عزت القمحاوى يدافع عن باسم يوسف
يبدو أن الشىء البسيط والهائل جدًا، الذى يقدمه باسم يوسف ويجعل من برنامجه «البرنامج» مصدرًا للقلق، هو إعادة بث لقطات من تلك البرامج، وكأنه يحول سيولة الصور المتحركة إلى ثبات اللقطة الفوتوغرافية. التوقف أمام جُمل بعينها يجعلنا ندرك التفاهة والفداحة فى الوقت نفسه، وننتبه إلى كمية الغش التى يمارسها هذا النوع من الإعلام.
مصر ليست كازينو قمار
بقلم عزت القمحاوى ٢٥/ ٢/ ٢٠١٤
من أشهر العبارات الفلسفية المأثورة، تلك المنسوبة إلى هرقليطس: «إنك لا تنزل إلى النهر الواحد مرتين» ذلك لأن جريان الماء يجعل تكرار النزول إلى النهر ملامسة لمياه جديدة فى كل مرة، لكن الإعلام المرئى يتحدى مقولة الفيلسوف اليونانى، حيث نغطس كل ليلة فى الماء الفاسد نفسه، ونشم العطانة نفسها التى نشمها منذ سنوات طويلة.
والنتيجة المؤكدة لما تديره القنوات التليفزيونية من المعارك الوهمية هو حجب الأسئلة الأساسية الملحة على صعيد البناء القانونى للدولة وعلى صعيد إنقاذ ثروات تضيع إلى الأبد: أراض زراعية يتم البناء عليها بسرعة خرافية، آثار مستباحة، صحة وتعليم وأزمات بلا حل.
من المفترض أن تكون هذه القضايا شاغلنا، أن نقارن حلولها فى برامج المرشحين، ألا نشن الحرب على من يتجرأ ويرشح نفسه فى مواجهة المشير!
صورة مصر أصبحت مذهلة على مصاطب فضائية يتنكر أبطالها لدور المذيع ويمارسون أدوار الحكيم والزعيم والبلطجى وضابط الشرطة. الكلام يكرر نفسه فى كل ليلة، والرهان على ذاكرة الخراف التى يتصورونها لدى المشاهد.
ويبدو أن الشىء البسيط والهائل جدًا، الذى يقدمه باسم يوسف ويجعل من برنامجه «البرنامج» مصدرًا للقلق، هو إعادة بث لقطات من تلك البرامج، وكأنه يحول سيولة الصور المتحركة إلى ثبات اللقطة الفوتوغرافية. التوقف أمام جُمل بعينها يجعلنا ندرك التفاهة والفداحة فى الوقت نفسه، وننتبه إلى كمية الغش التى يمارسها هذا النوع من الإعلام.
لا توجد معلومات مؤكدة حول حجم ومصادر تمويل معظم القنوات الفضائية التى تعمل فى مصر، لكننا نعرف أن أجور بعض نجوم تلك الفضائيات تتجاوز المستويات المعروفة للأجر الطبيعى عن عمل مهنى طبيعى.
وهذا الوضع ليس وليد اليوم، بل وليد سنوات حلم التوريث، وقد بدأ أسلوب «الأجر الرشوة» ببرامج فى التليفزيون المصرى عوملت خارج كادر المرتبات، ثم ترسخ الأسلوب فى قنوات يملكها رجال أعمال أو يقومون بدور الغطاء لمال خليجى من خلال شراكة صورية بين الطرفين.
وكان من المفترض أن يتغير هذا الواقع بعد ٢٥ يناير، وأن تفرض رقابة على تمويل القنوات، لكن الإخوان اختاروا الطريق الأكثر التفافًا وعديم النزاهة أيضًا!
حاولوا فرض الرقابة على المحتوى، مع ترك حبل المال على غاربه، وقد كتبت فى هذه المساحة بعد المناوشات الأولى للنظام الإخوانى مع الإعلام، وقلت بالحرف الواحد: «أنتم تريدون التفاحة معطوبة كما هى، لكن لصالحكم».
كان هذا ما خططوا له بالفعل، ليتركوا المجال للتمويل السرى لقنوات تتمسح بالدين وتتفوق فى الإسفاف على غيرها. وعندما أغلقت تلك القنوات بعد ٣٠ يونيو أصبح إغلاقها حجة على مصر يرددها أهل الهوى من الأوروبيين والأمريكيين.
وكان من شأن الرقابة على التمويل أن تمنع وجود تلك القنوات الخطرة، بدلاً من قيامها ثم إغلاقها بإجراء إدارى مدان. ومن شأن تلك الرقابة أن تخلصنا من الإسفاف الوطنى الذى لن تكبحه مواثيق شرف أو انتقادات.
كل الدول ذات السيادة تشترط شفافية التمويل، ولا تغفل تلك الشفافية إلا دول المعازل التافهة، التى تتعامل معها القوى الخارجية ككازينو قمار. ومصر ليست ذلك الكازينو.
_________________
حسن بلم