hassanbalam ® مدير المنتدى ®
رسالة sms :
عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر :
| | مقالات أحمد عبد المعطى حجازى pdf | |
من المؤكد أننا لم نخرج من حكم الإخوان لنعود إلى حكم مبارك، وإلا فنحن نثبت بهذا أن مبارك كان على حق حين كان يحذرنا من الخروج عليه، لأن البديل الوحيد هو الإخوان. نخرج عليه، إذن فنحن ندخل تلقائياً فى حكم الإخوان. فإن خرجنا من حكم الإخوان فنحن نعود أدراجنا إلى حكم مبارك. وهذا هو قدرنا!
قدرنا هو الخضوع لحكومة الطغيان الذى تتعدد صوره وأزياؤه. طغيان ملتح أو طغيان حليق. بشعارات وطنية أو بشعارات دينية. لكنه فى الحالين طغيان. والطغاة ذرية بعضها من بعض. وكما أن الطاغية الحليق يحتاج لأصحاب اللحى ليخوفنا بهم، فأصحاب اللحى يحتاجون للذين حلقوها ليهدئوا بهم روعنا. وقد رأينا أن جماعة الإخوان كان لابد لها من تنظيم عسكرى ترهب به الدولة والمجتمع، وأن عددا من ضباط يوليو كانوا أعضاء فى هذه الجماعة الإرهابية. وأن أنور السادات تحالف مع الإخوان فى السبعينيات، وسار على نهجه مبارك خلال العقود الثلاثة الماضية، وأن المجلس العسكرى الذى تسلم السلطة بعد سقوط مبارك سلمها للإخوان. وقد خرجنا من حكمهم، فهل نظل خاضعين لهذا القدر الغاشم الذى حكم علينا قبل ألفى عام بأن تتداولنا أيدى الغزاة والطغاة لا نتحرر من الفرس إلا لنسقط فى أيدى المقدونيين، ولا نخرج من أيدى هؤلاء إلا لنقع فى أيدى الرومان، ثم لا نخرج فى آخر المطاف من حكم الغزاة الأجانب إلا لنسقط فى حكم الطغاة المصريين؟
لكن هناك شيئاً جديداً طرأ على هذا التاريخ الذى ظل يعيد نفسه أكثر من ألفى عام. هذا الشىء الجديد هو الثورة التى اعترضت هذا القدر الغاشم وأسقطت الطغيان بوجهيه فى أقل من ثلاث سنوات. الطغيان العسكرى المتمثل فى حكم مبارك، والطغيان الدينى المتمثل فى حكم الإخوان والسلفيين.
وإذا كان المصريون قد ثاروا مرات ضد الغزاة والطغاة الأجانب فهذه هى المرة الأولى التى يثورون فيها ضد الطغاة المصريين. وهى خطوة حاسمة فى اتجاه الحرية.
المصريون قاوموا الهكسوس وطردوهم. وثاروا ضد الفرس ثورات متتالية قمعها هؤلاء بشدة. وقاوموا الرومان والعرب والأتراك والفرنسيين والإنجليز وثاروا ضدهم. لكننا لم نسمع عن ثورة ضد حكام مصريين. لأن المصريين لم يشاركوا فى حكم بلادهم إلا فى هذا العصر الحديث الذى شهد ثورة عرابى ضد الخديو توفيق، وثورة 1919 ضد الإنجليز، وحركة يوليو ضد الملك فاروق ونظامه وأسرته التى كان الكثيرون ينظرون لها باعتبارها أسرة أجنبية، ولهذا كانت الثورة ضدها امتدادا للكفاح الوطنى ضد الاحتلال الأجنبى أكثر من أن تكون نضالا فى سبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان. بل إن هذا المطلب الوطنى، وهو التخلص من الهيمنة الأجنبية التى بدأت قبل ميلاد المسيح وتواصلت إلى هذا العصر الذى نعيش فيه - هذا المطلب كان مقدما على أى مطلب آخر.
وقد استغل ضباط يوليو عواطف المصريين الوطنية فى فرض نظامهم العسكرى الذى أتاح لأبناء الموظفين وعمد القرى أن يحلوا فى السلطة محل أسرة محمد على، ذات الأصول الأجنبية، خاصة بعد أن نجح هؤلاء الحكام الجدد فى مفاوضاتهم مع المحتلين الإنجليز التى انتهت برحيلهم، وفى تأميم قناة السويس واستعادتها من الشركة الأجنبية، التى كانت تسيطر عليها. هذه الإنجازات أرضت المصريين الذين انتظروا طويلا ليحرروا بلادهم من المحتلين الأجانب ويشفوا ظمأهم الحارق لدولة مستقلة يرون فيها أنفسهم ويشعرون بأنها لهم وحدهم. وهذا ما حققه لهم نظام يوليو العسكرى، لكن بطريقة تغيرت بها الوجوه والأسماء ولم تتغير طبيعة السلطة، فالشعب الذى كان قبل يوليو 1952 رعية مغلوبة على أمرها ظل بعد يوليو رعية مغلوبة على أمرها.
وكما كانت السلطة فى الماضى انفرادا واحتكاراً لنخبة محدودة ظلت فى الحاضر كذلك، بل ازدادت طغيانا واستبدادا. لأن نظام يوليو الذى قام ليكمل ما بدأته ثورة 1919 ويبنى ديمقراطية صحيحة، كما جاء فى بياناته الأولى، تراجع عما وصلت إليه ثورة 1919 فى الطريق إلى الديمقراطية وهو ليس بالقليل وتحول إلى طغيان صريح. فالدستور مفصل على مقاس الديكتاتور. والبرلمان بالتعيين. والصحافة لا تقول إلا ما يمليه عليها الرقيب. والنتيجة المنطقية لغياب الديمقراطية والانفراد بالسلطة هى ضياع ما تحقق فى طريق الاستقلال وتحرير الوطن من الاحتلال الأجنبى.
غياب الديمقراطية معناه غياب المراقبة الشعبية وغياب المحاسبة. وإذن فالوطن كله ساحة مفتوحة للتجاوزات والانتهاكات. وما على المتجاوزين والمنتهكين إلا أن يبالغوا فى إعلان ولائهم للحاكم الفرد، فى الوقت الذى يمنع الخوف غيرهم من النقد والحديث عن الأخطاء والأخطار التى ظلت تتفاقم حتى أتت اللحظة التى وقعت فيها الواقعة وانهار فيها كل شىء، كما حدث فى هزيمة يونيو التى أحلت الاحتلال الإسرائيلى محل الاحتلال الإنجليزى، وفقدنا فيها سيناء لأننا فقدنا الديمقراطية.
وهنا كان لابد للتاريخ أن يعيد نفسه. فقد صار تحرير أرض الوطن من المحتلين الإسرائيليين مقدما على أى مطلب آخر. وهذا هو المناخ الذى مكن السادات من فرض نظامه الذى كان امتداداً عضويا لنظام عبدالناصر مع ترميمات شكلية لم تغير طبيعته ولم تعوض عن الخسائر الفادحة التى أصبنا بها.
لقد نجح السادات فى إدارة معركة أكتوبر التى هيأت لعقد اتفاقية كامب ديفيد، تماماً كما نجح عبدالناصر فى عقد اتفاقية الجلاء عام 1954 وتأميم القناة بعدها. لكن السادات كرر أيضاً ما سبق إليه عبدالناصر، إذ جعل انفراده بالسلطة وبقاءه فيها ثمناً لنجاحه فى تحرير أرض الوطن، وهكذا تصرف فى الدستور كأنه ملكية خاصة وغير مواده بالاتفاق مع الإخوان المسلمين فأصبح من حقه أن يبقى فى السلطة مدداً غير محدودة بدلاً من مدتين، ولكى ينال تأييد الإخوان غير لهم المادة التى كانت تنص على أن مبادئ الشريعة مصدر للتشريع فأصبحت المصدر الرئيسى، ولاجدال فى أن هذه التعديلات فتحت الباب على مصراعيه للأحداث التى توالت بعدها ولعبت فيها جماعات الإسلام السياسى دورها.
لقد انفردت هذه الجماعات بالساحة السياسية، لأن النظام العسكرى الذى حل الأحزاب وأوقف العمل بالدستور وصادر الحريات أخلاها لها، إذ لم يكن يستطيع أن يمنع المصريين من أداء شعائرهم الدينية، يستطيع أن يمنعهم من التظاهر والإضراب عن العمل، لكنه لا يستطيع أن يمنعهم عن الاجتماع فى المساجد، وإذا كان فى الخمسينيات والستينيات الأولى قد ضيق الخناق على الإخوان وعزلهم بتأييد شعبى حصل عليه لقاء ما حققه من إنجازات سياسية واجتماعية، فقد تغير الحال بعد هزيمة يونيو التى سقط بها المشروع الناصرى بعد سقوط المشروع الليبرالى ولم يبق أمام المصريين بعد أن فقدوا الأرض وفقدوا الديمقراطية إلا الدين يرتمون فى أحضانه ويطلبون فيه السلوى. وفى هذا المناخ ظهرت التنظيمات الإرهابية التى خرجت من عباءة الإخوان ومارست نشاطها ولقيت التشجيع من كل الجهات والمؤسسات، حتى مؤسسات الدولة التى كانت تحارب الإرهاب بأجهزة الأمن وتشجعه بأجهزة الإعلام وبالمدارس والمساجد والجامعات والنقابات التى سقطت فى أيدى الإخوان وحلفائهم.
هكذا كانت التعديلات التى أدخلت على دستور 1971 تعبيراً عن السلطة المزدوجة التى خضع لها المصريون فى عهد السادات وعهد خليفته مبارك، فالسلطة التنفيذية لضباط يوليو وخلفائهم ومؤسساتهم، أما التشريع والتعليم والإعلام والمؤسسات الدينية ففيها متسع للإخوان يسرحون فيها ويمرحون.
وهكذا بقى حسنى مبارك فى السلطة ثلاثين عاماً وحجته أن الإخوان هم البديل، فإما هو وإما هم. وهى حجة باطلة مزيفة، لأن الإخوان لم يكونوا بديلاً بل كانوا شريكاً معترفاً به فى السلطة يمارسونها بأنفسهم وبمن يلتحق بهم وينوب عنهم.
كيف سقطت هذه السلطة المزدوجة؟ وهل نظل أسرى لهذين الطرفين المتصارعين المتحالفين؟ يتصارعان لأن كلا منهما يريد أن ينفرد بالسلطة، ويتحالفان فى مواجهتنا حين نطالب بالديمقراطية ونسعى لنسترد حقوقها المغتصبة. والسؤال من جديد: كيف سقطت هذه السلطة المزدوجة؟ وهل نظل مخيرين بين الخضوع للطاغية الملتحى والخضوع للطاغية الحليق؟
أما عن الشطر الأول من السؤال: كيف سقطت هذه السلطة المزدوجة؟ فالإجابة سهلة إذا نظرنا للأسباب المباشرة المتمثلة فى الواقع المتردى بعد ثلاثين عاماً قضاها حسنى مبارك فى السلطة. وهى صعبة معقدة إذا اعتبرنا الثورة بموجتيها ثمرة لنضال المصريين المتصل وفطرتهم النقية وخبراتهم المتراكمة.
والجديد فى هذه الثورة بموجتيها أن المصريين لم يمنعهم من إسقاط مبارك دوره المشرف فى حرب أكتوبر. لقد ميزوا بين الضابط المتفانى فى أداء واجبه العسكرى وبين الرئيس الطاغية. وفى اعتقادى أن هذا التمييز وعى سياسى جديد نحتاج إليه فى هذه الأيام. ولم يمنعهم من إسقاط الطاغية الآخر تمثيله جماعات الإسلام السياسى التى زعمت أن الإسلام لا يتحقق إلا باستيلائهم على مقاليد الحكم، وهو الزعم الذى مكن الغزاة الأجانب من فرض سلطتهم وتبرير وجودهم ومنع المصريين من مقاومتهم لأنهم شركاء فى الدين.
معنى هذا أن الثورة بموجتيها أخرجتنا من هذه الدائرة المغلقة التى لم يكن من حقنا فيها أن نحلم بالحرية، وإنما كانت حريتنا محصورة فى اختيار الطغيان الذى نفضله على غيره، ونرضى بأن نكون تحته رعية مستعبدة. طغيان العسكرى أم طغيان المتاجر بالدين؟
تترتب على هذا نتيجة فى غاية الأهمية هى أننا أصبحنا المسؤولين قبل غيرنا عن مستقبل الديمقراطية، باستطاعتنا أن نبنيها، وباستطاعتنا أن نهدمها.
نحن إذن لا نطلب الديمقراطية من الرئيس الجديد، فنحن مصدر السلطة التى يتمتع بها. وسوف يكون وفياً للديمقراطية إذا كنا أوفياء لها، وسوف يتخلى عنها حين نتركه يفعل!_________________ حسن بلم | |
|