® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2011-01-12, 6:14 pm | | للكاتب عاطف حسانين
وقد يرسل الله قطة.. لتُعلّمك أغلى دروس العمر!
لا أستطيع أن أقف واعظاً؛ فما أحوجني إلى الموعظة، ولا أن أقف ناصحاً؛ فما أحوجني إلى النصيحة؛ ولكنها قصة حدثت معي وأثّرت فيّ كثيراً، ووجّهتني إلى أن الله قد يرسل لعبد من عبيده قطة لتعلمه أغلى دروس العمر.. قصة ربما تجد فيها ضالتك كما وجدْتُ فيها ضالتي، وقد تتعلم منها شيئاً يُعينك على مصاعب الحياة كما تعلّمت منها ما أعانني على السير بين أشواك الحياة، التي كلما أدمَت قدمي تذكرتها؛ فإذا بقلبي ينير، وروحي تُشرق بما يجعلني ومن معي نستبشر. كنت في المرحلة الثانية من الثانوية العامة، عندما استيقظت من نومي ونظرت من الشرفة المُطلّة على سطح بيت متهدم أمام البيت الذي أقطن فيه؛ حيث كنت أعيش حينها بمفردي..
نظرت.. أعدت النظر.. دقّقت فيما أرى، ويا لهول ما رأيت.. قطة كانت تقطن هذا السطح المهجور، وضعَت حملها، ثم فارقت الحياة، مخلّفة وراءها قطتين صغيرتين لا تكادان تفتحان أعينهما، وإذ بهما تصرخان، وما من مجيب! أو قُل: هكذا ظننت! شعرت بقلبي يتهتّك.. وعيني تدمع.. وروحي تكاد تنخلع من بين جوانحي..
وأخذت أتساءل: كيف ستعيشان؟ ومن يتولى أمرهما الآن وقد فارقت الحياة من ترعاهما؟ رحلت الأم مخلّفة رضيعتين لا حول لهما ولا قوة.. رباه ماذا أفعل؟ ومن لي بقلب يحتمل هذا المشهد العظيم؟ ودون أن أدري، سارعت بالنزول والدخول لأرجاء هذا البيت باحثاً عنهما.. وقلت في نفسي لعلي آخذهما وأُطعمهما، وأعمل على أن يكبرا بإذن الله أمامي؛ فأكون قد أرحتهما من عذاب الجوع وبرد الشتاء.. وما إن وصلت لمكانهما، إذا بي تسبقني خطوة القدر.. رأيت واحدة منهما فقط.. أما الأخرى فقد اختفت! كيف اختفت وأين ذهبت؟ وماذا عساها أن تفعل؟ لا أدري وأخذت تدور برأسي دوائر خواطرها، رباه ماذا أفعل وقد فتشت عنها في كل مكان دون جدوى..
أخذت الصغيرة وحملتها على كفي، وعدت أدراجي. ظللت آتي لها باللبن والماء، وأسأل عن كيف أتعامل معها، وكنت سعيداً بها جداً عندما فتحت عينيها الصغيرتين الملونتين الجميلتين.. شعرت بإشراقة روحي وهي تطل علي من عالمها الغيبي بكل ما فيه من نقاء وطهارة.. مرت الأيام والليالي، وبدأت رفيقة منزلي تداعبني، وتلاطفني، وكنت كلما ازدادت حركتها تزداد سعادتي.
حتى حدث ما هزّ كياني وحطّم روحي.. قمت من نومي.. كنت مرهقا جداً.. وأكاد أفتح عيني بصعوبة.. وسرت خطوتين وفي الثالثة شعرت بي أدوس بقدمي على شيء.. يا لوعة قلبي.. إنها هي.. قطتي التي تمنيت لها الحياة.. وكنت أتحرك نحو روحي كلما تحركَت.. ما لها أصبحت في لحظة غفلة مني ساكنة ذاهلة.. كيف وطئتُها بقدمي..
ارتديت ملابسي.. وعدوت في الطريق.. كنت أبحث عن مستشفى تنقذني مما أنا فيه بأن تقدم لها دعماً.. أسمعها تتألم بغير أنين.. وتصرخ بغير صوت.. وعند مستشفى الحيوان حللت براحلتي.. أسلمتها لطبيبة أحسّت بكارثتي وفجيعتي.. قالت لي في هدوء: ماتقلقش، هنشوفها واللي هنقدر عليه هنعمله. ثم تركتني جلست ودار بخاطري كل ما بيني وبينها من ذكريات.. منذ أن رأيتها.. وسارعت نحوها.. وتمنيت لها الحياة..
ظللت هائماً على وجهي حتى قطع صمتي الأحدب صوت الطبيبة: مع الأسف العمود الفقري حصل فيه كسور.. مافيش أمل - الأفضل إننا نديها حقنة ترحمها من الألم وتفارق الحياة.. معلش.. إنت عملت اللي عليك.. مع ألف سلامة. رحلت ورحلت كل آلام الوجود عن أصحابها لتسكن روحي.. اكتأبت لفترة، وظللت في بيتي لا أغادره.. ولما استوحشتني فتحت النافذة التي من خلالها اطلعت عليها أول مرة.. فتحت الشرفة لأجد ما أذهلني وأبكاني وأسعدني وأماتني وأحياني..
رأيت أختها التي كانت معها.. تجري وتتحرك على هذا السطح المتهدم.. رأيتها وقد بدت عليها كل علامات الارتياح.. وهنا.. وهنا فقط أدركت أن هذه القطة الطيبة دفعت روحها ثمناً لأغلى وأهم دروس العمر.. وكافأتني برحيلها عن إحساسي الأول بها وبيتمها.. رحلَت وتركت لي ما يريح العقل من التفكير، والقلب من التدبير، والنفس من كثرة الهموم.. حين علمتني حقيقة من حقائق معنى "لا إله إلا الله". فالتي ظننت أني حملت همها وأخذتها لأرعاها قتلتها دون أن أدري.. والتي تولاها الله ها هي حية ترزق.. _________________ حسن بلم | |
| |