® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2013-08-03, 5:08 pm | | قوس المسافات
وهكذا أظل أتسكع فى الشوارع الواسعة وفى الشوارع الضيقة أمر على المقاهى والجدران الصامتة التى تخفى خلفها حكايات لانهاية لها تضرب قدماى الأرصفة الواطئة والرجال والنساء يضربون الكتفين عن يمين وعن يسار وهكذا أظل طوال النهار أتسكع تحت الشبابيك نصف المغلقة والشبابيك المغلقة ودائماً فى الأفق هذه القبة الشبيهة بالسراب وأنا أتمشى بقدمين كبيرتين تضربان الأرض مثل ضربة الحوافر حتى لو كان الحصان منهكاً ، الأحزان تصعد مع الدخان وأنا أقف على رأس الشارع حائراً لا أعرف تقريباً الشىء الذى أريده وأمامى القط الشبيه بالتمثال يتثائب فيفتح فمه بهذه الصورة الهائلة .
رموشك الحادة على الجانبين شدتنى
فى كل يومٍ أحس كيف تتقطع بى ، أسباب الخلاص فلأعد للحياة إذن ، فلأفعل أى شىء من أجل أن أعود للحياة يمكننى مثلاً أن أجلس أمام المرآة البيضاوية وأظل أستمع إلى موتسارت حتى أبكى أو يمكننى أن أرفع السبابة والوسطى على شكل حرف (فى) ثم أسأل ما كل هذا الاغتراب الذى يأخذ بتلابيبى .
أنت التى اصطدتِنى بذكاء وبأنوثة محترفة ولكن صورتك التى لصقتها فى باب الدولاب مشبّعة بالصمت وتحت البيت مباشرة : البشر يسبحون فى الأحلام ويتدحرجون على سطح الأرض المكشوف ، وسطح الأرض المغمور .
لن أنسى هذا المعنى الخفى الرائع فى وجهك عندما علقت حقيبتك على ذراع الكرسى بالأمس ورحت تحركين ساعديك مثل راقصة باليه المقعد كان يحس بوجودك ، والحجرة كانت تحس بوجودك .
أحياناً يخامرنا الشك فى كل شىء وصمتك دائماً يحرضنى على الكلام أعاود النظر إلى هذه العروسة المختبئة فى الظلام يحيط بها لحن شجى أتذكر لحظة الملامسة وعينى على السحاب الذى يشبه الرغوة الفائرة فوق أسطح العمارات .
أظل أنبش الذاكرة السحيقة : كنت فى الطفولة أضع يدى على كتف زميلى ونظل نسير بالساعات دون أن يتوقف الفم عن الكلام كنت فى الطفولة أضع القلم بين الإبهام والسبابة وأمثل أننى أكتب فى الهواء وساندوتش مربى الجوافة يهطل من يدى الأخرى .
طوال عمرى أسأل عن الهدف النهائى للمتعة وأظل أنقر الحائط الخشبى ثم أجلس على المنضدة الواطئة لكى تشطح المخيلة فى كل اتجاه ولكى يصبح النهار مثل كل نهار أكثر سواداً من قرن الخروب
عن الألوان التي لا نعرفها
(إلى شاعرنا حلمي سالم)
أمجد ريان
كيف مت ببساطةٍ هكذا اعذرني هذه ميتةٌ لا تليقُ بشاعرٍ عملاق كيف تخضعُ هكذا بسهولة كان ينبغي أن تخلُقَ ميتةً هائلةً تزلزلُ المدنَ والأراضين وتقلبُ أنظمةَ الحكم ومشاريعَ الوَزاراتِ الكاذبة . كان ينبغي أن تموتَ ميتةً تجعلُ عشراتِ الورودِ والأزهار تتَفَتَّحُ من جديد وتجعلُ القَمَرَ يدورُ حول نفسِهِ باعثاً بكلِّ ألوانِ قوسِ قزح التي نعرفُها والتي لا نعرفُها. حقاً أنت شاعرٌ كبير منذ قصيدتِك الأولى حتى شهيقكَ الأخير حقاً خضتَ معاركَ كثيرة وعرّفتَنا كيف ينتصرُ الجمال وكيف تصبحُ القصيدةُ لقمةَ خبزٍ في فمِ الجائعين ولكنَّك مت ميتةً خاطفةً لم نستوعبْها حتى الآن؟ أصدِقُكَ القولَ يا حلمي
أنا عندما يأتيني الموت سأكونُ أكثر خيبةً منكَ سأكونُ مُمَدَّداً بجسدٍ هشٍّ مهزول وسيأتي الموتُ شبحاً أبيض يمسِكُ بمنْجَلٍ طويل فيقطفُ الرّوحَ بلحظةٍ واحدة ثم يعطي العالمَ ظهرَه متجهاً إلى مكانٍ لا يعرفُهُ أحد. سأموتُ بجسدٍ ضعيف وعينين دامعتين وساعتها لن يحدثَ أيُّ شيء عربات المترو : ستكونُ متجهةً إلى محطاتِها المزدحمةِ والزوجاتُ قادماتٌ من الخارج حاملاتٍ حقائبَ مليئةً بالخُضارِ والبصل والليفةِ السِّلْكيّةِ لغسلِ الصّحون وساعتَها لن يحدثَ أيُّ شيء فقط سيسرعُ القطُّ الصغير الذى يجري فوقَ السور ليقْفِزَ بين تلالِ القمامة متصوراً أنه يمكن أن يجدَ شيئاً يُسْعِفُ مِعْدتهُ الخاوية.
نجل الموت
سقط تمثال الحصان الخزفى من على الشيفونيرة وظللت أجمع أجزاءه الانشطارية الدقيقة : صمتٌ مهيبٌ فى ركن السرير ، وأقراصُ المسكّنـاتِ لاتنفع ، كل هؤلاء رحلوا ، على حين غرة : سيد عبد الخالق ، ابراهيم فهمى ، خالد عبد المنعم ، اسامه الدناصورى ، سيد فتحى ، وطابور آخر لايزال ينتظر ، وأنا من هؤلاء الذين يسعون للترفع عن الدنايا ، ولكن الدنيا قلبت لى ظهر المجنّ وفى أذنىّ بقايا أصوات قادمة من الشارع ، من تحت البنايات الأسمنتية الشاهقة تتراكم الأيام بلا حساب وبلا إضافة ، وبعض النساء حين يعلمن أنهن على وشك الموت ، يبدين انشغالات جنسية فاضحة .
كلنا تائهون ، نفتقد الآدمية ، فى واقع آلى : الموتى العراة متراصون ، والسلحفاة التى تمشى هى الرمز صبر الفقراء الملحمى يفترش التاريخ ، والدنيا محض لعبة يهاجمنا الواقع المتوحش بأنياب ضخمة حادة الأطراف ، والموت يلتقطنا واحداً واحداً ، فلماذا نغرق فى سفاسف الأمور .
هذه ماكينة الخياطة ، تظل تتكتك إلى ما لا نهاية كأنها تريد أن تخيط ملابس البشرية كلها ،
وهناك امرأة نحيفة ، تتكئ إلى سور شرفتها الحديدى المزخرف ، وتنظر بعينين ناريتين باتجاه الشارع ، أما المرأة التى خلبت لبى ، فهى مختلفة : ستايل وجهها يعطى الإحساس بأنها على وشك البكاء ، وشفتاها مقببتان ، كأنها على وشك أن تطلق الصفير .
لا يوجد إنسان على الأرض ، الا ويحمل فى داخله بعض الجنون ، وعندما انسدلت ستارة القماش الغليظ بانحناءاتها المتكررة ، سألت نفسى : هل الخيال هو الحقيقة ، والواقع أسطورة ؟ ثم ظللت أسال نفسى : من الذى سيقع عليه الدور فى الموت القادم ؟
عمق يتشكل ليحيط بالأجزاء ، والمنبه لا يتوقف عن الدق الواهن : رأسى يحوى دوامات تبتلع نفسها فى إضاءات اشتبكت ، مثل المعادن البللورية وعلى الكرسى الدوار أصل إلى اليقين : كلنا موتى ، حتى لو لم يسقط الجسد ، أسمع صوت طفل يبكى بلا انقطاع وحين أعرف كرسى العودة أتجاهل الراهن .
طنين المدينة يأتينى من كل الجهات ، فهل أكلمكم عن النخبة ، والمجتمع المدنى ، أم أكلمكم عن الفجوة بين كلام السياسيين ، وواقعية السلوك الجماهيرى ، أريد أن أحكى لكم عن الموت الذى أراه فى كل يوم : هو شبح أبيض طويل ، يمسك بمنجل طويل قوسه هائل مشرشر ، قادر على حصد الرقاب بنعومة .
فوق فراشى ، أرى البلاد البعيدة ، ولكن لماذا أبواب البيوت موصدة ، ونوافذها حديدية ، مثل قضبان الزنازين ، ولماذا المشاعر الشائكة تمر بى ، بينما أصابعى مثلجة ، وقلبى حزين .
الثقوبُ السوداء تشفط الأجرام فى الأعالى ، وهنا فى آخر الشارع يمشى الكهل الذى اشترى نصف كيلو من الحليب ، يظل يتعكز على عصا غليظة عائداً لبيته ، بينما الخريف يدق الباب بعنف ، والرياح تغزو الفتحات والشقوق ، وتهاجم الشرفة بضراوة ، فتهتز ضلفتا الشيش .
أنا أعرف الشخص الذى اقترب منه الموت ، أعرفه جيداً وفى الضوء الخفيف الآتى من المصباح الجانبى ، أرى وجهه يهتز .
الثورة
عربة إسعاف تصرخ بكل ما لديها من عويل فى الطرقات والأسواق والمقاهى وفى الجرافيتى ، رأيت الطفلة الصغيرة تمد يدها للأعالى فهل المستحيل اليوم سيبقى مستحيلاً فى المستقبل ؟ عندما نضحك بملء أفواهنا ، رافضين الاكتفاء بالابتسام .
الأحداث التى تأتى من خارج السياق تفاجؤنا ، ورساموا الجرافيتى هم أحفاد الفراعين ، رسامى الجدران أريد أن أعجن الفخار بأناملى ، حتى أستشعر أحاسيس أجدادى وهناك دائماً من يظلون يماحكون بالباطل ، ولكنى أحب السير حافياً فوق البلاط مراقباً بطرف عينى : بقعة الكاكاو على مفرش الكومودينو .
الجرافيتى لايتطلب الإذن المسبق بل تتفجر ذات الفنان بالإيقاع لذا أريد أن أظفر بالدرر رغم أن مضادات الاكتئاب لم تعد تفيد ، والصخور النارية التى غطت الأرض تنتقل إلى أقدامنا تحت غشاوة الأبصار .
العلم المرسوم فى الجرافيتى يصب اللون الأحمر على خلفية الرسم كلها كأن بحراً من دماء يحيط بكل شىء ولاتزال الوردة كالدوامة بين أصابعى ولايزال الرأى الذى أنتصر له كامناً فأمد يدى بنهم لالتهام الفاصوليا البيضاء وكفتة الأرز الجملى والباذنجان المسلوق المخلل .
قد أغرق فى الضباب ثانية ..
أمجد ريان
ـ 1 ـ
أقف لكى أصنع قهوتى
فوق عين البوتجاز الصغيرة ،
والعقل يحس بالأزمة الشاملة
الأزمة التى تحتاج إلى التنوير :
الطفيليون
والسماسرة
يمزقون رأسى
والمهربون يمزقون بدنى قطعة قطعة .
ـ 2 ـ
يغلى الماء فى إبريق القهوة ،
والوعى الزائف
يغطى كل شىء
إلى درجة الشعور بالعدمية
ـ 3 ـ
الكفان بالذات
يجعلاننى أحس باشتراكى مع الكائنات
الديناصور التاريخى كان يمتلك مثل هذين الكفين
وها أنذا أصعد السلم بتثاقل ،
والثقافة تتضائل
تتضائل
وتنتقل إلى هامش الهامش .
ـ 4 ـ
سيلتف الشعراء والكتاب
حول معنى بسيط ،
وسيحققون الكثير ،
وسأعود أنا ،
فأخيركم بين أربعة خيارات :
ـ الرجال الإيجابيون إلى أقصى درجة
ـ حلم البنت بأمها
ـ أربعة كراسى سفرة زان منجدة
ـ الفلاحون بجلاليب الكتان
ـ 5 ـ
انظروا إننى أزعق فى الطريق العام ،
موضحاً التغيرات الهائلة الجذرية
طوال العقود الماضية ،
فتلتفت لى فتاة صغيرة بضة الجبين والخدين ،
تربت فوق ظهرى وتصاحبنى :
انظرى ياصغيرتى
الهزات الزلزالية
تأخذ شكلها الكاسح الآن ..
ـ 6 ـ
وبالرغم من القذارة الباذخة فى الشوارع ،
و إطارات الكاوتشوك الملقاة ،
وبقايا العلب الفارغة
فسوف نسهر فى الطرقات
حتى الصباح نناقش "البيرفورمانس" ،
ونغنى من منطقة السوبرانو
بفداحة :
الأرض تحب السمـاء
والسماء تدور كالدوامة
ـ 7 ـ
بصماتى يمكن أن يرفعوها
من على الورد
ومن على أجنحة العصافير
ومن على النهود الصغيرة التى فى حجم التين الطرى .
ـ 8 ـ
كل هذه العقبات التى تواجهنا ، والمواقف التى تستدرجنا إلى العنف ، وأنا أميل إلى تحويل ما هو ذاتى إلى ما هو موضوعى ، وإيقاف ماهو جارف ، وتحريك ما هو سـاكن ، أنا أميل إلى تغريب ما هو شائع ، وتحويل الخارق إلى شئ عادى أنا المخرف المسحور : أجد نفسى فجأة فى قلب الأحداث فأضطر إلى الغناء هكذا .
ـ 9 ـ
عندما سقطت كومة الكتب ، وفرشت الأرض
احتفظتُ بالمؤثرات الصوتيه
وأخذت أتخيل التفجير القادم
قصيدة النثر القادمة
المكاسب المعنوية القادمة
الوطن القادم .
قصيــدتان
أمجد ريان
شخص يضحك فى عرض الشارع
واقفاً أعد القهوة، عقلى يقلب الأفكار، ويدى تمتد لتناول الأشياء، ولسانى يترقب هذه النكهة الكثيفة، أوراق النتيجة بجوار الثلاجة لم أنزع أوراقها منذ أيام، وأنا أتحرك بخطوات بطيئة، أضع قرصاً من الأسبرين فى فاظة الأزهار الميتـة، وأنظر فى المرآة: ذقنى تحتاج للحلاقة ذقنى البيضاء المشعثة، سألتقى بالزملاء بعد نصف ساعـة، سيُسمعوننى آخر نكته، وسيستغرق الجميع في الضحك، لأن شعبنا هو الشعب الضاحك فى كل الظروف، حتى لو جوبهنا بالعولمة، وما أدراك ما العولمة، سيقف فى مواجهتها السيد عمرو موسى، بمشاركة معاونيه جميعاً، وسيفضحون هذه الإجراءات الهيكلية التى تعنى التنافس على الصعيد العالمى، فتكسب الدول الكاسبة أكثر فأكثر، وتخسر الدول الخاسرة أكثر فأكثر.
اقرأوا الكلاسيكيات، من فضلكم، وتأملوا الحبكة والوصف، لتعرفوا رغبة الإنسان منذ البداية فى الدقة والتقصى، ورغبته فى التحليل، ادخلوا إلى شبكة النت، وافتحوا البريد الإلكترونى للأطفال، لتتعرفوا إلى هذا الجوع للوصول للآخرين، ورغم المناطق المشفرة، هناك محاولات مستميتة للاختراق والمطاردة، وها أنذا أجلس أمـام الكومبيوتر، وأنظر فى الشاشة العميقة، ينتقل عقلى من مكان إلى مكان من خلال وثبات الوعى الهائلة، تدور فى رأسى التفاصيل، والدقائق الصغيرة التى تدفعنى للاستجابة الى الضحك، كل شىء يمكن أن ينقلب رأساً على عقب، يجب أن نكون مستعدين للتغيرات الحادة، يجب أن نقوى عزائمنا، وأن نقف بأجسامنا فى مواجهة الموت: نقف بأجسام مثلِ الصخور، هى أجسامنا، بكل مايغطيها من إفرازات العرق والدهون والدموع والمخاط والعصارات الحمضية والإنزيمات والأمونيا.
وحده "فرويد" الذى يعرف: لماذا لم يحلق صدام حسين ذقنه بعد القبض عليه، وهو وحده الذى يعرف لماذا فى التاسعة عشرة من عمرى قررت اطلاق ذقنى، ولا أدرى لماذا وكيف اتخذت هذا القرار. ربما تولدت لدى فكرة ما عن الرجولة، وها أنا ذا أتذكر المسألة بعد أن مرت كل هذه السنين، وأصبح لمفهوم الرجولة لدى معان أخرى شديدة الاختلاف، أسمع صوت النهيق العارم آتياً من الشارع ، وعلى شاشة التلفاز هذا الفيلم الذى لعب فيه مقص الرقيب لعباً عظيماً ، ولكن ذهنى يمكن أن يتخيل اللقطات التى قصّوها ، أمد أصابعى للأمام ، أصابعى امتداد ٌ ظاهر لعالم خفى لا يعلمه أحد ، عالمٌ لا مكانىّ و لا زمانى ، كما أن أصابعى أشبه بمطفأة سجائر تقليدية هى عبارة عن قوقعة بحرية ميتة ، يضعها المصريون فى حجرات الصالون ، وها أنا أحلق ذقنى بتأن ، وأطمئن على سلامة هيئتى ، رغم الندوب الصغيرة التي تركتها ماكينة الحلاقة فوق بشرتى ، لكن وجهى مستدير بض ، على الرغم من كرمشة الشيخوخة فى خطوطها الكثيرة المتوازية ، انظروا إلى فتحة فمى العرضية ، إنها تعطى شكل ابتسامة واسعة ، وكرافتة البهلوانات على رقبتى عريضة ، عريضة جداً ، وعليها دوائر ملونة من جميع الألوان ، هى السعادة إذن ، على الرغم من الآلام الشديدة فى أمعائى ، وإصابتى بهذه الغازات التى لا يمكن التحكم فيها .
تمارين في قلب السماء
أحلقُ ذقنى بتأن، بحكمةٍ مشهودٍ لها، فأنا خيرُ من ينجزُ الأعمال، ثم أديرُ التلفزيون، وعلى الشاشةِ وجهُ "عبدُ الحليمِ" يبكى على الحبيب، ويغمضُ عينيه ويهزُّ رأسَه يميناً ويساراً معبراً عن الحُرْقةِ والحنين، كان يبحثُ عن اللذةِ من خلالِ الألم، والحزنُ وسيلتُهُ للتخلصِ من ضغوطِ الواقع، الواقعِ الملىءِ بالبطالةِ والتدهور، وبالرغم من ذلك، فسوف نسعى لأن نخلقَ البيئةَ المناسبةَ لبناءِ المستقبل، سنستخدمُ كلَّ الوسائلِ للوصولِ إلى التقدّم ، سنستخدمُ البريدَ الإلكترونىّ، والهواتفَ الخلويّة، وكذلك المنتدياتِ الإلكترونيّةَ على الشبكة، كلَّ المنتدياتِ حتى الفارغِ منها ، سنستغلُّ كلَّ شىءٍ من أجلِ التقدّم ، ولكن لا يجبُ أن ننسى أنفسَنا : فنمشى نطوّحُ رؤوسَنا ذات اليمينِ وذات اليسار ، ونحن نتغنى بالأغانى الوطنيّةِ الشهيرة، قد نتوهُ فى شوارعَ لا آخرَ لها، قد نتوهُ عند مواقفِ السيارات , وبين المقاهى المزدحمة، سنمشى وراءَ الفتياتِ
ذوات البنطلوناتِ الستريتش، والشعرِ المنسابِ بعفويّةٍ لأسفل، لكى نتغنى بالأناشيدِ الوطنيّةِ الشهيرة، ستكونُ الدموعُ فى عيونِنا، وسينظرُ لنا الناس متعجبين، وسيمشون خلفَنا فى طوابيرَ لا نهايةَ لها، لكى نُكَوِّن جيشَ الخلاص، فنسيرُ جميعاً حتى أبوابِ الملاهى بميدانِ الجيزة، وعندما يفتحون لنا الأبوابَ سنجرى بكلِّ سرعتِنا، لكى نستقلَّ الأراجيحَ الدائريَّةَ التى ستصلُ بنا فى دورتِها الواسعةِ حتى كبدِ السماء، فيكونُ المشهدُ مثيراً للغاية، وسوف أشعرُ بالضوءِ هالاتٍ تنبعثُ من رؤوسِنا هالاتٍ هالات.
وهناك فكرةٌ رائعة، هى أننا يمكنُنا، ونحن موزعون على الامتدادِ الدائرىّ الهائلِ للأرجوحةِ فى قلبِ السماء، يمكنُنا أن يمسكَ كلُّ واحدٍ منا بكتاب، وما أجملُ الاطلاعُ ونحن فى قلبِ السماء. وسوف يتبرعُ من أجلِنا كبارُ الناشرين بأفضلِ الكتبِ التى لديهم، الكتبِ المذهّبةِ الأغلفة، ذات الحروفِ البارزةِ السميكةِ واللوحاتِ المبهرة، وسنمـارسُ الاطلاع، ونحن فى قلبِ السماء، سنمارسُ الاطلاعَ عميقاً عميقا.
لن نكتفىَ بالكتبِ الروحانيّة ، ولا بالكتبِ الماديّة ، بل سنقرأ فى كلِّ شىء، سنقرأ فى أنثروبولوجيا الذهن، وفى المربعِ السحرىّ، وسنقرأ عن تيمورِ الشرقية، وميتافيزيقـا الخوف، ولن نكتفىَ بالقراءة، بل سيقفُ كلٌّ منا فى أرجوحتِه، لكى يلقىَ بخطابٍ نارىٍ عن مستقبلِ الوطن، ولأن وطنَنَا ديمقراطى، ولأن وطنَنا متسامحٌ وحنون، فسوف يصفحُ عن الكثيرِ من الزِّلاّتِ التى ستهدرُ بها ألسنتُنا، فنحن لا زلنا صغاراً، حمقى، ووطنُنا، وطنُ التسامحِ والرقةِ والحنان الذى لانهايةَ له.
هل سأمثِّل دَوْر جَدّ
أمجد ريان
هل ستظلُّ نظراتُنا هكذا متسائلة ، بل خائفةً تفيضُ بالرِيْبةِ والحذر .. هل ستظلُّ العزلةُ هكذا مضروبةً حولنا ، أحسُّ باختناقِ العزلة ، العزلةِ الوحشية ، أصبحنا مثل "دون كيشوت" ، نريدُ أن نتحقق ، أن نفعلَ أىَّ شىءٍ يشغِلُ بالَ الآخرين ، ومن هنا يكونُ ما بعد المحدثين نسبيّين وحسيّين .
كنت فى حجرتى أسمعُ صوتَ الحذاءِ النسوىّ فى الخارجِ بوضوح ، والعقلُ يضربُ فى متاهتِه ، الشيخوخةُ تغزونى ، البطنُ المترهّلةُ فوق الحزامِ الجلدىّ ، وهاهو الشَعْرُ قد تساقط ، والشَيْبُ بدأ يشتعلُ فى رأسى ، أظلُّ أفكِّر ، وحياتُنا لا تكادُ تُطاقُ بدونِ الأوهام ، لا حدودَ للبوْح لدىّ ، أحلمُ بالتحرّر ، التحرّر من كلِّ أشكالِ الاستغلالِ والاستلاب : من النافذةِ أنظرُ للرجلِ الذى يرفعُ غطاءَ السيارةِ الأمامىّ إلى أعلى ، ويغرقُ بمنتصفِ جسدِهِ فى داخلِ السيّارة ، ولا يريدُ أن ينتهى ، يمرُّ الوقتُ وهو لا يريدُ أن ينتهى ، أريد للُغتى أن تَنْهَلَ مما هو قدْسىّ ، أو تظل على الأقلِّ على حافةِ القدسىّ ، أريدُ للُغتى أن تكونَ طازجة ، ويمكنُنى ، مثلاً ، لكى أحافظَ على هذه الطزاجةِ أن أصفَ الفتياتِ اللائى يخرجن لشراءِ الثياب ، يمضِّين ساعـاتٍ يجربْن الملابس ، ويمشين بأصابِعِهِن الطويلةِ الناعمةِ فوق مشدَّاتِ الصدر ، أو يتحسّسْن انضباطَ المقاسِ على الامتلاءِ المثالىّ للفخذين، ويراقبن ، بعيونٍ فاحصة ، صوَرَهُن فى المرايا ثلاثيةِ الأبعاد ، ويتأكدْن من مسقطِ النّظرِ فوق الزاويةِ الداخليّةِ للنهدين، ويَدْعَكْن ملمسَ القماشِ على هَضَبَةِ البطن ، ويترددنَ طويلاً فى اختيارِ الألوانِ التى تناسبُ جوعَ الجسد .
كانت صورةُ المقتولِ فى حادثةِ السيارةِ فظيعاً ، سقفُ السيارةِ مطبَّقٌ فوق ظهرِهِ والدَّواسَةُ اخترقت الصَدْر ، وشظايا الزجاجِ مرشَّقةٌ فى اللحمِ والملابس ، والرأسُ شبه مهشّم ، والدماءُ الغليظةُ اللَّزِجَةُ تملأ الفجوات .
حين يشيخُ المرء ، يميلُ للتذكّر : تذكّرِ الصّورِ والأسماءِ والمواقف ، ومن دلائلِ الشيخوخةِ أيضاً، الإحساسُ بسرعةِ الزَّمن ، وملاحظةُ أن الممثلين فى المسلسلاتِ تحولوا من أداءِ أدوارِ الشبابِ إلى أداءِ أدوارِ الشيوخ : قضيتُ عمرى أنادى بإمكانيّةِ أن يحدثَ الاندماجُ بين الأساليبِ غيرِ المتشابهة ، كانت العولمةُ تحيطُ بى ، وأنا أغمسُ رأسى فى فجوةِ الوسادةِ التى كان الرأسُ يملؤُها، مستلقياً، واضعاً رجلاً على رجلٍ والسقفُ يتأرْجَحُ على القدمين، ومن ثمَّ أطرحُ اسئلتى الملحةَ المقلقة: هل الحسُّ الطفولىّ الذى أريدُ أن أطرحَه بقوةٍ سأستطيعُ أن أستحضرَه فى أىِّ لحظة ؟ هل الفتاةُ التى اشترت هذا المعطفَ الإيطالىّ المحاطَ بالزغبِ الأبيضِ الناعم ، المعطفِ ذى الأكمامِ المنتفخةِ من الصوفِ الطبيعى ، هل ستنامُ فى داخلِهِ من فرطِ الَّلذةِ الغامضةِ والدفء ؟ هل هذا الازدحامُ العنيفُ فى شوارعِ حلوان الجانبيةِ يخلو من أىّ معنى سوى تنافسٍ وحشىٍّ على البقاء .
يغيبُ الوجهُ فى دُكْنةِ الظلال ، وذاكرةُ الشكل ، تملأ التصوّرَ : توالى البيوتِ بتورياتِها وايهاماتِها وتعبيراتِها ، تتراصُّ فوق الدروبِ الإسمنتيّةِ الحزينة ، أصابتْنى حالةٌ من نسيانِ الشيوخِ : يكونُ الاسم على طرفِ اللسان، وأنساه ، وأظلُّ أفكّرُ باعتبارى شيخاً كيف أن الساعةَ الصغيرةَ على معصمى تعُدُّ الدقائقَ بالعقارب . أما الساعات الكبرى فلا تنشغلُ بعدِّ الدقائقِ ، ولكن تنشغِلُ بعدِّ القرون والأحقابِ السحيقة : ضيقٌ فى الشرايين والأوعيةِ الدمويّة ، "الفلاشُ" فى شبكيّةِ العين ، والمجراتُ تبتعدُ عن بعضِها بسرعاتٍ هائلة ، المجراتُ تبتعدُ عنى الآن بسرعةٍ لا يتخيلُها أحد . هل تسمعون صوتَ مِلعقتى وهى تدورُ بإلحاحٍ فى كوبِ الشاى، أنا لستُ على ما يرام ، تصطدمُ أنوارُ السياراتِ بزجاجِ النافذةِ فتضىءُ حجرتى الحزينة ، وهناك شىءٌ من إحساسِ النشوةِ عند وضعِ القدمِ الحافيةِ على البلاطِ البارد _________________ حسن بلم | |
| |