعت على أن أم هشام اشتهرت بنجاحها في تنسيق خروج الجميع، حتى من كانوا ممنوعين من الدخول إلى مصر (ما يُعرف بـ«تنسيق المدرجين»)، وذلك مقابل مبالغ مالية أكبر مما يدفعه الآخرون في المعتاد. وانتقلت أم هشام مع أسرتها للعيش في القاهرة منذ ذلك الوقت.
سلك آخرون نفس طريق أم هشام وتحولت التنسيقات إلى «بيزنس» حقيقي يعمل بانتظام وكفاءة ويقدم عروضًا وتخفيضات عند التنسيق لأسرة أو مجموعة معًا. لكن أم هشام استمرت صاحبة الطريق الأقوى للتنسيق لأنها تنجح كل مرة، بحسب مصدر السلطة الفلسطينية. «كلمتها واصلة ممكن تمنع أي حد من السفر، وتسكّر المعبر لو ما طلع الشخص اللي منسق معاها»، يقول. وبحسب المصادر، كانت أم هشام الوحيدة التي تجري عمليات التنسيق للجواز الفلسطيني حتى سيطرة «هلا».
حتى هذا الوقت، لم تكن أموال التنسيق الباهظة تمثل فارقًا بعد العبور من غزة إلى مصر. الرحلة من رفح إلى القنطرة عند قناة السويس كانت تمثل معاناة أخرى لم تكن أموال التنسيق تشمل حلها. تُقطع هذه المسافة في الوقت الطبيعي خلال ساعتين على أقصى تقدير. ولكن التفتيشات الدقيقة التي تجريها عشرات الكمائن على الطريق الدولي «العريش/القنطرة» تجبر المسافرين على الانتظار بالساعات، فضلًا عن تخصيص «معدية الفردان» في الإسماعيلية حصرًا لعبور الفلسطينيين، والتي كانت تعمل لعدد ساعات محدود في اليوم. ولا يسمح بعبور الفلسطينيين منها حتى وصول إشارة أمنية لكل حافلة بالعبور. طريق الساعتين قد يستغرق أيامًا بسبب كل هذه الإجراءات.
كان هذا مدخل شركة «هلا» إلى عالم التنسيقات. في 2019، افتتحت الشركة صالة خاصة بالمعبر عُرفت باسم صالة الـVIP، وأعلنت عن برنامج سفر متكامل من باب المنزل في غزة إلى أي مكان في مصر، مرورًا بمعبر رفح، بمبلغ 1200 دولار آنذاك.
الميزة التي قدمتها «هلا» للمسافرين الفلسطينيين هي سرعة الخروج من شمال سيناء، بحسب الدعاية التي نشرتها صفحة الشركة مرارًا. سائقان عملا مع الشركة شرحا لـ«مدى مصر» الفارق بين خدمة «هلا» والتنسيق العادي: «بطلع من معبر رفح بعدّي من كل الكماين من حارة الطوارئ من غير تفتيش لإن السيارة بيكون مُبلّغ برقمها، الشركة مسموح ليها تعدي من معدية القنطرة»، يقول السائق. عند وصول السيارة إلى المعدية، «ببلغ إن السيارة تبع هلا، بدخل [حارة] طوارئ مباشرة وبركب المعدية»، لتستغرق الرحلة وقتها الطبيعي. كل هذه التسهيلات دفعت السائق الثاني للعمل بشكل حصري مع «هلا» والتوقف عن رحلات المعبر العادية، حيث كان يبيت في العريش ليلة وعلى معدية الفردان مثلها، بخلاف تنزيل وتحميل الشنط بسبب التفتيش عند كل كمين.
بوست «هلا» عن عبور المعدية
أضفت «هلا» شكلًا مؤسسيًا على سوق التنسيقات في غزة، حيث تعاقدت مع وكلاء لها في غزة أعلنوا رسميًا عن قيامهم بخدمات التنسيق، وهو ما لم يكن موجودًا قبل ذلك، حيث كانت تعتبر تجارة التنسيق غير رسمية تلاحق حكومة حماس العاملين بها، بحسب المصادر الفلسطينية. وبسبب الخوف من عمليات النصب نتيجة عدم قانونية التنسيق، اعتاد المسافرون إيداع تكلفة التنسيق لدى أحد مكاتب الصرافة هناك، والتي تتولى دفع المقابل للمنسق بعد عبور المسافرين. مع دخول «هلا» لسوق التنسيقات، اكتسب الأمر صفة شبه رسمية. من يريد التنسيق يتوجه لوكلاء الشركة في غزة ويدفع التكلفة ويحصل على وصل مقابل خدمة التنسيق مباشرة.
دخلت «هلا» سوق التنسيقات بسعر تنافسي، 1200 دولار، تشمل النقل من المنزل في غزة إلى المعبر ثم إلى القاهرة، ما أجبر باقي المنسقين على تخفيض أسعارهم التي كانت تتراوح آنذاك بين 1500-2000 دولار. كما هدأت الأوضاع الأمنية في سيناء وتحسنت العلاقة بين مصر وحركة حماس، وامتدت فترات فتح المعبر لأيام متواصلة، ما نتج عنه انخفاض أكبر في أسعار التنسيقات حتى وصلت إلى 350 دولار فقط قبل السابع من أكتوبر الماضي، بحسب أحد المنسقين الذين تحدثوا إلى «مدى مصر».
إلى جانب بيزنس تنسيق السفر العادي، ظهرت أشكال جديدة من التنسيقات مقابل أسعار مختلفة، بحسب اثنين من المنسقين. إلى جانب تنسيق «المدرجين»، هناك تنسيق «الصالة»، والذي يلجأ إليه الرجال ممن تقل أعمارهم عن 40 سنة، والذين تمنع مصر دخولهم، وذلك إذا كانوا يحملون تأشيرة دخول دولة أخرى أو مرافقين لآخرين أكبر من 40 عامًا. ولا يُسمح لهؤلاء بالدخول إلا بعد مقابلة أحد رجال الأمن في المعبر. وهناك تنسيق «البوابة»، أو التنسيق المستعجل، والذي يسمح بالسفر في نفس اليوم.
كل هذا توقف بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وبدء إسرائيل عدوانها غير المسبوق على القطاع. ومع عودته، بدأت فوضى التنسيق، التي استغرقت أشهر حتى نجحت شركة العرجاني في السيطرة عليه.
ليس هذا فقط ما نجحت إحدى شركات العرجاني في استعادة سيطرتها عليه. هناك أيضًا بيزنس المساعدات والبضائع. ثلاثة مصادر تحدثت إلى «مدى مصر»، بشرط عدم الإفصاح عن هوياتهم، أحدهم إداري في معبر العوجة، واثنان في جمعية «الهلال الأحمر المصري» في شمال سيناء، شرحوا طريق شركة «أبناء سيناء»، المملوكة للعرجاني أيضًا، للسيطرة على بيزنس المساعدات والبضائع.
قبل بدء الحرب، كانت «أبناء سيناء» تدير كل عمليات دخول البضائع إلى قطاع غزة بشكل حصري، بحسب منشورات الشركة. لكن مع بدء وصول المساعدات إلى العريش ودخولها إلى قطاع غزة، أواخر أكتوبر الماضي، تولى الهلال الأحمر المصري مسؤولية استلامها ونقلها وشحنها وتفريغها بشكل كامل، بحسب أحد مصدري الهلال الأحمر.
تواصل «الهلال الأحمر» مع «مقاولين تريلات»، الذين أحضروا بدورهم السائقين والشاحنات من شركات شحن أصغر، بالإضافة إلى جلب عمال (شيّالين) لمساعدة متطوعي الهلال. كما تولى «الهلال الأحمر» مسؤولية تلقي الأموال من المنظمات الدولية والدول التي ترسل مساعدات، والتي تُستخدم للإنفاق على إدارة الجانب اللوجستي من المساعدات.
لكن، منذ منتصف نوفمبر الماضي تولت شركة «أبناء سيناء» بشكل مباشر مسؤولية النقل والشحن وتوريد العمال، بدلًا من الهلال الأحمر المصري، الذي بات دوره يقتصر على استلام المساعدات من الخارج ومعاينتها والتنسيق مع الدول فقط، بحسب مصدري الهلال الأحمر.
الظهور الأول لشركة «أبناء سيناء» في هذه العملية، جاء بالتزامن مع إدخال أول شاحنة وقود إلى قطاع غزة في 15 نوفمبر الماضي عبر معبر رفح، حين أعلنت الشركة وقتها أنها «توجت… كناقل لوجستي لهذه المساندة».
مصدر إداري في معبر رفح قال لـ«مدى مصر» إن هذه الشاحنة دخلت إلى الجانب الفلسطيني مساء يوم 14 نوفمبر. بعد نحو ربع ساعة، فوجئ العاملون بخروجها قبل تفريغ حمولتها وتأجيل دخولها حتى صباح اليوم التالي، حيث عُلقت لافتات شركة «أبناء سيناء» على جوانب الشاحنة قبل إدخالها مرة ثانية.
مع هذا الظهور الأول، بدأت الشركة في بسط سيطرتها على الجوانب المختلفة من مجال المساعدات الإنسانية. رفعت الشركة لافتات كُتب عليها «مخازن شركة أبناء سيناء» على المخزن الرئيسي الذي يستخدمه «الهلال الأحمر» في العريش، والذي تبرع به أحد رجال الأعمال هناك للجمعية. وتطور الأمر بعدها لتفتتح الشركة عدة مخازن أخرى بجوار المخزن الرئيسي. وتولت الشركة نقل المساعدات من الميناء والمطار وتخزينها، بحسب مصدر «الهلال الأحمر».
كذلك استحوذت الشركة على عملية شحن المساعدات ونقلها خلال عمليات التفتيش حتى تصل إلى الجانب الفلسطيني، بحسب مصدري «الهلال الأحمر».
تخصصت الشركة في نقل المساعدات القادمة من الدول والمؤسسات الدولية، خصوصًا تلك التي تصل إلى مصر عبر موانئ ومطارات خارج شمال سيناء. السبب، بحسب أحد مصدري «الهلال الأحمر»، هو الوضع الخاص الذي تتمتع به شاحنات الشركة عند الكمائن ومعديات قناة السويس، والتي يُسمح بدخولها سريعًا على عكس الشاحنات الأخرى التي تتعرض لتفتيش صارم وقد تضطر للمبيت أيامًا في انتظار التصاريح الأمنية الخاصة والسماح لها بالدخول.
لهذا توجهت بعض الدول -أهمها قطر والإمارات- إلى التعامل مباشرة مع «أبناء سيناء»، بحسب المصدر. أما باقي الدول التي وصفها بـ«الغلبانة» مثل دول أمريكا اللاتينية، أو باقي دول الخليج، التي لم ترسل وفودًا لمرافقتها، فإنها لا تزال تعتمد على «الهلال الأحمر»، والذي يتعامل بدوره مع «أبناء سيناء».
لكن سيطرة الشركة لم تتوقف عند المساعدات، وإنما امتدت كذلك إلى إدخال شاحنات بضائع تجارية تُباع في القطاع.
الإعلان الأول عن بدء دخول البضائع التجارية جاء من الولايات المتحدة في ديسمبر الماضي، دون الكشف عن أي تفاصيل بشأن كميات البضائع التي تدخل إلى القطاع، ولا الجهات التي تتولى عملية دخولها، كما لم تصدر بيانات رسمية من مصر بشأنها.
ومنذ 29 ديسمبر الماضي، احتوت بيانات هيئة المعابر الفلسطينية على بند «قطاع خاص»، تضمن ما بين 30 إلى 60 شاحنة يوميًا تدخل من خلال معبر رفح، من إجمالي لا يتخطى 150 شاحنة كانت تدخل للقطاع المحاصر من معبري رفح وكرم أبو سالم.
بيان من هيئة المعابر الفلسطينية يحوي بند «قطاع خاص» للبضائع التجارية
استمر هذا حتى أوقفت مصر في 18 يناير الماضي دخول البضائع التجارية، وقصرت الدخول على شاحنات المساعدات. وبحسب مصدر معبر العوجة، جاء القرار المصري بناءً على طلب إسرائيلي حتى يتسنى للأطراف المختلفة الاتفاق على آلية واضحة لدخول البضائع التجارية.
تواصل «مدى مصر» مع وزارة الخارجية المصرية و«الهلال الأحمر» المصري والهيئة العامة للاستعلامات للاستفسار عن طبيعة البضائع التجارية التي تدخل القطاع، دون استجابة.
استمر هذا الإيقاف حتى الأسبوع الماضي، حين بدأت شاحنات «أبناء سيناء» في الدخول مرة أخرى حاملةً بضائع تجارية، بحسب بيانات هيئة المعابر الفلسطينية حصل «مدى مصر» على نسخة منها.
هكذا استقر بيزنس المساعدات والبضائع إلى جانب التنسيقات للعرجاني.
تعود بداية العرجاني إلى 20 عامًا مضت، بعد تفجيرات شهدتها مدينة طابا بجنوب سيناء في 2004. بدأت الأجهزة الأمنية حملة تفتيشات واعتقالات واسعة بحثًا عن منفذي التفجير. وأسفرت الحملات عن القبض على العشرات من البدو واتهامهم في قضايا مختلفة. وبحسب الشهادات المتواترة، التي نشرتها وسائل إعلام مختلفة وقتها، تسبب العنف الأمني في ازدياد غضب القبائل البدوية المختلفة هناك، وعلى رأسها القبائل الثلاثة الأهم: الرميلات والسواركة والترابين.
دفعت هذه التوترات بعض الأهالي إلى تنظيم أنفسهم. في 2007، ظهرت حركة تسمى«ودنا نعيش» أسسها نشطاء من قبيلة الرميلات. واستمر الأهالي في الاحتجاج حتى وصل الأمر أحيانًا إلى تنظيم اعتصامات بالقرب من الشريط الحدودي بين مصر وإسرائيل.
أحد هذه الاعتصامات، في 2008، كان نقطة البداية الحقيقية لثلاثي أصبحوا لاحقًا أساطير في سيناء: موسى الدلح وسالم لافي وإبراهيم العرجاني، جميعهم من قبيلة الترابين. قبلها، كان العرجاني ورفيقيه، ضمن مجموعة أخرى مع البدو، يساعدون أجهزة الأمن في البحث عن الإرهابيين، كما صرحوا لوسائل الإعلام في مناسبات مختلفة. كان الثلاثي ضمن البدو المحتجين، لكنهم عملوا كذلك كوسطاء بين الأمن والبدو بحكم علاقاتهم السابقة. لكن هذا الاعتصام غيّر كل شيء.
إبراهيم العرجاني وسالم لافي
موسى الدلح
يشير تحقيق نشرته صحيفة «المصري اليوم» بعدها بعامين إلى أن أحد القيادات الأمنية في شمال سيناء تواصل مع لافي لطلب التوسط لإقناع البدو المعتصمين قرب الحدود بإنهاء اعتصامهم. لكن لافي أخبر الصحيفة أنه كان مشغولًا، ولهذا اتصل العرجاني بشقيقه وطلب منه التوجه إلى موقع الاعتصام لتهدئتهم.
بدلًا من تهدئة الأوضاع، أطلقت قوة من الشرطة النار على شقيق العرجاني وقتلته مع اثنين من أصدقائه. من جانبها، قالت الشرطة إنهم كانوا مسلحين وأنهم رفضوا التوقف عند نقطة تفتيش، وهو ما نفاه العرجاني بشدة.
عُثر على جثث المقتولين في مستودع قمامة، ما دفع لافي والعرجاني لاختطاف العشرات من قوات الشرطة، والذين ظهروا في فيديو شهير يتحدث فيه العرجاني يسأل المخطوفين عن سبب قتل شقيقه.
كانت هذه نقطة البداية لفصل مختلف من حياة الثلاثي. أُطلق سراح المختطفين بعد يوم واحد من اختطافهم. وتواصل نائب مساعد وزير الداخلية للأمن العام وقتها مع العرجاني يطلب لقائهم لحل الأزمة، واعدًا إياهم بالأمان. توجه العرجاني ولافي فعلًا للقائه، لكن بحسب روايتهما، أُلقي القبض عليهما فور وصولهما. الدلح فقط هو من تبقى خارج السجن من الثلاثي، ثم احتجزته الشرطة في سبتمبر 2009 لوقت قصير قبل أن تُطلق سراحه.
في العام التالي، فبراير 2010، دبّرت مجموعة من البدو خطة دقيقة لتهريب لافي من السجن، حسبما شرح لـ«مدى مصر» أحد المقربين من الثلاثي: أحد معارف لافي قام برفع دعوى ضده في العريش اتهمه فيها بإصدار شيك دون رصيد. تطلب هذا نقل لافي من سجنه في الإسماعيلية إلى العريش لمواجهة التهم. في الطريق، قبيل وصولهم إلى العريش، هاجمت مجموعة من البدو سيارة الترحيلات. ونجحوا بالفعل في تهريب لافي مخلفين قتيلين من الشرطة، بينهما ضابط. بقي العرجاني قيد الحبس بينما هرب الجميع إلى منطقة «وادي العمرو» معقدة التضاريس وسط صحراء سيناء.
إثر هذا، بدأت وزارة الداخلية حملة أمنية واسعة النطاق، شملت إعادة فتح كل الملفات الأمنية لأبناء القبائل واعتقالات بالجملة واقتحامات للقرى وتفتيش المنازل. دفع هذا مجموعة من شباب القبائل للهروب إلى الصحراء واللحاق بالدلح ولافي.
تحت وطأة القمع، بدأت الأساطير تُنسج حول المجموعة وتصديهم للشرطة. بدأت المجموعة في الدفاع عن قضيتهم. خلال هذا الصيف، منح لافي صحيفة «اليوم السابع» حوارًا تليفونيًا، تلاه زيارة الصحفي أحمد رجب، كاتب تحقيق «المصري اليوم»، إلى الصحراء ومقابلة الدلح ولافي.
كان الدلح في صدارة هذا المشهد، وأصبح يُشار إليه باعتباره «المتحدث الإعلامي باسم المجموعة المطلوبة أمنيًا في شمال سيناء». كتب رسالة إلى رئيس تحرير «المصري اليوم»، وعقد مؤتمرًا صحفيًا للدفاع عن موقفهم، وتواصل مع عدد من أعضاء مجلس الشعب. في مقال نشره «مدى مصر» في 2017، يتذكر رجب أن الدلح كان «أقربهم لمكانة شيخ القبيلة». يرسم رجب ملامح شخصيته: «يكتب الشعر، ويبحث عن اسمه على جوجل. يستمع للموسيقى تحت القمر والنجوم على كمبيوتر محمول موصل بشبكة إنترنت عابرة للحدود القريبة، بينما يضع الشاي فوق الحطب المشتعل ويفاوض بثقة وبأس واضحين ضابطًا بالمخابرات حاول تهديده باعتقال ابنه».
في النهاية، أفرجت الدولة عن العرجاني ومعه 32 آخرين في يوليو 2010، لتستقر الأوضاع في سيناء أخيرًا.
لم يدم الاستقرار أكثر من شهرين قبل أن تتفجر الأوضاع مرة أخرى، عندما أصدرت محكمة شمال سيناء حكمًا غيابيًا بالسجن المؤبد ضد سبعة أشخاص من القبائل، بينهم لافي، وبدأت الدولة في حشد قواتها للقبض عليهم مرة أخرى.
واستمر الكر والفر بين المجموعة ووزارة الداخلية على مدار الأشهر اللاحقة. وفي نهاية 2010، عقدت «الترابين» مؤتمرًا بحضور جميع مشايخها، أعلن فيه الدلح عن مبادرة إلى الدولة يتعهدون فيها بمنع عمليات التهريب، وعدم السماح باستخدام طرق القبيلة في تهريب البشر إلى إسرائيل، وهي أنشطة كانت شائعة وقتها، مقابل إسقاط الأحكام الغيابية ضد أبنائها.
بعدها بأسابيع، انطلقت ثورة 25 يناير، لتتوقف الشرطة، بعد انهيارها، عن مطاردتهم، ولتتحقق إحدى مطالبهم أخيرًا.
ركزت مطاردات الشرطة في الأشهر الأخيرة قبل الثورة على الدلح ولافي، لكن العرجاني عاش حياته بشكل طبيعي. بعد خروجه من السجن، أسس شركة «أبناء سيناء للتشييد والبناء»، والتي عملت في مجال المحاجر، البيزنس الرائج في شمال ووسط سيناء. بعدها، أسس في 2010 شركة أخرى اسمها مجموعة «السبع جبال»، تعرف نفسها بأنها «الشركة الأم لمجموعة الشركات الرائدة فى مجالات مختلفة» من بينها شركة «أبناء سيناء».
بعد الثورة، انشغل الدلح ولافي في معركة ضد حسن راتب، أحد أكبر رجال الأعمال في شمال سيناء والمقرب من نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. من جانبه، بقي العرجاني بعيدًا عن معركة راتب، على الأقل بشكل علني. واكتفى بإدارة أعماله.
تتفق المصادر على أن العرجاني كان الأقل شأنًا بين الثلاثي. الدلح مثقف مفوه تخرّج من كلية الألسن ويجيد الدفاع عن قضيته. لافي كان ذراعه اليمنى. «المهرب والمتمرد، رد السجون والمناضل»، و«مشروع ‘دون كورليوني’ مصري»، كما يصفه رجب. إلى جوارهما، لم يكن العرجاني سوى صديقهم المقرب، الضلع الأخير في مثلثهم.
بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم في 2012، شنّت إسرائيل عدوانًا على قطاع غزة استمر ثمانية أيام وتوقف بوساطة مصرية. بدأت جهود إعادة إعمار غزة بقيادة قطر. وفي يناير 2013، أعلنت اللجنة القطرية لإعادة الإعمار عن تعاقدها مع شركة المقاولون العرب بنحو 400 مليون دولار لتتولى جهود إعادة الإعمار.
تولت شركتان مصريتان تنفيذ أعمال المقاولات. الأولى اسمها «البراق»، والتي طالتها اتهامات بأنها تتبع جماعة الإخوان، وحصلت من «المقاولون العرب» على عقد التنفيذ، وهو العقد الذي اعترفت «المقاولون العرب» لاحقًا بأنها منحته لها تحت ضغوط من حكومة الإخوان. والثانية هي شركة «أبناء سيناء»، المملوكة للعرجاني، وحصلت على نصيبها عبر شركة فلسطينية تولت إدارة إعادة الإعمار على الجانب الفلسطيني.
أثار استحواذ الشركتين غضب مجموعة أبناء القبائل، ما دفعهم لقطع الطريق ومنع دخول الشاحنات إلى القطاع لحين إشراكهم في عمليات البناء، حسبما نشرت صحيفة «الوطن» وقتها. كذلك اشتعل الصراع بين الشركتين للحصول على ولاءات أبناء القبائل والعائلات، ما تسبب في توقف دخول شاحنات إعادة الإعمار.
لكن أعمال «أبناء سيناء» تمكنت من الاستمرار بعد تدخل صديقي العرجاني، الدلح ولافي، اللذين لعبا دورًا كبيرًا في تأمين طرق مرور الشاحنات عبر تحالفات عقدوها بالمال والنفوذ مع أبناء القبائل الأخرى، بحسب مصدر من قبيلة الرميلات كان على مقربة من هذا الخلاف.
بعد سقوط نظام الإخوان في يوليو 2013، وبسبب الدراما السياسية والأمنية التي شهدتها مصر، أُغلق معبر رفح ولم يُفتح بعدها إلا في ديسمبر. وشكّل العام التالي، 2014، لحظة محورية في مسار صعود العرجاني لسببين أساسيين.
السبب الأول هو تمكّن شركته من الاستحواذ الكامل على عمليات نقل مواد البناء في جهود إعادة الإعمار. فقدت شركة «البراق» نصيبها من المنحة القطرية لتستحوذ «أبناء سيناء» على عمليات نقل ما تتطلبه هذه الجهود. لاحقًا، في صيف 2014، شنّت إسرائيل واحدًا من أسوأ اعتداءاتها على قطاع غزة. دعت مصر بعد الحرب إلى مؤتمر لإعادة إعمار القطاع، بلغت حجم التبرعات فيه 5.4 مليار دولار، يُخصص نصفها لجهود إعادة الإعمار. وسيطرت «أبناء سيناء» حصرًا على النقل والشحن إلى غزة عبر معبر رفح. وتولت «أبناء سيناء» إدارة عملية نقل ما تتطلبه إعادة الإعمار.
في هذا الوقت، كان الرئيس عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع وقتها، يستعد للترشح والفوز برئاسة مصر. خلال حملته الانتخابية، التقى السيسي عددًا من مشايخ سيناء ورجال الأعمال، بينهم العرجاني، والذي جلس بجانب السيسي حاملًا لابتوب يعرض عليه أفكاره حول إقامة مشاريع رخام ورمل زجاجي في سيناء. «هتدّخل مليارات على مصر وسيناء»، بحسب تصريح العرجاني وقتها.
يقول العرجاني في مقابلة تلفزيونية في 2015 مع مصطفى بكري، الإعلامي المقرب من النظام، إن السيسي أبدى استجابة لأفكاره. بعد شهرين من تولي السيسي الرئاسة في يونيو 2014، تأسست شركة «مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار»، والتي يملك جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة 51% من أسهمها، فيما توزعت 49% الباقية على مساهمين مدنيين، وتم تعيين العرجاني رئيسًا لمجلس إدارتها. يوضح العرجاني في المقابلة أن جميع قبائل سيناء أصبحوا شركاء في هذه الشركة بعدما طُرحت أسهمها عليهم بسعر عشرة جنيهات، لكنه لم يكشف عن نصيبه منها (موقع «العرجاني جروب» يشير إلى «مصر سيناء» كإحدى شركاته). وبهذا بدأت مرحلة التوسّع في أعمال العرجاني.
* أسماء مستعارة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
عدل سابقا من قبل hassanbalam في 2024-02-18, 3:29 am عدل 1 مرات | |
|
2024-02-18, 3:18 am من طرف hassanbalam