® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2020-10-18, 6:31 am | | @hassanbalam #بلال_فضل #كتاب_سرقات_مشروعة_لأشرف_عشماوى
قراءة في كتاب المستشار أشرف العشماوي الذي وثّق فيه وقائع التحقيق في بعض سرقات الآثار "المشروعة" وغير المشروعة، وما خفي كان أعظم.
بعض ما أمكن إنقاذه لو ظهرت هذه الواقعة في فيلم سينمائي لظننتها مبالغة ممجوجة، لكنها حدثت في واقع (جمهورية فَشَلو العربية المتحدة)، ولذلك ستصدقها لأنها تندرج تحت بند (العادي بتاعنا). في يوم 20 إبريل 2011، وبتأثير قوة الدفع التي أحدثتها ثورة يناير، والتي شجعت بعض المسئولين على فتح بعض الملفات المغلقة منذ عقود لأسباب غامضة، قرر مسئولو وزارة الثقافة إعادة افتتاح متحف الحضارة المصرية بعد 57 عاماً على إغلاقه.
كان المتحف قد افتُتح عام 1949 بعد عدة سنين من عرض محمد طاهر رئيس الجمعية الزراعية الملكية فكرته على الملك فاروق، ليكون متحفاً يوثق مراحل الحضارة المصرية منذ فجر التاريخ حتى عصر فاروق الأول، الذي أصبح فاروق الأخير، ومع ذلك استمر عمل المتحف الذي كان يضم مئات اللوحات التي رسمها أشهر الرسامين لفاروق، وانضمت إليه في نهاية عام 53 لوحة لمحمد نجيب وهو مجتمع بالضباط الأحرار، وأخرى وهو يحيي الشعب من سيارة مكشوفة، وبعد أن أطاح عبد الناصر بنجيب في عام 54، أغلق المتحف أبوابه بشكل "مؤقت" دام أكثر من نصف قرن، واختفت منه عبر السنين عدة لوحات ومقتنيات، وحين بدأ بعد إعادة الافتتاح ترميم محتوياته التي أضرت بها المياه الجوفية، قام فريق الترميم بإخلاء بعض الجدران من البانورامات المجسمة المثبتة فيها، ليكتشفوا خلف بانوراما تجسِّم مجرى نهر النيل، باباً سرياً يفضي إلى سرداب بعمق ثمانية أمتار داخل الحائط، وجد المسئولون فيه خبيئة تحوي أكثر من مائتي قطعة فنية بين لوحة زيتية من أعمال رواد الفن المهمين، واسكتشات فنية ورسومات هندسية ومعمارية وخرائط نادرة للقطر المصري وتخطيط مدينة الاسكندرية القديمة، ليتم ترميم هذه الأعمال وتعرض للجمهور، وبعد أن استقال الدكتور أشرف رضا رئيس قطاع الفنون التشكيلية بعد ذلك الاكتشاف، أعيدت الخبيئة إلى المخازن لتواجه مصيرها المجهول من جديد.
في كتابه المهم (سرقات مشروعة: حكايات عن سرقة آثار مصر وتهريبها ومحاولات استردادها)، يكشف القاضي والأديب أشرف العشماوي نقلاً عن د. أشرف رضا ود. صبحي الشاروني الناقد البارز، أن سر ذلك السرداب يرجع إلى تعرض الدكتور حسين يوسف فوزي مدير المتحف وأستاذ الفنون الجميلة، لضغوط شديدة من ضباط يوليو، لكي يتخلص من لوحات فاروق ونجيب، فحفر الرجل السرداب في عام 54، ووضع الخبيئة الثمينة خلف مجسم مجرى النيل، ليخفيها عن أيدي الراغبين في تدمير التراث بدعوى تنقية التاريخ، وبعد أن قام بذلك صمت الرجل ومن عاونوه حتى توفاهم الله، ولولا قرار افتتاح المتحف وترميم مقتنياته، لظلت الخبيئة في مكانها ولأكملت المياه الجوفية القضاء عليها.
خلال توثيقه لتجربته القضائية في مجال استرداد الآثار المصرية التي تم نهبها، إما بالسرقة والتهريب أو بالاتفاق الحكومي والإهداء الرئاسي غير المشروعين، يروي المستشار العشماوي وقائع سرقات المجوهرات الملكية التي صادرتها ثورة يوليو، على أيدي المسئولين عن عمليات الجرد والتخزين، والتي عاشت رحلة مأساوية استمرت 56 عاماً، ظل أغلبها داخل صناديق سيئة التهوية بدائية الصنع، لتمتد إليها يد العبث والتبديل، ويخرج بعضها من الصناديق إلى صالات المزادات ثم إلى قاعات المتاحف وقصور أغنياء العالم، ويختفي بعضها في المجهول، ويتلف البعض الآخر، مع أنه كان يفترض أن يتم عرضها منذ البداية في متحف وطني، بدلاً من بقائها في بدروم أسفل البنك الأهلي بوسط القاهرة، بعد أن تم جردها عام 55 في محضر من ورقة واحدة حمل عبارة وحيدة تقول: "العدد مطابق للحكم بالمصادرة، والعهدة سليمة"، وفي كل مرة كانت تظهر قطع من تلك العهدة في صالات المزادات الدولية، لم يكن يسأل أحد عن مصدرها ولا عن مصير باقي العهدة، ليتم تسليم صناديق العهدة في عام 62 إلى وزارة الثقافة لاستخدامها في الأغراض المتحفية، لتستمر أعمال الجرد ـ والتجريد على حد تعبير العشماوي ـ حتى عام 1971، لتثبت تحقيقات النيابة وقتها اختلاس 37 حجراً كريماً من الصينية المهداة من الإمبراطورة أوجيني للخديوي إسماعيل بمناسبة افتتاح قناة السويس، وتنتهي القضية إلى الحفظ لعدم معرفة الفاعل.
خلال السنين التالية استمرت مهازل لجان الجرد والتجريد، واستمر نزيف تلك العهدة المنكوبة، ليضبط عام 1975 سوار مرصع بالأحجار الكريمة من مجوهرات أسرة محمد علي أثناء عرضه للبيع بالولايات المتحدة، وتسفر التحقيقات عن عبث أحد رؤساء اللجان وبعض أعضائها بكشوف الجرد، حيث بدلوا فيها واختلسوا من المجوهرات ما قدرهم عليه الله، بعد أن أجرى رئيس اللجنة تعديلات بخط يده على أصل الكشف في أوصاف المجوهرات ليسهل تبديلها بأخرى مقلدة، وأثبتت التحقيقات أن هناك اختلاساً لعدد 71 مجموعة كبيرة من مجموعات المجوهرات الملكية، وخلال فترة التحقيقات الطويلة توفي المتهمون في القضية، الذين قالت تحريات الشرطة أن ثروتهم لم تتضخم ولم تظهر مظاهر الثراء على ورثتهم، لتصدر النيابة العامة قرارها في عام 2007 بحفظ القضايا والبلاغات المرتبطة بها نهائياً لوفاة جميع المتهمين.
بعدها لعب المستشار العشماوي وزملاؤه دوراً مشرفاً في حفظ ما تبقى في صناديق العهدة من الضياع، بالاستناد إلى نص قرار رئاسي خصص عقاراً بمنطقة زيزينيا بالاسكندرية ليكون متحفاً قومياً لمجوهرات أسرة محمد علي، ليتم تشكيل لجنة من الجهات المختصة، روعي ألا يُكبّل عملها بالتعقيدات الإدارية، لتنهي عملها في أسرع وقت، لتتحرك في منتصف شهر يونيو 2009 عشر سيارات مصفحة تحمل حوالي 45 صندوق كبير وثماني صناديق متوسطة، بها ما تبقى من مجوهرات أسرة محمد علي، بعد أن اكتشف العشماوي وزملاؤه خلال الجرد أن من سرقوا بعض محتويات الصناديق، توجهت أعينهم إلى ما يلمع من الذهب فقط، فتركوا محتويات شديدة الأهمية في قيمتها التاريخية وجمالها الفني.
إلى جوار ما رصده من "سرقات مشروعة" تمت بالتراضي بين بعثات كشف الآثار والحكومات المصرية، يوثق المستشار أشرف العشماوي ـ في كتابه الصادر عن الدار المصرية اللبنانية ـ أهم سرقات المتحف المصري خلال العقود الماضية، والتي كان من أبرزها اكتشاف عالم آثار سوفيتي في عام 59 اختفاء عصا من مجموعة الملك توت عنخ آمون، كان محفوراً عليها بالمصرية القديمة عبارة "من يحمل هذه العصا تحل عليه بركة آمون"، وقد حلت بالفعل على "لاطش العصا" الذي لم يُضبط من حينها، وبعد أن تم جرد المتحف بالكامل وقتها، ظهر أن هناك أكثر من 300 قطعة أثرية قد فقدت للأبد، بل وعثر على حلقة تضم مجموعة مفاتيح لعدد من الفاترينات والخزائن كانت ملقاة في ممر جانبي، دون أن ينتبه إليها أحد لحسن الحظ. بعدها تمت سرقة المتحف المصري بالتتابع في أعوام 79 و87 و93 و97 بطريقة واحدة هي مغافلة السارق للحراس والاختباء في تابوت بعد سرقة ما خف حمله، والخروج في اليوم التالي بعد فتح أبواب المتحف مصحوباً بسلامة الله وبركة الأجداد الذين كانوا يوقعون عقوبات قاسية على سارقي الآثار تصل إلى الخوزقة وجدع الأنف، قبل أن يتبدل حال الدنيا ويصير حاميها حراميها، ويصبح الأمل الوحيد لكل عشاق وحماة الآثار هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه. | |
| |