"معطف علّق حياته عليك" لسوزان عليوان:
اللغة متخلّصةً من ردائها
روجيه عوطة
تحقن سوزان عليوان في مجموعتها الشعرية الجديدة، "معطف علّق حياته عليك"
(إصدار خاص)، نصها بالعلامات الشعرية السريعة التي لا تُقرأ وتؤوّل إلاّ
ركضاً. تتسم بالسرعة لأنها موضوعة في جُمَل قصيرة، وتائرها مستعجلة،
والعلاقة السيمانطيقية بينها سهلة الانكسار والالتئام في الوقت عينه.
تتألف كل علامة شعرية في النص من دال دقيق ومدلول غريب يؤمّنان لها
دلالة تتغيّر وتتبدل بحسب سيرورة النص وتمدد المعنى فيه وانكماشه. غالباً
ما تفيض المعاني على الجُمل فتصنع، بعيداً من إطار الجملة وتركيبها، مجالاً
شعرياً خاصاً بها، ميزته الأساسية أنه يحضر كلياً، ويتعدى النص إلى نص
جديد، فهو الهيكل الدلالي لقصيدة لم تكتبها عليوان بعد.
نتيجة العلاقة
المتبدلة بين الدال والمدلول من جهة، والدقة والغرابة من جهة أخرى، تتجه
القصيدة إلى موضوعات متقاطعة ومتداخلة، بحيث تظهر الموضوعة كأنها قضت على
موضوعة أخرى كي تنتشر في النص وتنبسط فيه. لكن الشاعرة تبذل لغتها كي تضع
حداً لهذا الانبساط، وتعدل في توزيع جملها ومقاطعها على الموضوعات
المختلفة. تظهر اللغة كأنها تجهد في اللحاق بالمعاني وتتبع خطاها. كي تنجح
في التقاطها، عليها أن تتعرض للصقل والشحذ، فتمسك بها قبل أن يفر المعنى من
بين أصابعها: "بين أصابعي/ صندوق فضة واهية/ تابوت كفيّن/ لأعواد مطر/
برهافة أهلّة مكسورة". لا تقدر اللغة على الإمساك المعاني وتحديدها نهائياً
بعد تقييدها بالكلمات والجمل والصياغة البلاغية، لأن المعاني أكثر من
اللغة، مثل "الشبابيك أكثر من الليل"، خصوصاً أن القصيدة مكتوبة على شكل
طيّات متشابكة، إذ تبدأ الشاعرة بطيّ جملة على جملة، ثم تثني المعنى على
آخر: "ما الذي يضاهي نافذة على مطر/ على باحة تضيئها سروة على ساقها/ على
كتفيها معطف علّق حياته/ على خطوة خشب/ ورفرفة رخام؟".
يتسم شكل
القصيدة برشاقة شعرية، تتبعها عليوان في انتقالها من عنصر إلى آخر، ومن
دلالة إلى أخرى، من دون أي تعرج أو توقف، فيستحيل تنفس اللغة سريعاً لكنه
لا ينقطع: "إلى صورة من طفولتك/ عابسةٍ/ تأخذني/ بسيارة زرقاء/ ذات سقف
شفيف/ إلى طُرق من طفولتي/ وأرجوحة أزل/ بعضها أحصنة خشبية/ كلها طلّ على
مظلة". لا تتلكأ الجملة الشعرية عن توليد تركيبة أخرى إستعاراتياً، إذ لا
محطة للإستعارة في النص، ولا يُعلق عليها معنى واحد، خصوصاً أنها تشقلب
العلاقة بين العناصر، وتأخذها إلى فضاء غير معتاد بالنسبة إليها، فتخترق
الجمل، وتجعلها في خدمة انتشارها في النص. جراء انبساط الإستعارة الكلي،
تظهر العلاقة بين شكل القصيدة ومضمونها كانعكاس للرابط بين الدال والمدلول،
فاللغة المجلوخة تلحق بالمعنى، ويحاول شكل النص الإمساك بالمضمون، ما يؤدي
إلى دخول مكوّنات القصيدة في علاقة مغناطيسية، أي أن المدلول يجذب الدال
إليه، والمعنى يسري في القصيدة ويشد نحوه الكلمات التي تشذب لتكون ملائمة
له. تعدد الشاعرة العناصر الموضوعاتية لقصيدتها، وتحصي الأشياء التي تستعين
بتقنية Photo-montage كي تجمعها وتشكل بها نصها، ثم تُلحق التعداد بغاية
لا تتضح سوى في نهاية القصيدة: "المصاطب المحفورة بأحرف أولى/ المقاعد
المقلوبة في مقاهٍ/ الكرسي المنسي/ كرسالة عاتبة على عتبة/ شموس الإشارات
المتلاشية/ ...جميعنا عشاقك". تتبع عليوان هذه الوسيلة الشعرية في أغلب
قصائدها، وتذهب باستعاراتها إلى خارج نصها حيث تتشتت ثم تعود إلى النص
بمعنى جديد يؤمن غايةً موقتة له: "آه لمنديل/ يد لهمهمة يمامة/ طابع لقُبلة
في رسالة/ ابتسامة لغيمة لا تمرّ/ تنهيدة لزهرة/ على معطف حطاب/ قبعة
مقلوبة/ باقة قمر على مفارق/ وأنا لمن ألوّح؟". في بعض الأحيان، لا تصل
القصيدة إلى غاية كانعكاس للسرعة الدلالية التي تفقد الموضوعة وتتحدى اللغة
مرجئةً الإستعارة إلى وقت آخر من النص: "محفظتك الحميمة المهترئة/ حذائي
الذائب على طين خرائط/ الغمّازة الغائرة في ضحكتك/ الندب المزدوج في
حاجبينا... مرآتنا النافذة/ كنافذةٍ إلينا". ولأن المدلول يضيق بداله، فإن
"المعطف ذاته/ وقد ضاق قليلاً/ بالضحكة/ عند الضلوع"، لذا تلجأ الشاعرة إلى
إعادة التوازن بينهما بالتناغم اللفظي أو بالتساوي الصوتي: "أذرعنا جذور/
عناقها أجنحة/ مسوّدة رسالة/ كحل الوسادة"، وتختار اللحظة المناسبة لتفرط
العناصر والإستعارات وتبدلها أو تغيّر معانيها التي تبقى متقاطعة ومتشابكة
بعد تفريق أشكالها وانتزاعها من نصها.
الغاية من التعداد الشعري، مثلما
يظهر في قصيدة عليوان، إماتة البنية الشكلية للنص، لإحياء المعاني أكثر
وإطلاقها من أسر اللغة المجلوخة والكلمات المصقولة، بمعنى تخليص النص من
النص ذاته.
تؤمن مكوّنات القصيدة، الموضوعاتية واللغوية، نوعاً كتابياً
خاصاً بها، يمضي في قلب العلاقات بين العناصر الشعرية. يجعلها متنافرة أو
متقاربة، ويباعد بينها فلا تأخذ بعض الكلمات مكانها الدقيق في الجملة، أو
تصطدم التركيبة بكلمة من خارج قاموس الشاعرة. يفيد هذا التوتر السيمانطيقي،
الملحوظ في بعض المقاطع، الكتابة المضيئة في لحظات موتها، أي الكتابة
الفوسفورية، على قول رولان بارت، بحيث يصل المعنى في القصيدة إلى أوجه
عندما ينطفئ ويتلاشى كي تكتب عليوان نصها الآخر بأن تعلّق اللغة، متخلصةً
من ردائها، على مشجب الاستعارة.
الغلاف الداخليّ، بطانة الديوان
أواخر صيف 2012
لتحميل الديوان في ملفّ بي. دي. إف، إضغط/ي
على الأيقونة
Montmartre
على التلّ المطلّ
كطائر أسطوريّ
على مدينتنا
غيم وشجر صنوبر
وصغار بالأبيض والأسود
فوق ظلّينا يركضون
خطوة على جفنك
أختها
على خدّي
أودية خفيفة
في ابتسامتنا
مظلّة في يد عازف
صحو
حقيبة كمان
لوحات حول ساحة
يجنّحها الحمام
ومطر الصيف
رسّام يصرّ
على الألوان المائيّة
لوفرة الدموع
بغريزة الغرقى
تتشابك يدانا
برغبة الأزرق
في أن يبقى سماء
القطار أحمر
قُبلة على قضبان
نسمة على سلالم
دوريّ ودفقة عطر
طاحونة حول ملامحنا
ليل لأتدثّر بعينيك
مليون درجة
من الجرح
فينا
ياسمين يابس
منّا يتساقط
هي الضفّة الضحكة من الحكاية
العالم أعلى قليلاً
من
كعبه في وحل
كنيسة عتيقة
فضّة طافئة
ووجهك
نجمةُ مَن أضاع في النهر وجهه
تشرين الثالث
من قطرة
على زهرة مطرّزة
على كُمّ قميصي
إلى دمعة
بزوال
زهرة
عزيزة على هدبك
شذرات ذهبٍ
بألوانه الثلاثة
عابرون دون مظلّات
عصافير خفيفة الظلّ
بعض الرذاذ يضحك
الشارع نزهة نفسه
كراسٍ بكّاءة على رصيف
نادل بمريول ناصع
سحابة في سقف المطعم
نهر في تنهيدتك
نصف شمعة عائمة
آنية لوردة وحيدة
توأما كأسٍ وسكّينٌ
كلام أكثر من العمر
صحنان
بلطف قمرين
من البورسلين
منديلان
على طرفيْ شرشف مشمس
بطيّات مراكب ورقيّة
طاولتنا حسرة حطّابين
أصداء فؤوس ومطارق
أطياف نايات وكمنجات
نواة لحن على بيانو
ربيع بين ركبتينا
خشب أخضر وعاشق
منذ البذرة في طيننا
حتّى غصن على طوفان
هذا وجه من أُحبُّ
هنا مدينتي
قصّتنا سرب سنونوات
طفلنا تمثال لا يكبر
ملامح ألِفَتْها القمم
حلمنا المحاط بحمام
ليس القدَر
بقدْر ما هي خطوط رسمناها
لتتقاطع الطُّرق ونلتقي
غريبين في أغنية
العالم خيط أفلت
منطادنا قُبلة مع الريح
عيناك غيمتي ووطني
ووحده الحبّ
بيدنا
أحدنا
ابتسامة الآخر
ما الذي يضاهي نافذة على مطر
على باحة تضيئها سروة على ساقها
على كتفيها معطف علّق حياته
على خطوة خشب
ورفرفة رخام؟
طَرق
على غصن غرفتي
في الفندق العتيق
طُرق على قدميك
تحت سقفي
مشتاقة
ورق أصفر
ومشاوير عشّاق
على سجّادة
تفلت خيوطها ونطير
ليس القمر
سوى منطادنا الهارب
مظلّتك الواسعة
ملاكي في مرآة
أذرعنا جذور
عناقها أجنحة
مسوّدة رسالة
كحل الوسادة
نخب قُبلة
ليل كشجرة برتقال
وشاح من عصافير الحبّ
بنفسج في ضحكتك
سبعةُ ألوان
على نهر
أيّامنا
أحدنا ابتسامة
والآخر آخر
الصيف الثالث
1
زهر تمّوز الزاجل
والحَجر الذي
لأجلك يهدل
قمرًا على مدينة
وشوشة الشجر لشبابيك
وابل من الوجوه
على
زجاج واجهات
الشوارع الشاردة
بأشواقٍ ببشاشة غزلان
نوافير النواصي الناعسة
رصيف الرفيف والرذاذ
الحارس الحائم
بسترة من ابتسامات
الفندق ذو الأزرار المذهّبة
بحجرات مسدلة
في ستائر من الموسلين
الأحمر الملوّح
من
وحل أحواض
لمارّة لا يلتفتون
لملوك على شرفات
الأكشاك الخضراء على ضفّة
التماثيل المتمايلة في نهر
قلوب الزيزفون
المائجة
المورقة
الأقفال المتأرجحة على جسر
المفاتيح القاطعة في قاع
طعم النايات
ونيل لا يُطال شطّه
في نأمة
من "العيون السود"
قناديل الساحة والسلالم
أسراب الدرّاجات
والسائحين
أطفال الأحد
واللّاأحد
حوانيت السوق العتيقة
المصاطب المحفورة بأحرف أولى
المقاعد المقلوبة في مقاهٍ
الكرسيّ المنسيّ
كرسالة عاتبة على عتبة
شموس الإشارات المتلاشية
الصيف الثالث بعصافيره الألف
وهذه النجمة التي لا تحصى
جميعنا عشّاقك
2
من معطفي المجنّح
تعرفني المطارات
هدهدة القطارات المنهَكة
غايات النفق
غابات الدروب
من تذكرة مطويّة
في جيب على قلبي
على طرفها
مطلع
قصيدة عصيّة
قطرة مطيعة
من اسمك في لساني
من متاع
من الجلد المجروح مبتلّة
في جوفها
ما
في جعبتي لك
من قمصان وهدايا
وحدك الرحلة
وجهك الجهات
وحيثما حمامة تحطّ
وطني
وأينما يطير حمام
طريقي
3
مطر
بنقر طيور
على خبز الخُطى
في نزهتنا الطويلة
والحصى
ملاك
في
رأس سهمه بوصلة
نحو معدن الورد
في تفاصيلنا
محفظتك الحميمة المهترئة
حذائي الذائب
على طين خرائط
الغمّازة الغائرة في ضحكتك
الندب المزدوج في حاجبينا
عطرك العابق
العالق بكنزتي
مرآتنا النافذة
كنافذة إلينا
4
إلى صورةٍ من طفولتك
عابسةٍ
تأخذني
بسيّارة زرقاء
ذات سقف شفيف
إلى طُرق من طفولتي
وأرجوحة أزل
بعضها أحصنة خشبيّة
كلّها طلّ
على مظلّة
إلى أين يا حبّي
وأغنيتنا عابرة
والأرض أسطوانة
مكسورةً تدور؟
قصّة أبيض
وأسود
أرض
وسماء
وكأنّنا ضدّان
مع أنّ النجمة
تميمة من تراب
معطف هادل
على ظهر كرسيّ
حقيبة مأخوذة
برحلة سنونوات
قلبك القمر
لمّا من مرآتي تدنيني
الليل في صوتنا
حين الغيرة
صفقة باب
مسوّدات كمراكب
حبر على نهر
نافذتنا في ثلج
دهاليز الماضي
هاربة
كدويّ حجر نرد
لدمعتنا
لونان
رسالة على
رصيف
محطّة باص
تحت مظلّتها
ريشة طائر
قبّعة صندوق بريد
مصطبة لعابر
قطعت طريقه العاصفة
أعقاب واشية بمصابيح
عاريات في مرايا
أشجار الشبابيك
ألوان أبيض يضحك
يمام معطفك
وردة على جلدي
ما يتقمّص عطرَك
من قميصي
في جيبي حديقة
ليلنا بلا مقبض
لفرط ما قطعناه معًا
لطول ما على هطله
كطفلين
أطللْنا
فقط لنطمئنّ
على ملائكة
طائعةً
على أسفلت قارس
تتساقط
يخطر لي
أن أهديك
هذا الشارع الوشاح
الماسة
آه لمنديل
يد لهمهمة يمامة
طابع لقُبلة في رسالة
ابتسامة لغيمة لا تمرّ
تنهيدة لزهرة
على
معطف حطّاب
قبّعة مقلوبة
باقة قمر
على مفارق
وأنا
لمن ألوّح؟
ليس رأسي راية لأرفعه
خطوتي مطرقة
ظلّي فارد ذراعيه
ضفّتان دونما نهر
كتف مالحة
لكثرة ما اتّكأ
على ضحكتي غرباء
على دمعتك
أعلّق العالم
قميص ليوم وحيد
لأصابع الخريف
أن تُسقط
آخر الملوك
والخواتم
للمطر أسماء كثيرة
أجملها
ما
يملأ كفّيّ بعينيك
أنحني لأحبّك
أرض الأحلام
على ضوء ثلج
أضمّد حضني
جناح ضدّك
كعب في نبضي
مَن بجذوره يتعثّر؟
إسمك السهم الماطر
كلّ الأشجار
لمحة من شالك
على غصن
أعلّق ضحكة
على آخر
دمية من شاش
قُبلة فاصلة
بين فصلين
سماء الأبيض
فليأخذ دمعتَنا
نحو
أهواله النهر
مطرُ كانون
أختًا لتوأميه
بائع الكستناء
بعربة فاحمة
كقطعة فالتة
من
تنهيدة قطار
هل يتيه شاعر
في قاموس قلبه؟
ماذا تقول شمعة
لعود ثقاب؟
وساعي البريد ذو الحقيبة
المتأرجحة
إلى متى يطارد الحمام
على درّاجة
في منام؟
لولا ثغرة نافذة
في نسيج الحكاية
بريق إبرة شافية
وظلّ يُرتق
على حرير ركبتين
لما اطمأنّت عروة
إلى وسع وردة
لما خطر لي
أن أتسلّل إلى جرح
كيف
دونما يدك
أعيد حياكة روحي؟
ما لم تنله
يدي
1
بنصف قناع ذهبيّ
بأهداب عارية على عاصفة
للكاميرا تضحك
تضحك لي
ليست الصور غيومًا لنتغيّر
مثل هذا الضوء
ضماد على أبد
2
عابرون كإعلانات الشوارع
مع الكلام والحبّ
والأقدار التي
تخلط ورق الوجوه لتلعب
وعلى أنخابنا
تطلق أسماء أمكنة
ورصاصًا لا يصيب
يقظة اليمام في ظلالنا
نحونا الأجنحة الموحلة
مصابيح المتلصّصين
على دمعة الداخل
عواء العالم على قمر لا يكفّ
عن أن يكون كشّافًا على كوكب
حسرة كنز في مرآة
كنّاسو وحشة في ساحة
سيّارات أجرة
شاغرة
مانُكان
من
لحم ودموع
في صقيع فستان
أحمر فاضح
هكذا الموت
ملاكك وقاتلي
2
كعمر لا تكسوه استعارة
شمعة في مهبّ رماح
كنبيذ لا أتذكّر كلمة
كبحر بوسعك أن تسامح
كإله
له
ما ليس لهامة
حكاية ورّاق وردة
حظّ عود ثقاب
شجرة مشتعلة
لميلاد مدفأة
شبابيك أكثر من الليل
أقفاص فارغة
طواحين لا تطير
نسخة يتيمة
من ابتسامة مفتاح
لسنا الصغار الذين أطلقوا طائرة
ورقيّة
ذات حرب
العصافير فينا عاجزة
والحياة ليست حبيبة أحد
4
للصديقة أن تثرثر
وتثني على عدوٍّ
دون ندّي
لتمثال بوذا
أن ينصحني حتّى الصباح
للكأس بدورها
أن تدلي بدلوِها
للشتاء الثالث
ثلج ورجل ثلج وثعالب وفراشات
وأطفال في معاطف
وجرح في جبين
وخوف
خوف كثيف
من قبّعتي المائلة
إلى طريق
مع جذور خطوتي تشيب
5
لا جدوى من الزيارة والحلوى
لا أمل
سوى في ما نسيَهُ
من دلالاته الإسم
وإن عاد الوجه
نادمًا كنهر
وتبادلنا العناوين والعتاب
كم تطول
ويشتدّ هطلها
حين أقطعها وحدي
أشواق شوارع الأشرفيّة
6
ما دامت المجرّة ذرّة
والأمطار غريزة
ما دمتَ حضني وجلدي
وأصابعي أوّل أغصانك
ما دمنا
من ماء وتراب
كيف حينما نبكي
لا تنبت منّا أزهار؟
مسوّدة مدينة
عاشقان من قشّ
عريشة أقمار في قارورة
أبيات بحر على محرمة
مطرقة على حطب عناق
مشط يضحك
فراشات ودبابيس
مهرّج صغير من البلاستك
قطنة سكرى وسط سرّة
خيط حكاية أحمر
حبال طويلة من مطر
فلّينة لغرق بين الأصابع
لقطة يتيمة
لوهلة وجهين
تلويحة وداع
بحسّ
وردة
قصّة مصوّرة
في
قلب فنجان
عربة روببكيا
هذا العالم
لولا دمعة تدلّني
يمامة بين
اليدين
1
مِنْوَل الروح
منديل الجسد
المعطف ذاته
وقد ضاق قليلاً
بالضحكة
عند الضلوع
المغزول من ألف مطر
المطرّز بسلالة من فراشات
ذو الكمّين القصيرين في العناق
والبطانة الضمد
ذلك الذي
بذراعيه حولك
وعطرك عروة خيطانه
2
من دونك في مقهًى
على مفرق سهر
بلاط خطوتك
مقعدك الشاعر
نادل وحامل جمر
سلّم نحو النجوم مهجور
ماذا أفعل
بكلّ هذه البراعم في سقف
وعيناك على بُعد شارع
غيمة في غرفة عابسة؟
3
قليل من الليل
قطعة قمر بين وسادتين
ثلاث تفّاحات خضر
قلبي يمام يشبهك
ليس الحبّ
سوى مشاجرة في سيّارة
متاعنا على حافّة مرآة
مواعيد مواربة
بلا حقيبة
أحمل نفسي إليك
الزيارة زهرة
وجهك يمامة
بين يديّ
"أخذت
الحبّ، تركت الأسى"
أغنيةُ غيرنا
هذه التي
من نسغ وندم
شجرة لا تشبه
ولع العصافير بأوتارنا
قطرات قمر
على تذكرتين ووشاح
معطفان
كطفلين
سياميّين وسط زحام
وصلة مطر واهن
أغصان آلت
إلى عشيقات في أحضان
قارب على دموع
دفّ يرفرف
عيناك على عشّاق
"حبّوا
بعضن... تركوا بعضن"
شبابيك تومض
وتغمض
عليك
أغلق أبواب الزيزفون في قلبي
ضحكتك لي
المفاتيح لبيانو