hassanbalam ® مدير المنتدى ®
رسالة sms :
عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر :
| | فى اللعب مع الحكومة فهمي هويدي | |
القصة بسيطة ولكنها عميقة الدلالة. بعد لأْى سمح لوفد يمثل المجلس القومى لحقوق الإنسان بزيارة سجن العقرب سيئ السمعة. وحين ذهب الوفد سمح لأعضائه بالدخول باستثناء واحدة هى المحامية راجية عمران. وكانت الحجة أن اسمها لم يدرج ضمن قائمة الأعضاء الذين صرح لهم بالزيارة. أجريت اتصالات استغرقت عدة ساعات، حتى ظهر الثلاثاء ٥/١ لكنها فشلت فى حل الإشكال وتمكين الأستاذة راجية من الانضمام إلى زملائها الذين سبقوها إلى الدخول. وكانت نصيحة رئيس المجلس وأمينه العام أنه لا بأس من استثنائها، لأن الأهم أن تتم الزيارة بمن دخل. بدا الموقف مهينا للمجلس لأنه يفترض أنه هو الذى يحدد من يمثله وليس الداخلية فضلا عن أن ما جرى يعنى أن وزارة الداخلية تسمح لبعض أعضائه بالإطلاع على أوضاع السجن لأنها تطمئن إليهم، ولا تسمح للبعض الآخر لأنها لا تريد لهم أن يطلعوا على الحاصل فى السجن. بكلام آخر فإن الداخلية ترحب بالذين هم على استعداد «للتجاوب» والتعاون معها، وتدرج غير المتعاونين فى خانة غير المرحب بهم. ما حدث مع الأستاذة راجية عمران ليس مفاجئا تماما، ولكنه تطبيق عملى لعرف سائد فى تقاليد الأجهزة البيروقراطية والأمنية فى مصر، بمقتضى ذلك العرف فإن المسئول أيا كان مقامه ورتبته إذا أراد أن يظل مشمولا بالرضا ويستمر فى موقعه فيتعين عليه أن يكون جزءا من المنظومة أو اللعبة. لا يشفع له أن يكون ملتزما بالقانون أو محتميا بنصوص الدستور، وإنما الأهم أن يكون «مرنا» و«متجاوبا» مع أهواء السلطة ومزاجها. إن شئت فقل إن الموظف المثالى ليس هو الكفء فى عمله وصاحب الشخصية الملتزمة والمستقلة. لكنه ذلك الذى يجيد الميل مع الريح والذوبان فى السلطة. أو عند الحد الأدنى هو ذلك الذى يحرص على إرضائها وينأى بنفسه عما يعكر مزاجها أو يتقاطع مع رغباتها. مشكلة راجية عمران أنها أرادت أن تكون مستقلة ورفضت أن تصبح جزءا من اللعبة، ورغم أنها لا تنتمى إلى أى فصيل سياسى معارض وليس لها أية انتماءات غير مرضى عنها، (لولا أنها كذلك لما عينت فى المجلس القومى) إلا أنها حين أرادت أن تؤدى دورها كعضو فى مجلس حقوقى بشكل جاد وبغير مساومة أو «مرونة»، فإنها أدرجت ضمن قوائم غير «المتعاونين» وغير المرضى عنهم. هذا الذى حدث مع المحامية راجية عمران يتكرر مع أى مسئول يريد أن يحتفظ بذاته المستقلة ويؤدى عمله بشكل جاد رافضا الميل مع الهوى والاشتراك فى اللعبة. وهو ما يفسر الحملة التى يتعرض لها المستشار هشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات، الذى أخذ المسئولية على محمل الجد واحتمى بالقانون فى أدائه لواجبه ولم يجامل المراتب العليا والمؤسسات الحساسة. ولأنه اختار ألا يراعى المقامات ويشارك فى اللعبة رفع عنه الرضا وانهالت عليه السهام من كل صوب. أعرف كثيرين فى مواقع عدة انحازوا إلى خيار الواجب وتنزهوا عن اللعب مع الأجهزة، ودفعوا ثمن استقلالهم. منهم من انسحب أو تنحى عن موقعه واتهم فى ولائه لعزوفه عن اللعب (الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء الأسبق مثلا) ومنهم من جمِّد فى وظيفته وطلب منه أن يجلس جانبا فى مقاعد «البدلاء» كما يقولون عن لاعبى كرة القدم. وهو ما تعرض له عدد غير قليل من الدبلوماسيين والسفراء فى الخارجية (يقال إن عددهم أربعين شخصا)، وهناك آخرون لا أستطيع أن أشير إلى أسمائهم أو صفاتهم. وهؤلاء جميعا ليسوا معارضين، بل كانوا موالين، لكنهم رفضوا أن يكونوا شركاء فى اللعبة الجارية. وجدت تأصيلا لتلك الفكرة فى كتاب المستشار طارق البشرى «مصر بين العصيان والتفكك». إذ أفرد فيه فصلا تحت عنوان «علم الاستبداد والطغيان»، ذكر فيه أن تطويع وإخضاع الموظفين العاملين بالدولة بدأ منذ بداية تسعينيات القرن الماضى (أثناء حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك)، حيث تتابعت القوانين التى ألغت ذاتية المسئول أو الموظف العام بحيل شتى، وجعلت مصيره معلقا على رضا السلطة بحيث «صار وجوده فى عمله ومكانته الاجتماعية ودخله الذى يعيش منه ويعول من يعول.. ذلك كله أصبح فى يد رجل واحد يجلس على القمة».. بحيث أصبح أشبه بمن توجه فوهة البندقية إلى رأسه على الدوام. حزمة القوانين تلك أضعفت المسئول أو الموظف العام بحيث صار همه ليس أن يتفوق فى مجاله الوظيفى أو المهنى، وإنما الأهم أن يسترضى السلطة طول الوقت لكى يؤمن مستقبله. وهى فلسفة لم يعد المسئول فى ظلها خادما للمجتمع (Civil Servant) كما يصنف فى الدولة الحديثة، ولكنه أصبح خادما للسلطة بأجهزتها البيروقراطية والأمنية. ومن قَبِل ذلك الشرط الضمنى بقى وترقى ومن تمرد عليه وأراد أن يحتفظ باستقلاله وذاتيته فعليه أن يدفع ثمن اختياره. وإقصاؤه وإبقاؤه فى الظل أخف تلك الأثمان، ولا ينبئك مثل خبير. _________________ حسن بلم | |
|