آخر المساهمات
2024-05-04, 8:54 am
2024-05-04, 8:53 am
2024-05-04, 8:49 am
2024-04-28, 10:02 pm
2024-04-20, 2:14 am
2024-04-20, 1:54 am
2024-04-02, 5:16 am
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

12 نتيجة بحث عن بلال_فضل

كاتب الموضوعرسالة
الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: تحميل رواية أم ميمى pdf بلال فضل
book

المساهمات: 180
مشاهدة: 11703

ابحث في: المكتبة الشاملة   الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: تحميل رواية أم ميمى pdf بلال فضل    الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2021-09-08, 8:03 pm
hassanbalam كتب:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

رواية أم ميمى pdf بلال فضل


الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر P_1839030cj1

لا أدري متى بالضبط لمعت تلك الفكرة النميسة في ذهن شعراوي، لكن أغلب الظن أن ذلك حدث حين رأى نظراتي الشبقة التي استقرت على منحنيات ومنعطفات جسد رحاب وهي ترقص بذمة وضمير في فرح أختها سامية، مع أنني لم أكن وحدي الذي انبهرت برحاب التي رأت في الفرح فرصة لإعلان إمكانياتها التي تؤهلها ببراعة لتجاوز أختها، ولم يكن ذلك الإعلان عاماً لكافة من حضروا الفرح وهم قلة على أي حال، بل كان موجهاً نحو ثلاثة من أقارب العريس حضروا في الأغلب لإسعافه في حالة حدوث مضاعفات في ليلة الدخلة، لكن رحاب لم تحظ باهتمامهم، ليس فقط لأنهم لم يكونوا سعداء بالزيجة إيماناً منهم بمبدأ إعلاني كان منتشراً في تلك الأيام يقول "ليه تدفع أكتر لما ممكن تدفع أقل؟"، ولكن لأنهم شعروا أن تسليط نظراتهم على جسد أخت العروسة وإن كان فائراً مثل بركان فيزوف، سيغضبه أو سيحرجه، والواقع أنهم صبروا ونالوا، لأن "أبو سامية" كان قد قرر إكرام ضيوف صهره بـ "نِمرة" خاصة كان ذكرها يمرّ علي أحياناً في بعض ما أقرأه عن أخبار المجون والليالي الحمراء التي ينفق فيها الأثرياء آلاف الجنيهات والدولارات، ولم أكن أتصور أنني سأشهدها عياناً بياناً دون أن أدفع مليماً أحمر.



لم يكن حجم الشقة يتسع لحضور فرقة غنائية، فقد كان يكفي بالكاد للعشرين ثلاثين كرسي التي جلس عليها المعازيم المنتقون على الفرازة، لكن الكاسيت الذي انبعثت منه أكثر الأغاني ترقيصاً وهشتكة قام بالواجب وزيادة، ليتم إسكاته فجأة، ثم يقوم أبو سامية وشخصان من أقاربه أو من شركائه لا أدري، بوضع ترابيزة خشبية متوسطة إلى جوار الكوشة الصغيرة التي جلس عليها العروسان، في الوقت الذي كانت أم سامية ورحاب قد دارا علينا بأطباق كبيرة تحوي قطعاً منتقاة من الكفتة والكباب وخرطة مكرونة باشميل وبعض أصابع محشي الكرنب وورق العنب، وبعد أن انتهى أغلبنا من التهام ذلك الأكل البيتي اللذيذ، قام أبو سامية بإطفاء أنوار الصالة التي ظلت مضاءة إلى حد ما بالأنوار المنبعثة من باقي الشقة، وفور أن أعاد تشغيل الكاسيت ليصدح بمطلع أغنية "حبيبي يا عيني"، اندفعت من مكان ما امرأة ترتدي عباءة سوداء فضفاضة، وقام أبو سامية بمساعدتها على الصعود إلى الترابيزة التي كانت أعلى من أن تقفز عليها لوحدها.



بعد أن بدأت ذات العباءة في التمايل من باب التسخين على الترابيزة التي ثبت متانتها، أضاء أبو سامية أنوار الصالة وبدأ في التصفيق فتبعناه دون حماس في البداية، لكننا سرعان ما تحمسنا، حين اكتشفنا أنها لا ترتدي العباءة لكونها من أقارب سامية الراغبين في المجاملة، بل كانت على وشك تقديم وصلة رقص استربتيز، حيث بدأت بفك أزرار العباءة على مهل، وانتهت بعد فترة من الزمان مرت كأنها ثواني، بالشروع في خلع ورقة التوت الكلوتّي التي كانت آخر ما ترتديه، لولا أن أوقفتها صرخة العريس الذي أمرها بالتوقف عن ذلك، لأن لكل شيئ حدوداً كما قال.  


بلال فضل عن روايته الجديدة أم ميمى


أخيراً بحمد الله صدرت روايتي الأولى (أم ميمي).
قراء صفحات (قلمين) و(المعصرة) أظنهم يعرفون أم ميمي التي نشرت بعض فصولها في صحيفة الدستور في 2005 وفي صحيفة الشروق في 2012، صحيح أن ما قرأوه كان مجرد نسخة تقبل النشر في الصحف، والرواية المنشورة ليست كذلك، هي للكبار فقط وأيضا هي للذين لا ينقض وضوءهم ظل الكلب على حد التعبير التراثي، لذا لزم التنويه.
تأخر نشر الرواية لأسباب كثيرة من أهمها أن الفصلين الأخيرين كانا يحملان بداخلهما رواية ثانية ترفض الانفصال عن الرواية الأم، وما حل هذه المشكلة هو أنني قرأت في مطلع رواية لأستاذنا خيري شلبي حديثا عن اضطراره لإجراء جراحة لفصل توأم ملتصق بروايته الأصلية، وجربت هذا الحل وأثمر، وأظن أن الذين قرأوا بعض الفصول التي نشرتها في مدونة الكشكول تحت عنوان (العفاريت التي تسكن شقة ياسر الذي مات وأنا أعتقد أن اسمه حسن) وأعجبتهم سيدركون ذلك، لأن هذه الفصول بمثابة جزء ثاني لرحلة بطل رواية أم ميمي وهي رحلة ستطوف على عدة مناطق في القاهرة والجيزة، وهي رحلة حين تكتمل أجزاؤها سأهديها إلى روح الأستاذين خيري شلبي صاحب (موال البيات والنوم) والأستاذ عبد الحكيم قاسم صاحب (قدر الغرف المقبضة)، أما رواية (أم ميمي) نفسها فقد أهديتها إلى "الأغاني الحلوة التي هوّنت المشوار".
من دواعي سروري أن تصدر الرواية عن دار المدى التي كنت من المهووسين بإصداراتها كقارئ وتمنيت أن أتعامل معها ككاتب، ولن أنسى أنها عرفتني وأنا طالب في الجامعة على أعمال عزيز نيسين وفؤاد التكرلي ومحمد الماغوط وهادي العلوي وبو علي ياسين ـ إذا لم تكن قد قرأت لبعضهم الحق نفسك واقرأ لهم وأظنك ستنبسط ـ وقرأت فيها أجمل ما تُرجِم لماركيز وبارجاس يوسا وإيزابيل الليندي ويشار كمال وأورهان باموق والكثير من كتاب نوبل بالإضافة إلى كلاسيكيات الأدب الغربي، وأتمنى أن أقدم من خلال تعاوني مع المدى أعمالاً جميلة بإذن الله.
الرواية متاحة على موقع جملون وموقع نيل وفرات لبيع الكتب، وعليها خصم الآن في موقع جملون، وقريبا ستكون متاحة على كيندل وجوجل بوكس، وكان الله في عون من سيقوم بتسجيلها صوتياً 😊
بعد أن أعلنت دار المدى عن صدور الرواية في معرض بغداد للكتاب ـ قبل أسبوعين ـ طلب مني صديق أن أقول له كلمة قصيرة عنها ليضمها إلى الخبر الذي سينشره عنها، وأول ما جاء في بالي مقولة محمد هنيدي الخالدة: "أنا مش هاقولك إني واد جامد والكلام الفاضي ده، بس باقولك هتموتي يا مجيدة"، لكن وجدت أن الاستشهاد بها لن يكون مناسباً لأسباب كثيرة، فقلت له إنني أعد القارئ بأنه سيستمتع وربما يضحك من قلبه وربما يحزن أيضاً، لكنه بشكل عام "هينبسط"، أما إذا لم يحدث ذلك الانبساط فبالتأكيد لن تكون هذه أقوى ولا آخر خيبات أمله في الحياة.

لتحميل الرواية أضف ردّا واعد تحميل الصفحة
ok
الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: تحميل رواية أم ميمى pdf بلال فضل
abob74

المساهمات: 180
مشاهدة: 11703

ابحث في: المكتبة الشاملة   الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: تحميل رواية أم ميمى pdf بلال فضل    الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2021-05-03, 12:08 am
hassanbalam كتب:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

رواية أم ميمى pdf بلال فضل


الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر P_1839030cj1

لا أدري متى بالضبط لمعت تلك الفكرة النميسة في ذهن شعراوي، لكن أغلب الظن أن ذلك حدث حين رأى نظراتي الشبقة التي استقرت على منحنيات ومنعطفات جسد رحاب وهي ترقص بذمة وضمير في فرح أختها سامية، مع أنني لم أكن وحدي الذي انبهرت برحاب التي رأت في الفرح فرصة لإعلان إمكانياتها التي تؤهلها ببراعة لتجاوز أختها، ولم يكن ذلك الإعلان عاماً لكافة من حضروا الفرح وهم قلة على أي حال، بل كان موجهاً نحو ثلاثة من أقارب العريس حضروا في الأغلب لإسعافه في حالة حدوث مضاعفات في ليلة الدخلة، لكن رحاب لم تحظ باهتمامهم، ليس فقط لأنهم لم يكونوا سعداء بالزيجة إيماناً منهم بمبدأ إعلاني كان منتشراً في تلك الأيام يقول "ليه تدفع أكتر لما ممكن تدفع أقل؟"، ولكن لأنهم شعروا أن تسليط نظراتهم على جسد أخت العروسة وإن كان فائراً مثل بركان فيزوف، سيغضبه أو سيحرجه، والواقع أنهم صبروا ونالوا، لأن "أبو سامية" كان قد قرر إكرام ضيوف صهره بـ "نِمرة" خاصة كان ذكرها يمرّ علي أحياناً في بعض ما أقرأه عن أخبار المجون والليالي الحمراء التي ينفق فيها الأثرياء آلاف الجنيهات والدولارات، ولم أكن أتصور أنني سأشهدها عياناً بياناً دون أن أدفع مليماً أحمر.



لم يكن حجم الشقة يتسع لحضور فرقة غنائية، فقد كان يكفي بالكاد للعشرين ثلاثين كرسي التي جلس عليها المعازيم المنتقون على الفرازة، لكن الكاسيت الذي انبعثت منه أكثر الأغاني ترقيصاً وهشتكة قام بالواجب وزيادة، ليتم إسكاته فجأة، ثم يقوم أبو سامية وشخصان من أقاربه أو من شركائه لا أدري، بوضع ترابيزة خشبية متوسطة إلى جوار الكوشة الصغيرة التي جلس عليها العروسان، في الوقت الذي كانت أم سامية ورحاب قد دارا علينا بأطباق كبيرة تحوي قطعاً منتقاة من الكفتة والكباب وخرطة مكرونة باشميل وبعض أصابع محشي الكرنب وورق العنب، وبعد أن انتهى أغلبنا من التهام ذلك الأكل البيتي اللذيذ، قام أبو سامية بإطفاء أنوار الصالة التي ظلت مضاءة إلى حد ما بالأنوار المنبعثة من باقي الشقة، وفور أن أعاد تشغيل الكاسيت ليصدح بمطلع أغنية "حبيبي يا عيني"، اندفعت من مكان ما امرأة ترتدي عباءة سوداء فضفاضة، وقام أبو سامية بمساعدتها على الصعود إلى الترابيزة التي كانت أعلى من أن تقفز عليها لوحدها.



بعد أن بدأت ذات العباءة في التمايل من باب التسخين على الترابيزة التي ثبت متانتها، أضاء أبو سامية أنوار الصالة وبدأ في التصفيق فتبعناه دون حماس في البداية، لكننا سرعان ما تحمسنا، حين اكتشفنا أنها لا ترتدي العباءة لكونها من أقارب سامية الراغبين في المجاملة، بل كانت على وشك تقديم وصلة رقص استربتيز، حيث بدأت بفك أزرار العباءة على مهل، وانتهت بعد فترة من الزمان مرت كأنها ثواني، بالشروع في خلع ورقة التوت الكلوتّي التي كانت آخر ما ترتديه، لولا أن أوقفتها صرخة العريس الذي أمرها بالتوقف عن ذلك، لأن لكل شيئ حدوداً كما قال.  


بلال فضل عن روايته الجديدة أم ميمى


أخيراً بحمد الله صدرت روايتي الأولى (أم ميمي).
قراء صفحات (قلمين) و(المعصرة) أظنهم يعرفون أم ميمي التي نشرت بعض فصولها في صحيفة الدستور في 2005 وفي صحيفة الشروق في 2012، صحيح أن ما قرأوه كان مجرد نسخة تقبل النشر في الصحف، والرواية المنشورة ليست كذلك، هي للكبار فقط وأيضا هي للذين لا ينقض وضوءهم ظل الكلب على حد التعبير التراثي، لذا لزم التنويه.
تأخر نشر الرواية لأسباب كثيرة من أهمها أن الفصلين الأخيرين كانا يحملان بداخلهما رواية ثانية ترفض الانفصال عن الرواية الأم، وما حل هذه المشكلة هو أنني قرأت في مطلع رواية لأستاذنا خيري شلبي حديثا عن اضطراره لإجراء جراحة لفصل توأم ملتصق بروايته الأصلية، وجربت هذا الحل وأثمر، وأظن أن الذين قرأوا بعض الفصول التي نشرتها في مدونة الكشكول تحت عنوان (العفاريت التي تسكن شقة ياسر الذي مات وأنا أعتقد أن اسمه حسن) وأعجبتهم سيدركون ذلك، لأن هذه الفصول بمثابة جزء ثاني لرحلة بطل رواية أم ميمي وهي رحلة ستطوف على عدة مناطق في القاهرة والجيزة، وهي رحلة حين تكتمل أجزاؤها سأهديها إلى روح الأستاذين خيري شلبي صاحب (موال البيات والنوم) والأستاذ عبد الحكيم قاسم صاحب (قدر الغرف المقبضة)، أما رواية (أم ميمي) نفسها فقد أهديتها إلى "الأغاني الحلوة التي هوّنت المشوار".
من دواعي سروري أن تصدر الرواية عن دار المدى التي كنت من المهووسين بإصداراتها كقارئ وتمنيت أن أتعامل معها ككاتب، ولن أنسى أنها عرفتني وأنا طالب في الجامعة على أعمال عزيز نيسين وفؤاد التكرلي ومحمد الماغوط وهادي العلوي وبو علي ياسين ـ إذا لم تكن قد قرأت لبعضهم الحق نفسك واقرأ لهم وأظنك ستنبسط ـ وقرأت فيها أجمل ما تُرجِم لماركيز وبارجاس يوسا وإيزابيل الليندي ويشار كمال وأورهان باموق والكثير من كتاب نوبل بالإضافة إلى كلاسيكيات الأدب الغربي، وأتمنى أن أقدم من خلال تعاوني مع المدى أعمالاً جميلة بإذن الله.
الرواية متاحة على موقع جملون وموقع نيل وفرات لبيع الكتب، وعليها خصم الآن في موقع جملون، وقريبا ستكون متاحة على كيندل وجوجل بوكس، وكان الله في عون من سيقوم بتسجيلها صوتياً 😊
بعد أن أعلنت دار المدى عن صدور الرواية في معرض بغداد للكتاب ـ قبل أسبوعين ـ طلب مني صديق أن أقول له كلمة قصيرة عنها ليضمها إلى الخبر الذي سينشره عنها، وأول ما جاء في بالي مقولة محمد هنيدي الخالدة: "أنا مش هاقولك إني واد جامد والكلام الفاضي ده، بس باقولك هتموتي يا مجيدة"، لكن وجدت أن الاستشهاد بها لن يكون مناسباً لأسباب كثيرة، فقلت له إنني أعد القارئ بأنه سيستمتع وربما يضحك من قلبه وربما يحزن أيضاً، لكنه بشكل عام "هينبسط"، أما إذا لم يحدث ذلك الانبساط فبالتأكيد لن تكون هذه أقوى ولا آخر خيبات أمله في الحياة.

لتحميل الرواية أضف ردّا واعد تحميل الصفحة


cheers cheers cheers cheers cheers cheers cheers cheers cheers
الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: تحميل رواية أم ميمى pdf بلال فضل
asdqwezxc

المساهمات: 180
مشاهدة: 11703

ابحث في: المكتبة الشاملة   الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: تحميل رواية أم ميمى pdf بلال فضل    الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2021-03-07, 7:48 pm
hassanbalam كتب:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

رواية أم ميمى pdf بلال فضل

الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر P_1839030cj1

لا أدري متى بالضبط لمعت تلك الفكرة النميسة في ذهن شعراوي، لكن أغلب الظن أن ذلك حدث حين رأى نظراتي الشبقة التي استقرت على منحنيات ومنعطفات جسد رحاب وهي ترقص بذمة وضمير في فرح أختها سامية، مع أنني لم أكن وحدي الذي انبهرت برحاب التي رأت في الفرح فرصة لإعلان إمكانياتها التي تؤهلها ببراعة لتجاوز أختها، ولم يكن ذلك الإعلان عاماً لكافة من حضروا الفرح وهم قلة على أي حال، بل كان موجهاً نحو ثلاثة من أقارب العريس حضروا في الأغلب لإسعافه في حالة حدوث مضاعفات في ليلة الدخلة، لكن رحاب لم تحظ باهتمامهم، ليس فقط لأنهم لم يكونوا سعداء بالزيجة إيماناً منهم بمبدأ إعلاني كان منتشراً في تلك الأيام يقول "ليه تدفع أكتر لما ممكن تدفع أقل؟"، ولكن لأنهم شعروا أن تسليط نظراتهم على جسد أخت العروسة وإن كان فائراً مثل بركان فيزوف، سيغضبه أو سيحرجه، والواقع أنهم صبروا ونالوا، لأن "أبو سامية" كان قد قرر إكرام ضيوف صهره بـ "نِمرة" خاصة كان ذكرها يمرّ علي أحياناً في بعض ما أقرأه عن أخبار المجون والليالي الحمراء التي ينفق فيها الأثرياء آلاف الجنيهات والدولارات، ولم أكن أتصور أنني سأشهدها عياناً بياناً دون أن أدفع مليماً أحمر.



لم يكن حجم الشقة يتسع لحضور فرقة غنائية، فقد كان يكفي بالكاد للعشرين ثلاثين كرسي التي جلس عليها المعازيم المنتقون على الفرازة، لكن الكاسيت الذي انبعثت منه أكثر الأغاني ترقيصاً وهشتكة قام بالواجب وزيادة، ليتم إسكاته فجأة، ثم يقوم أبو سامية وشخصان من أقاربه أو من شركائه لا أدري، بوضع ترابيزة خشبية متوسطة إلى جوار الكوشة الصغيرة التي جلس عليها العروسان، في الوقت الذي كانت أم سامية ورحاب قد دارا علينا بأطباق كبيرة تحوي قطعاً منتقاة من الكفتة والكباب وخرطة مكرونة باشميل وبعض أصابع محشي الكرنب وورق العنب، وبعد أن انتهى أغلبنا من التهام ذلك الأكل البيتي اللذيذ، قام أبو سامية بإطفاء أنوار الصالة التي ظلت مضاءة إلى حد ما بالأنوار المنبعثة من باقي الشقة، وفور أن أعاد تشغيل الكاسيت ليصدح بمطلع أغنية "حبيبي يا عيني"، اندفعت من مكان ما امرأة ترتدي عباءة سوداء فضفاضة، وقام أبو سامية بمساعدتها على الصعود إلى الترابيزة التي كانت أعلى من أن تقفز عليها لوحدها.



بعد أن بدأت ذات العباءة في التمايل من باب التسخين على الترابيزة التي ثبت متانتها، أضاء أبو سامية أنوار الصالة وبدأ في التصفيق فتبعناه دون حماس في البداية، لكننا سرعان ما تحمسنا، حين اكتشفنا أنها لا ترتدي العباءة لكونها من أقارب سامية الراغبين في المجاملة، بل كانت على وشك تقديم وصلة رقص استربتيز، حيث بدأت بفك أزرار العباءة على مهل، وانتهت بعد فترة من الزمان مرت كأنها ثواني، بالشروع في خلع ورقة التوت الكلوتّي التي كانت آخر ما ترتديه، لولا أن أوقفتها صرخة العريس الذي أمرها بالتوقف عن ذلك، لأن لكل شيئ حدوداً كما قال.  

بلال فضل عن روايته الجديدة أم ميمى

أخيراً بحمد الله صدرت روايتي الأولى (أم ميمي).
قراء صفحات (قلمين) و(المعصرة) أظنهم يعرفون أم ميمي التي نشرت بعض فصولها في صحيفة الدستور في 2005 وفي صحيفة الشروق في 2012، صحيح أن ما قرأوه كان مجرد نسخة تقبل النشر في الصحف، والرواية المنشورة ليست كذلك، هي للكبار فقط وأيضا هي للذين لا ينقض وضوءهم ظل الكلب على حد التعبير التراثي، لذا لزم التنويه.
تأخر نشر الرواية لأسباب كثيرة من أهمها أن الفصلين الأخيرين كانا يحملان بداخلهما رواية ثانية ترفض الانفصال عن الرواية الأم، وما حل هذه المشكلة هو أنني قرأت في مطلع رواية لأستاذنا خيري شلبي حديثا عن اضطراره لإجراء جراحة لفصل توأم ملتصق بروايته الأصلية، وجربت هذا الحل وأثمر، وأظن أن الذين قرأوا بعض الفصول التي نشرتها في مدونة الكشكول تحت عنوان (العفاريت التي تسكن شقة ياسر الذي مات وأنا أعتقد أن اسمه حسن) وأعجبتهم سيدركون ذلك، لأن هذه الفصول بمثابة جزء ثاني لرحلة بطل رواية أم ميمي وهي رحلة ستطوف على عدة مناطق في القاهرة والجيزة، وهي رحلة حين تكتمل أجزاؤها سأهديها إلى روح الأستاذين خيري شلبي صاحب (موال البيات والنوم) والأستاذ عبد الحكيم قاسم صاحب (قدر الغرف المقبضة)، أما رواية (أم ميمي) نفسها فقد أهديتها إلى "الأغاني الحلوة التي هوّنت المشوار".
من دواعي سروري أن تصدر الرواية عن دار المدى التي كنت من المهووسين بإصداراتها كقارئ وتمنيت أن أتعامل معها ككاتب، ولن أنسى أنها عرفتني وأنا طالب في الجامعة على أعمال عزيز نيسين وفؤاد التكرلي ومحمد الماغوط وهادي العلوي وبو علي ياسين ـ إذا لم تكن قد قرأت لبعضهم الحق نفسك واقرأ لهم وأظنك ستنبسط ـ وقرأت فيها أجمل ما تُرجِم لماركيز وبارجاس يوسا وإيزابيل الليندي ويشار كمال وأورهان باموق والكثير من كتاب نوبل بالإضافة إلى كلاسيكيات الأدب الغربي، وأتمنى أن أقدم من خلال تعاوني مع المدى أعمالاً جميلة بإذن الله.
الرواية متاحة على موقع جملون وموقع نيل وفرات لبيع الكتب، وعليها خصم الآن في موقع جملون، وقريبا ستكون متاحة على كيندل وجوجل بوكس، وكان الله في عون من سيقوم بتسجيلها صوتياً 😊
بعد أن أعلنت دار المدى عن صدور الرواية في معرض بغداد للكتاب ـ قبل أسبوعين ـ طلب مني صديق أن أقول له كلمة قصيرة عنها ليضمها إلى الخبر الذي سينشره عنها، وأول ما جاء في بالي مقولة محمد هنيدي الخالدة: "أنا مش هاقولك إني واد جامد والكلام الفاضي ده، بس باقولك هتموتي يا مجيدة"، لكن وجدت أن الاستشهاد بها لن يكون مناسباً لأسباب كثيرة، فقلت له إنني أعد القارئ بأنه سيستمتع وربما يضحك من قلبه وربما يحزن أيضاً، لكنه بشكل عام "هينبسط"، أما إذا لم يحدث ذلك الانبساط فبالتأكيد لن تكون هذه أقوى ولا آخر خيبات أمله في الحياة.

لتحميل الرواية أضف ردّا واعد تحميل الصفحة

فين اللينك ؟
الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: تحميل رواية أم ميمى pdf بلال فضل
hassanbalam

المساهمات: 180
مشاهدة: 11703

ابحث في: المكتبة الشاملة   الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: تحميل رواية أم ميمى pdf بلال فضل    الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2021-01-13, 10:10 pm
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

رواية أم ميمى pdf بلال فضل

الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر P_1839030cj1

لا أدري متى بالضبط لمعت تلك الفكرة النميسة في ذهن شعراوي، لكن أغلب الظن أن ذلك حدث حين رأى نظراتي الشبقة التي استقرت على منحنيات ومنعطفات جسد رحاب وهي ترقص بذمة وضمير في فرح أختها سامية، مع أنني لم أكن وحدي الذي انبهرت برحاب التي رأت في الفرح فرصة لإعلان إمكانياتها التي تؤهلها ببراعة لتجاوز أختها، ولم يكن ذلك الإعلان عاماً لكافة من حضروا الفرح وهم قلة على أي حال، بل كان موجهاً نحو ثلاثة من أقارب العريس حضروا في الأغلب لإسعافه في حالة حدوث مضاعفات في ليلة الدخلة، لكن رحاب لم تحظ باهتمامهم، ليس فقط لأنهم لم يكونوا سعداء بالزيجة إيماناً منهم بمبدأ إعلاني كان منتشراً في تلك الأيام يقول "ليه تدفع أكتر لما ممكن تدفع أقل؟"، ولكن لأنهم شعروا أن تسليط نظراتهم على جسد أخت العروسة وإن كان فائراً مثل بركان فيزوف، سيغضبه أو سيحرجه، والواقع أنهم صبروا ونالوا، لأن "أبو سامية" كان قد قرر إكرام ضيوف صهره بـ "نِمرة" خاصة كان ذكرها يمرّ علي أحياناً في بعض ما أقرأه عن أخبار المجون والليالي الحمراء التي ينفق فيها الأثرياء آلاف الجنيهات والدولارات، ولم أكن أتصور أنني سأشهدها عياناً بياناً دون أن أدفع مليماً أحمر.



لم يكن حجم الشقة يتسع لحضور فرقة غنائية، فقد كان يكفي بالكاد للعشرين ثلاثين كرسي التي جلس عليها المعازيم المنتقون على الفرازة، لكن الكاسيت الذي انبعثت منه أكثر الأغاني ترقيصاً وهشتكة قام بالواجب وزيادة، ليتم إسكاته فجأة، ثم يقوم أبو سامية وشخصان من أقاربه أو من شركائه لا أدري، بوضع ترابيزة خشبية متوسطة إلى جوار الكوشة الصغيرة التي جلس عليها العروسان، في الوقت الذي كانت أم سامية ورحاب قد دارا علينا بأطباق كبيرة تحوي قطعاً منتقاة من الكفتة والكباب وخرطة مكرونة باشميل وبعض أصابع محشي الكرنب وورق العنب، وبعد أن انتهى أغلبنا من التهام ذلك الأكل البيتي اللذيذ، قام أبو سامية بإطفاء أنوار الصالة التي ظلت مضاءة إلى حد ما بالأنوار المنبعثة من باقي الشقة، وفور أن أعاد تشغيل الكاسيت ليصدح بمطلع أغنية "حبيبي يا عيني"، اندفعت من مكان ما امرأة ترتدي عباءة سوداء فضفاضة، وقام أبو سامية بمساعدتها على الصعود إلى الترابيزة التي كانت أعلى من أن تقفز عليها لوحدها.



بعد أن بدأت ذات العباءة في التمايل من باب التسخين على الترابيزة التي ثبت متانتها، أضاء أبو سامية أنوار الصالة وبدأ في التصفيق فتبعناه دون حماس في البداية، لكننا سرعان ما تحمسنا، حين اكتشفنا أنها لا ترتدي العباءة لكونها من أقارب سامية الراغبين في المجاملة، بل كانت على وشك تقديم وصلة رقص استربتيز، حيث بدأت بفك أزرار العباءة على مهل، وانتهت بعد فترة من الزمان مرت كأنها ثواني، بالشروع في خلع ورقة التوت الكلوتّي التي كانت آخر ما ترتديه، لولا أن أوقفتها صرخة العريس الذي أمرها بالتوقف عن ذلك، لأن لكل شيئ حدوداً كما قال.  

بلال فضل عن روايته الجديدة أم ميمى

أخيراً بحمد الله صدرت روايتي الأولى (أم ميمي).
قراء صفحات (قلمين) و(المعصرة) أظنهم يعرفون أم ميمي التي نشرت بعض فصولها في صحيفة الدستور في 2005 وفي صحيفة الشروق في 2012، صحيح أن ما قرأوه كان مجرد نسخة تقبل النشر في الصحف، والرواية المنشورة ليست كذلك، هي للكبار فقط وأيضا هي للذين لا ينقض وضوءهم ظل الكلب على حد التعبير التراثي، لذا لزم التنويه.
تأخر نشر الرواية لأسباب كثيرة من أهمها أن الفصلين الأخيرين كانا يحملان بداخلهما رواية ثانية ترفض الانفصال عن الرواية الأم، وما حل هذه المشكلة هو أنني قرأت في مطلع رواية لأستاذنا خيري شلبي حديثا عن اضطراره لإجراء جراحة لفصل توأم ملتصق بروايته الأصلية، وجربت هذا الحل وأثمر، وأظن أن الذين قرأوا بعض الفصول التي نشرتها في مدونة الكشكول تحت عنوان (العفاريت التي تسكن شقة ياسر الذي مات وأنا أعتقد أن اسمه حسن) وأعجبتهم سيدركون ذلك، لأن هذه الفصول بمثابة جزء ثاني لرحلة بطل رواية أم ميمي وهي رحلة ستطوف على عدة مناطق في القاهرة والجيزة، وهي رحلة حين تكتمل أجزاؤها سأهديها إلى روح الأستاذين خيري شلبي صاحب (موال البيات والنوم) والأستاذ عبد الحكيم قاسم صاحب (قدر الغرف المقبضة)، أما رواية (أم ميمي) نفسها فقد أهديتها إلى "الأغاني الحلوة التي هوّنت المشوار".
من دواعي سروري أن تصدر الرواية عن دار المدى التي كنت من المهووسين بإصداراتها كقارئ وتمنيت أن أتعامل معها ككاتب، ولن أنسى أنها عرفتني وأنا طالب في الجامعة على أعمال عزيز نيسين وفؤاد التكرلي ومحمد الماغوط وهادي العلوي وبو علي ياسين ـ إذا لم تكن قد قرأت لبعضهم الحق نفسك واقرأ لهم وأظنك ستنبسط ـ وقرأت فيها أجمل ما تُرجِم لماركيز وبارجاس يوسا وإيزابيل الليندي ويشار كمال وأورهان باموق والكثير من كتاب نوبل بالإضافة إلى كلاسيكيات الأدب الغربي، وأتمنى أن أقدم من خلال تعاوني مع المدى أعمالاً جميلة بإذن الله.
الرواية متاحة على موقع جملون وموقع نيل وفرات لبيع الكتب، وعليها خصم الآن في موقع جملون، وقريبا ستكون متاحة على كيندل وجوجل بوكس، وكان الله في عون من سيقوم بتسجيلها صوتياً 😊
بعد أن أعلنت دار المدى عن صدور الرواية في معرض بغداد للكتاب ـ قبل أسبوعين ـ طلب مني صديق أن أقول له كلمة قصيرة عنها ليضمها إلى الخبر الذي سينشره عنها، وأول ما جاء في بالي مقولة محمد هنيدي الخالدة: "أنا مش هاقولك إني واد جامد والكلام الفاضي ده، بس باقولك هتموتي يا مجيدة"، لكن وجدت أن الاستشهاد بها لن يكون مناسباً لأسباب كثيرة، فقلت له إنني أعد القارئ بأنه سيستمتع وربما يضحك من قلبه وربما يحزن أيضاً، لكنه بشكل عام "هينبسط"، أما إذا لم يحدث ذلك الانبساط فبالتأكيد لن تكون هذه أقوى ولا آخر خيبات أمله في الحياة.

لتحميل الرواية أضف ردّا واعد تحميل الصفحة
الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: ما لن تراه من إيميلات هيلاري مقال بلال فضل
hassanbalam

المساهمات: 0
مشاهدة: 249

ابحث في: جريدة العربى الجديد   الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: ما لن تراه من إيميلات هيلاري مقال بلال فضل    الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2020-10-19, 6:32 am
@hassanbalam
#بلال_فضل
#ايميلات_هيلارى_كلينتون_السرية

ما لن تراه من إيميلات هيلاري

بتاريخ 14 يوليو 2011 أرسلت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون من مقر إقامتها في القاهرة، رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى مساعدتها هوما عابدين التي كانت وقتها في واشنطن وقد منعها إنجابها لابنها من مرافقة هيلاري في جولتها في الشرق الأوسط. مع الأسف لم تهتم أي من المواقع الإلكترونية في الفترة الأخيرة بنشر هذه الرسالة لخطورة ما فيها، ولكشفها عن حقيقة الصراع الذي يجري في المنطقة منذ سنوات، ولذلك تواطأ الكل على أهمية حجبها عن القارئ العربي، وسأترك بين يديك نص الرسالة، وأعتذر عن أي زلّات في الترجمة:
"عزيزتي هوما: سننهي غداً زيارة القاهرة، كنت أتمنى أن تكوني معنا، كانت زيارة جميلة لكنها مرهقة للغاية، زحام المدينة وتلوثها مرعبان للغاية، كنت أحتفظ بصورة رومانسية لميدان التحرير الذي رأيناه في التقارير الإخبارية، لكن عندما زرته كان مختلفاً تماماً عما تصورت، كنت أتنفس بصعوبة من زحام المحيطين بي، أغلبهم يصيحون صيحات غير مفهومة، وبعضهم يعتقد أنه يتحدث بالإنجليزية، وأنا برغم الحر والعرق والغبار مضطرة لأن أبتسم للجميع وأؤكد لهم أنني أفهم ما يقولونه.
كان يفترض أن نذهب إلى مطعم قريب يبيع الوجبة الشعبية الأولى في مصر (الكشري)، أحد مسئولي السفارة اختار مطعم كشري بالقرب من الميدان يحمل اسم (التحرير)، ظننت أنهم أطلقوا عليه هذا الاسم بعد الثورة، ثم اتضح أن المطعم يحمل الاسم من سنوات بعيدة، لكن الأمن المصري طلب منا إلغاء الفكرة بعد أن جاءت تقارير حول إمكانية اختراق مطبخ المطعم ووضع شيء ما في مكونات الصلصة التي يتم وضعها على الكشري، وهو ما قالوا لنا إنه يتسبب في حالات تسمم للبعض، في الحقيقة بدا لي وصف الجميع للطبق مغرياً، لذلك تحسرت على إلغاء الفكرة.
قبل حوالي ساعتين، اتصل بي جاك دانيال ضابط المخابرات المرافق لنا في جناحي بالفندق، وقال إن رئيس المخابرات الحربية المصرية اللواء عبد الفتاح السيسي يطلب مقابلتي على وجه السرعة، فتصورت أن هناك مصيبة وقعت وأن انقلاباً عسكرياً حصل للتو، وبدأت أفكر في الاحتمالات المختلفة، لكني فوجئت حين دخل رئيس المخابرات الحربية إلى الجناح، أنه يحمل معه كرتونة ورقية ضخمة، قال إن بداخلها "علبة كشري"، واتضح أنهم هنا يضعون الكشري في علب بلاستيكية ليسهل أكلها في أي مكان، وبرغم أن ذلك ليس صحياً، لكنني تأثرت بتلك الحركة جداً، خصوصاً حين قال لي السيسي إنه أراد أن أجرب مشاعر ملايين المصريين الذين لا يأكلون الكشري في المطاعم لضيقها الشديد، ويفضلون أخذها في عِلَب، بينما يفضل طلاب المدارس أكلها في أكياس بلاستيكية يقومون بثقبها من الأسفل، وقد أصابتني القشعريرة حين تخيلت الصورة.
اتضح أن الكرتونة الورقية تحوي إلى جوار العلبة عدداً من الأكياس بها سوائل مختلفة الألوان، يتم وضعها على الكشري طبقاً لرغبة الآكل، وقد سألني السيسي عن موقفي من الشطة فسألته: هل هي حرّاقة جداً؟ فقال لي: يعني على حسب، فطلبت منه ألا يضع منها الكثير، لكنني حين جربتها وقعت في سحر ما يطلقون عليه "الدقّة"، والتي أظن أنهم سموها بذلك الاسم لأنها تدق رأس من يأكلها من فرط اللذة، قال السيسي إن كل ما أكلته يتم إعداده في مطابخ متخصصة داخل القوات المسلحة، كنت أظن أنها تقوم بعمل الكشري للضباط والجنود، ثم اتضح أن الجيش يمتلك من الباطن سلسلة محلات كشري منتشرة في أرجاء البلاد، فلم أرغب في التعليق على ذلك بشكل سلبي احتراماً له.
بعد الكشري الذي جلب منه السيسي كميات كافية لجميع الزملاء، تناولنا سوياً كوبين من الشاي بالنعناع والقرنفل المزروعين في مزارع القوات المسلحة، وتبادلت معه حديثاً طويلاً عن تقييمه للموقف السياسي في مصر والبلاد المجاورة، وشعرت بارتياح أنني رأيته قبل سفري لأنني تعرفت منه على الكثير من الحقائق التي أخفاها عني جميع من رأيتهم.
دعيني أقول لك شيئاً يا هوما، هذا الرجل مدهش، وأظن أنه سيكون له مستقبل كبير في هذه البلاد، فقط لو تغلب على مشكلة العَرَق والبشرة الدهنية التي تشوش رؤيتك له بشكل واضح، لكنه يظل أفضل من رئيسه طنطاوي الذي أشعر أنه ينام على نفسه حين أتحدث معه، ونائب رئيسه سامي عنان الذي ينبعث الرذاذ من فمه طول الوقت بشكل مزعج.
قبل أن ينصرف قال لي السيسي إن الكشري الذي أعجبني جداً لا يقارن بالكشري الذي تقوم زوجته بعمله في البيت، وأن "الكشري البيتي" يعتبر دليلاً على تميز المرأة في الطبخ، ووعدته أن أقوم بزيارة منزله في زيارتي القادمة، لكنني استغربت حين قال لي بعد ضحكة غريبة: "ومن يدري ربما نأكل الكشري سوياً في قصر الرئاسة"، ولم أفهم هل كانت هذه دعابة أم زلة لسان أم رسالة يجب أن أقوم بتأملها؟ على أية حال، لدي الكثير من المفارقات المضحكة عن هذا البلد العجيب والجميل، سنحكي كثيراً حين نلتقي".
بتاريخ 15 ديسمبر 2012 أرسلت هيلاري كلينتون من غرفتها في مستشفى والتر ريد العسكري الرسالة الإلكترونية التالية إلى مساعدتها هوما عابدين التي كانت تعاني وقتها من أزمة نفسية حادة بسبب فضائح زوجها أنتوني وينر التي نشرتها الصحافة:
"عزيزتي هوما، أتمنى أن تكوني قوية في ظل كل ما يجري، أطمئنك أنا الآن بخير، لم تسبب الجلطة لي أي إصابات عصبية مباشرة، وهذا ما كان يقلقني، لن تصدقي ما قاله لي الدكاترة، اتضح أن كل ما جرى لي كان بسبب فيروس تسلل إلى الأمعاء، يقول الأطباء إنني ربما أكون التقطته خلال زيارتي إلى أوروبا، لكن سؤالهم لي عما إذا كنت آكل الشطة بكثافة، جعلني أشك في الكشري الذي أكلته في مصر العام الماضي، هل تظنين أن السيسي له علاقة بما حدث؟ لا أريد أن أظلم أحداً، لكنني لن أسامحه أبداً لا هو ولا الجيش المصري لو اتضح أن لهم علاقة بالموضوع، ابقي على اتصال. ملاحظة: لا تخبري أنتوني بشيء لكيلا يتسرب الخبر، ماذا أقول لكِ يا عزيزتي، أنا وأنتِ ليس لنا حظ مع الرجال، ملعون أبوهم ولاد كلب".
بتاريخ 3 يوليو 2013 أرسلت هيلاري كلينتون من منتجعها الصيفي في ولاية نيويورك الرسالة الإلكترونية التالية إلى مساعدتها هوما عابدين التي كانت قد بدأت مباحثات الانفصال عن زوجها بعد تكرر فضائحه الجنسية التي نشرتها الصحف والقنوات التلفزيونية بكثافة:
"عزيزتي هوما، أنتظر زيارتك بفارغ الصبر، كوني قوية ولا تكرري خطئي وتسامحي هذا اللعين، قلتها لك من قبل وأكررها: ملعون أبو الرجالة ألف مرة. بالمناسبة هل تابعتي ما جرى في مصر اليوم؟ أخيراً فهمت ما كان يقصده السيسي في ليلة الكشري، اتضح إذن أنه كان يخطط للموضوع من زمان، لعلمك، الآن أصبحت أشك في أن ما جرى لي بسبب ذلك الكشري اللعين كان مقصوداً للإطاحة بي، لا تنسي أن المصريين يتعاونون مع الروس والصينيين منذ فترة والطرفان لديهما خبرة في موضوع تسميم المعارضين، هل تظنين أن السيسي وضع لي شيئاً له تأثير طويل المدى في الكشري؟ لا أدري، أنا الآن مشوشة، هل تظنين أن من الحكمة أن أخبر باراك ليفتح تحقيقاً في الموضوع، المشكلة أنني لو فعلت سأضطر لرؤية جون كيري بوجهه الشاحب كأنه خارج للتو من المشرحة، هل شاهدتِ كيف يفتي في كل شيء بمنتهى الجهل، على أية حال، قلبي ليس مرتاحاً لهذا الموضوع، لكن سأترك تصفية حسابي مع السيسي إلى ما بعد وصولي إلى الرئاسة، وحينها سأدعوه على الكشري في البيت الأبيض، وسأصنع له الصلصة بنفسي، لن أترك حقي بسهولة".
...
ليس عندي أدنى شك أنك تدرك منذ ثالث فقرة، إن لم يكن من أول فقرة أن كل ما قرأته في السطور السابقة كان من قبيل الهَجص المستلهم من هوجة الاهتمام بإيميلات هيلاري كلينتون، والتي سيذكر لها التاريخ أنها السياسية الوحيدة التي اشترك آلاف البشر في كتابة مذكراتها ورسائلها وإيميلاتها، وأصدر كل منهم طبعته الخاصة من مذكراتها ورسائلها بما يناسب مزاجه ويعكنن على خصومه السياسيين، وأظن أنها خلال فترة وجيزة ستتجاوز ديستويفسكي ونجيب محفوظ وصلاح جاهين في كم الاقتباسات المنسوبة لهم، التي لم يكتبوها ولم تخطر لهم يوماً على بال.
في الأيام الماضية شعرت بالإشفاق على بعض الزملاء الجادين الذين قرروا أن يقوموا بتفنيد كثير مما يُنسب إلى هيلاري كلينتون في إيميلاتها التي اختار الكثيرون من أبناء جلدتنا أن يطلقوا عليها وصف "التسريبات" لإضفاء المزيد من الإثارة والتشويق، مع أنها أتيحت للجمهور بقرار رسمي من إدارة ترامب، مما يعني أنها ليست وثائق ينطبق عليها توصيف السرية الذي يوجب حجبها لفترة عن الجمهور لأغراض الأمن القومي، وبرغم تقديري لكل ما يقوم به هؤلاء الزملاء الجادين، إلا أن جهودهم في اعتقادي ستلاقي نفس مصير جهود السابقين لهم بإحسان، والذين حاولوا تفنيد الأكاذيب المنسوبة إلى مذكرات هيلاري كلينتون، التي صدرت باللغة العربية قبل أن تنشرها هيلاري بالإنجليزية أصلاً.
أقول هذا عن تجربة، فقد سبق أن قدمت في أولى حلقات برنامج (عصير الكتب) قراءة لمذكرات هيلاري كلينتون تفند الكثير مما نُسِب إليها في مواقع الإنترنت العربية وصفحات الفيس بوك "المشمومة"، والتي أصبحت لأسباب معلومة مصدراً تعتمد عليه الأذرع الإعلامية من كتاب الرأي ومقدمي برامج الهبد شو في هجومهم المستمر على ثورة يناير ومديحهم لعبد الفتاح السيسي دائماً ولحسني مبارك أحياناً، مع أن هيلاري كلينتون تقوم في مذكراتها بتبرير موقفها المتحفظ من ثورة يناير والذي كان مثار خلاف بينها وبين باراك أوباما وبعض مستشاريه، وتقدم ما يشبه التبرير لسياسات مبارك، وتصفه بالنص بأنه كان يواجه تحدياً مؤثراً في الموازنة بين رغبات التحديث من الأقلية المتعلمة ورغبات الأغلبية المحافظة، وفي موضع آخر تطوعت بتبرير انتهاكات عبد الفتاح السيسي لحقوق الإنسان بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد، وأعربت عن أملها أن يتطور ديمقراطياً في المستقبل، وقالت إن البديل عما يفعله السيسي أن تغرق المنطقة في الرمال.
أذكر أنني تلقيت بعد إذاعة الحلقة رسالة من زميل دراسة يهاجمني لأنني أقوم بتضليل وعي الناس، وقبل أن أمسك أعصابي وأعاتبه بهدوء حرصاً على العيش والملح، تخيلت للحظات أنه ربما يكون قد قرأ نسخة مزورة من الكتاب، ولذلك تحدث بكل تلك الثقة، لكنه فاجأني حين قال لي إنه لم يقرأ كتاب هيلاري أصلاً، لكنه لا يصدق أن يكذب كل من قرأ لهم أو شاهدهم بتلك البساطة وهم ينقلون عن مسئولة أمريكية سابقة تصريحات تنشر وتذاع على الملأ، ولذلك لا يعقل في رأيه أن يخطئ كل هؤلاء وأصيب أنا، وحين أرسلت له صوراً من الكتاب تثبت ما قلته، رد على الفور: "طيب، ومن يضمن أن النسخة التي لديك ليست مزورة؟"، ليزهق برده الحاسم روح النقاش والجدل.
طيب، إذا كانت هذه هي الطريقة التي تم التعامل بها لسنوات مع مذكرات منشورة بشكل رسمي وواضح، وتمت ترجمتها إلى اللغة العربية ترجمة معتمدة، فهل تنتظر أن يتم التعامل بطريقة مختلفة مع إيميلات يروي فيها موظفو وزارة الخارجية بعض الوقائع والأحداث كما روتها لهم مصادر مختلفة بعضها لا يتم ذكره صراحة في الإيميلات، ويضيفون عليها بعض التحليلات والتفسيرات التي تخصهم، والتي لم تتبن الإدارة الأمريكية أغلبها بشكل رسمي في تعاملاتها المعلنة مع السياسة المصرية؟ فهل يمكن أن تندهش من حمى التأليف والضرب التي تعم المواقع والصفحات، وفي أحسن الأحوال هل تنتظر شيئاً غير أن يقوم كل من السيساوية والإخوانجية والمباركجية بتنقية الإيميلات واختيار السطور والفقرات التي تناسب تصوراتهم المسبقة للأحداث والتي تؤكد غالباً إيمانهم بنظرية المؤامرة، مع أن الإيميلات لم تقدم في مجملها جديداً يذكر عن الخيبة التي نعيشها منذ سنوات، والتي تسببنا فيها لأنفسنا مع سبق الإصرار والترصد، وهو ما يصعب أن نواجه أنفسنا به، ولذلك لو لم تظهر إيميلات هيلاري لاخترعناها.
الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: قراءة في كتاب المستشار أشرف العشماوي سرقات الآثار المشروعة
hassanbalam

المساهمات: 0
مشاهدة: 179

ابحث في: جريدة العربى الجديد   الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: قراءة في كتاب المستشار أشرف العشماوي سرقات الآثار المشروعة    الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2020-10-18, 6:31 am
@hassanbalam
#بلال_فضل
#كتاب_سرقات_مشروعة_لأشرف_عشماوى

قراءة في كتاب المستشار أشرف العشماوي الذي وثّق فيه وقائع التحقيق في بعض سرقات الآثار "المشروعة" وغير المشروعة، وما خفي كان أعظم.

بعض ما أمكن إنقاذه


لو ظهرت هذه الواقعة في فيلم سينمائي لظننتها مبالغة ممجوجة، لكنها حدثت في واقع (جمهورية فَشَلو العربية المتحدة)، ولذلك ستصدقها لأنها تندرج تحت بند (العادي بتاعنا).
في يوم 20 إبريل 2011، وبتأثير قوة الدفع التي أحدثتها ثورة يناير، والتي شجعت بعض المسئولين على فتح بعض الملفات المغلقة منذ عقود لأسباب غامضة، قرر مسئولو وزارة الثقافة إعادة افتتاح متحف الحضارة المصرية بعد 57 عاماً على إغلاقه.

كان المتحف قد افتُتح عام 1949 بعد عدة سنين من عرض محمد طاهر رئيس الجمعية الزراعية الملكية فكرته على الملك فاروق، ليكون متحفاً يوثق مراحل الحضارة المصرية منذ فجر التاريخ حتى عصر فاروق الأول، الذي أصبح فاروق الأخير، ومع ذلك استمر عمل المتحف الذي كان يضم مئات اللوحات التي رسمها أشهر الرسامين لفاروق، وانضمت إليه في نهاية عام 53 لوحة لمحمد نجيب وهو مجتمع بالضباط الأحرار، وأخرى وهو يحيي الشعب من سيارة مكشوفة، وبعد أن أطاح عبد الناصر بنجيب في عام 54، أغلق المتحف أبوابه بشكل "مؤقت" دام أكثر من نصف قرن، واختفت منه عبر السنين عدة لوحات ومقتنيات، وحين بدأ بعد إعادة الافتتاح ترميم محتوياته التي أضرت بها المياه الجوفية، قام فريق الترميم بإخلاء بعض الجدران من البانورامات المجسمة المثبتة فيها، ليكتشفوا خلف بانوراما تجسِّم مجرى نهر النيل، باباً سرياً يفضي إلى سرداب بعمق ثمانية أمتار داخل الحائط، وجد المسئولون فيه خبيئة تحوي أكثر من مائتي قطعة فنية بين لوحة زيتية من أعمال رواد الفن المهمين، واسكتشات فنية ورسومات هندسية ومعمارية وخرائط نادرة للقطر المصري وتخطيط مدينة الاسكندرية القديمة، ليتم ترميم هذه الأعمال وتعرض للجمهور، وبعد أن استقال الدكتور أشرف رضا رئيس قطاع الفنون التشكيلية بعد ذلك الاكتشاف، أعيدت الخبيئة إلى المخازن لتواجه مصيرها المجهول من جديد.

في كتابه المهم (سرقات مشروعة: حكايات عن سرقة آثار مصر وتهريبها ومحاولات استردادها)، يكشف القاضي والأديب أشرف العشماوي نقلاً عن د. أشرف رضا ود. صبحي الشاروني الناقد البارز، أن سر ذلك السرداب يرجع إلى تعرض الدكتور حسين يوسف فوزي مدير المتحف وأستاذ الفنون الجميلة، لضغوط شديدة من ضباط يوليو، لكي يتخلص من لوحات فاروق ونجيب، فحفر الرجل السرداب في عام 54، ووضع الخبيئة الثمينة خلف مجسم مجرى النيل، ليخفيها عن أيدي الراغبين في تدمير التراث بدعوى تنقية التاريخ، وبعد أن قام بذلك صمت الرجل ومن عاونوه حتى توفاهم الله، ولولا قرار افتتاح المتحف وترميم مقتنياته، لظلت الخبيئة في مكانها ولأكملت المياه الجوفية القضاء عليها.

خلال توثيقه لتجربته القضائية في مجال استرداد الآثار المصرية التي تم نهبها، إما بالسرقة والتهريب أو بالاتفاق الحكومي والإهداء الرئاسي غير المشروعين، يروي المستشار العشماوي وقائع سرقات المجوهرات الملكية التي صادرتها ثورة يوليو، على أيدي المسئولين عن عمليات الجرد والتخزين، والتي عاشت رحلة مأساوية استمرت 56 عاماً، ظل أغلبها داخل صناديق سيئة التهوية بدائية الصنع، لتمتد إليها يد العبث والتبديل، ويخرج بعضها من الصناديق إلى صالات المزادات ثم إلى قاعات المتاحف وقصور أغنياء العالم، ويختفي بعضها في المجهول، ويتلف البعض الآخر، مع أنه كان يفترض أن يتم عرضها منذ البداية في متحف وطني، بدلاً من بقائها في بدروم أسفل البنك الأهلي بوسط القاهرة، بعد أن تم جردها عام 55 في محضر من ورقة واحدة حمل عبارة وحيدة تقول: "العدد مطابق للحكم بالمصادرة، والعهدة سليمة"، وفي كل مرة كانت تظهر قطع من تلك العهدة في صالات المزادات الدولية، لم يكن يسأل أحد عن مصدرها ولا عن مصير باقي العهدة، ليتم تسليم صناديق العهدة في عام 62 إلى وزارة الثقافة لاستخدامها في الأغراض المتحفية، لتستمر أعمال الجرد ـ والتجريد على حد تعبير العشماوي ـ حتى عام 1971، لتثبت تحقيقات النيابة وقتها اختلاس 37 حجراً كريماً من الصينية المهداة من الإمبراطورة أوجيني للخديوي إسماعيل بمناسبة افتتاح قناة السويس، وتنتهي القضية إلى الحفظ لعدم معرفة الفاعل.

خلال السنين التالية استمرت مهازل لجان الجرد والتجريد، واستمر نزيف تلك العهدة المنكوبة، ليضبط عام 1975 سوار مرصع بالأحجار الكريمة من مجوهرات أسرة محمد علي أثناء عرضه للبيع بالولايات المتحدة، وتسفر التحقيقات عن عبث أحد رؤساء اللجان وبعض أعضائها بكشوف الجرد، حيث بدلوا فيها واختلسوا من المجوهرات ما قدرهم عليه الله، بعد أن أجرى رئيس اللجنة تعديلات بخط يده على أصل الكشف في أوصاف المجوهرات ليسهل تبديلها بأخرى مقلدة، وأثبتت التحقيقات أن هناك اختلاساً لعدد 71 مجموعة كبيرة من مجموعات المجوهرات الملكية، وخلال فترة التحقيقات الطويلة توفي المتهمون في القضية، الذين قالت تحريات الشرطة أن ثروتهم لم تتضخم ولم تظهر مظاهر الثراء على ورثتهم، لتصدر النيابة العامة قرارها في عام 2007 بحفظ القضايا والبلاغات المرتبطة بها نهائياً لوفاة جميع المتهمين.

بعدها لعب المستشار العشماوي وزملاؤه دوراً مشرفاً في حفظ ما تبقى في صناديق العهدة من الضياع، بالاستناد إلى نص قرار رئاسي خصص عقاراً بمنطقة زيزينيا بالاسكندرية ليكون متحفاً قومياً لمجوهرات أسرة محمد علي، ليتم تشكيل لجنة من الجهات المختصة، روعي ألا يُكبّل عملها بالتعقيدات الإدارية، لتنهي عملها في أسرع وقت، لتتحرك في منتصف شهر يونيو 2009 عشر سيارات مصفحة تحمل حوالي 45 صندوق كبير وثماني صناديق متوسطة، بها ما تبقى من مجوهرات أسرة محمد علي، بعد أن اكتشف العشماوي وزملاؤه خلال الجرد أن من سرقوا بعض محتويات الصناديق، توجهت أعينهم إلى ما يلمع من الذهب فقط، فتركوا محتويات شديدة الأهمية في قيمتها التاريخية وجمالها الفني.

إلى جوار ما رصده من "سرقات مشروعة" تمت بالتراضي بين بعثات كشف الآثار والحكومات المصرية، يوثق المستشار أشرف العشماوي ـ في كتابه الصادر عن الدار المصرية اللبنانية ـ أهم سرقات المتحف المصري خلال العقود الماضية، والتي كان من أبرزها اكتشاف عالم آثار سوفيتي في عام 59 اختفاء عصا من مجموعة الملك توت عنخ آمون، كان محفوراً عليها بالمصرية القديمة عبارة "من يحمل هذه العصا تحل عليه بركة آمون"، وقد حلت بالفعل على "لاطش العصا" الذي لم يُضبط من حينها، وبعد أن تم جرد المتحف بالكامل وقتها، ظهر أن هناك أكثر من 300 قطعة أثرية قد فقدت للأبد، بل وعثر على حلقة تضم مجموعة مفاتيح لعدد من الفاترينات والخزائن كانت ملقاة في ممر جانبي، دون أن ينتبه إليها أحد لحسن الحظ. بعدها تمت سرقة المتحف المصري بالتتابع في أعوام 79 و87 و93 و97 بطريقة واحدة هي مغافلة السارق للحراس والاختباء في تابوت بعد سرقة ما خف حمله، والخروج في اليوم التالي بعد فتح أبواب المتحف مصحوباً بسلامة الله وبركة الأجداد الذين كانوا يوقعون عقوبات قاسية على سارقي الآثار تصل إلى الخوزقة وجدع الأنف، قبل أن يتبدل حال الدنيا ويصير حاميها حراميها، ويصبح الأمل الوحيد لكل عشاق وحماة الآثار هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: أكاذيب السيسى وتحويل 2011 إلى فزاعة أبديّة للشعب
hassanbalam

المساهمات: 0
مشاهدة: 259

ابحث في: جريدة العربى الجديد   الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: أكاذيب السيسى وتحويل 2011 إلى فزاعة أبديّة للشعب    الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2020-10-18, 6:28 am
@hassanbalam
#بلال_فضل

أكاذيب السيسى والرد عليها بلال فضل

1ـ في كلام كتير من اللي السيسي بيقوله حاليا ما كانش يقدر يقوله في 2014 أو قبل وصوله لمرحلة السيطرة الكاملة على الإعلام وتحويل كل العاملين فيه لأذرع وسيقان، لكن بعد كده أصبح من السهل عليه إنه يكذب براحته لإنه عارف إن جمهوره المستهدف مش هيتاح له فرصة إنه يسمع رد على الأكاذيب دي
2ـ أحدث الأكاذيب اللي قالها امبارح إنه قبل 2012 كان بيسأل كل اللي بيقابلهم من مرشحين الرئاسة والسياسيين عن حلول لمشاكل البلد في الصحة والتعليم والإسكان فما يلاقيش رد، ودي كذبة واسعة لإن كل المرشحين الرئاسيين قدموا على الملأ برامج تفصيلية لحل مشاكل الصحة والتعليم وغيرها من الأزمات
3ـ والحكم على البرامج دي كان يستدعي تنفيذها طبعا، لكن إنك تقول إنك سألت الناس دي كلها فما لقيتش أي رد فانت كذاب، وأي حد كان موجود في الساحة السياسية والإعلامية في الفترة دي يعرف إن المجلس العسكري في فترة حكمه كانت بتتقدم له برامج تفصيلية عن حلول عاجلة للتعامل مع مشاكل مصر
4ـ وفي ألف من يشهد على ده، بس في منهم جوه السجون، واللي منهم بره السجون هيشهد فين والإعلام بيدار من موبايلات ضباط المخابرات. طبعا عشان الكدبة تطلع مسبوكة لازم يتخّن صوته ويصعّر خدوده، ويقولك هاحاججكو قدام ربنا، لكن هل ده هينفي حقيقة إنك كقائد للجيش بتحكم البلد منفردا من 2013؟
5ـ ولما جيت تحكم، لما سألوك عن برنامجك شخطت فيهم وقلت لهم أنا جاي أنقذ البلد، طيب بقى لك سبع سنين بتهري البلد إنقاذ، فين حلولك وفين برامجك؟ ووصّلت البلد لفين في الصحة والتعليم والاقتصاد وكل تفاصيل المعيشة، وهل الأزمات اللي انت زرعتها في كل بيت هتتحل لما بس ترمي بَلاك على 2011؟

6ـ ده انت بقيت بتفتكر 2011 وبتفكر الناس بيها أكتر من اللي شاركوا فيها، ومتخيل إنها هتعيش فزاعة أبدية للشعب، وبتراهن على إن الخوف مش هيخلي الناس تسأل أسئلة منطقية زي:

7ـ هو قبل 2011 مش كان في ناس بتحذر من سياسات مبارك اللي بتعادي أغلبية الشعب وبتساهم في إفقاره وتسويد عيشته وإهدار كرامته وبالتالي ده خلى الشعب ينفجر في جمعة الغضب وما تلاها؟ فانت بنباهتك شايف إن الحل لعدم تكرار اللي حصل في 2011 إنك تفقر الشعب وتسوِّد عيشته وتهدر كرامته أكتر؟
8ـ وهل انت متخيل إن بلد زي مصر بحجم سكانها ده ممكن يتساق بالكذب والتلصيم والتخويف بس، يعني لا عبد الناصر عرف يعمل ده ولا السادات ولا مبارك، وكل واحد فيهم كان حواليه فطاحل في السياسة والإعلام والاقتصاد،هتعرف تعمله بشوية الشراشيح وحرامية الغسيل وساقطي التوجيهية اللي لمّيتهم حواليك؟
9ـ وأخيرا وليس آخراً: هل موضوع الحِلفان عمّال على بطّال واستدعاء الآيات والأحاديث للهروب من مواجهة الأزمات، هياكل أكتر من كده مع الشعب اللي بَدَع مَثَل: "قالوا للحرامي إحلف قال جالك الفَرَج".

المواطن الشريف


المواطن "الشريف" يكره الأسئلة ويعتبرها من نواقض الوطنية، يحب سيناء ويتشكك في أهلها، يتهم معارضيه بالعمالة لإسرائيل، لكنه لا يجد مشكلة في تباهي قادته بالعلاقات الوثيقة بإسرائيل ولا في بيع الغاز لإسرائيل، يحب المسجد الأقصى، لكنه يكره الفلسطينيين ويحلف لك أنهم باعوا أرضهم لإسرائيل
لكنه في الوقت نفسه يتهم الفلسطينيين بالجهل والتخلف حين يقاومون إسرائيل لأنهم أضعف منها بكثير، يكره كل المدافعين عن الحقوق والحريات من أي اتجاه أو تيار، ويعشق عبد الناصر والسادات ومبارك والسيسي وعمر سليمان وأدولف هتلر وكل من له صلة بالبدلة الميري والبيادة ولو كان من أكلة مال النبي
يفتخر المواطن "الشريف" بشعارات الوحدة الوطنية وبعناق الشيخ والقسيس في الأفلام، لكنه قد يشارك بكل همة في هدم كنيسة بنيت على ناصية شارعه، يكره التكفيريين لكنه لا يكف عن تكفير وتخوين خصومه السياسيين، تطمئنه أخبار صفقات الأسلحة، وتقلقه أي أسئلة عن عمولاتها أو عمن يراقبها
يمكن أن يلقي عليك خطبة عصماء في عدالة الإسلام وتسامح المسيحية، ثم يتحمس لسحق من يعارضون رأيه، يتحدث عن أهمية العلاقات القوية مع أفريقيا لضمان مصالح مصر، لكنه بعدها بجملتين يمكن أن يقول كلاماً عنصرياً يحتقر فيه الأفارقة ويستغرب عدم ضربهم تعظيم سلام لتصوراته عن النيل والكون والحياة
المواطن "الشريف" يبهجه دائماً الكلام عن النصر الوحيد، ويهمه تبرير الهزائم المتعددة والدفاع عن المتسببين فيها، تريحه أكاذيب البيانات الرسمية، ويسعده إنكار الفشل الذي يحاوطه من كل اتجاه، لأنه يحب الحديث عن تحرير الأرض، لكنه لا يكره في الدنيا شيئا مثل محاولة تحرير الإنسان.
الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: قراءة فى كتاب أرض جوفاء الهندسة المعمارية للاحتلال الإسرائيلي إيال وايزمان
hassanbalam

المساهمات: 0
مشاهدة: 876

ابحث في: المنتدى العام   الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: قراءة فى كتاب أرض جوفاء الهندسة المعمارية للاحتلال الإسرائيلي إيال وايزمان    الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2020-09-16, 10:37 am
[center][size=18]@hassanbalam
#أرض_جوفاء
#ايال_وايزمان

سلام المجاري

قراءة في كتاب يوثق الجرائم اليومية المستمرة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي الذي يتغزلون بتحضره ورغبته في السلام.
#بلال_فضل
بعيداً عن كل ما تقوم به إسرائيل فوق سطح الأرض من جرائم وانتهاكات بحق الفلسطينيين، ثمة جريمة أكثر خطورة وأبعد تأثيراً تمارسها إسرائيل تحت سطح الأرض، حيث تسعى للسيطرة على 80 في المائة من المخزون المائي الموجود تحت أرض الضفة الغربية، والذي يعتقد ساسة إسرائيل أن مستقبلها معتمد على مخزونات المياه تلك، التي لا يمكن أن تظل تحت سيطرة الفلسطينيين، برغم أنها المصدر المائي الوحيد للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية، مع أنهم يستخدمون فقط 17 في المائة منه، في حين تستخدم إسرائيل 83 في المائة منه، ومع ذلك تعمل على وصول المياه إلى مئات الآلاف من الفلسطينيين بكميات محدودة وبشكل غير منتظم.

ليست هذه الحقيقة على خطورتها، سوى جزء بسيط من تفاصيل مشهد كبير مخيف، يرسمه الكاتب الإسرائيلي إيال وايزمان في كتاب (أراض جوفاء) الذي يتتبع فيه مظاهر (الهندسة المعمارية للاحتلال الإسرائيلي)، مشيراً في أحد فصول كتابه إلى مصطلح (انتفاضة المياه) الذي أطلقه وزير البنى التحتية الإسرائيلي السابق إيفي إيتام في عام 2005، حين اتهم الفلسطينين بإغراق الأرض عمداً بالفضلات ومياه المجاري بهدف "تلويث المياه الجوفية الإسرائيلية"، متناسياً أن السلطات الإسرائيلية أخفقت طول فترة احتلالها المباشر في توفير البنية التحتية اللازمة لمياه المجاري بالحد الأدنى الذي يوجبه عليها القانون الدولي بوصفها قوة محتلة، وبرغم أن المجتمع الدولي تعهد منذ بداية "عملية" أوسلو بتقديم أكثر من 230 مليون دولار أمريكي للبنية التحتية لمياه الصرف الصحي في الضفة الغربية، فقد أسفرت إجراءات وممارسات الجيش الإسرائيلي العسكرية عن تدمير جزء كبير منها، كما تسبب القصف الإسرائيلي لخطوط إمدد الطاقة الكهربية في يونيو 2006، في تعطيل المضخات الكهربائية وفيضان ثلاثة مرافق لمعالجة مياه المجاري في غزة، فضلاً عن عرقلة وتأجيل عدد من المشاريع التي تعهدت بها جهات دولية.

بسبب سياسة التفرقة الإسرائيلية التي عزلت البلدات والقرى الفلسطينية خلف شتى أنواع الحواجز والجدران، تدهورت الأوضاع الصحية لفلسطينيي الضفة الغربية، ونشأت بسبب صعوبة التنقل أكثر من 300 مقلب نفايات غير نظامي تقع بالقرب من البلدات والقرى، في الوقت نفسه تستخدم شركات إسرائيلية مواقع متعددة في الضفة الغربية للتخلص من نفاياتها الخاصة، على سبيل المثال لا الحصر، تُرمى عشرات الآلاف من أطنان القمامة المنزلية الإسرائيلية بالقرب من الضفة الغربية لمدينة نابلس، وبسبب فوضى التخطيط الإسرائيلي في بناء المستوطنات اليهودية التي تُبنى دون ترخيص، وتُسكّن قبل تركيب أنظمة الصرف الصحي لفرض الأمر الواقع، تتدفق مياه المجاري من التلال التي تبنى عليها المستوطنات إلى الوديان لتختلط بمياه الشرب الفلسطينية في بعض المناطق، وتختلط بمياه المجاري الفلسطينية في مناطق أخرى، وينتج عن ذلك خليط يتسرب إلى أنابيب المياه التي تم تركيبها تحت الجدار العازل، وهو ما ينشأ عنه ما يسميه إيال وايزمان "رُهاب الصحة الصهيوني"، الذي يؤكد خيالاً قومياً في إسرائيل يرى وجود الفلسطينين كمادة دنسة ضمن المشهد الطبيعي الإسرائيلي، لا يجب أن تكون في ذلك المكان أبداً.

بشكل أكثر وقاحة، استعملت الحكومة الإسرائيلية مياه المجاري كأداة فعالة لتهجير قبيلة الجهّالين الفلسطينية التي تعيش في منحدرات أسفل جبل تتمدد عليه مستوطنة معاليه أدوميم، حيث عمدت السلطات إلى كسر أحد أنابيب الصرف الصحي للمستوطنة، مما أدى إلى غمر مساحات واسعة ضمن مخيم القبيلة وحوله، بسيول ومستنقعات من المواد الملوثة لإجبار القبيلة على الهجرة، ليتم السماح لأفراد القبيلة الذين جرى إخلاؤهم بالاستقرار فقط قريباً من مقلب النفايات غير النظامي المجاور لقرية عزيرة الفلسطينية. وفي قطاع غزة الذي يعاني نصف سكانه من عدم استفادتهم من نظام الصرف الصحي، تفيض مياه المجاري على امتداد بعض مخيمات اللاجئين لتصب على الكثبان المحيطة بهم أو في شواطئ غزة مباشرة، وحين تبذل مكاتب الأمم المتحدة في بعض المناطق جهوداً لاستبدال منومة البنى التحتية القائمة بأخرى مدعمة بشبكة مواسير تحت أرضية دائمة، تقابل مساعيها بالرفض والعرقلة، في نفس الوقت لم تقم إسرائيل بالإفراج عن بعض الأموال الدولية القادمة لتمويل الخدمات العامة الفلسطينية والتي كانت تحتجزها لسنين، إلا خوفاً من أزمة صحية يمكن أن تنتقل إليها، أو لأسباب أمنية لأن استمرار تدهور الأحوال في المخيمات يشجع على توسع حركات المقاومة لإسرائيل.

في اجتماع داخل الكنيست أشار آفي ديختر رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي إلى أن صورة مخيم جباليا من الأقمار الصناعية تجعله يبدو كحديقة سنترال بارك في مانهاتن، لكن مع ملاحظة الصورة من زاوية أقرب، يتضح أن البحيرة في مركز الصورة ليست سوى حوض ضخم من مياه المجاري، وبالتالي فإن المخيم في أوضاع كهذه يصبح تربة خصبة للمقاومة، وهنا يستعيد الكاتب تصريحاً لرئيس بلدية القدس تيدي كوليك، يعترف فيه بكل بجاحة أنه لم يقم بخدمات للقدس الشرقية التي يسكنها الفلسطينيون إلا نظام صرف صحي مضيفاً: "هل تعتقدون أن ذلك كان لخيرهم ورفاههم، لا ليس الأمر كذلك، :ان ثمة إصابات بالكوليرا هناك، ودب الخوف من العدوى في أوساط اليهود، ولذلك أنشأنا نظام الصرف الصحي والتروية المائية، وبعد أن اكتمل تم التخلص نهائياً من النتانة غير المحتملة التي كانت تنتشر في القدس الشرقية".

على كثرة ما يقدمه الكتاب من معلومات موثقة عن سياسة إسرائيل لتحويل ما تبقى من الأراضي التي يعيش عليها الفلسطينيون إلى أراض جوفاء، عبر نشر المستوطنات ونقاط التفتيش والحواجز والجدران، وتطبيق منهج الاحتلال من الجو عبر الاغتيالات الموجهة في المناطق التي تم إخلاؤها لكي يعيش عليها الفلسطينيون، يظل من أخطر ما فيه وصف ورد للطريقة التي تم بها بناء مستوطنة على تلة فلسطينية مزروعة بالتين والزيتون، حيث تقدم مستوطنون بشكوى إلى الجيش الإسرائيلي، يشكون من الاستقبال السيء في هواتفهم المحمولة، فاستجابت شركة أورانج لهم بإنشاء برج هوائي لاستقبال الإشارة في المنطقة التي أشار إليها المستوطنون.

اعتبرت قوات الجيش الإسرائيلي أن إقامة هوائي مسألة أمن قومي لا تستدعي الحصول على موافقة من مُلّاك الأرض الخاصة، ولذلك تم الحصول على إذن من الجيش لتعيين حارس خاص للموقع، انتقل للإقامة في عربة مقطورة ووضع سياجاً حول موقع الهوائي، ثم انتقلت زوجته وأبناؤه للإقامة معه وتم مد منزلهم بالماء والكهرباء، وبعدها بأشهر انضمت إليهم خمس عائلات، وأصبح الموقع كياناً رسمياً تنامى باطّراد، وبنت فيه وزارة الإسكان والتعمير حضانة أطفال بحجة وجود عائلات، كما وصلت التبرعات من الخارج لبناء كنيس يهودي، لتصبح تلك البؤرة الأكبر من بين 103 بؤرة استيطانية تترامى على امتداد الضفة الغربية، طبّق مستوطنوها نصيحة آرييل شارون وزير خارجيتهم في 98 حين قال للمستوطنين "اهرعوا إلى انتزاع ما تستطيعون من التلال، لأن كل ما نأخذه الآن سيبقى لنا، وكل ما نتركه سيذهب لهم".
ثم بعد هذا كله، وهو للأسف غيض من فيض، يتعجب الأوساخ من أبناء جلدتنا حين ينفجر غضب الفلسطينيين.
[/size][/center]
الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: محاكمة عسكرية لسيدنا النبى مقال بلال فضل
hassanbalam

المساهمات: 0
مشاهدة: 1148

ابحث في: المنتدى العام   الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: محاكمة عسكرية لسيدنا النبى مقال بلال فضل    الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2019-11-09, 9:30 am
محاكمة عسكرية لسيدنا النبى مقال بلال فضل
#بلال_فضل
@hassanbalam
محاكمة عسكرية لسيدنا النبي!

ما الذي يحدث لو عاد نبيٌ إلى الحياة ورأى ما يفعله أتباعه بالديانة التي دعا إليها؟ سؤال افتراضي وكاشف طرحه عباس محمود العقاد في كتابه (عبقرية المسيح)، مستشهداً برواية الكاتب الروسي العظيم فيودور ديستويفسكي (الإخوة كارامازوف)، والتي تخيل أحد أبطالها أن السيد المسيح عاد إلى الأرض ونزل بإشبيلية في عز سطوة محاكم التفتيش التي سادت الأندلس، فوعظ الناس وصنع المعجزات، وأقبل عليه الضعفاء والمرضى والمحزونون يسألونه العون ويبسطون له شكاويهم، ليرى ذلك الحبر الجليل رئيس ديوان التفتيش، فيأمر باعتقال المسيح فورا وإيداعه السجن.

في المساء يذهب الحبر الطاعن في السن إلى المسيح ليقول له: "إنني أعرفك ولا أجهلك ولهذا حبستك، لماذا جئت إلى هنا؟ لماذا تعوقنا وتلقى العثرات والعقبات في سبيلنا..إنك كلّفت الناس ما ليس لهم به طاقة، كلّفتهم حرية الضمير، كلّفتهم أن يعرفوا الخير والشر لأنفسهم، كلّفتهم أوعر المسالك فلم يطيقوا ما كلّفتهم، والآن وقد عرفنا نحن داءهم وأعفيناهم من ذلك التكليف، فليس أثقل على الإنسان من حمل الحرية، وليس أسعد منه حين يخف عنه حملها، فينقاد طائعاً لمن يسلبه الحرية ويوهمه في الوقت نفسه أنه قد أطلقها له، وفوض إليه الأمر في اعتقاده وعمله، فلماذا تُكلِّف الإنسان من جديد أن يفتح عينيه وأن يتطلع إلى المعرفة وأن يختار لنفسه ما يشاء وهو لا يعلم ما يشاء، إنك منحتنا السلطان قديما وليس لك أن تسترده، وليس في عزمنا أن ننزل عنه، فدع هذا الإنسان لنا وارجع من حيث أتيت، وإلا أسلمناك لهذا الإنسان غدا وسلطناه عليك وحاسبناك بآياتك وأخذناك بمعجزاتك، ولترين غدا هذا الشعب الذي لثم قدميك اليوم مقبلا علينا مبتهلا لنا أن نخلصه منك، وأن ندينك كما ندين الضحايا من المعذبين والمحرفين"، ثم يتخيل ديستويفسكي في نهاية هذه المواجهة أن المسيح لم ينبس بكلمة ولم يقابل هذا الوعيد حتى بالعبوس، بل تقدم إلى رئيس ديوان التفتيش وقبّله ثم خرج إلى ظلام المدينة وغاب عن الأنظار.

كثيراً ما كان خطباء المساجد يقولون لنا في خطبهم الغاضبة عما كان يمكن أن يحدث لو كان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حيا بيننا هذه الأيام، وما الذي كان سيقوله لو رأى أحوالنا التي لم تعد تسر عدوا ولا حبيبا، وجريا على ذلك كما يقول أهل التراث، أتصور أن سيدنا النبي لو كان حيا بيننا الآن، كان سيضطر حتما إلى الهجرة، لكي لا يتعرض للمحاكمة العسكرية إذا طالب بمحاكمة القيادات العسكرية والأمنية لمسئوليتها عن سفك دماء الأبرياء، أو لكي لا يجد نفسه مسجونا بتهمة السعي لإسقاط الدولة إذا اعترض على ما يراه من ظلم وفساد يحيط به من كل حدب وصوب، أو لكي لا يتم استهدافه بالرصاص الحي لو خرج في مظاهرة اعتراضا على أن ضباط الشرطة يتشطرون على المواطنين العُزّل، ويفشلون في القبض على الإرهابيين.

ما سيحزنك أكثر، أن سيدنا النبي لو كان بيننا وفكر في اختيار دولة يهاجر إليها، مثلما هاجر إلى يثرب أو هاجر أصحابه قديماً إلى الحبشة، لما وجد دولة مسلمة يأمن على نفسه فيها من البطش والقمع، وحتى لو وجد دولة مسلمة غنية تستضيفه كأي دولة من دول الخليج، فلن يتمكن فيها من نقد ما يراه حوله من بذخ وفساد وتفرقة طبقية وانتهاك لحقوق الإنسان، ولو حاول فعل ذلك سيُقبض عليه بتهمة التدخل في شئون الدولة الداخلية، وربما توسط أولاد الحلال لترحيله دون أذى، ولوجد من يقول له ما يقال لمن يهاجرون إلى تلك الدول: "خليك في حالك واحمد ربنا فغيرك يتمنى ما أنت فيه".

حتى دولة داعش التي ادّعت رفع لواء شريعته، كان سينتهي به الحال مقتولا فيها، لو اعترض على ما ارتكب فيها من ممارسات إجرامية تصد الناس عن دين الله الذي دعا إليه، ولعله لن يجد في نهاية المطاف سوى الاختيار بين كندا والدانمارك والسويد والنرويج وغيرها من الدول العلمانية التي ستتيح له كمهاجر حرية التعبير عن معتقده والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، بالضبط كما تبيح حرية التعبير لمعارضيه وحتى كارهيه، لكنها في الوقت نفسه ستطبق القانون بصرامة على كل من يفكر أن يتعرض له بأذى مادي، تماماً كما ستطبقه على كل من يفكر في استخدام دعوة النبي لأذى الناس وإرهابهم والتضييق على حرياتهم.

بالتأكيد لم يكن سيدنا النبي سيرى في مهجره ذلك جنة موعودة، خصوصاً بعد أن تتلاشى دهشة البدايات، بل كان سيناضل مع الراغبين في الإصلاح في تلك الدول لمحاربة الظلم والفساد والعنصرية والاحتكار، وبالتأكيد كان سيجد من يدافع عن حقه في التعبير، ومن يطالب بضمان حقوقه الإنسانية كاملة طبقاً للقانون، ومن سيتظاهر من أجل الإفراج عنه لو تمت محاكمته، وكان سينجو من مواجهة المحاكمات العسكرية والإخفاء القسري، لكن ذلك في كل الأحوال لم يكن سيمنع عنصرياً حاقداً من اغتياله، ولم يكن ربما سيمنع أحد أتباع دينه الكارهين للحرية من محاولة قتله لأنه أصبح متهاوناً في تطبيق شريعته، ومن يدري ربما تولت الحكم يوماً ما حكومة يمينية متطرفة كان أول قراراتها ترحيله، ليعود ثانية إلى بلاد المسلمين التي تعتبر الحديث عن الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية خطراً على الدولة والمجتمع.

الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: عن جمال خاشقجي وعزيز السيد جاسم رحمهما الله
hassanbalam

المساهمات: 0
مشاهدة: 634

ابحث في: المنتدى العام   الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: عن جمال خاشقجي وعزيز السيد جاسم رحمهما الله    الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2018-10-25, 12:46 am
#بلال_فضل

عن جمال خاشقجي وعزيز السيد جاسم رحمهما الله وأيضاً عن سعد الحريري ومحمد بن سلمان وصدام والسيسي وأشياء من هذا القبيل وخلافه

@hassanbalam


اتكتب واتقال كتير في حكاية إن صاحب السلطة أياً كان قدرها بيلجأ لتفريغ توتره وغضبه وغله في اللي أدنى منه سلطة وقوة، عشان يعرف يتماسك ويتوازن ويحس بإنه لسه مسيطر، وكلما ازدادت وضاعة صاحب السلطة كلما زادت وحشيته في تفريغ غله تجاه الأدنى منه سلطة وقوة، بشكل يحتار الكثيرين في تفسيره أو تبريره، هتلاقي ده من أول علاقة القهوجي بصبيه والزباين المتأخرين في دفع الحساب أو قليلي الطلبات، وعلاقة السواق بالتبّاع والقابلين للإهانة من الركاب، لغاية علاقة محمد بن سلمان بسعد الحريري.
يعني، في ظل التوتر اللي أحاط بمحمد بن سلمان الأيام اللي فاتت بعد التطورات المتلاحقة اللي أعقبت جريمة قتل جمال خاشقجي الله يرحمه، ومع اشتداد حمى التربيطات والصفقات والوعود والتلويحات من كل أنحاء الكرة الأرضية، لدرجة إنه تم امبارح إلغاء الكلمة اللي كان أعلن سابقاً إنه هيلقيها في القعدة اللي كان عاملها عشان يضايف صحابه الخواجات المؤمنين بقدراته الإصلاحية، والظاهر إنه ما لقاش طريقة إنه يخفف توتره عشان يقدر يتكلم في الموضوع، غير إنه يبعت يجيب سعد الحريري مش بصفته رئيس وزراء دولة هتشارك في الاستثمار، لكن بوصفه ضحية سابقة، أفلت من أي عقوبة بعد التصرف غير المسبوق اللي عمله فيها، وبرغم إن الموضوع ما كانش سر، لأ ده تدخل فيه رؤساء دول منهم ماكرون اللي الحريري طلع على ضمانته بعد ما خلوا سعود القحطاني يضربه ويهينه، وعشان يقدر بن سلمان يتكلم بثقة عن خاشقجي اللي قتله بدم بارد، لازم يكون جنبه تأكيد حي على إن كله بيعدي، وكل حاجة ليها تمن، بس المهم إنك تدفع تمنها، طبعاً ممكن بن سلمان يبقى فاهم الحكاية غلط ويطلع هو شخصياً من ضمن التمن المطلوب دفعه لإن الحكاية تعدي، وجايز لأ، بس اللي هيفضل من الحكاية إن في قاتل لما اتزنق بسبب دوشة حصلت بعد جريمته، هو مش فاهم سببها، بعت جاب ابن القتيل عشان يعزيه، وبعدها بيوم بعت ضحية سابقة عشان يرمي عليها إفيهين يبينوه إنه متماسك ومالي مركزه.
لو طبقت الحكاية دي على السيسي، واللي علاقته بجريمة قتل خاشقجي هو إن مرتكبها هو حليفه أو كفيله أو السبونسر بتاعه، احسبها زي ما تحسبها، هتلاقيه قرر مثلا يفرغ التوتر اللي عنده بإنه يحبس مؤلف كتاب حاول إنه يرد عليه في العنوان من بعيد لبعيد، ويقوله بإن مصر مش بلد فقيرة، ومن غير ما حد يقرا الكتاب اللي اتحبس مؤلفه، وطبعا كل يوم وليلة، ضباطه يرفعوا له تقارير بمين اللي اتحبس ومين اللي اتكدر في سجنه، ومين اللي طلعت له أحكام إفراج ومع ذلك مش بتتنفذ، عشان يحس إنه مسيطر والبلد ممسوكة وتمام التمام، لكن طبعاً لإن مصر دايماً لها لمستها، هتلاحظ إنه في بدايات الأزمة، السيسي عمل حركة مصرية بامتياز، لما قرر يروح عيد القوات الجوية وهو لابس بدلة طيار، وفتحوا له الطيارة ركبها عشان يتصور وهو قاعد فيها، ويبان وهو بيتصور إنه مهموم، وهي حركة حسني مبارك الطيار نفسه ما عملهاش، مع إنه فشخ مصر تلاتين سنة بشرعية إنه طيار، وعمر الناس ما شافته لابس بدلة طيار حربي.
الجبرتي اللي عايش وسطينا دلوقتي وبيكتب التاريخ اللي هيقراه أحفادنا، هيوقف كتير عند الحتة دي وهو بيكتبها، ومش هيعرف هل يحكيها بشكل محايد ويحط معاها الصور والكوميكس اللي طلعت عليه، ولا هيضطر يقول رأيه زي ما الجبرتي كان ساعات بيقول رأيه بشكل ساخر أو غاضب، ولا هيفتح قوس ويجيب سيرة إن أكتر واحد كان بيعمل الحركات دي هو الملك فاروق، كنت نشرت مجموعة صور ليه في أوضاع ملوكية مختلفة: صياد عامل دكتور إلخ، ومن بعده طبعا السادات اللي كان بيبدّع في لبس المناسبات، وكل ما يروح جهة يلبس لبس يشبه لها، لدرجة إن طلعت عليه النكتة الشهيرة إنه لما زار مركز تنظيم الأسرة لبس لولب.
طبعاً من ساعة انكشاف جريمة جمال خاشقجي واضطرار السعودية للاعتراف بها بعد إنكار ومكابرة، اشتغلت نغمة بين أنصار السيسي إنه في الآخر قضا أخف من قضا، وإن السيسي مستبد منضبط، وما بينشرش الصحفيين بالمناشير، ومع حموة الإفيهات اللي الناس بتشارك فيها عشان تقلل مرار عيشتها، بيحب الناس إنهم ينسوا أو يتناسوا المئات اللي اتقتلوا في رابعة، اللي البعض لسه مصمم يكابر ويصوره كموضوع خلافي، من غير ما يعترف إنه اللحظة المؤسسة لطغيان السيسي أيا كان خلافك مع الإخوان وقرفك منهم، طبعا غير الناس اللي بتتصفى كل شوية ويصوروا جنبهم سلاح، وغير جوليو ريجيني والخمسة اللي اتقتلوا على حسه واتنكل بأهاليهم لما اعترضوا، والجرايم المستمرة اللي في السجون اللي بقت بتُنسي بعضها بعضاً.
في أجواء زي دي بتضيق فيها الصدور، بيلجأ البعض لطمأنة نفسهم بحتمية العدالة القادمة يوماً ما، ويلجأ البعض لحيل دفاعية باليقين بإن ما فيش جريمة هيتحاسب عليها حد صاحب سلطة أبداً، وكل الآراء طبعا ليه أسانيدها ووجاهتها، لكن يظل المهم إن جرائم زي اللي بيرتكبها بن سلمان والسيسي وغيرهم، هي نسخة من جرايم ارتكبها قبلهم صدام وحافظ الأسد والقذافي وغيرهم، والناس تعاملت معاها بوصفها جرائم ما لهاش عقوبة، وإنه من الممكن لملمتها والتغاضي عنها عشان المركب تمشي بالكل، واللي حصل بعد كده إن الجرائم فعلا ما تمش محاسبة حد بعينه عليها، لكن دفع تمنها الكل.
من أسبوعين استضفت في عصير الكتب الناقد والأديب العراقي الكبير محسن جاسم الموسوي، واتكلم عن جريمة اختفاء شقيقه الأكبر المثقف العراقي المهم عزيز السيد جاسم، وهو صاحب تاريخ طويل يصعب اختزاله سريعا، وكان زي المرحوم جمال برضه مؤمن بإنه من الممكن التعاون مع رأس النظام لتحقيق مصلحة عامة، ولما أبدى مش هاقول معارضة، لأ مجرد تحفظ وكتب كتب تاريخية أزعجت صدام منها كتاب عن علي بن أبي طالب، عمرك شفت مدخل أبعد من كده للكلام، ومع ذلك تم اعتقاله هو وأخوه واختفى في السجن وفضل من سنة حاجة وتسعين مختفي، وأهله متعشمين إنهم يلاقوه أو يلاقوا جثته بعد ما عرفوا إنه اتقتل من التعذيب، وبقى في النهاية مجرد قصة من قصص طغيان صدام، اللي أكيد في ملايين تعاملوا مع الجريمة إنها دليل على إن قبضة صدام قوية ومحكمة، لدرجة إنه بطش بأهم مثقف عراقي، وما حدش قدر يشيله من منصبه، وفضل العالم يتعامل معاه بوصفه أمر واقع، حتى بعد أول عدوان على العراق، واستمر مثقفين وفنانين كتير شايفينه الضرورة والأسطورة واللي لو مشي البلد هيخرب، لغاية ما البلد خرب وكمل الاحتلال على خرابه، فاتنسى عزيز السيد جاسم هو وغيره وسط كم المآسي والجرائم، وتحول صدام وإجرامه إلى موضوع خلافي، خصوصا عند ملايين الناس اللي بيعتبروا إن الواقع الخرائي بيتولد فجأة، مش إنه بيتم الاستثمار فيه وتربيته وسرطنته عبر سنين وعقود، ولما يحصل الانفجار الكبير، ساعتها ما بيبقاش عند أغلب الناس طقطان ولا وقت إنهم يفكروا في اللي حصل ويتأملوا إنهم يمكن لو كانوا وقفوا ضد جرائم البداية، كان ممكن شكل النهايات يبقى ألطف أو أقل بشاعة.
عموما اللي يعيش يا ما يشوف، بس بحكم الولع بالتاريخ، خالص التحية لكل جبرتي ومقريزي وابن إياس وابن تغرّي بردي عايش وسطينا وبيحاول يحافظ على عقله وأعصابه عشان يكمل اللي بيكتبه واللي هو زي مصائر أوطاننا، ما يعلم بيه إلا ربنا
الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: أسئلة عن الحتميات وأوهامها
hassanbalam

المساهمات: 0
مشاهدة: 576

ابحث في: المنتدى العام   الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: أسئلة عن الحتميات وأوهامها    الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2018-07-22, 5:58 am
#بلال_فضل

أسئلة عن الحتميات وأوهامها
بلال فضل

هل كان من الحتمي أن يوصل ما جرى في 30 يونيو وما تلاه في 3 يوليو إلى ما جرى في مذبحة رابعة؟ هل كان يمكن أن نتجاوز الكثير مما جرى بعد 30 يونيو لو لم تجرفنا أوهام الحسم النهائي، فتبعدنا عن منطقة الحلول الوسط وتنهي لغة التفاوض وتعلي من منطق السحق والفرم، فتقود البعض إلى التمترس في ميداني رابعة والنهضة وتقود البعض إلى تأييد رغبة السيسي في القفز على السلطة؟
فضل الكثيرون اللجوء إلى افتراضات الحتمية لأنها أسهل وأكثر راحة
ليست هذه أسئلة عن الماضي، بل هي أسئلة عن المستقبل الذي لا زال ماضينا يزيده كابوسية، ولذلك يتوجب علينا أن نحاول الإجابة على هذه الأسئلة بهدوء وعقلانية بقدر الإمكان. لكن المشكلة أن بشاعة الحاضر الذي يعيشه ملايين المصريين بكل ما به من قهر وإفقار وظلم وكآبة متعاظمة، تجعل الكثيرين يعتقدون، ولهم عذرهم، أن الانشغال بالإجابة على هذه الأسئلة ليس إلا ضرباً من ضروب الرفاهية أو العبط.

وربما لذلك يفضل الكثيرون اللجوء إلى افتراضات الحتمية لأنها أسهل وأكثر راحة؛ فيعتقد الإخوان وأنصارهم أن مجرد الخروج في مظاهرات 30 يونيو قاد حتماً إلى مذبحة رابعة، وأنه لم يكن هناك سبيل آخر لتجاوز المذبحة إلا عودة مرسي إلى السلطة. ويعتقد أعداء الإخوان أنه لم يكن هناك من طريق للخروج من المأزق السياسي الذي دخلت فيه البلاد عقب 3 يوليو، سوى سحق الإخوان في رابعة والنهضة وتفويض السيسي ليعتلي السلطة.
وأزعم أن استسهال اختيار الحتمية يحمل معه رغبة في الهروب من الاعتراف بالخطايا التي أدت إلى 30 يونيو، ورغبة في الهروب من المسؤولية عن المذابح التي تلته، ولا يمكن أن تفصل تلك الرغبة عن الرهان الذي لا زال يسود لدى الكثيرين على معجزة ما تقوم بتغيير صورة الواقع الكئيب حسب هواهم، دون الاستمرار في مواجهة تبعاته المأساوية.

يتصور السيسي أن تلبيته الكاملة لطلبات صندوق النقد الدولي في ظل استسلام كامل من الشارع لوطأة الصب في المصلحة، قد تقود إلى تحقيق تحسن اقتصادي سريع، إذا استمرت أموال الخليج في التدفق
على صعيد السلطة، يتصور السيسي أن تلبيته الكاملة لطلبات صندوق النقد الدولي في ظل استسلام كامل من الشارع لوطأة "الصب في المصلحة"، قد تقود إلى تحقيق تحسن اقتصادي سريع، إذا استمرت أموال الخليج في التدفق بعد استكمال ترتيبات صفقة القرن وما تلاها من إجراءات اقتصادية مرتبطة بها.

ولذلك لم يعد السيسي مكترثاً بإخفاء نواياه أو تجميلها، فمع كل إجراء اقتصادي يزيد العبء على المواطن العادي الذي اكتسب السيسي شرعيته من تفويضه وتأييده، يتوجه السيسي إلى تكتل أصحاب المصالح الذي يحميه بقرار استرضائي ضامن لاستمرار الولاء، في الوقت الذي يحرص فيه على تمتين دائرته الضيقة وتأمينها من كل ذي خطر محتمل وإن بدا بعيداً، فقد أصبح جلياً للكل أن أي خطر حقيقي على السيسي سيكون من داخل دولاب الدولة، أو ممن سبق له أن كان داخل دولابها، ومع ذلك ليس هناك ما يمنع أن يتم منح الفرصة كاملة لضباط أمن الدولة لكي يثبتوا ولاءهم وقدرتهم على تأمين النظام، ولكي يصفوا حساباتهم القديمة أيضاً.

أما في ساحة المعارضة، إذا تجاوزنا عن الاختزال الذي تتطلبه المساحة، وافترضنا أن هناك معارضة واحدة يمكن أن تجمعها ساحة ما، لا يزال كل شيء كما كان في 30 يونيو الماضي والذي سبقه والذي سيليه، لأسباب أصبح تكرارها مضيعة للوقت. قبل أيام قرأت كلاماً كتبه ثوري متحمس أشار فيه إلى ضرورة أن تخرج جماعة الإخوان وأنصارها من الحياة السياسية للأبد، لأنها انتهت.
وبالطبع تابعت ما أثاره كلامه من مشادات وملاعنات معتادة وممجوجة، لكن ما لفت انتباهي أكثر هو اليقين الذي تحدث به صديقي الثوري عن نهاية جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسي إلى الأبد، فتساءلت عما إذا كان قد زار مؤخراً العديد من مدن مصر وقراها ليصل إلى هذا الاستنتاج، أم أنه استنبطه من مشاهداته على وسائل التواصل الاجتماعي التي تمنحك خيار مشاهدة ما تحب أن تشاهده فقط.
لا أدعي أنني زرت مدن مصر وقراها لأصل إلى استنتاج معاكس، ولست مشغولاً بطرح شواهد تعاكس رأيه مما أشاهده على وسائل التواصل الاجتماعي، وحاشا لله أن أعظ أحداً فأذكره بأنه لا يليق أن يدعو للحرية، وأنت تحجر على غيرك أن يعبر عن رأيه وينشغل بهموم وطنه؛ فلو كان مثل هذا التذكير يجدي لأجدى في السابق، حين كان المرء يظن أنه ليس من الصعب الجمع بين معارضة تيارات الشعارات الإسلامية بما فيها جماعة الإخوان وبين رفض إهدار حقوق وآدمية ومواطنة أنصارها، ليتضح بالتجربة أن مجرد التفكير في هذا بصوت عال يمكن أن ينزع عنك حقوقك وآدميتك ومواطنتك ووطنيتك، فضلاً عن أنه ليس كافياً ولا مُرضياً لأنصار جماعة الإخوان الذين لا يرضون بأقل من إبداء الندم وبوس القدم على معارضة مرسي ومباركة عزله.

لم أعد كما كنت منذ عامين راغباً في الجدال أو متحمساً للمكايدة وتبادل الاتهامات، ليس لأن العقلانية هبطت عليّ فجأة، أو لأن الملل تمكن مني. ولا يمكن لأي عاقل أن يستهين بتأثير الملل على النفوس، بل لأنني أجد الإفراط في ذلك عيباً، في ظل وجود كل هذه المظالم التي لا يتكلم عنها أحد بحماس واهتمام، لأنها تقع على أنصار جماعة الإخوان والمتعاطفين معهم.

لم أعد كما كنت منذ عامين راغباً في الجدال أو متحمساً للمكايدة وتبادل الاتهامات
ليس عندي أدنى شك في أن الكتابة عن هذه المظالم سيغير شيئاً، ولا أعيب على من يكتفي بالكتابة عن المظالم التي تقع على أعضاء التيار السياسي الذي ينتمي إليه، ولا أتصور أن الكتابة عن مظالم الجميع دون تفرقة ستفتح القلوب والعقول، وستدعو الجميع إلى النقد والمراجعة. فقد أصبحت محصناً ضد الإصابة بهذه الأوهام، لكني أصبحت محصناً أيضاً ضد الفرحة بالمكايدة والحماس للجدال وتبادل الاتهامات، برغم أنها أمور تضفي على الحياة حماساً يجعلها مبلوعة أكثر. لكن لماذا أنشغل بالنقاش مع من يرى أن مواصلة سحق الإخوان وأنصارهم ستفيد البلد، إذا كان يرفض إدراك الواقع المحيط به، ويظن أن الحياة ستسير دائماً على هواه هو وأصدقاءه الواقعيين والافتراضيين، ولماذا أنشغل بالنقاش مع من يرغب في تكرار أخطاء الماضي، والتحالف من جديد مع الإخوان وتصديقهم والاعتذار لهم، لأنه لم يساعدهم على تحقيق حلم التمكين الأردوغاني الذي ظنوا أنه أقرب من حبل الوريد، مع كامل الاعتذار لأردوغان بكل عيوبه وأخطائه على وضعه في نفس السياق مع خيرت الشاطر وأمثاله.
لماذا تسمح لنفسك بإضاعة الوقت مع من يعتقد أن ما جرى في 30 يونيو بدأ فقط في 30 يونيو، ومع من يظن أن تأييد 30 يونيو كان لا بد أن يقود إلى مذبحة رابعة وما سبقها وما تلاها، أليست الحتميات مريحة لهؤلاء بشكل لا يمكن أن يختاروا بديلاً عنه؟ ألم تساعد على إعفاء الكثيرين من مسئولية التفكير فيما جرى بعد 11 فبراير 2011؟ ألم يرتح هؤلاء إلى نظرية أن كل ما جرى من أحداث ومذابح وتطورات بعد خلع مبارك كان مخططاً له بدقة من الدولة العميقة التي لا يمكن هزيمتها ولا التغلب على مخططاتها الجهنمية؟ ووجدوا في تصديق ذلك بديلاً أكثر راحة من محاسبة النفس عن الانجراف وراء العواطف الجياشة والصوت العالي والتصورات الخرافية التي لا علاقة لها بالواقع؟

لماذا أنشغل بالنقاش مع من يرى أن مواصلة سحق الإخوان وأنصارهم ستفيد البلد
ما الذي سيجعل هؤلاء جميعاً يتغيرون الآن بالتحديد؟ ولماذا لا يواصلون التصور أن الحل يكمن في العودة إلى نقطة الميدان دون التفكير ـ مجرد التفكير ـ في تصور سياسي للتعامل مع سيطرة المؤسسة العسكرية التي تحتاج إلى ما هو أكثر من رفع شعارات حماسية في وجهها؟ وتصور سياسي للتعامل مع تيارات الإسلام السياسي أو الشعارات الإسلامية أو سمها ما شئت خاصة إذا أدركوا أن اختفاءها من الواقع لن يكون بالسهولة التي يتصورونها؟ هل من العدل أن تطلب ممن يرغب في الخلاص من وطأة القمع أن ينشغل بالتفكير؟ هل من العقل أن تطلب التعقل ممن يعاني من قهر إغلاق المجال السياسي والثقافي؟ أليس في ذلك تعالياً على الواقع يستوجب الغضب ويجعلك أهلاً لكل ما يلحق بك من شتائم واتهامات؟ هل تتصور أنك ستقنع أحداً حين تقول أن البديل الذي يبحث الجميع عنه ويلعنون غيابه، لن يتحقق إلا بالتفكير والتنظير وطرح الأسئلة الصعبة خصوصاً إذا كان ذلك متاحاً بين من يعرفون بعضهم البعض على مستوى القعدات واللقاءات الضيقة والحسابات الشخصية؟

ألا يجب أن تعترف أنك أحياناً تحن إلى الحل السهل الذي يتصور الجميع أنه سيطيح برأس النظام ويأتي برأس آخر ليس مهماً من هو؟ المهم أن يرفع المظالم ويجعل البلد تلتقط أنفاسها، حتى لو أعاد البلاد إلى أيام الاستبداد الناعم والفساد الحويط.
هل هناك من يقوم الآن بمهمة التفكير في المستقبل ولو في "جروبات سرية" أو تنظيمات "تحت أرضية"؟ هل يوجد من يفكر في أهمية البعد عن المشاعر التطهرية التي لا تتفق مع العمل السياسي، والتي تخدع الإنسان وتجعله يتوهم لنفسه حجماً أكبر من حجمه، وتدفعه إلى تكرار أخطاء الماضي؟ هل الوقت مناسب لطرح أفكار تفرق بين المراجعات والتراجعات؟ ألا يساعدنا التنابز بالمواقف والتذكير بها على تأكيد خصومتنا السياسية وتعميق خلافاتنا التي لن نستطيع بناء بدائل سياسية بدون التأكيد عليها؟ ألم يحن الوقت لإدراك أن لحظة الميدان كانت لحظة فارقة يجب مفارقتها، إذا كنا لا نرغب في تكرار أخطاء الماضي؟

أم أن كابوسية الواقع الخانق تجعل من المستحيل فعل شيء سوى الحلم بالخلاص السريع والدعوة إليه؟ أليس من الصعب على الإنسان أن يواجه نفسه بحقيقة ابتعاد الطريق أكثر وأكثر، فيدفعه ذلك إلى مزيج من المكابرة وإنكار القلق وادعاء الأمل، أو يجعله يهرب إلى اتجاه معاكس، يستلذ فيه بنشوة اليأس الكامل، حتى وإن أدرك بعد قليل أنه لا يمتلك رفاهية التوقف عن مواصلة المسير، هل سيكون من المجدي أن ندعو إلى إزاحة الغمة، ونتجاهل أن كل غمة بالضرورة هي تعبير عن مصالح وعلاقات قوة، مهما تخفت خلف شعارات دينية أو وطنية أو حضارية، ولن نزيحها إلا إذا أدركنا ذلك وفهمناه جيداً؟

ليست الأسئلة مبهجة بشكل عام، فما بالك بها حين تُطرح في وقت شديد الكآبة كالذي نعيشه الآن
ليست الأسئلة مبهجة بشكل عام، فما بالك بها حين تُطرح في وقت شديد الكآبة كالذي نعيشه الآن، لكن الأسئلة ستظل أهم ما نملكه، إلى جوار المواساة والتعاطف ومشاركة الأحزان ودعم كل من نستطيع أن ندعمه ولو بكلمة، وفيما عدا ذلك ليس بمقدورنا سوى أن نسأل ونفكر في أسئلتنا، لأننا لن نفقد اهتمامنا بالشأن العام، حتى لو تصورنا ذلك، وستثبت الأيام للكثيرين عكس ما يعتقدونه عن قدرتهم على الانفصال عن الواقع، ولا أظن أن إقناعهم بذلك ممكن، في الحقيقة لا أظن أن أحداً يحتاج الآن إلى إقناع الآخرين بما يؤمن به، وأن كل ما يمكن فعله هو أن تطرح ما لديك من أسئلة وأفكار، في الحيز الذي تستطيعه، وأن تبحث عمن يشاركك في تلك الأسئلة والأفكار، فقد حدث ذلك في كل لحظات خنق المجال العام في تاريخ العالم، وهي لحظات لا تطول وإن طالت لا تدوم، ولا حصانة لأحد من الهلاك خلالها، ولا يمكن لأحد التعالم وادعاء أن هناك وصفات مضمونة للخلاص منها، لكن ربما كان بوسع من استطاع أن يحرر عقله ومشاعره من سطوة اللحظة الراهنة وبطش المحيطين به، أن يدرك أهمية أن يحافظ على عقله من الجمود ومشاعره من انعدام التعاطف مع المظلومين مهما كان مختلفاً معهم، وليس ذلك بالهين، لكنه ليس بالمستحيل، وأظنه مهماً لأن يكون نقطة البداية.

الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: مقالات بلال فضل فى القدس العربى
hassanbalam

المساهمات: 2
مشاهدة: 1519

ابحث في: المنتدى العام   الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: مقالات بلال فضل فى القدس العربى    الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2018-06-12, 5:27 am
#بلال_فضل
الوسم بلال_فضل على المنتدى نوسا البحر 06qpt998
مقالات بلال فضل بجريدة القدس العربى



بعض ما أمكن إنقاذه
بلال فضل
Mar 06, 2018

لو ظهرت هذه الواقعة في فيلم سينمائي لظننتها مبالغة ممجوجة، لكنها حدثت في واقع (جمهورية فَشَلو العربية المتحدة)، ولذلك ستصدقها لأنها تندرج تحت بند (العادي بتاعنا).
في يوم 20 إبريل/نيسان 2011، وبتأثير قوة الدفع التي أحدثتها ثورة يناير/كانون الثاني، التي شجعت بعض المسؤولين على فتح بعض الملفات المغلقة منذ عقود لأسباب غامضة، قرر مسؤولو وزارة الثقافة إعادة افتتاح متحف الحضارة المصرية بعد 57 عاماً على إغلاقه، كان المتحف قد افتُتح عام 1949 بعد عدة سنين من عرض محمد طاهر رئيس الجمعية الزراعية الملكية فكرته على الملك فاروق، ليكون متحفاً يوثق مراحل الحضارة المصرية، منذ فجر التاريخ حتى عصر فاروق الأول، الذي أصبح فاروق الأخير، ومع ذلك استمر عمل المتحف الذي كان يضم مئات اللوحات التي رسمها أشهر الرسامين لفاروق، وانضمت إليه في نهاية عام 53 لوحة لمحمد نجيب وهو مجتمع بالضباط الأحرار، وأخرى وهو يحيي الشعب من سيارة مكشوفة، وبعد أن أطاح عبد الناصر بنجيب في عام 54، أغلق المتحف أبوابه بشكل «مؤقت»، دام أكثر من نصف قرن، واختفت منه عبر السنين عدة لوحات ومقتنيات، وحين بدأ بعد إعادة الافتتاح ترميم محتوياته، التي أضرت بها المياه الجوفية، قام فريق الترميم بإخلاء بعض الجدران من البانورامات المجسمة المثبتة فيها، ليكتشفوا خلف بانوراما تجسِّم مجرى نهر النيل، باباً سرياً يفضي إلى سرداب بعمق ثمانية أمتار داخل الحائط، وجد المسؤولون فيه خبيئة تحوي أكثر من مئتي قطعة فنية بين لوحة زيتية من أعمال رواد الفن المهمين، واسكتشات فنية ورسومات هندسية ومعمارية وخرائط نادرة للقطر المصري، وتخطيط مدينة الإسكندرية القديمة، ليتم ترميم هذه الأعمال وتعرض للجمهور، وبعد أن استقال أشرف رضا رئيس قطاع الفنون التشكيلية بعد ذلك الاكتشاف، أعيدت الخبيئة إلى المخازن لتواجه مصيرها المجهول من جديد.
في كتابه المهم «سرقات مشروعة: حكايات عن سرقة آثار مصر وتهريبها ومحاولات استردادها»، يكشف القاضي والأديب أشرف العشماوي نقلاً عن أشرف رضا وصبحي الشاروني الناقد البارز، أن سر ذلك السرداب يرجع إلى تعرض حسين يوسف فوزي مدير المتحف وأستاذ الفنون الجميلة، لضغوط شديدة من ضباط يوليو/تموز، لكي يتخلص من لوحات فاروق ونجيب، فحفر الرجل السرداب في عام 54، ووضع الخبيئة الثمينة خلف مجسم مجرى النيل، ليخفيها عن أيدي الراغبين في تدمير التراث بدعوى تنقية التاريخ، وبعد أن قام بذلك صمت الرجل ومن عاونوه حتى توفاهم الله، ولولا قرار افتتاح المتحف وترميم مقتنياته، لظلت الخبيئة في مكانها ولأكملت المياه الجوفية القضاء عليها.
خلال توثيقه لتجربته القضائية في مجال استرداد الآثار المصرية التي تم نهبها، إما بالسرقة والتهريب أو بالاتفاق الحكومي والإهداء الرئاسي غير المشروعين، يروي المستشار العشماوي وقائع سرقات المجوهرات الملكية التي صادرتها ثورة يوليو، على أيدي المسؤولين عن عمليات الجرد والتخزين، التي عاشت رحلة مأساوية استمرت 56 عاماً، ظل أغلبها داخل صناديق سيئة التهوية بدائية الصنع، لتمتد إليها يد العبث والتبديل، ويخرج بعضها من الصناديق إلى صالات المزادات ثم إلى قاعات المتاحف وقصور أغنياء العالم، ويختفي بعضها في المجهول، ويتلف البعض الآخر، مع أنه كان يفترض أن يتم عرضها منذ البداية في متحف وطني، بدلاً من بقائها في بدروم أسفل البنك الأهلي وسط القاهرة، بعد أن تم جردها عام 55 في محضر من ورقة واحدة حمل عبارة وحيدة تقول: «العدد مطابق للحكم بالمصادرة، والعهدة سليمة»، وفي كل مرة كانت تظهر قطع من تلك العهدة في صالات المزادات الدولية، لم يكن يسأل أحد عن مصدرها ولا عن مصير باقي العهدة، ليتم تسليم صناديق العهدة في عام 62 إلى وزارة الثقافة لاستخدامها في الأغراض المتحفية، لتستمر أعمال الجرد ـ والتجريد على حد تعبير العشماوي ـ حتى عام 1971، لتثبت تحقيقات النيابة وقتها اختلاس 37 حجراً كريماً من الصينية المهداة من الإمبراطورة أوجيني للخديوي إسماعيل بمناسبة افتتاح قناة السويس، وتنتهي القضية إلى الحفظ لعدم معرفة الفاعل.
خلال السنين التالية استمرت مهازل لجان الجرد والتجريد، واستمر نزيف تلك العهدة المنكوبة، ليضبط عام 1975 سوار مرصع بالأحجار الكريمة من مجوهرات أسرة محمد علي أثناء عرضه للبيع في الولايات المتحدة، وتسفر التحقيقات عن عبث أحد رؤساء اللجان وبعض أعضائها بكشوف الجرد، حيث بدلوا فيها واختلسوا من المجوهرات ما قدرهم عليه الله، بعد أن أجرى رئيس اللجنة تعديلات بخط يده على أصل الكشف في أوصاف المجوهرات ليسهل تبديلها بأخرى مقلدة، وأثبتت التحقيقات أن هناك اختلاساً لعدد 71 مجموعة كبيرة من مجموعات المجوهرات الملكية، وخلال فترة التحقيقات الطويلة توفي المتهمون في القضية، الذين قالت تحريات الشرطة إن ثروتهم لم تتضخم ولم تظهر مظاهر الثراء على ورثتهم، لتصدر النيابة العامة قرارها في عام 2007 بحفظ القضايا والبلاغات المرتبطة بها نهائياً لوفاة جميع المتهمين.
بعدها لعب المستشار العشماوي وزملاؤه دوراً مشرفاً في حفظ ما تبقى في صناديق العهدة من الضياع، بالاستناد إلى نص قرار رئاسي خصص عقاراً في منطقة زيزينيا في الإسكندرية ليكون متحفاً قومياً لمجوهرات أسرة محمد علي، ليتم تشكيل لجنة من الجهات المختصة، روعي ألا يُكبّل عملها بالتعقيدات الإدارية، لتنهي عملها في أسرع وقت، لتتحرك في منتصف شهر يونيو/حزيران 2009 عشر سيارات مصفحة تحمل حوالي 45 صندوقا كبيرا وثمانية صناديق متوسطة، بها ما تبقى من مجوهرات أسرة محمد علي، بعد أن اكتشف العشماوي وزملاؤه خلال الجرد أن من سرقوا بعض محتويات الصناديق، توجهت أعينهم إلى ما يلمع من الذهب فقط، فتركوا محتويات شديدة الأهمية في قيمتها التاريخية وجمالها الفني.
إلى جوار ما رصده من «سرقات مشروعة» تمت بالتراضي بين بعثات كشف الآثار والحكومات المصرية، يوثق المستشار أشرف العشماوي أهم سرقات المتحف المصري خلال العقود الماضية، التي كان من أبرزها اكتشاف عالم آثار سوفييتي في عام 59 اختفاء عصا من مجموعة الملك توت عنخ آمون، كان محفوراً عليها بالمصرية القديمة عبارة «من يحمل هذه العصا تحل عليه بركة آمون»، وقد حلت بالفعل على «لاطش العصا» الذي لم يُضبط من حينها، وبعد أن تم جرد المتحف بالكامل وقتها، ظهر أن هناك أكثر من 300 قطعة أثرية فقدت للأبد، بل عثر على حلقة تضم مجموعة مفاتيح لعدد من الفاترينات والخزائن كانت ملقاة في ممر جانبي، بدون أن ينتبه إليها أحد لحسن الحظ. بعدها تمت سرقة المتحف المصري بالتتابع في أعوام 79 و87 و93 و97 بطريقة واحدة، هي مغافلة السارق للحراس والاختباء في تابوت بعد سرقة ما خف حمله، والخروج في اليوم التالي بعد فتح أبواب المتحف مصحوباً بسلامة الله وبركة الأجداد الذين كانوا يوقعون عقوبات قاسية على سارقي الآثار تصل إلى الإعدام والخوزقة وجدع الأنف، قبل أن يتبدل حال الدنيا ويصير حاميها حراميها، ويصبح الأمل الوحيد لكل عشاق وحماة الآثار هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراث الأجداد.



خرافاتنا القريبة إلى النفس
بلال فضل
Apr 17, 2018

مبدئيا وأنت تختار شريك حياتك، إنسَ حكاية أن الأضداد تتجاذب لتنتج علاقات رومانسية ناجحة، لأن الدراسات أثبتت أن التوافق مع الضد نادرا ما يفلح، وأن البحث عمن يتوافق معنا في الصفات قد يكون أفضل وأسعد، فضلا عن كونه أريح للدماغ، «وسيبك من» حكاية أن الأفضل للإنسان أن يعبر عن الغضب مباشرة، بدلا من كبته داخله، فقد ثبت أن كبت الغضب ليس مدمرا للأعصاب بالطريقة التي يتم تصويرها، ولا تردد من فضلك خرافات من عينة أن هناك علاقة بين حجم المخ ومستوى الذكاء، وأن معظم الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء الجنسي يتحولون بدورهم إلى معتدين جنسيا حين يكبرون، وأن الإنسان يستخدم 10 في المئة فقط من قدراته العقلية، وأن ذاكرته تعمل كأنها جهاز تسجيل، فقد ثبت أن كثيرا من الناس يمكن أن يرسخوا ذكريات زائفة تماما عن أحداث معقدة حدثت لهم، وأن البعض يجترون أحيانا ذكريات عن أحداث طفولة مؤلمة مع أنها لم تحدث أبدا.
ليست هذه النتائج سوى نماذج لما يحفل به هذا الكتاب الممتع، الذي خصصه بعض أساتذة علم النفس المرموقين، لتفنيد الخرافات الشائعة التي يحفل بها علم النفس الشعبي، والتي يتسامح معها البعض بوصفها غير ضارة، مع أنها يمكن أن تدفع بالكثيرين إلى اتخاذ قرارات حمقاء، متصورين أنهم يستندون إلى معلومات دقيقة عن الطبيعة البشرية، مثل حكاية أننا إذا كنا منزعجين من شيء، فكل ما علينا فعله هو أن نحاول تجاهله وإخراجه من تفكيرنا، لأن الأبحاث تشير إلى أن محاولة إخراج شيء ما من تفكير الإنسان تزيد في الأغلب من احتمالات عودته إلى حيز التفكير مجددا، هناك أيضا التصور الشائع عن هشاشة نفسية وأعصاب الأطفال، وهو ما يجعل كثيرين يستمرون في زيجات سيئة، خوفا من تأثر نفسيات أطفالهم، في حين تثبت الدراسات أن الغالبية العظمى من الأطفال يتميزون بالقدرة على تجاوز الأزمات ومواجهة عوامل الضغط العصبي، ويتجاوزون ظروف الطلاق، إذا تم بهدوء وحكمة، بدون أن يصيبهم كثير من الأضرار النفسية طويلة المدى، وأحيانا بدون أضرار، بل إنه عندما تقوم خلافات عنيفة بين الوالدين قبل الطلاق تبدو الآثار العكسية الواضحة للطلاق على الأطفال في حدودها الدنيا، لأنهم يجدون في الطلاق وسيلة للهروب من الخلافات المريرة بين الوالدين.
ينبهنا الكتاب إلى خرافات خطيرة التأثير تشيع بيننا، مثل أن من يقبلون على الانتحار هم المصابون بالاكتئاب الشديد فقط، بينما يصل احتمال وقوع الانتحار في حياة شخص مصاب باكتئاب شديد إلى ما يقرب من 6 في المئة فقط، كما ينبهنا إلى أنه ليس صحيحا أن الأشخاص الذين يتحدثون كثيرا عن الانتحار من غير المحتمل أن يقبلوا عليه، بل على العكس يعتبر تكرار الحديث عن الانتحار أحد أهم العلامات التي تنبئ عن احتمال قتل المرء نفسه، وليس صحيحا أن الانتحار يحدث في العادة بدون سابق إنذار، فقد عبّر ثلثا الأفراد الذين انتحروا أو ثلاثة أرباعهم عن نوايا الانتحار لآخرين قبل أن يقبلوا على الانتحار، وفي حين تزيد محاولات الانتحار بين النساء عنها بين الرجال، ينجح أكبر عدد من الرجال في الانتحار فعليا، ولا يشيع الانتحار على نحو خاص في أيام الشتاء المظلمة كما يعتقد البعض، بل على العكس يكون الانتحار أكثر شيوعا في أنحاء العالم في أكثر الشهور دفئا، كما أن المراهقين ليسوا الفئة العمرية الأعلى من حيث احتمال وقوع الانتحار بين أفرادها، بل هي فئة الطاعنين في السن من الرجال.
ينفي الكتاب بقوة ما يروج له الكثيرون عن اتّسام معظم المرضى العقليين بالعنف، لأن أفضل التقديرات تشير إلى أن 90٪ أو يزيد من الأفراد المصابين بأمراض نفسية خطيرة، بما في ذلك الفصام لا يقبلون مطلقا على ارتكاب أفعال عنيفة، ويحتمل أن يكون المرض النفسي الحاد سببا في ما يقرب من 3 في المئة إلى 5 في المئة من جرائم العنف جميعها، بل إن الأفراد المصابين بالفصام وغيره من الاضطرابات النفسية الحادة هم ضحايا أكثر من كونهم مرتكبي أحداث عنيفة.
كما يخالف مؤلفو الكتاب ما يشيع بين غالبية الناس عن أن أفضل طرق التعامل مع المجرمين هو استعمال الغلظة والشدة معهم، لأن الدراسات المنهجية توضح أن أساليب التقويم بالتخويف غير فعالة وتضر أكثر ما تنفع. وفي ما يخص التصور الشائع عن أن معظم جرائم الاغتصاب يرتكبها أشخاص غرباء تماما عن الضحية، تنفي الدراسات ذلك، وتؤكد أن جرائم الاغتصاب التي يرتكبها غرباء تشكل ما يقرب من 4 في المئة فقط من إجمالي هذه الجرائم.
يؤكد الباحثون أنه ليس صحيحا أن مواقف الأفراد وآراءهم تنبئ إلى حد بعيد بسلوكياتهم، بل تكون في معظم الحالات مؤشرا ضعيفا على سلوكيات الأفراد، كما أنه ليس صحيحا أنه كلما زاد عدد الأشخاص الحاضرين في حالة طارئة زادت احتمالات تدخل شخص ما، وليس صحيحا أن المجموعات الكبيرة تتخذ قرارات أقل تطرفا من الأفراد، حيث تشير الأبحاث التي أجريت على ظاهرة التحول الخطير وظاهرة الاستقطاب، إلى أن مجموعة الأفراد تميل إلى اتخاذ قرارات أكثر تطرفا مما يفعله الفرد الواحد. وليس صحيحا أن الزحام دائما يؤدي إلى مزيد من العنف، فأحيانا يقلل الزحام من معدل العنف، لأن الأفراد في المناطق المزدحمة يحاولون غالبا الحد من احتكاكهم بالآخرين.
يتطرق الكتاب إلى بعض الخرافات التي ساهمت في توسيع أرزاق مروجيها، ومنها حكاية أن بعض الناس يستخدمون جانب المخ الأيسر، والبعض الآخر يستخدم الجانب الأيمن، حيث نشأت «سبوبة» دورات تنشيط استخدام الجانب الأيمن من المخ، بينما لا يحتاج الإنسان إلى كامل مخه لكي يؤدي وظائفه بفعالية، بل إن من خضعوا لجراحة استئصال أحد نصفي المخ أثناء الطفولة بسبب حالة مرضية، يمكن لهم أن يحيوا بصورة طبيعية إلى حد معقول عند البلوغ. في سياق مشابه ليس صحيحا أن التنويم المغناطيسي مفيد في استعادة ذكريات الأحداث المنسية، كما رسخت الأعمال الدرامية في أذهان الناس، حيث تشير الدراسات إلى أن الكثير من الأشخاص الذين خضعوا للتنويم المغناطيسي بإمكانهم أن يكذبوا.
بمناسبة التصورات الدرامية الشائعة التي يكذب الكتاب كثيرا منها، يشير مؤلفو الكتاب إلى أنه لا توجد أسانيد علمية على وجود منطقة معينة داخل المهبل عند النساء تسمى «جي سبوت» تضاعف من إثارتهن الجنسية، ويؤكدون أنه ليس صحيحا أنه يجب ألا يمارس الرياضيون العلاقات الجنسية قبل المباريات الكبيرة، لأن ممارسة العلاقة الجنسية تحرق فقط 50 سعرا حراريا في المتوسط ولا تسبب وهن العضلات، ما يعني ضرورة البحث عن أسباب مختلفة لتبرير الهزيمة.

ـ «أشهر 50 خرافة في علم النفس: هدم الأفكار الخاطئة حول سلوك الإنسان» ـ تأليف: سكوت ليلينفيلد وستيفن جاي لين وجون روشيو وباري إل بايرستون ـ ترجمة إيمان أحمد عزب ومحمد رمضان داوود ـ دار كلمات عربية


حواش وهوامش
[1]
ـ ضمن أحداث روايته الجميلة «شرف كاترينا بلوم الضائع» يتساءل صاحب نوبل الألماني هاينريش بُل، عما يحدث في نفسية «خابور التليفون»، أو الشخص المكلف بالتنصت على مكالمات الآخرين كما يسميه الألمان، طبقاً لما يخبرنا به المترجم شحاتة ياسين، يقول بُل في تساؤلاته: «ماذا يظن موظف فاضل لا يؤدي سوى واجبه تحت ضغط الأوامر الصارمة، نزولا عند حاجته إلى الحصول على لقمة العيش، وربما يكون ذلك من الأمور البشعة أو الممقوتة، ماذا يظن عندما يتحتم عليه أن يتنصت على الكيفية التي يتحدث بها تليفونياً أحد السكان المجهولين، الذي نود أن نسميه هنا وباختصار: عارض الحنان، مع إنسانة لطيفة وأنيقة بصورة مميزة وعفيفة إلى حد ما مثل كاترينا بلوم؟ هل يقحم نفسه في شكل من أشكال الوجد الأخلاقي أو الجنسي أو كليهما معاً؟ هل يثور؟ هل يرق قلبه؟ ألا يقدم له ذلك لذة جديرة بالاعتبار».
يواصل هاينريش بُل تساؤلاته الساخرة، عما إذا كان المتنصت على مكالمة يدور فيها الحديث عن «تورتة البيض المحشية بالخشخاش»، سيلاحظ بدقة أن ما يتم الحديث عنه ليس إلا شيفرة فوضوية، وأن تورتة البيض المحشية يقصد بها القنابل اليدوية، والآيس كريم مع الفراولة ليس سوى متفجرات، لذلك وفي ظل ضرورة الخروج بشيء ملموس من المكالمات المسجلة على نفقة دافعي الضرائب، ما الذي يمكن أن تتسبب به المراقبة التليفونية من آثار نفسية للموظفين المسؤولين عن التنصت والتفريغ والتحليل؟ هل تدرك السلطة التي تقوم بتشغيلهم تلك الأضرار؟ وهل تكفل لهم الرعاية النفسية؟ ولماذا يتم الاهتمام فقط بمديري وسارقي ومستخدمي البنوك، ولا يتم الاهتمام بالقوات المجنّدة لشرائط التسجيل؟ وما رأي الكنيسة في ذلك؟ ولماذا يسكت البابا عن إبداء رأيه في الموضوع؟ مع أن هناك مجالاً يمكن للكنيسة والنقابات أن تعملا فيه، لتخطيط شكل من برامج التثقيف لمراقبي المكالمات التليفونية، بحيث يتم إسماعهم شرائط مسجلا عليها دروس خصوصية ترفع من كفاءتهم، بدون أن يكلف ذلك الكثير.
تنتمي أسئلة هاينريش بُل الساخرة إلى فترة السبعينيات من القرن الماضي، التي صدرت فيها روايته، لكنها ما زالت أسئلة تقبل الطرح الآن بجدية، حتى بعد أن تطور الأمر في أغلب الدول وأصبح ملف المراقبة التليفونية موكلاً في جزء كبير منه لبرامج «فائقة الذكاء» صنعها البشر، تستخدم آلاف الكلمات المفتاحية لفلترة ملايين المكالمات التليفونية، وإحالة ما يثير الريبة منها إلى المحللين المتخصصين، وهي تقنيات أصبحت متاحة في أغلب الدول العربية التي ندرك جميعاً مستوى ذكاء حكامها وأعوانهم، ما يدفعنا للتفكير في أسئلة هاينريش عن كفاءة مسجلي ومفرغي ومحللي المكالمات التليفونية المسجلة في بلادنا، ومدى تطورهم وقدرتهم على فهم ما بين السطور، وما تتركه تلك المهنة على نفسيتهم من آثار ربما تدفعهم للانتقام من أبرياء يتحدثون عن وصفات للطبخ، فيتم القبض عليهم بتهمة تصنيع المتفجرات، ومن يدري ربما تم تطبيق اقتراح الروائي الألماني، لنرى دورة تثقيفية يتعاون فيها الأزهر مع الكنيسة مع أجهزة الأمن القومي، لرفع كفاءة خوابير التليفونات في بلادنا، والاهتمام بصحتهم النفسية من أجل بقاء أطول للخابور الأعظم في موقع القيادة.
ـ هل يمكن أن يتقبل الناس أي حديث عن الأدب أو الثقافة أو الفنون في الأيام التي تشغلهم فيها التطورات السياسية الملتهبة والدامية؟ هذا أيضاً سؤال معاصر يرتبط بأيامنا هذه، ويواجه كل من يكتب عما لا يرتبط بالشأن السياسي، لكنه في الحقيقة سؤال قديم طرحه قبل عقود الأديب إبراهيم عبد القادر المازني في كتابه الجميل «حصاد الهشيم» الذي يقول في أحد فصوله: «وإنها لمن أعجب القِسَم أن يضطر أحدنا إلى الدفاع عن نفسه وتسويغ عمله في مستهل كلام له يهُمّ به على الأدب حتى في وقدة المعمعة السياسية»، لكن اللافت أن المازني لم يكتب تساؤله هذا إلا في فترة كانت مصر فيها «تشهد ركدة قصيرة الأجل في حومة السياسة، يرصد خلالها كل فريق أهبّته، ويحشد لما بعدها قوته»، وهو ما جعله يطلب من قارئه العذر إن وجده يتحدث في الأدب والفنون، مضيفاً: «غداً سنشبع من الطبل والصيال، ومن أبواق الدعوة إلى أقدس النضال، فما علينا لو اهتبلنا هذه الفرصة وأركضنا الفكر في حلبة الأدب؟ في ميدان خالص لوجه الإنسانية قاطبة، لا تعتلج فيه إلا القوى النزّاعة إلى الكمال، ولا تشرئب فيه العيون إلا إلى مثل الجمال والجلال، نعم ماذا علينا وأي يأس من ذلك؟ أليست حياة الأدب خاصة والفنون عامة هي طليعة كل نهضة سياسية واجتماعية؟ أين في التاريخ أمة وثبت إلى الحياة القوية بدون أن يهيئ لها الأدب أسبابها؟ أليس الواضح الذي لا يحتاج إلى إبانة أو تدليل أنه لا بد أن يفطن المرء إلى وجوده ويعرف نفسه، ويدرك صلتها بما حولها، ويطّلع على جوانب حياته، قبل أن يسع مجموع الأمة أن يقدر وجوده وحقوقه بين أمثاله وأنداده؟».
لا تعني أسئلة المازني المهمة هذه أنه كان من الذين يتهربون من إعلان مواقفهم السياسية، ويفضلون العيش في برج عاجي يفصلهم عما يدور حولهم من أحداث، فقد كانت له صولات وجولات في الكتابة السياسية، وجدت لحسن الحظ من يجمعها في كتب، ويقوم بدراسة وتحليل مواقفه، التي أياً كان خلافك أو اتفاقك معها، تخرجه من زمرة الكتاب الذين يتهربون من الاشتباك مع الواقع بدعوى الترفع عنه، ومنهم هؤلاء الذين نراهم في زماننا يرفضون الجمع بين الكتابة في الأدب والفنون والتاريخ، والكتابة المشتبكة مع الواقع، التي تقف ضد الظلم والفساد، ولو أعلنوا أنهم يفعلون ذلك لعدم قدرتهم على دفع أثمان المواقف المعارضة لاحترمهم متابعوهم، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكنهم يزعمون أنهم يفعلون ذلك تأففاً وترفعاً من الخوض في السياسة، مع أنهم لم يكونوا يأنفون من الخوض فيها بمقالات «نارية»، حين كان الكلام فيها رخيصاً ومتاحاً، ولا أظنهم سيتذكرون موقفهم ذلك، حين يتطلب الأمر أن يلبسوا مجدداً ثياب المعارضين، بعد أن يعود كلام السياسة ليصبح رخيصاً ومتاحاً.
ما يثير إعجابي الدائم بالمازني أنه رغم براعته وغزارته في الكتابة، لم يكن يمتلك أوهاماً عن دور الكتابة وتأثيرها، وهو ما يجعله يقول في موضــــع آخر: «محاولة فرد إصلاح ما في الدنيا من خلل لا يمكن أن تكون إلا فكاهة يضحك من جرأتها القدر، ولكنها على هذا فكاهــة جليلة تبعث الرجاء وتنشئ الأمل في تحقيق المستحيل، ونظام حياة الأمم ليس من صنع صانع ولا وضع واضع، ولكنما يتكون على الأدهار والأحقاب، كجزائر المرجان، وهو يتحول ويتعدل لأن الحياة قائمة على التطور، مبنية على التغير، لا لأن إنساناً هنا أو هناك أراد هذا أو أشار به»، مشيراً إلى نموذج من المثقفين يشعر بتيار الزمن حين يتدفــــق في مجــرى الحياة فيحاول أن ينطق بلسان الحوادث، ويكون لديه من فرط الاعتداد بالنفس، ما يجعله يحسب دائماً أن نطقه هو الصحيح وفهمه هو الصواب، عافانا الله وإياكم من أن نكون كهؤلاء، أو أن نُبتلى بالقراءة لهم.

الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
انتقل الى:  

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا