hassanbalam ® مدير المنتدى ®
رسالة sms :
عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر :
| | مصر فى حوارات لندن فهمي هويدي | |
صورة مصر فى الخارج محملة بإشارات تستحق أن تؤخذ على محمل الجد حيث لا ينبغى ألا نتوقع تحسنا فى الصورة طالما بقى الأصل على حاله. (١) هل فكر أحد فى دعوة العقول المصرية لمناقشة وتحليل التحديات التى يواجهها الوطن فى الوقت الراهن، والاستماع إلى وجهات نظر أصحابها فى أفضل السبل للتعامل معها؟ هذا السؤال ظل يلح على أثناء مشاركتى فى المؤتمر الذى دعا إليه معهد تشاتام هاوس بلندن، الذى كان عنوانه «جيران أوروبا المتغيرون والسبيل إلى تجنب الصدامات وإدارة الأزمات فى القرن الواحد والعشرين». كان ذلك فى الأسبوع الماضى (يوم ١٦ نوفمبر)حين التقى فى مقر المعهد ٤٠ شخصية يمثلون المحيط الجغرافى قدر الإمكان لمناقشات استغرقت سبع جلسات. ولأن المؤتمر عقد بعد ثلاثة أيام من تفجيرات باريس فإن أصداء الحدث الفاجع فرضت نفسها على الحوارات، التى تناولت أسباب القلق الأوروبى إضافة إلى أوضاع الجيران من أوكرانيا إلى الساحل الأفريقى.
كان لشمال أفريقيا نصيبه الذى خصصت له جلسة كاملة، وقد اعتبر منظمو المؤتمر أن مصر إحدى دول شمال القارة، وبالتالى فإن أوضاعها كانت حاضرة فى الحوار، الذى تعتبر تقاليد المعهد أنه ليس للنشر، ولكن المراد به تبادل الأفكار وتعميق الفهم والخروج بتصورات وخلاصات تنسب إلى المعهد ولا تنسب إلى أشخاص المتحدثين.
ولأن المعهد أنشئ فى عام ١٩٢٠ (بعد عام واحد من عقد مؤتمر باريس للسلام فى أعقاب انتهاء الحرب العالمى الأولى عام ١٩١٩ فإنه أصبح يمثل سلطة معرفية وتاريخية عريقة، فإنه وباتت توصياته وخلاصاته تحتل موقعا متميزا فى الوسط الأكاديمى العالمى، فضلا عن البريطانى بطبيعة الحال. كما صارت تستخدم كواحد من أهم مصادر المعلومات من جانب الأفراد والحكومات.
حضور المؤتمر الذى اشترك مع المعهد فى تنظيمه مجموعة الأزمات الدولية ومنتدى الشرق، كانوا خليطا من الأكاديميين والخبراء والدبلوماسيين والوزراء السابقين، والمتخصصين من رجال الإعلام. ووجودهم بتنوع اختصاصاتهم على المنصة وفى القاعة أثناء الجلسات المتعاقبة، جعلنى أتساءل طول الوقت: أليست مصر فى ظروفها الراهنة فى أمس الحاجة إلى إطلاق حوارات من ذلك القبيل؟
(٢) على الطائرة من لندن إلى القاهرة يوم الخميس ١٩ نوفمبر كانت عناوين الصحف المصرية تتحدث عن انعقاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى. وكان عنوان جريدة الأهرام الرئيسى يتحدث عن «أقصى درجات الحذر والاستعداد القتالى». وفى التقرير المنشور وجدت أن الاجتماع بحث الأوضاع الأمنية الداخلية لا سيما فى سيناء. حيث استمع الرئيس إلى شرح للإجراءات التى تقوم بها القوات المسلحة من أجل تطهيرها من العناصر الإرهابية، وتثبيت الأمن والاستقرار فيها.
أشار التقرير إلى أن مجلس القوات المسلحة بحث أيضا عددا من الملفات الإقليمية، فى مقدمتها سبل تعزيز الأمن على الحدود الغربية (مع ليبيا)، وكذلك تطورات العمليات العسكرية ومجمل الأوضاع فى اليمن وسوريا. وفى هذا الصدد فإن الرئيس أكد أن مصر ستواصل العمل على تحقيق وحدة الصف العربى والوقوف إلى جانب أشقائها فى الدول العربية.
كان اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة مهما فى الظروف الراهنة. إلا أننى وجدت أن المشهد كان سيصبح أكمل وأدعى للاطمئنان والثقة لو دعيت العقول المصرية إلى لقاء مماثل، خصوصا أن بعض الملفات تتحدث فيها مصر عن الحلول السياسية سواء فى اليمن أو سوريا أو فيما خص جهود وحدة الصف العربى. الشاهد أن غياب العقول المصرية عن المشهد عزز الانطباع الذى يتحدث عنه البعض فى لندن مشيرا إلى عسكرة السياسة والاقتصاد فى مصر فى ظل الوضع الذى نشأ فيها بعد الثالث من يوليو عام ٢٠١٣. وهو ما أعاد إلى الأذهان النموذج الجزائرى، الذى تبلور بعد الاستقلال فى بداية ستينيات القرن الماضى. حيث سيطر العسكر على مقاليد الأمور فى مجالات السياسة والاقتصاد. ولا يزالون يباشرون تلك السلطة حتى الوقت الراهن.
لست أتحدث عن معلومات ترددت أثناء المناقشات، حيث لا تسمح تقاليد المعهد بنسبة الكلام إلى قائليه كما ذكرت لكننى أتحدث عن حوارات جرت فى الكواليس حرصت خلالها على أن أستمع إلى انطباعات بعض الخبراء الأوروبيين عن الأوضاع الراهنة فى مصر وعن مجمل متغيرات منطقة الشرق الأوسط. ولأن الأسماء لن تذكر فقد تحدث أولئك الخبراء بغير تحفظ ولا مجاملة.
الملاحظة الشكلية التى أثارت انتباهى فى كلام المتحدثين أن الجميع دون استثناء أشاروا إلى ما حدث فى مصر فى الثالث من يوليو على أنه «انقلاب»، حيث لم يذكر إلا بأنه «Coup» ولم أسمع متحدثا يصفه بأنه «ثورة» كما هو الشائع فى خطابنا الإعلامى والسياسى. هذه الملاحظة يبنون عليها شهادات مستفيضة تنتقد مصر فى أمرين أولهما غياب الديمقراطية. وثانيهما التوسع فى انتهاكات حقوق الإنسان التى تتحدث عنها المنظمات الحقوقية العالمية والمصرية. ولدى المتحدثين مقارنة ترددت كثيرا فى انتقاداتهم للوضع فى مصر بين نسب الإقبال على التصويت فى الانتخابات فى تركيا التى وصلت فيها تلك النسبة إلى ٨٦٪ فى حين أنها فى مصر كان فى حدود ٢٠٪ بعد المبالغات التى أضافتها البيانات الرسمية. وكانت صور لجان التصويت الخالية من الناخبين، التى تناقلتها وكالات الأنباء أثناء جولة الانتخابات الأولى، هى الأقوى فى التعبير عن تلك المفارقة.
هذا الحديث عن الإقبال غير العادى من جانب الأتراك على التصويت، والنجاح الكبير الذى حققه حزب العدالة والتنمية حين فاز بنسبة قاربت ٥٠٪ من جملة أصوات الناخبين. بنى عليه أحد المتحدثين استنتاجا آخر. إذ ذكر أن نتائج الانتخابات التركية بينت أن الناخبين صوتوا للاستقرار. فى حين أن ضعف معدلات الإقبال على الانتخابات فى مصر أعطت انطباعا يشكك فى إمكانية تحقق استقرارها فى الأجل المنظور.
(٣) حين أبديت دهشتى من كم التفاصيل التى يتحدثون عنها فى مصر. قال لى دبلوماسى بريطانى متقاعد إن الملف المصرى حاضر بقوة فى الإعلام والسياسة البريطانية. ليس فقط لأن مصر بلد مهم فى المنطقة، ولبريطانيا علاقات تاريخية محفورة فى الذاكرة. ولكن أيضا لأن ثمة صراعا مكتوما داخل الحكومة حول الموقف من النظام القائم فيها. والمتصارعان جناحان أحدما يغلب المصالح التى تلعب فيها دولة الإمارات دورا مهما فى مساندة النظام المصرى. إلى الحد الذى يجعلها تضغط بورقة الاستثمارات فى هذا الصدد. (قال إن للإمارات استثمارات فى بريطانيا تتجاوز مليار ونصف المليار استرلينى. يعمل فيها ٣٢ ألف بريطانى ويقوم تونى بلير رئيس الوزراء الأسبق بدور الوسيط فى تنشيط تلك الاستثمارات من الجانبين). وثمة جناح آخر فى الحكومة يقاوم تلك الضغوط ويرى أن الانسياق وراء نهج المصالح يضر بسمعة بريطانيا ويسحب من رصيدها السياسى فى أوروبا والعالم العربى.
انضم إلينا فى الحوار أحد الباحثين، الذى ذكر أن الأمر لم يعد سرا فالصحف البريطانية (الجارديان والديلى ميل)نشرت وثائق تم تسريبها حافلة بالمعلومات التى تناولت تفاصيل الضغوط التى تمارس على الحكومة البريطانية لتتبنى مواقف مساندة للحكومة المصرية. وكانت تلك الضغوط سببا فى تأجيل إصدار تقرير اللجنة التى شكلها رئيس الحكومة لتقييم موقف الإخوان من الإرهاب. ولأن التقرير لم يستجب للضغوط التى مورست، وللحفاظ على جانب المصالح، فإن التقرير لم يخرج إلى العلن. وتم تأجيل موعد الإصدار ثلاث مرات.
لأن موضوع مصر مثير لاهتمام كثيرين فقد اتسعت دائرة الحوار، ووجدت أن مشاعر القلق ظاهرة فى تعقيبات الأغلبية، وحين سجلت فى وقت لاحق ملاحظات على ما سمعت فإننى وجدت أن تعبير «الأزمة» تردد أكثر من مرة على ألسنة المتدخلين. ولاحظت أنهم ركزوا على جوانب خمسة منها هى: أزمة سياسية متمثلة فى استمرار الاحتقان وغياب الوفاق الوطنى وحدوث الانقسام بين القوى الوطنية. مع وجود أكثر من ٤٠ ألف سجين سياسى مجهولى المصير. ذلك غير المئات المحكوم عليهم بالإعدام. وألحق البعض مسألة مقاطعة الأغلبية للتصويت على الانتخابات ضمن تجليات الأزمة السياسية ـ أزمة أخرى اقتصادية متمثلة فى تراجع احتياطى النقد الأجنبى وتعثر الإنتاج الصناعى وتوقف السياحة، إضافة إلى تراجع الدعم الخليجى بعد انخفاض أسعار النفط ـ الأزمة الثالثة تتمثل فى تحول سيناء إلى مشكلة أمنية لم تحقق الجهود المبذولة هدفها فى وقف العمليات الإرهابية التى لاتزال مستمرة ـ الأزمة الرابعة تتعلق بتعثر محاولات التوصل إلى حل لمشكلة سد النهضة الإثيوبى الذى يفترض أن يكتمل فى عام ٢٠١٧، الأمر الذى يمكن أن يلحق أضرار جسيمة بالزراعة فى مصر ـ المشكلة الخامسة تتمثل فى تدهور البنية التحتية وتراجع مستوى الخدمات، الأمر الذى كان غرق مدينة الإسكندرية بسبب الأمطار رمزا له. وبهذا التصور فإنهم اعتبروا أن الأزمات باتت تلاحق الحكومة القائمة من كل صوب.
(٤) الذين قالوا هذا الكلام ليسوا معارضين سياسيين ولا هم خصوم متآمرون ولكنهم باحثون يتابعون بدقة ما يجرى فى مصر، ويعتبرون أن أحداثها تؤثر على العالم العربى كله. وأيا كان رأينا فى قراءتهم للأوضاع الداخلية فى البلد، فإننا ينبغى أن نعترف بأن ما عبروا عنه يعكس بعضا من معالم صورة مصر فى الخارج. وأكثر ما همنى فى الموضوع ان ثمة مناقشات تجرى حول مستقبل مصر خارج حدودها أكثر جدية من تلك التى تجرى فى داخلها. وان حديثنا عن المؤامرات التى تحاك فى الخارج طغى على التفاعل مع الحوارات الجادة التى تجريها المراكز البحثية فى العالم الخارجى حول مختلف جوانب الشأن المصرى، فى هذا الصدد فإن المتابع للحوارات الدائرة فى الأوساط الإعلامية والمنتديات المصرية المختلفة لا تفوته ملاحظة ان تركيزها على تأييد النظام القائم ومساندة الرئيس السيسى أكثر من انشغالها بهموم المجتمع ومصير الوطن. والوعود التى أطلقتها القوائم التى خاضت الانتخابات الأخيرة كاشفة بشدة لتلك الحقيقة، ودالة على أنها داخلة إلى مجلس النواب المنتظر للمساندة وليس للرقابة والمشاركة.
إننا بحاجة لكى نسمع صوت العقول المصرية لنتعرف على رأيها فيما يواجهه الوطن من تحديات، صحيح أن ثمة عودة مشهودة للاعتماد على أهل الثقة دفعت أهل الخبرة إلى الانكفاء والانضمام إلى مقاعد المتفرجين، كما أن أغلب أصحاب الرأى الآخر فضلوا الانزواء والصمت إيثارا للسلامة. إلا أن ذلك يعد انسحابا وتفريطا فى حق الوطن. الذى هو ملك لكل ابنائه وليس لفئة دون أخرى. ولكى لا يضاف ذلك الانسحاب إلى قائمة الأزمات التى تواجهها مصر، فليس أمامنا سوى أن نرفع الصوت عاليا لاستدعاء تلك العقول وإنهاء عزلتها أو إقصائها. وللإرادة السياسية دورها الأكبر فى ذلك. وهو ما نرجو أن تنهض به دون إبطاء._________________ حسن بلم | |
|