® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2021-10-01, 8:28 pm | | @hassanbalam #أمجد_ناصر أثر العابر وقصائد أخرى لأمجد ناصر
لا أعرفُ كيف ومتى وصلتُ إلى حيثُ لا يصلُ الأنصارُ أو الشُّهودُ. جاءتْ عرباتٌ تجرُّهَا كائناتٌ، نصفُها بشريٌّ ونصفُها حمارٌ وحشيٌّ. رموني مع الذين قضوا نحبَهُم. كنتَ مختنقِاً. ولم أكنْ ميتاً تماماً. كنتُ بلا نَفَسٍ تقريباً. لا أعرفُ ما الذي أصابَني. كان هناك هواءٌ حامضٌ ومُرُّ وحرّيفٌ وثقيلٌ. تنفَّستُهُ.
فلم يكنْ هناك هواءٌ غيرَهُ. لابدَّ أنَّ لوني شَحبَ وأطرافي ارتجفتْ وفمي طَفَحَ بزبدٍ. رأيتُ آخرين على هذه الهيئة لكنَّهم كانوا متخشِّبين. قطعةً واحدةً. هكذا يكونُ الأمواتُ، أليس كذلك؟
لأنَّ الدمَ والنَّفس والذكرياتِ تُطرِّي الجسد، وتجعلُهُ قابلاً للانثناء. بسبب كَثرتِنا، لأننا ملأنا الأرضَ التي كانت خضراءَ بما لا أدري فصارتْ خضراءَ من القَيءِ وبرادةِ النُّحاسِ المُجنْزرِ، راحوا يرمُوننا على عجلٍ في العرباتِ
التي ظلَّتْ تعمل على مدارِ الساعةِ. هكذا وصلتُ إلى هنا خطأ. ربَّما. لستُ متأكداً. كنتُ بلا طاقةٍ، لأدافعَ عن بقايا نَفَسي ونبضي الضعيفِ وقدرتي على رؤيةِ الأشياء بالأخضرِ وذاكرتي التي طَفِقَتْ تستعرضُ كلَّ الأشياءِ التي أحببتُها، خصوصاً الماء. عطشانٌ. رأيتُ ماءً كثيراً. رأيتُ ينابيعَ. شلالاتٍ.
أنهاراً هادرةَ. واحاتٍ في صحراء. ماءً ينزُّ من كتفِ جبلٍ. …. عندما قامُوا بِفَرْزِنا صحوتُ. رأوني أُحرِّك يدي.
لم أكن أرتدي كفناً. كنتُ في ثيابِ العملِ، في جُيُوبي أقلامُ رصاصٍ، مفكَّاتٌ، مفاتيحُ. هل كنتُ حدَّاداً، نجَّاراً، ميكانيكيَّاً، أم شاعراً؟ لا آثار بلطات أو طلقاتٍ على جسدي. حاروا أين يضعونَني! هذه قوافلُ الموتى تتوافدُ. هناك مهاجعُهُم التي يُفرَزُون إليها بأرقامٍ في أعناقهِم. وأنا لستُ ميتاً. لا يصعدُ الأحياءُ إلى هذه الأعالي. أجسادُهم أثقلُ من أن تُنْقَلَ حتَّى في عرباتٍ تجرُّها كائناتٌ، نصفُها بشريٌّ، ونصفُها حمارٌ وحشيّ.
لا يصعدُ الأحياء إلى علِّيِّنْ. لم يتذكروا أن حيَّا وصلَ إلى هٌنا، ولا يعرفون كيف يعيدونَ الأحياء، فَمَنْ يصلُ إلى هنا لا يعودُ. سألوا مَنْ أنا؟ نسيتُ، بالضبطِ، مَن أكون، فقلتُ لهم: رسولٌ! جفلُوا. ليست هيئتي لرسولٍ ولا يُرمَى الرُّسلُ، كيفما اتَّفق، في عرباتِ الموتى. تغيَّرتْ ملامحُهُم، فقلتُ لهم كلّا، لستُ رسولاً إلهياً، فلا أقوى على ذلك، ولكنْ، بما أنني وصلتُ إلى هنا، ولم يفعلْ ذلك حَيٌّ قبلي، ربَّما شاعران، أحدهما يُسمّى المعرِّيُّ، والثاني يُدعى دانتي، فأنا رسولُ الذين ظلّوا في بلاد البراميلِ والسارينَ في مملكةِ آدم التي ترون من مرتفعاتِكم البعيدةِ هذه اللهبَ الذي يتصاعدُ من أطرافِها، والدخانَ الذي يلفُّها، والروائحَ التي تزكمُ الأنوفَ (ألَّا تشمّونها؟) وبما أني وصلتُ إلى هنا خطأ، وهذا على ما يبدو لم يحدثْ من قبلُ، فهناك احتمالان: أنَّ الأخطاء ليست عُمْلةً بشريةً فقط، أو أنَّ في ذلك دلالة.
قولُوا له إني أريدُ أن أراهُ.
أريدُ أن أقولَ له إني قادمٌ من مملكةِ مخلوقِهِ آدم، حيثُ صارت الكلمةُ للزُّومبيِّين، مصَّاصي الدماء، أَكَلة لحومِ البشر، هَاتكي الأعراض، مُغتصِبي الصِّبيةِ الصغار، رجال الخازوقِ والكراسي الكهربائيةِ، مُحوِّلي القرودِ إلى بشرٍ، والعكس، عاقِّي آبائهم وأُمَّهاتهم، الذين يقطعونَ الرؤوسَ كَدَرسٍ سريعٍ في التَشريحِ،
خَزَنَةِ البَراميلِ المعبَّأةِ بـ التي إن تيْ والمساميرِ وأنصالِ السكاكينِ… وغيرهم وغيرهم.
لستُ متأكِّداً أنَّه على علمٍ بما يجري، أو رُبَّما نَسيَنا، فَمَن نحنُ في كونهِ اللانِهائيِّ؟ هناكَ شيءٌ خطأٌ. ليس وصولي إلى هُنا، ولكن تركنا في ظلماتٍ، لم يَنرها قبسٌ واحدٌ يدلُّ على قدرةٍ، أو حكمةٍ من أي نوعٍ.
ومثلُ موسى لن أبرحَ مكاني هذا الذي لا أعرفُ أينَ هوَ حتَّى أراهُ يُشير بأصبعَيْه، ويضعُ طرفَ إبهامهِ على أنملةِ الخُنصرِ، فتسيحُ سبعةُ جبالٍ دفعةً واحدةً، فأنا ابنُهُ مثلُ أولئكَ الذين لولا الصحراءُ والحَيْرةُ ما صاروا أنبياءَ.
من ديوان: مملكة آدم | |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2022-02-22, 9:36 pm | | البتراء: الوردة المحجوبة – أمجد ناصر
نعرف أنكِ متواريةٌ هناك خلف ذلك القفص الصدريّ الحارس تتنفسين برئة الجبل وترقبين، من حجر السّرِّ الغائرِ، قادمين وذاهبين يغريهم الكلامُ بالوصف ثم يطبعُ الصمتُ على شفاههم أختامه الليلكية
نعرفُ أين أنتِ بلا بوصلة نعرفُ طريقكِ الملتوي كألم في الخاصرة زرناكِ مراراً دخلنا الدهليز والكهف مِلْنَا وانحنينا سقط علينا ضوءٌ سريعٌ وتعاقبت عتماتٌ في رفّة الرمش الواحدة
كم مرةً قادتنا الخطوةُ واللهفةُ وجفافُ الحنجرةِ في حجٍّ يشبه التيه إلى مرابعكِ وعندما نظن أننا بلغنا أقصاكِ نجد أنفسنا على أطراف حكايتكِ مرة أخرى لا أحدَ يشذَُ عن هذه القاعدة عندما يراكِ فَرْكُ العينين أمام الصباح المتمهل للبدوية الصهباء سنقرأُ بأكثرَ من لغةٍ سنصطحب معنا دليلاً متضلعاً بالأوابد، أو ساحراً مختصاً بفكّ الرصد والطلاسم، سنستعينُ بالمسابر والأشعة تحت الحمراء والكربون المشع سننخرطُ في حلقات الحَفْرِ والبلاغة والفضول ونوزّعُ الأدوار لكننا لن نتقدم كثيراً في الأديم المبرقع لاسمكِ وجسدكِ وحكايتكِ فليس سهلاً عبورُ الهوّة إلى حيث ولد اسمُكِ، الذي نناديكِ بغيره، كاملاً ولَمَعَ كاحلُك كتُوَيجِ سوسنةٍ سوداء المعداتُ المتطورةُ التي نحملها لا تكفي، ولا الخرائطُ التي نفردُها على الأرض، الطفولةُ يمكن أن تقدم لنا عوناً نلصقُ آذاننا على جرَّة أو جدار رأينا آنيةً خزفيّةً في أيدي المنقِّبين الزيتُ ينزُّ من اللقية المستعادة من الأنقاض النبتةُ خضراء العصفورُ أخضر والحداءُ الذي لم يعد يُسمعُ في هذه الجهات، يترددُ خافتاً على جانبي الهجران
الصخرةُ والتعويذةُ يتعانقان على هُدب الهاوية، لا نعرف أيهما حمى الثاني طوال الوقت هذا الصمتُ الذي يسودُ بعد عدوى الكلام ليس بلا لسان الفراغُ المألوفُ لا يعني العدم أو اللاشيء هناك كائناتٌ تواصلُ حياتها السرية في العزلة وأصواتٌ لا تلتقطُ ذبذبتَها المسجلاتُ الحساسةُ التي نحملها لكِ عشاقٌ كثيرون وقلبٌ ينبض من خمس جهات لم يترك المحبون كلاماً كثيراً بل جراراً تشققت تحت شمس الجفاف، كانوا حينها يتكلمون بالناي والإزميل، ثم إنهم تفرقوا في الأرجاء نفسّرُ الأمر على النحو التالي: أنتِ لم تبرحي واديكِ ولم تهجري آلهتكِ، هم الذين فعلوا بعد أن صار للقافلة والدرهم وكيلُ نعمةٍ آخر هكذا عندما يتغيرُ الطريقُ تنزوي اللُّقى التي يَعدُنا بها الطريق تنحجبُ أو تندثرُ الطريق لم يعد يمرُّ من هنا تواريتِ وراء الجبال المُسنَّة انغلقتِ على نفسكِ ارتدَّتْ وردتُك إلى كأسها شموسٌ وأقمارٌ وريحٌ تعاقبت بلا انقطاع على أحجارٍ كانت، ذات يومٍ، آلهةً تُعْبَدُ وغرانيقَ تُرتجى.
| |
| |