آخر المساهمات
2024-10-12, 12:21 am
2024-10-12, 12:19 am
2024-10-12, 12:14 am
2024-10-12, 12:14 am
2024-10-12, 12:13 am
2024-09-21, 5:25 pm
2024-07-21, 2:12 am
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

كلمات سبارتكوس الأخيرة,شعر وقصائد أمل دنقل,موقع أمل دنقل,ديوان أمل دنقل pdf

hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11575
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : كلمات سبارتكوس الأخيرة,شعر وقصائد أمل دنقل,موقع أمل دنقل,ديوان أمل دنقل pdf 15781612
كلمات سبارتكوس الأخيرة,شعر وقصائد أمل دنقل,موقع أمل دنقل,ديوان أمل دنقل pdf Icon_minitime 2012-12-18, 4:43 pm
قصائد الشاعر أمل دنقل
كلمات سبارتكوس الأخيرة,شعر وقصائد أمل دنقل,موقع أمل دنقل,ديوان أمل دنقل pdf Image

أمل دنقل :
جدار في الظهر

سيف في الصدر

تشبثوا بآمالكم، فإن أمل دنقل قد مات. ومن لديه أمل فليعض عليه بالنواجذ. هاهي آمال الشعر العربي تغادر.. وتتسرب من بين أيدينا واحداً بعد الآخر.
هل أمل دنقل آخرها / أول الذين /
( لا وقت للبكاء
فالعلم الذي تنكسينه.. على سرادق العزال
منكس في الشاطئ الآخر.. والأبناء يستشهدون كي يقيمون.. على تبة
العلم المنسوج من حلاوة النصر ومن مرارة النكبة خيطاً من الحب.. وخيطين من الدماء )
قال ذلك عند وفاة عبدالناصر / كأنه يقولها لنا الآن، فهو لم ينس الحياة حتى وهو بين فكي الموت.
عندما مات انهالت مئات المقالات بسرعة البرق للحديث عن شاعر مات. حتى نكاد نشعر بأن بعض هذه المقالات فرحة لأنه مات.

لماذا الآن يصير الشاعر جديراً. ويسمعه الناس ؟
هانحن ندخل في واحدة من محن الشاعر العربي الجديد. أمل دنقل لم يعرفه طوال تجربته الشعرية ربع عدد الذين يعرفون / يعرفونه الآن.. بعد /
نحن أمة تقدس الموتى. موتاها خاصة. بل أننا أمة تقتل مبدعيها لتقدسهم. إن الفرق / المفارقة بين إهمال الشاعر ومحاصرته إلى درجة الحرب أثناء حياته، وبين الاهتمام والاحتفاء إلى درجة التقديس بعد موته، مسألة مثيرة وجديرة باكتشاف النفسية العربية تجاه المبدعين الأحياء / الأموات.
أمل دنقل، جاء. صرخ في العالم المستكين، لم يعبأ بصوته أحد. ما همه أحد. كتب أجمل الأشعار ومات.
(أمثل ساعة الضحى بين يدي كافور ليطمئن قلبه، فما يزال طيره المأسور لا يترك السجن ولا يطير
أبصر تلك الشفة المثقوبة

ووجهة المسود، والرجولة المسلوبة.
.. أبكي على العروبة)
* الصعيد المصري / محافظة قنا / قرية القلعة / 1941. ولد دنقل. كيف نتخيل طفلاً يرى النور للمرة الأولى في (قلعة/ و إن مجازاً) - حمل الشاعر قلعته معه. في دمه / كلماته. واشتغل طوال الوقت على كسر هذه القلعة. بدون ضجيج جاء إلى الشعر العربي من صعيد مصر، وكتب قصيدته المختلفة. كسر جدران قلعته في القصيدة، كما لم يعهد الشعر المصري القصائد، ولم يعهد الكسور.. بهذا الشكل. قصيدته تكتظ بالواقع، بالعذاب الذي رآه في المدينة أكثر تعقيداً من عذاب القرية. هناك صورة العذاب واضحة، مباشرة حتى البساطة. في المدينة بدأ الصراع على درجة من التعقيد إلى الحد الذي يتطلب قوة أسطورية لدى الشاعر لكي يعبر الجحيم. يحترق فيه دون أن يتلاشى. كان فلاحاً هادئاً يمكن أن تلمس هدوءه في موسيقى القصيدة. في قافيتها خاصة. والمدينة صاخبة /
(كنت لا أحمل إلا قلماً بين ضلوعي
كنت لا أحمل إلا.. قلمي
في يدي : خمس مرايا
تعكس الضوء (الذي يسري إليها من دمي)
.. (افتحوا الباب)
فما رد الجرس
- (افتحوا الباب.. أنا أطلب ظلاً..)
قيل : (كلا).
1958 / دخل كلية الآداب. جامعة القاهرة. لمدة عام واحدة فقط. كأنه ليس مهيأ لشيء سوى الشعر، المهمات والواجبات التي تتطلب جلوساً في المقعد لا تليق به.
عاد إلى محافظة قنا. عمل موظفاً في المحمة. لكنه انشغل بالشعر والحياة.
ترك الوظيفة /
(ملك أم كتابة).

صاح بي صاحبي، وهو يلقي بدرهمه في الهواء
ثم يلقفه

(ملك أم كتابه
صحت فيه بدوري
فرفرف في مقلتيه الصبا والنجابه
وأجاب : (ملك)
دون أن يتلعثم.. أو يرتبك
وفتحت يدي
كان نقش الكتابه
بارزاً في صلابة)
انفجر أمل في الشعر الحديث بهدوء. لكن بنوع من السخرية لم تتوفر كثيراً في هذا الشعر. كان الفن عنده يسخر في الجرح ويسخر به معاً. وصارت هذه الخصيصة من أرقى ملامح شعره. وربما وصلت في أحيان كثيرة إلى ذروة المأساة الإنسانية التي تنطوي على قدر كبير من درامية الحياة البشرية. ويستطيع أمل دنقل بجمالية شعرية غاية في الشفافية أن يباغت القارئ بصورة يومية تصعد إلى مستوى الصورة الشعرية الراقية. يحدث هذا من غير أن تفقد الصورة اليومية الشعبية بساطتها، ودون أن يقع في المبالغة الكلاسيكية المعتمة، والتي يحيط الضجيج البلاغي بها. فاللمحة الساخرة عنده تفجر في ذهن القارئ مالا يقاس من المعاني والآفاق الشعرية.

(قيل لي "اخرس".
فخرست، وعميت وائتممت بالخصيان
ظللت في عبيد ( عبس ) أحرس القطعان
أجز صوفها.
أرد نوقها
أنام في حظائر النسيان
طعامي : الكسرة والماء وبعض التمرات اليابسة
وها أنا في ساعة الطعان
ساعة أن تخاذل الكماة والرماة والفرسان
دعيت للميدان
أنا الذي ما ذقت لحم الضان
أنا الذي لا حول لي أو شأن
أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان :
أدعى إلى الموت.. ولم أدع إلى المجالسة).
إنها قصيدة (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة) التي كتبها في الأسبوع الأول من هزيمة 67. والتي انتشرت في مصر بالدرجة الأولى، تماماً كما اشتهرت (هوامش) نزار قباني في البلاد العربية. مع أن الشعر عند دنقل وصل إلى مراحل فنية تأخرت (الهوامش) عنها.

هنا السخرية تصير نوعاً من الطقس الحزين الذي يفضح صلاة كانت. من أجل صلاة جديدة. لقد اختصر الشاعر هنا تاريخاً عميقاً من القمع والجوع. فكل كلمة هنا تشتمل على مدلولاتها التاريخية الواقعية. فالإنسان الذي لم يكن يتمتع بالحرية والديمقراطية، هو المطلوب للدفاع عن الوطن. والذي يعرف عمق الإشارة إلى الواقع الاقتصادي، سيكتشف بشاعة الإشارة إلى كلمة (لحم الضمان) / إن أمل هنا يوظف السخرية الشعبية في تفجير الجذور.

الناظر إلى قصيدة دنقل للوهلة الأولى يعتقد ببساطتها البنائية، لكن المتأمل فيها سيكتشف التركيب الإيحائي والعلاقات الجمالية التي لا تزركشهما المبالغات اللغوية. لكن بساطتها تكمن في حساسية خاصة يمتلكها الشاعر تجاه اللغة. لغة بذاكرة غير مقموعة ولا موروثة :
(حين سرت في الشارع الضوضاء
واندفعت سيارة مجنونة السائق
تطلق صوت بوقها الزاعق
في كبد الأشياء :
تفزعت حمامة بيضاء
(كانت على تمثال نهضة مصر
تحلم في استرخاء)
طارت وحطت فوق قبة الجامعة النحاس
لاهثة، تلتقط الأنفاس
وفجأة : دندنت الساعة
ودقت الأجراس
فحلقت في الأفق.. مرتاعة)
عند أمل دنقل تجد المفردات التي لا تتوقع أن تكون بهذا الجمال وهذه الطاقة الشعرية. إنه يتشبث ببساطة المفردة وبشحنها بإيماءات جديدة. كانت الروح الشعبية لديه تتعرض لعذاب الماس في طريق الصقل والبريق. المفردة عنده تلمع وتطلع.

أمل لا يخلق لغة شعرية ساخرة. بل يحول المناخ المفاجئ الذي نعتاده ببساطة لكي يبرق أمامنا بشجن ومرارة ويبدو لا معقولاً. غرابته الساخرة تنبع من العذاب الكبير الذي تجسده المفارقة في الصورة، ومن طاقة المعنى التي تفيض من إطلاق اللغة من إسارها. إنه يدخل اللغة في الحرية :
(أبانا الذي في المباحث. نحن نرعاك. باق لك الجبروت. باق لنا الملكوت
وباق لمن تحرس الرهبوت.

تفردت وحدك باليسر. إن اليمين لفي الخسر
أما اليسار ففي العسر. إلا. الذين يماشون
إلا الذين يعيشون يحشون بالصحف المشتراة العيون.. فيعيشون.. إلا الذين يشون. وإلا الذين يوشون ياقات قمصانهم برباط السكوت.
.. الصمت وشمك. والصمت وسمك.
والصمت. أنى التفت - يرون ويسمك.
والصمت
بين خيوط يديك المشبكتين المصمغتين يلف الفراشة.. والعنكبوت.)
/ القراءة. والقراءة. ثم القراءة. تجعل الشعر يصير أكثر جمالاً وتجعله أفقاً لكشف. الشعر الذي لا يدعوك لذلك / ليس كذلك.
في أوائل الستينات عمل أمل دنقل في مصلحة الجمارك بالسويس. ثم الإسكندرية لكنه ترك الوظيفة. انغمس أكثر في الشعر. (لم أعرف لي عملاً أو مهنة غير الشعر. لم أصلح في وظيفة. ولم أنفع في عمل آخر. وأخشى أن أتهم باستخدام الكلمات الكبيرة إذا قلت أنني كنت راهباً في محراب الشعر وحده. ولقد اكتشفت الآن أن الفن والأدب على إطلاقهما لا يقبلان بغير هذه الرهبنة.)
أنت لا تستطيع أن تكون موظفاً وكاتباً أو صحفياً وشاعراً. الكتابة موقف متصل.
أن تكون أو لا تكون. تكتب أو لا تكتب.

على نقيض ما يقول به شكسبير وحين طرح علي هذا السؤال، لم أفكر فيه أبداً. ولم أختر الإجابة. فلقد وجدت نفسي منساقاً إلى محراب الشعر. لا أفكر فيما عداه. فلم يكن في شواغلي أن تكون لي وظيفة أو بين أو ثروة. قلت أو كثرت. بل شاغلي أن أعيش لحظة الإيقاع النادرة بين نثر الحياة اليومية وتوتر الشعر).
الآن. أكتشف الآن. وكم تأخر هذا الاكتشاف. فهذا الكلام هو كلامه الأخير قبل ثلاثة أيام من الموت. هل كان عليه أن يدفع سنوات عمره كاملة ليكتشف هذه الحقيقة / يكشفها للعالم ؟
انشغل بأن يعيش لحظة الإيقاع النادرة.

وللدارس أن يكتشف جماليات هذه اللحظة التي امتدت في قصيدة أمل.
البنية الإيقاعية في شعر أمل ليست شكلاً. إنها أحد عناصر حياة المضمون بالذات. الإيقاع هو النسيج الخاص الذي غزله أمل برهافة لا تتيسر إلا لشاعر مبدع. يتميز بحساسية عظيمة تجاه اللغة.
وللدارس أن يكتشف أيضاً أن هذا الشاعر كان مولعاً بالإيقاع وهائماً به. بل يمكن أن نلمس أنه خالق خاص للإيقاع المختلف. وإذا لم يكن قارئ قصيدة أمل على درجة من الحس الموسيقي فإنه سيفقد سر الحيلة الإيقاعية التي تبتكر باستمرار الشاعر بقدرته الفائقة يكاد يمحو حدوداً واقعية بين النثر والوزن. وربما صارت هذه الحدود وهماً. إنه لا يعنى كثيراً بوزن الشعر، لكنه يحتفي بإيقاع الروح. روح الشعر والإنسان معاً. فإذا أنت لم تفهم حيلته الفائقة فسوف تقع في النثر. رغم تكرار القوافي التي تتداعى أحياناً كأنها الأشلاء من جسد يحترق.

(قلت : فليكن الحب في الأرض، لكنه لم يكن !
قلت : فليذب النهر في البحر، والبحر في السحب،
والسحب في الجدب، والجدب في الخصب،
ينبت خبزاً ليسند قلب الجياع، وعشباً لماشية الأرض، ظلاً لمن يتغرب في صحراء الشجن).
ويستطيع أمل دنقل أن يفاجئ القارئ بإيقاعات غير متوقعة، فأحياناً تتلاحق القوافي (جديدة الصياغة) بتداعيات شعورية تحمل القارئ إلى ذروات متدافعة كأنها الصهيل الكثير الذي يسبق شراسة الحرب.
(أسأل يا زرقاء..
عن وقفتي العزلاء بين السيف والجدار
عن صرخة المرأة بين السبي والفرار
كيف حملت العار
ثم مشيت دون أن أقتل نفسي دون أن أنهار.
وأحياناً تتباعد القافية في القصيدة، حتى نكاد لا نلمح لها سوى تردداً واحداً.
كأن نقرأ (الوشاح) في بداية المقطع ونلتقي في آخر المقطع بكلمة (الصباح).
(أيها الواقفون على حافة المذبحة
أشهروا الأسلحة
سقط الموت، وانفرط القلب المسبحة
والدم انساب فوق الوشاح
المنازل أضرحة
والزنازن أضرحة
والمدى.. أضرحة
فارفعوا الأسلحة
واتبعوني
أنا ندم الغد والبارحة
رايتي : عظمتان.. وجمجمة
وشعاري : الصباح).
أثناء ذلك. نحن لا نتوقع أن تكون هذه القافية (الوشاح / الصباح) بالذات هي عمودي الهيكل الشعري للقصيدة اللذين ينهضان ببنية المناخ العام. ولنا أن نتأمل الجمال الداخلي الذي خلقته القافية الصغيرة المترددة (أضرحة) بإيقاع خاص مختلف.

إن الشاعر لا يبدو أنه يحتفي بالقافية إلى درجة الافتعال إنها ترد أمامه عفو الخاطر. وإذا دخلت الصنعة، فإنها تدخل بشفافية لا تخدش متعتنا الشعرية.
بساطة أمل في شكل قصيدته الفني تنطوي على الجمال الذي لا يتكرر، بمثل هذه العناصر، في تجربة سواه الفنية، إنه نسج وحده حقاً. ويمثل نموذجاً للبساطة المستحيلة.
(في الفندق الذي نزلت فيه قبل عام
شاركني الغرفة
فأغلق الشرفة
وعلق (السترة) فوق المشجب المقام
وعندما رأى كتاب (الحرب والسلام)
بين يدي : أربد وجهه..
ورف جفنه.. رفه
فغالب الرجفة
وقص عن صبية طارحها الغرام
وكان عائداً من الحرب.. بلا وسام
فلم تطق.. ضعفه
ولم يجد - حين صحا -
إلا بقايا الخمر والطعام.
ثم روى حكاية عن الدم الحرام
(.. الصحراء لم تطق رشفه
فظل فيها، يشتكي ربيعه صيفه)
وظل يروي القصص الحزينة الختام
حتى تلاشى وجهه
في سحب الدخان والكلام
وعندما تحشرج الصوت به، وطالت الوقفة
أدرت رأسي عنه.
حتى لا أرى دمعته العفَّه
ومن خلايا جسدي : تفصد الحزن..
وبلل المسام
وحين ظن أنني أنام
رأيته يخلع ساقه الصناعية في الظلام
مصعداً تنهيدة..
قد أحرقت جوفه).

جاء أمل دنقل إذن من صعيد مصر. ليفتح الطريق أمام الجيل الجديد في الشعر المصري بعد عبدالصبور وحجازي. واستطاع بجدارة فنية أن يكون صوتاً خاصاً مختلفاً وقادراً.. منذ (زرقاء اليمامة). كان حراً بما لا يقاس في تجربته الفنية. وهذا ناتج في تقديري من حريته الفكرية فهو لم يقع تحت وطأة المنظورات السياسية الجاهزة في الفن. فهو الشاعر الوحيد الذي كان يستطيع أن يقول في أجمل قصائده وأكثرها جرأة :
لا تحلموا بعالم سعيد
فبعد كل قيصر يموت
قيصر جديد
(زرقاء اليمامة)
هذه الفكرة الفاجعة تتطلب جرأة كبيرة لتواجه مهرجانات الأمل الكاذب الذي أقيم لينتشل الانسان العربي من هزائمه التي لم تكن حزيران آخرها. وفي مصر بالذات يشكل إطلاق هذه الفكرة موقفاً مرشحاً لتهمة اليأس. والشاعر التقدمي - حسب النظرة السائدة - ليس له أن يكون يائساً. غير مصرح له بالشعور باليأس. أعتقد أن الشاعر الجزائري محمد حديبي الذي قال مرة (قليل من اليأس يجب أن يضاف إلى القصيدة) /.

أمل دنقل كان يائساً كل هذا اليأس الخلاق. كان يائساً بصدق ولم يكن مستعداً لخيانة شعوره في تلك اللحظة التاريخية.
كان إنسانا خلاقاً. مادام اليأس شعوراً طبيعياً، فمن المتوقع أن يمر به الانسان، تماماً مثلما يمر بلحظات الأمل.

أن يكتب الشاعر يأسه، يعني أنه يواجه تجربته بصراحة الشعر وقدرته على نفي اليأس، فبمجرد أن يكتب
الشاعر القصيدة فانه ليس معرضاً للوقوع ضحية لليأس. وأمل دنقل بالذات، وهو المأخوذ بحلم الانسان، كان جديراً بمصارعة اليأس طوال حياته، لكن دون أن يسقط في مستنقع الأمل الكاذب.
(قلت لكم مراراً
أن الطوابير التي تمر في استعراض
عيد الفطر والجلاء
(فتهتف النساء في النوافذ انبهاراً)
لا تصنع انتصاراً
إن المدافع التي تضوي على الحدود في الصحارى لا تطلق النيران.. إلا حين تستدير للوراء
إن الرصاصة التي ندفع فيها ثمن الكسرة والدواء
لا تقتل الأعداء
لكنها تقتلنا.. إذا رفعنا صوتنا جهاراً
تقتلنا، وتقتل الصغارا
قلت لكم
لكنكم.. لم تسمعوا هذا العبث
ففاضت النار على المخيمات
وفاضت الجثث
وفاضت الخوذات والمدرعات).
في خريف،1976 ذهبت صحفية من القسم الثقافي بجريدة (الأخبار) لتجري حواراً مع أمل دنقل، في مقره الدائم بمقهى ريش. وكان هذا اللقاء ولادة الحب الذي تحول سريعاً إلى خطوبة وزواج عام 78. كانت الصحفية هي عبلة الرويني.

ولأن الشاعر لم يكن يملك سكناً للزواج، ولا مالا ليهيئ هذا السكن، فأقام مع عروسه في غرفة بفندق بشارع 26 يوليو منذ بداية عام 1979.

ولد أمل بعيب في إحدى خصيتيه، وفي سن التاسعة أجريت له عملية جراحية في محافظة قنا. ويبدو أن العملية كانت فاشلة وفي هذه الحالات، إذا لم تنشط الخصية المريضة فإن المريض معرض للإصابة بالسرطان في سن الأربعين. وهذا بالضبط ما حدث. فمنذ ثلاث سنوات بدأ السرطان يهاجم أمل فدخل المستشفى للعلاج، وكان لا يملك نقوداً لمثل هذا العلاج الباهظ /
(أيها السادة : لم يبق اختيار
سقط المهر من الإعياء
وانحلت سيور العربة
ضاقت الدائرة السوداء حول الرقبة
صدرنا يلمسه السيف..
وفي الظهر الجدار)
فكتب يوسف إدريس مقالاً يطالب الدولة بعلاج الشاعر على نفقتها وبدأت حملة لعون الشاعر من قبل الأصدقاء والمحبين في أماكن عديدة من البلاد العربية. وعندما تعهدت الدولة بالعلاج. طلب أمل من الأصدقاء التوقف عن حملة المساعدة. لكنها لم تتوقف. كان لا يريد أن يشغل الناس بمرضه. إلى أن /
(لقد توقف العلاج، وهذا يعني أن القارب قد وصل إلى الشاطئ الآخر. أو قارب على الوصول. وأنا الآن لا أحب أن أتحدث عن مرضي، فهو قضية شخصية يجب ألا تشغل أحداً سواي)
وبعد ثلاثة أيام.. وصل القارب إلى الشاطئ الآخر. فقد /
(كان نقاب الأطباء أبيض
لون المعاطف أبيض
تاج الحكيمات أبيض
الملاءات
لون الأسرة
أربطة الشاش والقطن
قرص النوم
أنبوبة المصل
كوب اللبن
كل هذا يشيع بقلبي الوهن
كل هذا البياض يذكرني بالكفن
فلماذا إذا مت
يأتي المعزون متشحين بشارات لون الحداد
هل لأن السواد
هو لون النجاة من الموت
لون التميمة ضد الزمن).

حتى إذا مات. كمن يدخل باباً انتظر عنده طويلاً بعذاب. يدخله بهدوء. ولا نكاد نعرف من الذي ارتاح من هذا الدخول. هل الشاعر من الموت / أم الموت من الشاعر :
(كان أمل جميلاً حتى في الموت. كان أصدقاؤه يقولون له تحمل يا أمل الألم. قاومه. وكان يرد : أنا لا أملك إلا أن أقاوم. كان يقول لي : أنا لا أخاف الموت لكن أخاف العجز. عندما عجز أمل عن الحركة قبل وفاته بثلاثة أيام، وأصيب بشلل في كل جسمه، أدركت أنه قد مات. طوال فترة مرضه لم يتخل عن دعابته وسخريته مع أصدقائه الذين كانوا يزورونه. والذين لم يفارقونه في الفترة الأخيرة. عبدالرحمن الأبنودي. الدكتور جابر عصفور. الدكتور عبدالمحسن طه بدر. فاروق شوشة. كان يوصيهم أن يتماسكوا ساعة الموت. إن أمل إن كان قد عاش طوال السنة الأخيرة فهذا بسبب حب الناس له)
(الزوجة)
/ (آه.. سيدتي المسبله
آه.. سيدة الصمت واللفتات الودود
لم يكن داخل الشقة المقفلة
غير قط وحيد
...
آه.. سيدة الصمت والكلمات الشرود
آه.. أيتها الأرملة) /
(وقبل حوالي ثلاثة أشهر أدرك بشفافيته أن أيامه معدودة فقال لزوجته ولي سيناريو كامل لما يريد بعد وفاته. قال كل ماله وما عليه. طلب أن يدفن أمام مقبرة أبيه في قريته. وعندما ذهبنا لدفنه وجدنا (مصلى) في المكان الذي حدده فاستأذنا وحفرنا له فيها قبره. لقد صعقت وأنا أشاهد جسده عندما غسلناه بعد وفاته. كان جسداً متحللاً. كيف عاش هذا تحت هذا الجسد ؟ أليست معجزة.).
(عبدالرحمن الأبنودي)
أعرف أن العالم في قلبي مات
لكن حين يكف المذياع.. وتنغلق الحجرات
أنبش قلبي، أخرج هذا الجسد الشمعي وأسحبه فوق سرير الآلام
أفتح فمه، أسقيه نبيذ الرغبة
فلعل شعاعاً ينبض في الأطراف الباردة الصلبة
لكن.. تتفتت بشرته في كفي
لا يتبقى منه.. سوى جمجمة.. وعظام).
الشاعر محمد الماغوط قال لبدر شاكر السياب بعد موته : (تشبث بموتك أيها المغفل).
الآن / أمل دنقل كان طوال السنوات الأخيرة يتشبث بحياة أرحم منها الموت، ولم يكن مغفلاً.
بين السياب وأمل لم يتغير الحال العربي كثيراً. تفسخ أكثر. انهار أكثر. ولم يبق سوى أن يموت لنا أمل. صار الإنسان (الشاعر خاصة) أكثر هامشية من حذاء المشروع العربي. وغم ذلك كان أمل شجاعاً أكثر من السياب.
الذي يقرأ الشعر يعرف / سيعرف ذلك جيداً.
إن ضعف السياب كان نابعاً من عذاب الأرجوحة التي وجد نفسه فيها. فقد انغمس السياب في أرجوحة السياسة العربية ففقد حريته الخاصة. صادرت السياسة حرية الشاعر الداخلية. تأرجح بعذاب كبير قبل المرض. تبع هذه المنظومة الفكرية حيناً، وتلك المنظومة الفكرية حيناً آخر.
عذاب الأرجوحة هذا هو الذي أفسد (يفسد) قدرة الشاعر على التمتع بحريته الداخلية، وأدخله في المأزق.
أمل دنقل ظل طوال الوقت يخوض / يجتاز السياسة العربية بساقين طويلتين. يرى إلى السياسة بنظرة الطائر الذي يكتشف الواقع بسيطرة القادر. ويملك حريته في نفس الوقت. حريته في الطيران عابراً فسحة الأفق الأوسع من السياسة. وكانت حيلته جميلة وقادرة :
(حاربت في حربهما
وعندما رأيت كلا منهما.. متهماً
خلعت كلا منهما
كي يسترد المؤمنون الرأي والبيعة
لكنهم لم يدركوا الخدعة)
هذا هو الفرق بين عذاب الحرية لدى أمل، وبين عذاب الأرجوحة لدى السياب.
عذابان هيئا للشعر العربي الحديث تجربتين من أجمل التجارب الشعرية المعاصرة، ومن أكثرها صدقاً وأصالة.

السياب ودنقل قتلهما المرض. لكن الأول عانى من عذاب الأرجوحة أكثر من عذاب المرض. وعانى الثاني من عذاب المرض أكثر من عذاب الأرجوحة. ويمكننا اعتبار هاتين التجربتين صورة تجسد محنة الشاعر العربي المعاصر. وتفضحها في نفس الوقت.
(الشاعر له وظيفة اجتماعية أساساً. لابد له من موقف اجتماعي. الموقف السياسي تال لذلك. الموقف الاجتماعي الأشمل من قضايا المجتمع وقضايا العصر الذي نعيش فيه.
وليس معنى هذا الموقف أن يصدر الشاعر عن حماس تبريري أجوف للأحداث المؤقتة والعابرة، حتى ولو كانت أحداثاً كبيرة. وكل الشعر الذي ظهر وتبنى شعارات سياسية زاعقة بشكل مباشر هو شعر انتهى من ديوان العرب بعد أن كنسته الأيام. كذلك أكثر الشعر الذي ينشر في أغلب الأحيان. ونجده مجرد ترجمة لمانشيتات الصحف، كتلك القصائد التي تكتب عن المشروعات العمرانية، أو دخان المصانع. أو الإنجازات الوطنية. هذا كله ليس شعراً، حتى وان حمل كل مقومات الشعر. إنه شعر ساذج لا يبقى لأنه شعر ترديدي موقوف بالمناسبة التي قيلت فيه. إذ الشاعر هنا ليس أكثر من ناظم، أو حرفي، يعيد صياغة أفكار جاهزة.
وليست تلك وظيفة الشعر أو الشاعر. إن الشاعر يطمح إلى ما هو أبعد من الواقع حتى لو كان الواقع الذي يعيشه الشاعر رائعاً وجميلاً. فإنه يطمح إلى الواقع - المثال. الأكثر روعة وجمالا.
من ها فإن الشاعر يطمح إلى تحقيق المعادلة المستحيلة تلك التي يريد فيها أن يجعل الواقع شعراً، والشعر واقعاً. ولكن الواقع دائماً وأبداً لا يسعف الشاعر بهذه الصورة. ولهذا يجد الشاعر نفسه منحازاً إلى الحلم ضد الواقع).

(الشاعر في الأسبوع الأخير)
جاء من صعيد الأرض. كتب شعراً جميلاً كثيراً، ومات. في حياته طبع كل شعره خارج بلاده، بعد وفاته، ومن خلالها سيطبع شعره في بلاده.
لقد مات. لذلك فهو الآن يستحق التكريم.
لكن / ينبغي أن نتشبث بآمالنا.. فإن أمل دنقل قد مات.*

حسن بلم_عفاريت نوسا البحر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11575
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : كلمات سبارتكوس الأخيرة,شعر وقصائد أمل دنقل,موقع أمل دنقل,ديوان أمل دنقل pdf 15781612
كلمات سبارتكوس الأخيرة,شعر وقصائد أمل دنقل,موقع أمل دنقل,ديوان أمل دنقل pdf Icon_minitime 2012-12-18, 4:49 pm
كلمات سبارتكوس الأخيرة

( مزج أوّل ) :

المجد للشيطان .. معبود الرياح

من قال " لا " في وجه من قالوا " نعم "

من علّم الإنسان تمزيق العدم

من قال " لا " .. فلم يمت ,

وظلّ روحا أبديّة الألم !

( مزج ثان ) :

معلّق أنا على مشانق الصباح

و جبهتي – بالموت – محنيّة

لأنّني لم أحنها .. حيّه !

... ...

يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين

منحدرين في نهاية المساء

في شارع الاسكندر الأكبر :

لا تخجلوا ..و لترفعوا عيونكم إليّ

لأنّكم معلقون جانبي .. على مشانق القيصر

فلترفعوا عيونكم إليّ

لربّما .. إذا التقت عيونكم بالموت في عينيّ

يبتسم الفناء داخلي .. لأنّكم رفعتم رأسكم .. مرّه !

" سيزيف " لم تعد على أكتافه الصّخره

يحملها الذين يولدون في مخادع الرّقيق

و البحر .. كالصحراء .. لا يروى العطش

لأنّ من يقول " لا " لا يرتوي إلاّ من الدموع !

.. فلترفعوا عيونكم للثائر المشنوق

فسوف تنتهون مثله .. غدا

و قبّلوا زوجاتكم .. هنا .. على قارعة الطريق

فسوف تنتهون ها هنا .. غدا

فالانحناء مرّ ..

و العنكبوت فوق أعناق الرجال ينسج الردى

فقبّلوا زوجاتكم .. إنّي تركت زوجتي بلا وداع

و إن رأيتم طفلي الذي تركته على ذراعها بلا ذراع

فعلّموه الانحناء !

علّموه الانحناء !

الله . لم يغفر خطيئة الشيطان حين قال لا !

و الودعاء الطيّبون ..

هم الذين يرثون الأرض في نهاية المدى

لأنّهم .. لا يشنقون !

فعلّموه الانحناء ..

و ليس ثمّ من مفر

لا تحلموا بعالم سعيد

فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد !

وخلف كلّ ثائر يموت : أحزان بلا جدوى ..

و دمعة سدى !

( مزج ثالث ) :

يا قيصر العظيم : قد أخطأت .. إنّي أعترف

دعني- على مشنقتي – ألثم يدك

ها أنذا أقبّل الحبل الذي في عنقي يلتف

فهو يداك ، و هو مجدك الذي يجبرنا أن نعبدك

دعني أكفّر عن خطيئتي

أمنحك – بعد ميتتي – جمجمتي

تصوغ منها لك كأسا لشرابك القويّ

.. فان فعلت ما أريد :

إن يسألوك مرّة عن دمي الشهيد

و هل ترى منحتني " الوجود " كي تسلبني " الوجود "

فقل لهم : قد مات .. غير حاقد عليّ

و هذه الكأس – التي كانت عظامها جمجمته –

وثيقة الغفران لي

يا قاتلي : إنّي صفحت عنك ..

في اللّحظة التي استرحت بعدها منّي :

استرحت منك !

لكنّني .. أوصيك إن تشأ شنق الجميع

أن ترحم الشّجر !

لا تقطع الجذوع كي تنصبها مشانقا

لا تقطع الجذوع

فربّما يأتي الربيع

" و العام عام جوع "

فلن تشم في الفروع .. نكهة الثمر !

وربّما يمرّ في بلادنا الصيف الخطر

فتقطع الصحراء . باحثا عن الظلال

فلا ترى سوى الهجير و الرمال و الهجير و الرمال

و الظمأ الناريّ في الضلوع !

يا سيّد الشواهد البيضاء في الدجى ..

يا قيصر الصقيع !

( مزج رابع ) :

يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان في انحناء

منحدرين في نهاية المساء

لا تحلموا بعالم سعيد ..

فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد .

و إن رأيتم في الطريق " هانيبال "

فأخبروه أنّني انتظرته مديّ على أبواب " روما " المجهدة

و انتظرت شيوخ روما – تحت قوس النصر – قاهر الأبطال

و نسوة الرومان بين الزينة المعربدة

ظللن ينتظرن مقدّم الجنود ..

ذوي الرؤوس الأطلسيّة المجعّدة

لكن " هانيبال " ما جاءت جنوده المجنّدة

فأخبروه أنّني انتظرته ..انتظرته ..

لكنّه لم يأت !

و أنّني انتظرته ..حتّى انتهيت في حبال الموت

و في المدى : " قرطاجه " بالنار تحترق

" قرطاجه " كانت ضمير الشمس : قد تعلّمت معنى الركوع

و العنكبوت فوق أعناق الرجال

و الكلمات تختنق

يا اخوتي : قرطاجة العذراء تحترق

فقبّلوا زوجاتكم ،

إنّي تركت زوجتي بلا وداع

و إن رأيتم طفلى الذي تركته على ذراعها .. بلا ذراع

فعلّموه الانحناء ..

علّموه الانحناء ..

علّموه الانحناء ..


ضد من

في غُرَفِ العمليات,

كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ,

لونُ المعاطفِ أبيض,

تاجُ الحكيماتِ أبيضَ, أرديةُ الراهبات,

الملاءاتُ,

لونُ الأسرّةِ, أربطةُ الشاشِ والقُطْن,

قرصُ المنوِّمِ, أُنبوبةُ المَصْلِ,

كوبُ اللَّبن,

كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ.

كلُّ هذا البياضِ يذكِّرني بالكَفَنْ!

فلماذا إذا متُّ..

يأتي المعزونَ مُتَّشِحينَ..

بشاراتِ لونِ الحِدادْ?

هل لأنَّ السوادْ..

هو لونُ النجاة من الموتِ,

لونُ التميمةِ ضدّ.. الزمنْ,

***

ضِدُّ منْ..?

ومتى القلبُ - في الخَفَقَانِ - اطْمأَنْ?!

***

بين لونين: أستقبِلُ الأَصدِقاء..

الذينَ يرون سريريَ قبرا

وحياتيَ.. دهرا

وأرى في العيونِ العَميقةِ

لونَ الحقيقةِ

لونَ تُرابِ الوطنْ!






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11575
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : كلمات سبارتكوس الأخيرة,شعر وقصائد أمل دنقل,موقع أمل دنقل,ديوان أمل دنقل pdf 15781612
كلمات سبارتكوس الأخيرة,شعر وقصائد أمل دنقل,موقع أمل دنقل,ديوان أمل دنقل pdf Icon_minitime 2012-12-18, 5:46 pm
( وها أنا في ساعة الطعان
ساعة أن تخاذل الكماةُ .. و الرماةُ .. و الفرسان
دُعيتُ للميدان !
أنا الذي ما ذقت لحم الضان
أنا الذي لا حول لي أو شان
أنا الذي أقصيتُ عن مجالس الفتيان :
أدعى الى الموت .. ولم أدع الى المجالسه !!)

العرافة المقدسة

جئت إليك مثخنا بالطعنات والدماء
أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدسة
منكسر السيف، مغبر الجبين والأعضاء
أسأل يا زرقاء
عن فمك الياقوت عن نبوءة العذراء
عن ساعدي المقطوع .. وهو ما يزال ممسكا بالراية المنكسة

عن صور الأطفال في الخوذات... ملقاة علي الصحراء
عن جاري الذي يهم بارتشاف الماء
فيثقب الرصاص رأسه .. في لحظة الملامسة
عن الفم المحشو بالرمال والدماء
أسأل يا زرقاء
عن وقفتي العزلاء بين السيف .. والجدار
عن صرخة المرأة بين السبي والفرار
كيف حملت العار
ثم مشيت؟ دون أن أقتل نفسي؟ دون أن أنهار؟
ودون أن يسقط لحمي .. من غبار التربة المدنسة؟
تكلمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي بالله باللعنة بالشيطان
لا تغمضي عينيك، فالجرذان
تلعق من دمي حساءها .. ولا أردها
تكلمي لشد ما أنا مهان
لا الليل يخفي عورتي .. ولا الجدران
ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدها
ولا احتمائي في سحائب الدخان
.. تقفز حولي طفلة واسعة العينين.. عذبة المشاكسة
كان يقص عنك يا صغيرتي .. ونحن في الخنادق
فنفتح الأزرار في ستراتنا .. ونسند البنادق
وحين مات عطشا في الصحراء المشمسة
رطب باسمك الشفاه اليابسة
وارتخت العينان
فأين أخفي وجهي المتهم المدان؟
والضحكة الطروب: ضحكته ..
والوجه .. والغمازتان

***

أيتها النبية المقدسة
لا تسكتي .. فقد سكت سنة فسنة لكي أنال فضلة الأمان
قيل لي اخرس
فخرست وعميت ائتممت بالخصيان
ظللت في عبيد عبس أحرس القطعان
أجتز صوفها
أرد نوقها
أنام في حظائر النسيان
طعامي الكسرة والماء وبعض التمرات اليابسة
وها أنا في ساعة الطعان
ساعة أن تخاذل الكماة والرماة والفرسان
دعيت للميدان
أنا الذي ما ذقت لحم الضان
أنا الذي لا حول لي أو شأن
أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان
أدعي الى الموت ولم أدعَ الى المجالسة
تكلمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي تكلمي
فها أنا علي التراب سائل دمي
وهو ظمئ يطلب المزيدا
أسائل الصمت الذي يخنقني
ما للجمال مشيها وئيدا
أجندلا يحملن أم حديدا
فمن تري يصدقني؟
أسائل الركع والسجودا
أسائل القيودا
ما للجمال مشيها ويدا
ما للجمال مشيها وئيدا؟

***

أيتها العرافة المقدسة
ماذا تفيد الكلمات البائسة؟
قلت لهم ما قلت عن قوافل الغبار
فاتهموا عينيك، يا زرقاء بالبوار
قلت لهم ما قلت عن مسيرة الأشجار
فاستضحكوا من وهمك الثرثار
وحين فوجئوا بحد السيف: قايضوا بنا
والتمسوا النجاة والفرار
ونحن جرحي القلب
جرحي الروح والفم
لم يبقي الا الموت
والحطام
والدمار
وصبية مشردون يعبرون آخر الأنهار
ونسوة يسقن في سلاسل الأسر
وفي ثياب العار
مطاطئات الرأس، لا يملكن الا الصرخات التاعسة

* * *

ها أنت يا زرقاء
وحيدة، عمياء
وما تزال أغنيات الحب، والأضواء
والعربات الفارهات، والأزياء
فأين أخفي وجهي المشوها
كي لا أعكر الصفاء الأبله المموها
في أعين الرجال والنساء
وأنت يا زرقاء
وحيدة عمياء
وحيدة عمياء

يونيو 1967



أمل دنقل وقصيدة البكاء بين يدي زرقاء اليمامة

سيرة ذاتية

ولد أمل دنقل في بلدة القلقة بمحافظة قنا في صعيد مصر عام 1940، وله خمس مجموعات شعرية مطبوعة وهي: البكاء بين يدي زرقاء اليمامة، تعليق على ما حدث، مقتل القمر، العهد الآتي، أحاديث في غرفة مغلقة، وله مجموعة شعرية كتبها خلال فترة مرضه، وهي بعنوان أوراق الغرفة رقم 8، وقد جمع شعره في ديوان واحد بعنوان ديوان أمل دنقل. وتوفي في القاهرة حيث توفي يوم السبت 21/4/1983.

قصيدة البكاء بين يدي زرقاء اليمامة

أيتها العرافة المقدَّسةْ ..
جئتُ إليك .. مثخناً بالطعنات والدماءْ
أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة
منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ.
أسأل يا زرقاءْ ..
عن فمكِ الياقوتِ عن، نبوءة العذراء
عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكاً بالراية المنكَّسة
عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاةً على الصحراء
عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء..
فيثقب الرصاصُ رأسَه .. في لحظة الملامسة !
عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء !!
أسأل يا زرقاء ..
عن وقفتي العزلاء بين السيف .. والجدارْ !
عن صرخة المرأة بين السَّبي. والفرارْ ؟
كيف حملتُ العار..
ثم مشيتُ ؟ دون أن أقتل نفسي ؟ ! دون أن أنهار ؟ !
ودون أن يسقط لحمي .. من غبار التربة المدنسة ؟ !
تكلَّمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي .. باللهِ .. باللعنةِ .. بالشيطانْ
لا تغمضي عينيكِ، فالجرذان ..
تلعقَ من دمي حساءَها .. ولا أردُّها !
تكلمي ... لشدَّ ما أنا مُهان
لا اللَّيل يُخفي عورتي .. ولا الجدران !
ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدُّها ..
ولا احتمائي في سحائب الدخان !
.. تقفز حولي طفلةٌ واسعةُ العينين .. عذبةُ المشاكسة
( - كان يَقُصُّ عنك يا صغيرتي .. ونحن في الخنادْق
فنفتح الأزرار في ستراتنا .. ونسند البنادقْ
وحين مات عَطَشاً في الصحراء المشمسة ..
رطَّب باسمك الشفاه اليابسة ..
وارتخت العينان !)
فأين أخفي وجهيَ المتَّهمَ المدان ؟
والضحكةُ الطروب : ضحكته..
والوجهُ .. والغمازتانْ ! ؟
* * *
أيتها النبية المقدسة ..
لا تسكتي .. فقد سَكَتُّ سَنَةً فَسَنَةً ..
لكي أنال فضلة الأمانْ
قيل ليَ "اخرسْ .."
فخرستُ .. وعميت .. وائتممتُ بالخصيان !
ظللتُ في عبيد ( عبسِ ) أحرس القطعان
أجتزُّ صوفَها ..
أردُّ نوقها ..
أنام في حظائر النسيان
طعاميَ : الكسرةُ .. والماءُ .. وبعض الثمرات اليابسة .
وها أنا في ساعة الطعانْ
ساعةَ أن تخاذل الكماةُ .. والرماةُ .. والفرسانْ
دُعيت للميدان !
أنا الذي ما ذقتُ لحمَ الضأن ..
أنا الذي لا حولَ لي أو شأن ..
أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان ،
أدعى إلى الموت .. ولم أدع إلى المجالسة !!
تكلمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي .. تكلمي ..
فها أنا على التراب سائلً دمي
وهو ظمئً .. يطلب المزيدا .
أسائل الصمتَ الذي يخنقني :
" ما للجمال مشيُها وئيدا .. ؟! "
أجندلاً يحملن أم حديدا .. ؟!"
فمن تُرى يصدُقْني ؟
أسائل الركَّع والسجودا
أسائل القيودا :
" ما للجمال مشيُها وئيدا .. ؟! "
" ما للجمال مشيُها وئيدا .. ؟! "
أيتها العَّرافة المقدسة ..
ماذا تفيد الكلمات البائسة ؟
قلتِ لهم ما قلتِ عن قوافل الغبارْ ..
فاتهموا عينيكِ، يا زرقاء، بالبوار !
قلتِ لهم ما قلتِ عن مسيرة الأشجار ..
فاستضحكوا من وهمكِ الثرثار !
وحين فُوجئوا بحدِّ السيف : قايضوا بنا ..
والتمسوا النجاةَ والفرار !
ونحن جرحى القلبِ ،
جرحى الروحِ والفم .
لم يبق إلا الموتُ ..
والحطامُ ..
والدمارْ ..
وصبيةٌ مشرّدون يعبرون آخرَ الأنهارْ
ونسوةٌ يسقن في سلاسل الأسرِ،
وفي ثياب العارْ
مطأطئات الرأس.. لا يملكن إلا الصرخات الناعسة !
ها أنت يا زرقاءْ
وحيدةٌ ... عمياءْ !
وما تزال أغنياتُ الحبِّ .. والأضواءْ
والعرباتُ الفارهاتُ .. والأزياءْ !
فأين أخفي وجهيَ المُشَوَّها
كي لا أعكِّر الصفاء .. الأبله.. المموَّها.
في أعين الرجال والنساءْ !؟
وأنت يا زرقاء ..
وحيدة .. عمياء !
وحيدة .. عمياء !

تعليق على ما حدث في مخيم الوحدات

-1-

قلت لكم مرارا
إن الطوابير التي تمر..
في استعراض عيد الفطر والجلاء
(فتهتف النساء في النوافذ انبهارا)
لا تصنع انتصارا.
إن المدافع التي تصطف على الحدود، في الصحارى
لا تطلق النيران.. إلا حين تستدير للوراء.
إن الرصاصة التي ندفع فيها.. ثمن الكسرة والدواء:
لا تقتل الأعداء
لكنها تقتلنا.. إذا رفعنا صوتنا جهارا
تقتلنا، وتقتل الصغارا !

-2-

قلت لكم في السنة البعيدة
عن خطر الجندي
عن قلبه الأعمى، وعن همته القعيدة
يحرس من يمنحه راتبه الشهري
وزيه الرسمي
ليرهب الخصوم بالجعجعة الجوفاء
والقعقعة الشديدة
لكنه.. إن يحن الموت..
فداء الوطن المقهور والعقيدة:
فر من الميدان
وحاصر السلطان
واغتصب الكرسي
وأعلن "الثورة" في المذياع والجريدة!

-3-

قلت لكم كثيراً
إن كان لابد من هذه الذرية اللعينة
فليسكنوا الخنادقَ الحصينة
(متخذين من مخافر الحدود.. دوُرا)
لو دخل الواحدُ منهم هذه المدينة:
يدخلها.. حسيرا
يلقى سلاحه.. على أبوابها الأمينة
لأنه.. لا يستقيم مَرَحُ الطفل..
وحكمة الأب الرزينة..
مع المُسَدسّ المدلّى من حزام الخصر..
في السوق..
وفى مجالس الشورى

* * *

قلت لكم..

لكنكم..
لم تسمعوا هذا العبث
ففاضت النار على المخيمات
وفاضت.. الجثث!
وفاضت الخوذات والمدرعات.

سبتمبر 1970

سرحان لا يتسلم مفاتيح القدس


بكائيات

(الإصحاح الأول)

عائدون؛
وأصغر إخوتهم (ذو العيون الحزينة)
يتقلب في الجب،!
أجمل إخوتهم.. لا يعود!
وعجوز هي القدس (يشتعل الرأس شيبا)
تشم القميص. فتبيض أعينها بالبكاء ،
ولا تخلع الثوب حتى يجئ لها نبأ عن فتاها البعيد
أرض كنعان - إن لم تكن أنت فيها - مراع من الشوك!
يورثها الله من شاء من أمم،
فالذي يحرس الأرض ليس الصيارف،
إن الذي يحرس الأرض رب الجنود!
آه من في غد سوف يرفع هامته؟
غير من طأطأوا حين أزَّ الرصاص؟!
ومن سوف يخطب - في ساحة الشهداء -
سوى الجبناء؟
ومن سوف يغوى الأرامل؟
إلا الذي
سيؤول إليه خراج المدينة!!؟


(الإصحاح الثاني)

أرشق في الحائط حد المطواة
والموت يهب من الصحف الملقاة
أتجزأ في المرآة..
يصفعني وجهي المتخفي خلف قناع النفط
"من يجرؤ أن يضع الجرس الأول.. في عنق القط؟"


(الإصحاح الثالث)

منظر جانبي لفيروز
(وهى تطل على البحر من شرفة الفجر)
لبنان فوق الخريطة:
منظر جانبي لفيروز،..
والبندقية تدخل كل بيوت (الجنوب)
مطر النار يهطل، يثقب قلباً.. فقلبا
ويترك فوق الخريطة ثقباً.. فثقباً..
وفيروز في أغنيات الرعاة البسيطة
تستعيد المراثي لمن سقطوا في الحروب
تستعيد.. الجنوب!


(الإصحاح الرابع)

البسمة حلم
والشمس هي الدينار الزائف
في طبق اليوم
(من يمسح عنى عرقي.. في هذا اليوم الصائف؟)
والظل الخائف..
يتمدد من تحتي؛
يفصل بين الأرض.. وبيني!
وتضاءلت كحرف مات بأرض الخوف
(حاء.. باء)
(حاء.. راء.. ياء.. هاء)
الحرف: السيف
مازلت أرود بلاد اللون الداكن
أبحث عنه بين الأحياء الموتى والموتى الأحياء
حتى يرتد النبض إلى القلب الساكن
لكن..!!

(الإصحاح الخامس)

منظر جانبي لعمان عام البكاء
والحوائط مرشوشة ببقايا دم لعقته الكلاب
ونهود الصبايا مصابيح مطفأة..
فوق أعمدة الكهرباء..
منظر جانبي لعمان؛
والحرس الملكى يفتش ثوب الخلفية
وهى يسير إلى "إيلياء"
وتغيب البيوت وراء الدخان
وتغيب عيون الضحايا وراء النجوم الصغيرة
في العلم الأجنبي،
ويعلو وراء نوافذ "بسمان" عزف البيان!

(الإصحاح السادس)

اشترى في المساء
قهوة، وشطيرة.
واشترى شمعتين. وغدارة؛ وذخيرة.
وزجاجة ماء!
… … …

عندما أطلق النار كانت يد القدس فوق الزناد
(ويد الله تخلع عن جسد القدس ثوب الحداد)
ليس من أجل أن يتفجر نفط الجزيرة
ليس من أجل أن يتفاوض من يتفاوض..
من حول مائدة مستديرة.
ليس من أجل أن يأكل السادة الكستناء.

(الإصحاح السابع)

ليغفر الرصاص من ذنبك ما تأخر!
ليغفر الرصاص.. يا كيسنجر!!



سفر التكوين

(الإصحاح الأول)

في البدء كنت رجلا.. وامرأة.. وشجرة.
كنتُ أباً وابنا.. وروحاً قدُسا.
كنتُ الصباحَ.. والمسا..
والحدقة الثابتة المدورة.
… … …
وكان عرشي حجراً على ضفاف النهر
وكانت الشياه..
ترعى، وكان النحلُ حول الزهرُ..
يطنُّ والإوزُّ يطفو في بحيرة السكون،
والحياة..
تنبضُ - كالطاحونة البعيدة!
حين رأيت أن كل ما أراه
لا ينقذُ القلبَ من الملل!

* * *


(مبارزاتُ الديكة
كانت هي التسلية الوحيدة
في جلستي الوحيدة
بين غصون الشجر المشتبكة! )

(الإصحاح الثاني)


قلتُ لنفسي لو نزلت الماء.. واغتسلت.. لانقسمت!
(لو انقسمت.. لازدوجت.. وابتسمتْ)
وبعدما استحممت..
تناسجَ الزهرُ وشاحاً من مرارة الشفاهْ
لففتُ فيه جسدي المصطكّ.
(وكان عرشي طافيا.. كالفلك)
ورف عصفور على رأسي؛
وحط ينفض البلل.
حدقت في قرارة المياه..
حدقت؛ كان ما أراه..
وجهي.. مكللا بتاج الشوك

(الإصحاح الثالث)

قلتُ: فليكن الحبُ في الأرض، لكنه لم يكن!
قلتُ: فليذهب النهرُ في البحرُ، والبحر في السحبِ،
والسحب في الجدبِ، والجدبُ في الخصبِ، ينبت
خبزاً ليسندَ قلب الجياع، وعشباً لماشية
الأرض، ظلا لمن يتغربُ في صحراء الشجنْ.
ورأيتُ ابن آدم - ينصب أسواره حول مزرعة
الله، يبتاع من حوله حرسا، ويبيع لإخوته
الخبز والماء، يحتلبُ البقراتِ العجاف لتعطى اللبن

* * *

قلتُ فليكن الحب في الأرض، لكنه لم يكن.
أصبح الحب ملكاً لمن يملكون الثمن!
.. .. .. .. ..
ورأى الربُّ ذلك غير حسنْ

* * *


قلت: فليكن العدلُ في الأرض؛ عين بعين وسن بسن.
قلت: هل يأكل الذئب ذئباً، أو الشاه شاة؟
ولا تضع السيف في عنق اثنين: طفل.. وشيخ مسن.
ورأيتُ ابن آدم يردى ابن آدم، يشعل في
المدن النارَ، يغرسُ خنجرهُ في بطون الحواملِ،
يلقى أصابع أطفاله علفا للخيول، يقص الشفاه
وروداً تزين مائدة النصر.. وهى تئن.
أصبح العدل موتاً، وميزانه البندقية، أبناؤهُ
صلبوا في الميادين، أو شنقوا في زوايا المدن.
قلت: فليكن العدل في الأرض.. لكنه لم يكن.
أصبح العدل ملكاً لمن جلسوا فوق عرش الجماجم بالطيلسان -
الكفن!
… … …
ورأى الرب ذلك غير حسنْ!

* * *

قلت: فليكن العقل في الأرض..
تصغي إلى صوته المتزن.
قلت: هل يبتنى الطير أعشاشه في فم الأفعوان،
هل الدود يسكن في لهب النار، والبوم هل
يضع الكحل في هدب عينيه، هل يبذر الملح
من يرتجى القمح حين يدور الزمن؟

* * *

ورأيت ابن آدم وهو يجن، فيقتلع الشجر المتطاول،
يبصق في البئر يلقى على صفحة النهر بالزيت،
يسكن في البيت؛ ثم يخبئ في أسفل الباب
قنبلة الموت، يؤوى العقارب في دفء أضلاعه،
ويورث أبناءه دينه.. واسمه.. وقميص الفتن.
أصبح العقل مغترباً يتسول، يقذفه صبية
بالحجارة، يوقفه الجند عند الحدود، وتسحب
منه الحكومات جنسية الوطني.. وتدرجه في
قوائم من يكرهون الوطن.
قلت: فليكن العقل في الأرض، لكنه لم يكن.
سقط العقل في دورة النفي والسجن.. حتى يجن
… … … …
ورأى الرب ذلك غير حسن!


(الإصحاح الرابع)

قلت: فلتكن الريح في الأرض؛ تكنس هذا العفن
قلت: فلتكن الريح والدم… تقتلع الريح هسهسة؟
الورق الذابل المتشبث، يندلع الدم حتى
الجذور فيزهرها ويطهرها، ثم يصعد في
السوق.. والورق المتشابك. والثمر المتدلي؛
فيعصره العاصرون نبيذاً يزغرد في كل دن.
قلت: فليكن الدم نهراً من الشهد ينساب تحت فراديس عدن.
هذه الأرض حسناء، زينتها الفقراء لهم تتطيب،
يعطونها الحب، تعطيهم النسل والكبرياء.
قلت: لا يسكن الأغنياء بها. الأغنياء الذين
يصوغون من عرق الأجراء نقود زنا.. ولآلئ
تاج. وأقراط عاج.. ومسبحة للرياء.
إنني أول الفقراء الذين يعيشون مغتربين؛
يموتون محتسبين لدى العزاء.
قلت: فلتكن الأرض لى.. ولهم!
(وأنا بينهم)
حين أخلع عنى ثياب السماء.
فأنا أتقدس - في صرخة الجوع - فوق الفراش الخشن!

* * *

(الإصحاح الخامس)

حدقت في الصخر؛ وفى الينبوع
رأيت وجهي في سمات الجوع!
حدقت في جبيني المقلوب
رأيتني : الصليب والمصلوب
صرخت - كنت خارجاً من رحم الهناءة
صرخت؛ أطلب البراءة
كينونتي: مشنقتي
وحبلي السري:
حبلها
المقطوع!

سفر الخروج

(أغنية الكعكة الحجرية)

(الإصحاح الأول)

أيها الواقفون على حافة المذبحة
أشهروا الأسلحة!
سقط الموت، وانفرط القلب كالمسبحة.
والدم انساب فوق الوشاح!
المنازل أضرحة،
والزنازن أضرحة،
والمدى.. أضرحة
فارفعوا الأسلحة
واتبعوني!
أنا ندم الغد والبارحة
رايتي: عظمتان.. وجمجمة،
وشعاري: الصباح!

(الإصحاح الثاني)

دقت الساعة المتعبة
رفعت أمه الطيبة
عينها..!
(دفعته كعوب البنادق في المركبة!)
… … … …
دقت الساعة المتعبة
نهضت؛ نسقت مكتبه..
(صفعته يد..
- أدخلته يد الله في التجربة!)
… … …
دقت الساعة المتعبة
جلست أمه؛ رتقت جوربه..
(وخزته عيون المحقق..
حتى تفجر من جلده الدم والأجوبة!)
… … … … …
دقت الساعة المتعبة!
دقت الساعة المتعبة!

(الإصحاح الثالث)

عندما تهبطين على ساحة القوم؛ لا تبدئي بالسلام.
فهم الآن يقتسمون صغارك فوق صحاف الطعام
بعد أن أشعلوا النار في العش..
والقش..
والسنبلة!
وغداً يذبحونك..
بحثاً عن الكنز في الحوصلة!
وغدا تغتدي مدن الألف عام.!
مدنا.. للخيام!
مدناً ترتقي درج المقصلة!

(الإصحاح الرابع)

دقت الساعة القاسية
وقفوا في ميادينها الجهمة الخاوية
واستداروا على درجات النصب
شجراً من لهب
تعصف الريح بين وريقاته الغضة الدانية
فيئن: "بلادي .. بلادي"
(بلادي البعيدة!)
… … …
دقة الساعة القاسية
"انظروا .."؛ هتفت غانية
تتلوى بسيارة الرقم الجمركي؛
وتمتمت الثانية:
سوف ينصرفون إذا البرد حل.. وران التعب.
… … … … …
دقت الساعة القاسية
كان مذياع مقهى يذيع أحاديثه البالية
عن دعاة الشغب
وهم يستديرون؛
يشتعلون - على الكعكة الحجرية - حول النصب
شمعدان غضب
يتوهج في الليل..
والصوت يكتسح العتمة الباقية
يتغنى لأعياد ميلاد مصر الجديدة!

(الإصحاح الخامس)

اذكريني!
فقد لوثتني العناوين في الصحف الخائنة!
لونتني.. لأني - منذ الهزيمة - لا لون لى..
(غير لون الضياع!)
قبلها؛ كنت أقرأ في صفحة الرمل..
(والرمل أصبح كالعملة الصعبة،
الرمل أصبح: أبسطة.. تحت أقدام جيش الدفاع)
فاذكريني؛.. كما تذكرين المهرب.. والمطرب العاطفي.
وكاب العقيد.. وزينة رأس السنة.
اذكريني إذا نسيتني شهود العيان
ومضبطة البرلمان
وقائمة التهم المعلنة
والوداع!
الوداع!

(الإصحاح السادس)


دقت الساعة الخامسة
ظهر الجند دائرة من دروع وخوذات حرب
ها هم الآن يقتربون رويداً.. رويداً..
يجيئون من كل صوب
والمغنون - في الكعكة الحجرية - ينقبضون
وينفرجون
كنبضة قلب!
يشعلون الحناجر،
يستدفئون من البرد والظلمة القارسة
يرفعون الأناشيد في أوجه الحرس المقترب
يشبكون أياديهم الغضة البائسة
لتصير سياجاً يصد الرصاص!..
الرصاص..
الرصاص..
وآه..
تغنون: "نحن فداؤك يا مصر"
"نحن فداؤ .."
وتسقط حنجرة مخرسة
معها يسقط اسمك - يا مصر - في الأرض!
لا يتبقى سوى الجسد المتهشم.. والصرخات
على الساحة الدامسة!
دقت الساعة الخامسة
… … …
دقت الخامسة
… … …
دقت الخامسة
… … …
وتفرق ماؤك - يا نهر - حين بلغت المصب!

* * *

المنازل أضرحة،
والزنازن أضرحة،
والمدى أضرحة،
فارفعوا الأسلحة!
ارفعوا
الأسلحة!

1972





لا تصالحْ!

شعر: أمل دنقل

(1 )

لا تصالحْ!
..ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!


(2)

لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!

(3)

لا تصالح ..
ولو حرمتك الرقاد
صرخاتُ الندامة
وتذكَّر..
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيك "اليمامة"
زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا-
بثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ:
تعدو على دَرَجِ القصر،
تمسك ساقيَّ عند نزولي..
فأرفعها -وهي ضاحكةٌ-
فوق ظهر الجواد
ها هي الآن.. صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدر:
من كلمات أبيها،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ!
من أبٍ يتبسَّم في عرسها..
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
لينالوا الهدايا..
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)
ويشدُّوا العمامة..
لا تصالح!
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،
وهي تجلس فوق الرماد؟!

(4)

لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة
لا تصالح،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف
واستطبت- الترف

(5)

لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ
".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."
عندما يملأ الحق قلبك:
تندلع النار إن تتنفَّسْ
ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
كيف تنظر في عيني امرأة..
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
-كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم..
واروِ التراب المقدَّس..
واروِ أسلافَكَ الراقدين..
إلى أن تردَّ عليك العظام!

(6)

لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُ
تبهتُ شعلته في الضلوع..
إذا ما توالت عليها الفصول..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوق الجباهِ الذليلة!

(7)

لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..
كنت أغفر لو أنني متُّ..
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.
لم أكن غازيًا،
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
أو أحوم وراء التخوم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي بي: "انتبه"!
كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلاً
ولكنه في الغصون اختبأ!
فجأةً:
ثقبتني قشعريرة بين ضعلين..
واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ!
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ
أو سلاح قديم،
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ

(Cool

لا تصالحُ..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
النجوم.. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف - همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي - الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ
وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والذي اغتالني: ليس ربًا..
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!

(9)

لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد
وسواك.. المسوخ!

(10)

لا تصالحْ
لا تصالحْ

***************

الورقة الأخيرة

الجنوبي

صورة

هل أنا كنت طفلاً
أم أن الذي كان طفلاً سواي
هذه الصورة العائلية
كان أبي جالساً، وأنا واقفُ .. تتدلى يداي
رفسة من فرس
تركت في جبيني شجاً، وعلَّمت القلب أن يحترس
أتذكر
سال دمي
أتذكر
مات أبي نازفاً
أتذكر
هذا الطريق إلى قبره
أتذكر
أختي الصغيرة ذات الربيعين
لا أتذكر حتى الطريق إلى قبرها
المنطمس

أو كان الصبي الصغير أنا ؟
أن ترى كان غيري ؟
أحدق
لكن تلك الملامح ذات العذوبة
لا تنتمي الآن لي
و العيون التي تترقرق بالطيبة
الآن لا تنتمي لي
صرتُ عني غريباً
ولم يتبق من السنوات الغربية
الا صدى اسمي
وأسماء من أتذكرهم -فجأة-
بين أعمدة النعي
أولئك الغامضون : رفاق صباي
يقبلون من الصمت وجها فوجها فيجتمع الشمل كل صباح
لكي نأتنس.

وجه

كان يسكن قلبي
وأسكن غرفته
نتقاسم نصف السرير
ونصف الرغيف
ونصف اللفافة
والكتب المستعارة
هجرته حبيبته في الصباح فمزق شريانه في المساء
ولكنه يعد يومين مزق صورتها
واندهش.
خاض حربين بين جنود المظلات
لم ينخدش
واستراح من الحرب
عاد ليسكن بيتاً جديداً
ويكسب قوتاً جديدا
يدخن علبة تبغ بكاملها
ويجادل أصحابه حول أبخرة الشاي
لكنه لا يطيل الزيارة
عندما احتقنت لوزتاه، استشار الطبيب
وفي غرفة العمليات
لم يصطحب أحداً غير خف
وأنبوبة لقياس الحرارة.

فجأة مات !
لم يحتمل قلبه سريان المخدر
وانسحبت من على وجهه سنوات العذابات
عاد كما كان طفلاً
سيشاركني في سريري
وفي كسرة الخبز، والتبغ
لكنه لا يشاركني .. في المرارة.

وجه

ومن أقاصي الجنوب أتى،
عاملاً للبناء
كان يصعد "سقالة" ويغني لهذا الفضاء
كنت أجلس خارج مقهى قريب
وبالأعين الشاردة
كنت أقرأ نصف الصحيفة
والنص أخفي به وسخ المائدة
لم أجد غير عينين لا تبصران
وخيط الدماء.

وانحنيت عليه أجس يده
قال آخر : لا فائدة
صار نصف الصحيفة كل الغطاء
و أنا ... في العراء

وجه

ليس أسماء تعرف أن أباها صعد
لم يمت
هل يموت الذي كان يحيا
كأن الحياة أبد
وكأن الشراب نفد
و كأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد
عاش منتصباً، بينما
ينحني القلب يبحث عما فقد.

ليت "أسماء"
تعرف أن أباها الذي
حفظ الحب والأصدقاء تصاويره
وهو يضحك
وهو يفكر
وهو يفتش عما يقيم الأود .
ليت "أسماء" تعرف أن البنات الجميلات
خبأنه بين أوراقهن
وعلمنه أن يسير
ولا يلتقي بأحد .

مرآة

-هل تريد قليلاً من البحر ؟
-إن الجنوبي لا يطمئن إلى اثنين يا سيدي
البحر و المرأة الكاذبة.-سوف آتيك بالرمل منه
وتلاشى به الظل شيئاً فشيئاً
فلم أستبنه.

-هل تريد قليلاً من الخمر؟
-إن الجنوبي يا سيدي يتهيب شيئين :
قنينة الخمر و الآلة الحاسبة.

-سوف آتيك بالثلج منه
وتلاشى به الظل شيئاً فشيئاً
فلم أستبنه
بعدما لم أجد صاحبي
لم يعد واحد منهما لي بشيئ

-هل نريد قليلاً من الصبر ؟
-لا ..
فالجنوبي يا سيدي يشتهي أن يكون الذي لم يكنه
يشتهي أن يلاقي اثنتين:
الحقيقة و الأوجه الغائبة.

*************************

خطاب غير تاريخي على قبر صلاح الدين

ها أنت تسترخي أخيراً
فوداعاً
يا صلاح الدين
يا أيها الطبل البدائي الذي تراقص الموتى
على إيقاعه المجنون
يا قارب الفلين
للعرب الغرقى الذين شتتتهم سفن القراصنة
وأدركتهم لعنة الفراعنة
وسنة .. بعد سنة
صارت لهم " حطين"
تميمة الطفل، وأكسير الغد العنين

(جبال التوباد حياك الحيا)
(وسقا الله ثرانا الأجنبي)

مرت خيول الترك
مرت خيول الشرك
مرت خيول الملك - النسر
مرت خيول التتر الباقين
ونحن - جيلاً بعد جيل - في ميادين المراهنة
نموت تحت الأحصنة
و أنت في المذياع، في جرائد التهوين
تستوقف الفارين
تخطب فيهم صائحاً : " حطين"
وترتدي العقال تارة
وترتدي ملابس الفدائئين
وتشرب الشاي مع الجنود
في المعسكرات الخشنة

وترفع الراية،
حتى تسترد المدن المرتهنة
وتطلق النار على جوادك المسكين
حتى سقطت - أيها الزعيم
واغتالتك أيدي الكهنة.

***

(وطني لو شغلت بالخلد عنه ..)
(نازعتني - لمجلس الأمن- نفسي)

***

نم يا صلاح الدين
نم ... تتدلى فوق قبرك الورود
كالمظليين
ونحن ساهرون في نافذة الحنين
نقشر التفاح بالسكين
ونسأل الله "القروض الحسن"
فاتحة :
آمين .

**************************************

تعليق على ما حدث في مخيم الوحدات

1

قلت لكم مرارا
إن الطوابير التي تمر
في استعراض عيد الفطر و الجلاء
(فتهتف النساء في النوافذ انبهارا)
لا تصنع انتصارا.

إن المدافع التي تصطف على الحدود، في الصحارى
لا تطلق النيران .. الا حين تستدير للوراء
إن الرصاصة التي ندفع فيها .. ثمن الكسرة و الدواء
لا تقتل الأعداء
لكنها تقتلنا .. إذا رفعنا صوتنا جهارا
تقتلنا ، وتقتل الصغارا

2

قلت لكم في السنة البعيدة
عن خطر الجندي
عن قلبه الأعمى، وعن همته القعيدة
يحرس من يمنحه راتبه الشهري
وزيه الرسمي
ليرهب الخصوم بالجعجعة الجوفاء
والقعقعة الشديدة
لكنه .. إن يحن الموت
فداء الوطن المقهور و العقيدة :
فر من الميدان
وحاصر السلطان
واغتصب الكرسي
وأعلن "الثورة" في المذياع و الجريدة !

3

قلت لكم كثيرا
إن كان لابد من الذرية اللعينة
فليسكنوا الخنادق الحصينة
(متخذين من مخافر الحدود .. دورا)
لو دخل الواحد منهم هذه المدينة :
يدخلها .. حسيرا
يلقي سلاحه .. على أبوابها الأمينة
لأنه .. لا يستقيم مرح الطفل
وحكمة الأب الرزينة
من المسدس المدلى من حزام الخصر
في السوق ..
وفي مجالس الشورى

***

قلت لكم
لكنكم
لم تسمعوا هذا العبث
ففاضت النار على المخيمات
وفاضت .. الجثث
وفاضت الخوذات و المدرعات.

سبتمبر 1970

************************

من أوراق " أبو نواس"

(الورقة الأولى)

"ملك أم كتابة ؟"
صاح بي صاحبي، وهو يلقي بدرهم في الهواء
ثم يلقفه
(خارجين من الدرس كنا .. وحبر الطفولة فوق الرداء
و العصافير تمرق عبر البيوت
وتهبط فوق التخيل البعيد )
..

"ملك أم كتابة؟"
صاح بي .. فانتبهت، ورفت ذبابه
حول عينين لامعتين
فقلت : "الكتابة"

...
... فتح اليد مبتسماً، كان وجه المليك السعيد
باسما في مهابة.

***

"ملك ألأم كتابة؟"
صحت فيه بدوري
فرفرف في مقلتيه الصبا و النجابة
وأجاب : " الملك"
(دون أن يتلعثم .. أو يرتبك)
وفتحت يدي
كان نقش الكتابة
بارزاً في صلابة .

.....
......
دارت الأرض دورتها
حملتنا الشواديف من هدأة النهر
ألقت بنا في جداول أرض الغرابة
نتفرق بين حقول الأسى .. وحقول الصبابة
قطرتين ، التقينا على سلم القصر
ذات مساء وحيد
كنت فيه : نديم الرشيد
بينما صاحبي .. يتولى الحجابة !!

(الورقة الثانية)

من يملك العملة
يمسك بالوجهين
والفقراءُ : بين .. بين .

(الورقة الثالثة)

نائماً كنت جانبه ، و سمعت الحرس
يوقظون أبي
خارجيّ ؟
أنا .. ؟!
مارق ؟
من ؟ أنا !!

صرخ الطفل في صدر أمي
(وأمي محلولة الشعر واقفة .. في ملابسها المنزلية)
أخرسوا
واختبأنا وراء الجدار
أخرسوا
وتسلل في الحلق خيط من الدم
(كان أبي يمسك الجرح
يمسك قامته .. ومهابته العائلية)
يا أبي
أخرسوا
وتواريت في ثوب أمي
و الطفل في صدرها ما نبسْ

ومضوا بأبي
تاركين لنا اليتمَ .. متشحاً بالخرس .

(الورقة الرابعة)

- أيها الشعر .. يا أيها الفرح المختلس ّّ
...
(كل ما كنت أكتب في هذه الصفحة الورقية صادرته العسس)
....

(الورقة الخامسة)

... وأمي خادمة فارسية
يتناقل سادتها قهوة الجنس وهي تدير الحطب
يتبادل سادتها النظرات لأردافها
عندما تنحني لتضئ اللهب
يتندر سادتها الطيبون بلهجتها الأعجمية !

***

نائماً كنت جانبها، ورأيت ملاك القدس
ينجني ، ويربت وجنتها
وتراخىا الذراعان عني قليلاً
قليلاً..
وسارت بقلبي قشعريرة الصمت :
-أمي
وعاد لي الصوت
-أمي
وجاوبني الموت
-أميّ
وعانقتها .. وبكيت
وغام بي الدمع حتى انحبس !

(الورقة السادسة)

لا تسألني إن كان القرآن
مخلوقاً .. أو أزلي.
بل سلني إن كان السلطان
لصاً .. أو نصف نبي !!

(الورقة السابعة)

كنت في كربلاء
قال لي الشيخ أن الحسين
مات من أجل جرعة ماء ..
وتساءلت
كيف السيوف استباحت بني الأكرمين
فأجاب الذي بصرته السماء :
انه الذهب المتلألئ : في كل عين .
.............
إن تكن كلمات الحسين
وسيوف الحسين
وجلال الحسين
سقطت دون أن تنقذ الحق من ذهب الأمراء
أفتقدر أن تنقذ الحق ثرثرة لشعراء ؟
و الفرات لسانٌ من الدم لا يجد الشفتين.

*****

مات /ن أجل جرعة ماء
فاسقني يا غلام .. صباح مساء
اسقني يا غلام
علني بالمدام
أتناسى الدماء .@
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كلمات سبارتكوس الأخيرة,شعر وقصائد أمل دنقل,موقع أمل دنقل,ديوان أمل دنقل pdf

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

مواضيع مماثلة

-
» شعر وقصائد فتحية الصقرى,ديوان أعيادى السرية pdf
» شعر وقصائد حسن طلب,ديوان حسن طلب pdf
» شعر وقصائد ألن جنسنبرج,ديوان ألن غينسبيرغ pdf
» ديوان الأسرار والرموز,شعر وقصائد محمد إقبال,ديوان محمد إقبال مترجم pdf
» ديوان ملحمة تمرد لحسن طلب,شعر وقصائد حسن طلب

صفحة 1 من اصل 1
نوسا البحر :: فوضى الحواس(منتديات ثقافيه) :: مرتفعات أو سوناتا الكلام

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا