hassanbalam ® مدير المنتدى ®
رسالة sms :
عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر :
| | مارس فى نوفمبر!لبلال فضل ,جريدة التحرير | |
هل يتآمر المجلس العسكرى الآن لإجهاض الانتقال الديمقراطى للسلطة كما تآمر جمال عبد الناصر لإجهاض الديمقراطية فى مارس 1954؟
يكتب أحد قادة ثورة يوليو خالد محيى الدين، فى مذكراته الخطيرة (والآن أتكلم) أن القاهرة «شهدت فى خضم أزمة مارس ستة انفجارات دفعة واحدة، منها انفجاران فى الجامعة وانفجار فى جروبى وآخر فى مخزن الصحافة بمحطة سكة حديد القاهرة، كلها لم تتسبب فى خسائر مادية، لكنها أثارت هواجس شديدة وسط الجميع حول مخاطر انفلات الوضع ومخاطر إطلاق العنان للديمقراطية دون قبضة حازمة للدولة، وبدأ الكثيرون يشعرون أن الأمن غير مستقر وأنه من الضرورى إحكام قبضة النظام وإلا سادت الفوضى.
وقد روى لى عبد اللطيف بغدادى أنه زار عبد الناصر فى أعقاب هذه الانفجارات هو وكمال الدين حسين وحسن إبراهيم فأبلغهم أنه هو الذى دبر هذه الانفجارات لإثارة مخاوف الناس من الاندفاع فى طريق الديمقراطية والإيحاء بأن الأمن قد يهتز وأن الفوضى ستسود». وفى موضع آخر يروى خالد محيى الدين أن عبد الناصر اعترف له أنه دفع أربعة آلاف جنيه من جيبه لتدبير مظاهرات العمال الرافضة للديمقراطية، وأنه قال له بالنص: «لما لقيت المسألة مش نافعة قررت أتحرك، وقد كلفنى الأمر أربعة آلاف جنيه».
«إما الثورة أو الديمقراطية» جملة يقول خالد محيى الدين إن البكباشى جمال عبد الناصر ظل يرددها بحماس شديد طيلة الأشهر التى سبقت أزمة مارس 1954 التى انتهت باستيلاء عبد الناصر على السلطة. اليوم أتصور أن المشير محمد حسين طنطاوى يردد باستمرار لكل من حوله جملة شبيهة هى: «إما الثورة أو الدولة»، ليس ذلك استنتاجا منى، فقد أعلن المشير تلك الجملة أكثر من مرة فى تصريحاته وخطاباته القليلة، ورددها من بعده كل من تكلم من قادة المجلس العسكرى حتى بات الناس يحفظون أن كل من سيتحدث من قادة المجلس العسكرى عن أى خطأ يقومون بارتكابه، لن يقدم لهم اعتذارا صريحا أو تفسيرا شافيا أو خارطة طريق للحل، بل كل ما سيقوله إن هناك من يريد إسقاط الدولة وإنها لن تسقط، دون أن يدرك قادة المجلس العسكرى أن إصرارهم على العناد وعدم التغيير هو وحده الذى بات يشكل أكبر خطر على تماسك الدولة المصرية، تماما كما كان تصوّر عبد الناصر أن الديمقراطية ليست صالحة للمصريين وأن الدولة القوية القمعية أبرك وأهم سببا مباشرا فى هزيمة 1967 والقضاء على حلم النهضة المصرية.
ما حدث فى التحرير يوم السبت الماضى يجعلك تصدق كل سيناريوهات المؤامرة التى تدور لإجهاض التحول الديمقراطى، لا يمكن أن يقوم شخص يريد مصلحة البلاد بإصدار قرار بفض اعتصام لمئتى شخص، بينهم 19 مصابا بوحشية تدفع إلى اعتصام عشرات الآلاف وإصابة المئات واستشهاد المزيد من خيرة شباب مصر.
هذه المرة لم يذهب أحد لاقتحام وزارة الدفاع أو سفارة إسرائيل، ولم تكن هناك أى قرارات ثورية غير محسوبة لكى نختلف معها جميعا، لأنها ستفجر الموقف، فالقرار غير المحسوب هذه المرة اتخذه المجلس العسكرى وقام بتوريط وزارة الداخلية فيه تماما كما فعل مبارك من قبله، وماكينات الكذب الإعلامية فى القنوات الحكومية والخاصة دارت على أشدها لكى تصور للناس أن المواجهات الدامية اندلعت بعد قيام مجموعة مأجورين بإحراق سيارة أمن مركزى، دون أن يسأل أحد: لماذا لم يكن هؤلاء المأجورون المزعومون موجودين أصلا قبل أن تتلقى الداخلية أوامر بفض شرس لاعتصام محدود، كان يتمركز فى الصينية دون أن يؤذى أحدا أو يعطل المرور، وكان يمكن اللجوء إلى لجنة حكومية أو شعبية لدراسة مطالب مصابى الثورة المعتصمين بدلا من سحلهم على الأسفلت لكى ينفجر الموقف. للأسف فى الإعلام الكذاب الذى لا يتعلم أبدا تظهر مئات الأصوات التى نافقت مبارك وتزلّفت له وصورت للناس أن البلاد ستضيع من غيره، لتقول نفس الكلام عن مصير مصر المظلم إذا تم تسليم السلطة، متغافلين عن أن الغالبية الساحقة من الثائرين لا تطلب تسليم السلطة لأى حد معدى، بل تطلب عقد انتخابات رئاسية بعد الانتخابات البرلمانية، لكى يختار المصريون من يحكمهم، بعد أن ضجوا من أخطاء المجلس العسكرى الذى بدد رصيده الإيجابى لديهم بأخطاء متوالية، يصر على تكرارها وتبريرها وعدم مواجهتها.
للأمانة، كل سيناريوهات التآمر التى تثور فى مخيلتك ستنسفها مكالمة يقوم بها اللواء محسن الفنجرى، عضو المجلس العسكرى، مع قناة الحياة الحمراء، لنكتشف أن تغيير الأداء الحكومى الفاشل أمر مرفوض، لأنك «ما ينفعش تغير الأب وهو خلاص هيجوز بناته» طبقا لنص كلامه، ولنكتشف أن اللواء الفنجرى يحمل مفهوما عجيبا عن طبيعة أداء منظمات المجتمع المدنى التى وصفها بأنها «تعمل لمصلحة الشعب وضد الحكومة» وهو أمر أعتبر أنه يستحق الإدانة، مع أنه يحمل فى طياته اعترافا بأن مصلحة الشعب أصبحت تتعارض مع أداء الحكومة. كالعادة أخذ اللواء الفنجرى يكرر نفس الكلام الذى يقوله قادة المجلس عن تقسيم التورتة والمأجورين والمدفوعين دون أن يسميهم بأسمائهم، فذكّرنا بكلام مشابه، قاله اللواء حسن الروينى عن حركة «٦ أبريل» التى اتهمها بأنها تتلقى تمويلا من الخارج، ثم أثبتت لجنة تقصى الحقائق الحكومية أن ذلك ليس صحيحا، ولم يخرج اللواء الروينى لكى يعتذر عن تشويهه سمعة شباب، قاوموا فساد مبارك بكل شجاعة وللأسف صدقه ملايين المصريين، لأنهم يثقون فى قادة الجيش، مع أنه اعترف فى نفس المكالمة بأنه يقوم بترويج إشاعات وهو يعلم أن القانون يعاقب على ذلك، ويعلم أيضا أن القانون لن يعاقبه أبدا، لا هو ولا غيره من قادة المجلس مهما أخطؤوا أو تجاوزوا.
تستمع مرارا وتكرارا إلى مكالمتى اللواء الفنجرى مع قناة الحياة وقناة سى بى سى، فتدرك أنه لا يمكن أن تكون هناك مؤامرة يقودها المجلس العسكرى ضد الديمقراطية، فاستمرار المجلس العسكرى فى الحكم بهذه الطريقة المتعالية المعاندة للواقع التى يعتمد فيها على تقارير أجهزة مبارك الأمنية كفيل بإجهاض الديمقراطية دون أى مجهود للتآمر. ولو جاءت على الديمقراطية وحدها لهان الأمر، فنحن الآن إزاء خطر أكبر على البلاد لن يجدى معه هذه المرة الإصرار على إنكار الحقيقة. طيب، ما الحل إذن؟
الحلول كلها يعرفها المجلس العسكرى وتلقّاها بدل المرة ألف مرة من الكتاب والمثقفين والسياسيين الذين الْتقاهم، لكنه مصمم على أن يتصرف بطريقته وحده التى لم تجلب للبلاد الخير وبددت الطاقة الإيجابية التى كانت تملأ المصريين عقب خلع مبارك، وجعلت الكثيرين يتعاملون معه على أنه يتآمر ضد الثورة، فقط لأنهم لا يريدون أن يصدقوا أنه فشل فى قيادة البلاد. فهم حتى وهم يعارضون المجلس يحسنون الظن بقدراته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ونكمل غدا بإذن الله إذا عشنا وكان لنا نشر.
_________________ حسن بلم | |
|