hassanbalam ® مدير المنتدى ®
رسالة sms :
عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر :
| | هزيمة ترفع شارة النصر | |
هزيمة ترفع شارة النصر
لجيش الإسرائيلي أسماء عملياته، بعد التفكير فيها بثلاث لغات: العبرية، الانكليزية والعربية. الأولى لـ "شعبه"، والثانية للرأي العام الغربي، والثالثة، بطبيعة الحال، لأعدائه.
لأسماء عملياته دلالات رمزية، وأخرى عملياتية. الرمزي يتقدم على العملياتي. ففيه يتمُّ التأكيد على لغةٍ "عبرية" ملفَّقة، وترسيخها لغةً لشعبٍ جرى تجميعه من أربعة أركان الأرض، وفيه يتمُّ ربط "الماضي" بالحاضر، بل وتقمّص "الماضي" كأنه واقعٌ تاريخي لا شغور فيه ولا انقطاع، أما العملياتي، فهو الهدف المحدّد من العملية العسكرية نفسها، وهذا أقل أهمية، حسب ظني، من المرجعيات التي يصدر منها الاسم.
الأسماء ذات الطابع التوارتي، أو التلمودي، كثيرة في الحروب الإسرائيلية مثل: عمود السحاب، عناقيد الغضب، مقلاع داود، الرصاص المصبوب، سيف جلعاد، وهذا لا يعني أن البعد الدعائي، الذي يستهدف قارئ اللغة الانكليزية، يغيب عن أذهان مخططي الحروب في الجيش الإسرائيلي، فيجترحون لها أسماء مثل: سلامة الجليل، السور الواقي، قوس قزح.. والجرف الصامد.
ويبدو أن الاسم الأخير أثار نقاشاً في الإعلام الإسرائيلي، لجهة "التباسه" بالعبرية، وانعدام وقعه بالعربية، غير أن بيت القصيد يكمن في الترجمة الانكليزية التي تعطيه بعداً دفاعياً: Protective Edge إنه "حدٌّ/ حامٍ بالانكليزية، و"صامد" بالعربية، والصمود، المفردة التي عبَّرت، مبكراً، عن تطلعاتٍ عربية متواضعةٍ في مواجهة إسرائيل، أساسية للإسرائيليين الذين يعيشون في محيط ليسوا جزءاً منه، ولن يكونوا.
لكن، كيف يمكن أن "يصمد" الجرف؟ هنا يكمن "الالتباس".
الجرف هو حافّة جبلٍ، أرض، تطلُّ على وادٍ، أو هاوية. كما أن الجرف بالعربية يفيد معنى: الإزالة، وما تذهب به السيول، وقد يعني عند جرير، مثلاً، الأكول "عظيم اللقم واسع الحنجور" كقوله: وضِعَ الخزيرُ فقيل: أين مجاشعُ فشحا جحافله جرافٌ هبـلـعُ! هنا يهجو جرير شخصاً جشعاً (هذا عمله كشاعر!) يأكل "الخزير"، وهو طحين مخلوط بشحم، ويعتبر من أرذل الطعام، كأنَّه يجرفه من القصعة جرفاً.. ولكن، ليس هذا موضوعنا " لن تطول هذه الحرب الإسرائيلية على غزة. سيوقفها الثنائي نتنياهو – يعلون من طرف واحد، كما فعله أولمرت – باراك في "الرصاص المصبوب". إنها حرب فاشلة، إلا في قتلها عدداً كبيراً من الأطفال والنساء والرجال، وتدمير أحياء بأكملها على رؤوس سكانها
"
إلا من باب استعراض معاني "الجرف" الذي وسمت به إسرائيل تجريدتها الدموية الراهنة على غزة. وقد ألمح بعض النقاش الإسرائيلي إلى خطورة التسمية، فالجرف مرتبط بالسقوط، أكثر مما هو مرتبط بالصمود، كما أنه لا يحدث الوقع المطلوب في ذهن متلقيه الفلسطيني، باعتباره جزءاً من العملية العسكرية نفسها، اللهم إلا بمعنى السقوط من الجرف، وليس الصمود عليه! هذه العملية، على ما نرجو، لها من اسمها نصيب. إنها الجرف المنهار.
الهزيمة: لن تطول هذه الحرب الإسرائيلية على غزة. سيوقفها الثنائي نتنياهو – يعلون من طرف واحد، كما فعل أولمرت – باراك في "الرصاص المصبوب". إنها حرب فاشلة، إلا في قتلها عدداً كبيراً من الأطفال والنساء والرجال، وتدمير أحياء بأكملها على رؤوس سكانها. وهذا ليس عسيراً على جيش إسرائيل الذي لا يقهر، بل ليس عسيراً على أي جيش.
سهل على الآلة العسكرية الإسرائيلية الجبارة أن تقتل وتدمر، ولكن ذلك لا يضمن لها (في مثل وضع غزة، وجنوب لبنان من قبل) رفع شارة النصر. ربما يحدث العكس. فأي صمودٍ لأهل غزة ولفصائل المقاومة فيها يعتبر انتصاراً في وجه جيشٍ لم يقبل من أعدائه، سابقاً، أقلّ من رفع الراية البيضاء.
وعلى الرغم من خطورة الكتابة عن عمل متحرك على الأرض، فإني أكاد أرى البائس نتيناهو، وهو يستخدم نبرةً انتصارية في خطاب إعلان وقف إطلاق النار الذي سيلقيه بعد توقف إطلاق النار، حتى ولو من جهة واحدة، كما تلمح إلى ذلك الصحافة الإسرائيلية، ثم سيترك الكلمة لوزير دفاعه، ليعزف النغمة الانتصارية نفسها. لكننا، مع ذلك، لن نلمح في عيونهما بوارق النصر، ولن نرى مخايل أكاليل الغار. الأهداف التي سيقولان إن حملتهما الإجرامية على غزة حققتها لم تحصل.
لم تستسلم غزة. صحيح أنها اثخنت بالجراح. صحيح أنها تعرضت إلى دمار كبير، لكنها، أيضاً، لم تركع أمام أطنان القذائف والصواريخ التي ألقيت عليها. صحيح أنها ترنحت تحت القصف الهستيري، لكنها لم تسقط. لم ترفع الراية البيضاء. فأي أهدافٍ حققتها الحملة الإجرامية على غزة، إذن؟
نتذكّر أن أول الأهداف التي أعلنها طاقم الحرب الإسرائيلي هو وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة. الصواريخ لم تتوقف حتى الآن. نتذكر كذلك أن ثاني الأهداف هو القضاء على "المقاومة" وإلحاق هزيمة كاملة بها. يمكن لإسرائيل أن تلحق هزيمةً تامة بجيش (وقد فعلت ذلك من قبل)، لكنها لا تستطيع أن تلحق هزيمةً بحركة مقاومة شعبية. ما هو غير معلن من أهداف هذه الحرب، مثل استعادة قوة الردع، باعتبارها حجر الزاوية في العقيدة الأمنية الإسرائيلية لم يتحقق.
رمت إسرائيل كل ما في جعبتها من أسلحة في الميدان. مارست أقصى قدر من التدمير والترويع. لكنها، على ما يبدو، لم تستطع استعادة قوة الردع التي فقدتها في حربها مع حزب الله، في صيف عام 2006.
لكن، ما لم يكن في أهداف إسرائيل كشفته، على نحو فاضح، هذه الحرب: التواطؤ الرسمي العربي. وهن الشارع. وبؤس النخب السياسية والثقافية. بطل الفضيحة الأكبر هو الذي شُبِّه بعبد الناصر، فطلع أنقص من مبارك.
_________________ حسن بلم | |
|
2014-07-31, 9:10 am من طرف hassanbalam