® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2015-02-14, 4:26 pm | | طوابير التلاميذ بالمرايل البيج ، وبالحقائب الفقيرة
.. لم أكن أظن أن أكوام الزبالة ستظل هكذا فى الشوارع ، والناس هكذا يذهبون ويعودون ، وبين الحين والحين ، تمر سيارات فارهة مكيفة تعوى مسرعة ، سيارات محصنة ، صلبة الجدران ، شبابيكها مغلقة بالستائر ، وقد أقفلت المحلات أبوابها ، ولم يكف المطر عن الهطول ، وأنا أمشى منكسراً حزيناً ، ألملم أوراقى داخل الإكلاسير ، وأمشى أطأطئ الرأس . لم أكن أظن أننى حين أنسى الصنبور مفتوحاً ، وأعود : سأجد الشقة قد أصبحت بركة من الماء ، وأن الماء يمكن أن يغرق كل شىء هكذا ، ويسيل من تحت باب الشقة وينزل السلالم حتى يصل إلى الشارع ، الماء الذى يمكن أن يمتد ليغرق كل شىء ، يغرق السيارات والأسوار والبيوت ، ويجرف الأوراق ، والأختام ، والأشياء الصغيرة ، والكبيرة . الناس ينسون طفولتهم ، أيام المرايل البيج ، ويمشون نياماً ، وأنا أنظر بعينى للبعيد ، حيث النساء يجلسن على الكنبة الشعبية المرتفعة ، يتكلمن ويتكلمن بلا فائدة ، لأن الزمان يسير فى طريقه كالأعمى ، لايعبأ بشى ، الزمان لا يعبأ بالموتى الذين يتساقطون ، ولا بالأطفال الذين يصرخون داخل البيوت ، ولا بالرجل الذى نزل من السيارة ، وأغلق بابها بقوة ، وظل يجرى ملهوفاً كأنه يبكى . لم أكن أظن أننى سأظل طويلاً طويلاً هكذا ، أتكئ بمرفقى على حافة النافذة ، وأنظر للأفق بلا معنى ، والمرأة على الكنبة الطويلة من خلفى ، تدهن حلمتيها بالصبار ، حتى تفطم صغيرها الذى لا يتوقف عن البكاء لحظة . لم أكن أظن أن جلسة الشاى ستصير حميمة هكذا ، حول منضدة خشبية صغيرة ، وأن هناك فى نهاية الخوص ، ستكون هذه الأغنية الرقيقة التى تمزق القلوب ، لم أكن أظن أن الأيام الجميلة ستظل تضيع منى ، تباعاً ، ولا يتبقى أمامى سوى الفراغ .. الفراغ .. الفراغ
بلاط الأرضية رقعة شطرنج .. يحب الإنسان المبالغة فى كل شىء ، ينفخ الأشياء الصغيرة ، وتستطيل الأجسام ، والمبالغة فى النهاية تعبير عن الحزن ، عقلى يتفتح فى خطوط عديدة والعمارات مستديرة حولى ، وأحياناً تصبح الحياة حفلة مزيفة ، بين الحين والحين يحيطنا الزيف الفضى ، الزيف الذى يتنفس ، التقط العالم من زاويتى ، وأنا على الناصية ، وفى يدى زجاجة المياه الغازية ، والزمن القديم يتسحب نحوى ، الصمت يحاصر الموبيليا والجدران وبلاط الغرفة ، الصمت يحيط بالتمثال البرونزى على النيش ، والسحاب يتلوى فى النافذة ، الحزن مطبوخ فى صدورنا ، شهادة الميلاد مطلوبة ، وأربع صور فوتوغرافية ، ولا أعرف ماذا سنفعل فى هذا العصر ، لا أريد الانخراط في المتاهات ، وأسأل عمن يمنحنى القدرة على الشطح العقلانى ، شيئاً فشيئاً ينهشنى الزيف ، فأخطو ببطء فوق المشاية الخوصية ، وعلى فمى هذه الابتسامة البيتية ، هل سأمسح الزيف ، أم سأغطس فى بحر الزيف : الذكريات العائلية تغزونى ، والخدادية البضة تحت كوعى ، أنا داخل الاعتياد الآن ، أسمع صوت دراجة نارية تمشط الطريق ، ولا أعرف من أين يأتى كل هذا الزيف ؟ الزيف فى روشتة الدواء ، وفى المحطة الإذاعية ، الزيف خلف الستائر ، وإلى جوار النافورة ، وأنا أجلس على الكرسى ، واضعاً يدى عى المسندين ، تحت السّماء صافية .
كم هو مزعج هذا الهاتف المحمول .. يسقط نور الشمس بعنفوانه على جانب المنزل ، بينما حبال الغسيل الجافة ممدودة ، ممدودة من أول التاريخ حتى آخر الشرفة . أيها الزمن القديم تعال أيتها الروح القديمة تعالى مثل الثور الهائج ، أنا مصارع الثيران المحترف ، المغطى بالعضلات ، اقترب منى أيها الماضى سأهزمك ، بجدارة ، وسوف ألتهمك أيها الماضى ، سأتلذذ بطعمك ، مثل طعم اللحم المقدد فى الفرن البلدى فى البيت ، تعالى إلى أيها الماضى سأهزك وسأصفيك ، وسوف أجهز عليك ، أنا لا اعتقد أننى أحبك ، ولا أحب حكاياتك ومغامرات أبطالك الصناديد .. أنت لاشىء أيها الماضى .. أنت مجرد طحلب ناتىء ، طحلب طرى .. حقاً لك لمعانك القديم ولك رائحة القرفة والنارجيلة ، ولكنى سأسحبك إلى ساحة المصارعة الفسيحة الباردة ، وسأهزمك شر هزيمة ، سأعيدك إلى مكانك مغموراً مختبئاً خلف أعمدة الخشب ، والبواكى الحجرية الباهتة ، وسأمد قدمى إلى التبة العالية لأصعد فوق السقوف والأبراج ، فى قفزة واحدة ، وفجأة سيهب الهواء من ناحية الأفق قوياً ، وتأتينى رائحة الماء العلوى ، سأخطو بقدمى لأجدنى فى قلب الكوفى شوب : أضحك برشاقة ، بين الفتيات الجميلات مليئات الأذرع ، وفى جيبى المحمول الداكن يعوى ، فأرد أو لا أرد على من يهاتفنى .. أنا لى مطلق الحرية .. وكلامى محسوب على درجة القلب ، أريد أن أتكلم ، نعم رغبة حبيسة ، أريد أن أتكلم .. أفتح الشفتين بزوايا عديدة وأجعل فتحة الحلق واسعة .. وأتكلم يمسنى الضوء بسرعة وهو آت من فوق المناضد ، ومن فوق رؤوس الأصدقاء .. وأنا أتكلم أتكلم .. نعم .. أتكلم
كم هو مزعج هذا الهاتف المحمول .. يسقط نور الشمس بعنفوانه على جانب المنزل ، بينما حبال الغسيل الجافة ممدودة ، ممدودة من أول التاريخ حتى آخر الشرفة . أيها الزمن القديم تعال أيتها الروح القديمة تعالى مثل الثور الهائج ، أنا مصارع الثيران المحترف ، المغطى بالعضلات ، اقترب منى أيها الماضى سأهزمك ، بجدارة ، وسوف ألتهمك أيها الماضى ، سأتلذذ بطعمك ، مثل طعم اللحم المقدد فى الفرن البلدى فى البيت ، تعالى إلى أيها الماضى سأهزك وسأصفيك ، وسوف أجهز عليك ، أنا لا اعتقد أننى أحبك ، ولا أحب حكاياتك ومغامرات أبطالك الصناديد .. أنت لاشىء أيها الماضى .. أنت مجرد طحلب ناتىء ، طحلب طرى .. حقاً لك لمعانك القديم ولك رائحة القرفة والنارجيلة ، ولكنى سأسحبك إلى ساحة المصارعة الفسيحة الباردة ، وسأهزمك شر هزيمة ، سأعيدك إلى مكانك مغموراً مختبئاً خلف أعمدة الخشب ، والبواكى الحجرية الباهتة ، وسأمد قدمى إلى التبة العالية لأصعد فوق السقوف والأبراج ، فى قفزة واحدة ، وفجأة سيهب الهواء من ناحية الأفق قوياً ، وتأتينى رائحة الماء العلوى ، سأخطو بقدمى لأجدنى فى قلب الكوفى شوب : أضحك برشاقة ، بين الفتيات الجميلات مليئات الأذرع ، وفى جيبى المحمول الداكن يعوى ، فأرد أو لا أرد على من يهاتفنى .. أنا لى مطلق الحرية .. وكلامى محسوب على درجة القلب ، أريد أن أتكلم ، نعم رغبة حبيسة ، أريد أن أتكلم .. أفتح الشفتين بزوايا عديدة وأجعل فتحة الحلق واسعة .. وأتكلم يمسنى الضوء بسرعة وهو آت من فوق المناضد ، ومن فوق رؤوس الأصدقاء .. وأنا أتكلم أتكلم .. نعم .. أتكلم
زلط ملون .. وأقدام وهمية .. لماذا ترك البقال باب دكانه مفتوحًا ، وغاب هكذا ؟ ألا يخاف على بضائع المحل ؟ هل هو الذى وقف مذهولاً أمام الفتاة التى تبكى ، وترفض أن تخبر أحداً عما يبكيها ؟ هل هو قانون الشوارع الخصوصى ، حيث تهنا على الأرصفة البعيدة ، والزمان يتوالى غير عابئ بالوجود . . لم يعد هناك طعم لأى شىء . . فى منتصف كوبرى قصر النيل بالضبط ، وقف الرجل السكران يلقى خطبة عصماء وأنا ضاعت منى أيام جميلة ، ولايزال فى رأسى مبنى المدرسة الابتدائية ، بجوار سور الجامع ، وأمامها كان رصيف الغيوم ، رصيف الزحام ، رصيف التساؤل . . كلنا نركض خلف لاشئ والأرصفة حطمها الزمن ، بعد أن ظلت طويلاً توزع الأجساد لليمين ولليسار ، ونحن نمشى ، ولا نعرف إلى أين نحن ذاهبون ، وأحياناً نجيد حبكة الوهم ، فنقنع أنفسنا بأننا نسينا أشياء وينبغى أن نعود للبيت لإحضارها . . هل مررت على طابور يتجه إلى شباك معدنى ، يغطى الصدأ حوافه ، أم قد أكون قد مررت على صبية بائسين يصُفّون المقاعد فى قاعة الأفراح ، ويعلقون الزينة . . كانت الأرصفة الأرستقراطية المبلطة بالزلط الملون ، تتلوى فوق الأرصفة القديمة التى يتلكأ فوقها الفقراء ، وها أنذا أمضّى ماتبقى لى من أيام ، صرت عندما أعود للبيت ينتابنى شعور النهاية ، لقد نزعت الصورة عن البرواز ، فظل فارغاً معلقاً فى مدخل الشقة وفى معظم الأحوال أترك البيت ، وأعود هارباً للشارع غارقاً بين الأقدام العشوائية التى تتطاحن ، أو تظل تتزاحم بلا اتجاه
هذا قميصى بستة أزرار يشهد على الحزن
.. ظللت طوال الطريق أتلفت للأمام وللخلف ، ومن وراء النوافذ الحكايات التى تسكن البشر ، وفى البيت ارتميت على المقعد ، و تأكدت أننى فقدت القدرة على مواجهة الحياة ، وهذه أمى تمسك بالكيس الشفاف الضخم ممتلئاً بالأزرار ، بكل الأحجام والألوان ، جمعته من كل الملابس فى حياتها ، الملابس التى بليت أو تمزقت أو ضاقت على لابسيها . أريد أن أقبض على اللحظة المنفلتة ، وأن أقبض على لعبة المرايا التى نعيشها ، إلى أين سنصل ، وهذا السلم الكهربائى يقذف بالرجال وبالنساء ، ولا أحد يعرف أين سينتهى به المطاف . لكل امرئ خزانة مشاعره الخصوصية ، وأفكاره التى يريد أن يحميها ، ويدافع عنها ، وهذا كيس الأزرار له شكل شديد الإثارة ، حيث هذه الدوائر الملونة الجذابة ، ما أجمل الدوائر ، والأشياء الدائرية فى حياتنا ، الدوائر التى يمكن أن أقاوم بها الموت ، وأقاوم الأحزان التى تزيد مثل كرة الثلج التى تتدحرج من أعلى لأسفل . باتجاه سريرى أفكر كيف أن كل شىء مؤجل ، حتى أن الحياة كلها صارت مؤجلة باتجاه سريرى أخذت أتذكر كيف تأملت اليوم رجالاً فى الشارع ، يقهقهون بكل قوتهم ، فلماذا أنا بالذات فقدت قدرتى حتى على الابتسام . هذه أزرار شعبية ، وأزرار تبتسم ، وأزرار مثل النجوم ، وأزرار يمكن أن ترقص من حولى ، وأنا أتلمّس الطريق فى الشارع الضيق الطويل ، والليل يحط ثقيلاً بطيئاً ، كل فكرة تقترب من السذاجة بدرجة أو بأخرى . وأنا أمشى بالقميص الغامق المُشمَّر حتى الكوعين ، لا أعرف إلى أين أتجه ، وكثيراً ما كنت أدس ذراعى داخل كيس الأزرار ، وأظل أضغط ، مستمتعاً بملمس الأزرار ملء كفى : أزرار تئن ، وأزرار ترقص ، وأزرار تدور ، وأزرار تتنحنح
_________________ حسن بلم | |
| |