في إحدى البحيرات، كانت الضفادع حزينة لأنّ الحيّات تأكلها، فشكت حالها لطيور اللقلق التي كانت تعيش معها في تلك البحيرة، فأكلت طيور اللقلق الحيّات وفرحت الضفادع، وبعد فترة قصيرة، جاعت طيور اللقلق فأخذت تأكل الضفادع، فانقسمت الضفادع إلى قسمين لكلّ منهما وجهة نظر مختلفة، القسم الأول تقبّل طيور اللقلق على ما هي عليه وأراد التعايش معها، والقسم الثاني أراد رجوع الحيّات، فرجعت الحيّات، وشاركت طيور اللقلق أكل الضفادع.
الآن اقتنعت الضفادع بأنها خُلقت لكي تُؤكل، ولكنّها كانت تواجه مشكلة جوهرية واحدة، فهي لم تكن تعرف إذا ما كانت ينبغي أن تؤكل من قِبل أعدائها أم أصدقائها؟
يكوّن كلّ منا معتقداته عن سبب وجوده وماهيته منذ الصغر وتبقى في تغيير طفيف حتى نواجه الأحداث التي تكون بالنسبة لنا مهمّة ومفصلية وقد تكون صادمة أيضاً، فتهزّ الصورة المخزّنة بداخلنا عن أنفسنا وعن الحياة بصورة عامّة ودورنا فيها، فسواء كانت النتيجة التي نستقيها من تلك الأحداث إيجابيّة أو سلبيّة، فإنّ ذلك قد يؤثّر على تلك الصورة بما فيها هويّتنا وقدراتنا ومن نكون وربّما دورنا في الحياة، وقد يكون لذلك نتائج وخيمة على نوعية الحياة التي سنحياها مستقبلاً وكيفيتها.
والقليل من الناس يكون واعياً للنتائج التي يستخلصها من تلك الأحداث لتكون منطقية وسليمة، ولا يقفز منها لمعتقدات كبيرة وشاملة تشمل هويّته ووجوده قبل أن يعالج المقدّمات الأولية، كأنْ يسأل نفسه إذا ما كانت الظروف المحيطة بالحدث لها دخل بالنتيجة التي وصلت إليه، أو أنّ لقراراته أو خياراته أو تدخّلات الآخرين دوراً في ذلك، أو أنّه خالف سنّة طبيعية فكانت تلك النتيجة ردّ فعلٍ طبيعيّ متوقّع؟، فتلك الضفادع توصّلت لنتيجة تتعلّق بسبب وجودها في الحياة، ولم ترجع لبيئة الحدث أولاً، فقد لا تكون البقعة التي تعيش فيها في تلك البحيرة مكاناً مناسباً لحياتها، ولم ترجع لسلوكها لتعرف بأنّها لم تدرس خصائص وطبيعة من استعانت به، ولم تقيّم مواقفها والحلول التي طرحتها قبل وبعد ما توضّحت لها الصورة كاملة، وهي وفي كلّ خياراتها، لم تفكّر في كيفية تجنّب الأكل، ولكنّها اختارت لنفسها معتقداً يحدّد لها سبب وجودها، فأراحت نفسها من عناء التعب والتفكير والتغيير، ودخلت في سؤال فلسفي لا يغيّر من واقعها شيئاً.
إنّ القدرة على تحليل الأحداث، ومعرفة الأسباب التي ساهمت في الوصول للنتائج الحاصلة هي مهارة غاية في الأهمية، إذ أنّها ترقى بفكر الإنسان وقدرته على النظر للأمور بموضوعية وتساعده في تعلّم واستخلاص الدروس لتفادي الأخطاء، وانتخاب خيارات أفضل في المرّات القادمة، وتبقى النتائج بالنسبة له في هذا الحدّ ما لمْ يخترْ بوعي ودليل تغيير صورته عن نفسه وما حوله، فهكذا إنسان يستطيع أن يمضي في الطريق الذي يمكّنه من التماس الحكمة وطرق بابها.