هو يعرف هذا..فالمكان الذي تتقاطع فيه حدود ثلاثه دول هو مكان جدير بالأهتمام لذا.. ((يكفي أن نقول أنه كان مكانا أستثنائيا)) يطلقون عليه أسم المثلث..هنا تلتقي حدود ثلاث دول عربيه..هنا تتجسد اتفاقيه(سايكس بيكو)..تخرج لهم لسانها هازئه..سلك شائك طولي يتقاطع مع سلك شائك عرضي خالقا ثلاث دول لذا.. ((يكفي أن نقول أنه كان مكانا استثنائيا)) فقط كان هو ورفيقيه .هو مصري..ورفيقاه مغاربي وسوري..المكان مقفر..صامت كالموت..بارد كنصل شفره..محرك(الجيب) الخاص بهم يهدر في الخلفيه فيبدو كأنه يتوسل إليهم لمغادره المكان..لكل هذا لم يكن المكان عاديا ((يكفي أن نقول أنه كان مكانا استثنائيا))
يتجه السوري علي مهل إلي (الجيب) يشغّل مذياع السياره..تعبث يده في المحطات حتي يعثر علي الأذاعه السوريه..يأتي الصوت ضبابيا ملئ بالشوشره الاستاتيكيه...يسمعه المصري بنصف انتباه وأذن واحده..فيبدو موسيقي تصويريه للحلم المتجلي الذي يعيشه الآن..الأغنيه علي المذياع تقول "الله محيي شوارعكي..يا بلادنا المعموره"
المصري يحاول الأتصال بأمه للمره الألف..لا تغطيه..يعرف هذا ويتوقعه..لكن من قال ان تصرفاته تخضع لمنطق؟؟يعرف أن ابوه في تلك اللحظه بالذات يرقد تحت رحمه مشرط الجراح..سيمزق المشرط لحما كثيرا..ستسيل دماء كثيره..أشفق علي أبيه الكهل وفرت دمعه ساخنه من عينه سرعان ما بردتها الأجواء.. قرر أن يتضرع الي الله ليسّلم والده..فكّر ان دعائه ربما كان مستجابا في تلك البقعه الأستثنائيه..ثم ابتسم لسخافه الفكره..الله لا يعرف الحدود..الله لا يعرف سايكس بيكو
يتسلي بتأمل السلك الشائك..يراها..نبته قصيره بارتفاع شبر..تخترق السللك الشائك من جهاته الثلاثه..النبته تخرج لسانها للدول الثلاثه و(لسياكس بيكو)..كأنها تقول أنا نبته أمميه..وّد لو مات فدفن أسفل النبته..ستأكل من خيرات جسده وتصير شجره..سيصير جسده أمميا كما هي الشجره..ينتزعه من هلاوسه صوت انفجار عنيف ((لا يوجد طيور ها هنا..لو وجدت لحلقت مبتعده)) الصوت يأتي من أحدي الدول الثلاثه..يتبعه صوت آخر أشد قوه..يتوّتر المصري والسوري..يقول المغاربي بلا مبالاه "قوات المعارضه تبغي تقول (بون جور ) لقوات النظام وقوات النظام بترد التحيه بأحسن منها"..يعرفون أنه علي حق..فهو خبير بالمكان علي الرغم من أنه ليس من أبنائه..
السوري يشعل سيجاره..يسعل..يقول لهم بصوت لا يسمعونه "هاي الزلمه في الراديو بيقول ما في شئ بريف دمشق..أخي بالشام بيحكي ان براميل البارود..يتجيهم صبح وليل..هاي الزلمه واحد من خوات الشرموطه"..ينظر له المصري بعينين خرساوتين..يعبث مره ثانيه بهاتفه المحمول..لا تغطيه..ينظر الي السوري والمغاربي..يبدوان بعيدان عنه بالاف الأميال رغم جلوسهم متلاصقين علي الأرض الرمليه..هل غرست (سايكس بيكو)في القلوب كما غرست في الأرض؟؟يلاحظ المغاربي نظرات المصري أليه..ينظر اليه هو الآخر وتطول النظره قليلا..يقول المغربي محطما الصمت.. -"اليوم عطله بالمغرب.." -"ليه"..يقول المصري -"الملك محمد السادس بيطاهر ولي العهد" يبتسمون جميعا رغما عنهم...الأبتسامه تتحول الي ضحكه فقهقه عاليه.. ((لا يوجد طيور ها هنا..لو وجدت لحلقت مبتعده)) ينهضون الي(الجيب)..يستكملون طريقهم الطويل علي الشريط الحدودي..والمذياع يصدح بذات الأغنيه "الله محيي شوارعكي..يا بلادنا المعموره""