تُنشر هذه الزاوية قبل أن تدور رحى الحرب بين فريقي مصر والجزائر في القاهرة!
وسأعترف، دون أي خوف من المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، أنني خططت للهروب من الميدان، وتسللت صباح أمس، كي أصل إلى مخبأ آمن قبل أن يستيقظ المشجعون المنهكون من الوقوف في طوابير البطاقات وطوابير الأعلام، أو من ينشدون الراحة قبل الحرب التي جرى الاستعداد لها خلال أسابيع.
لم يقتصر التشاحن على إعلام البلدين المتحاربين، بل تورط فيها الإعلام العربي. وفي مرحلة من الاستعداد للمعركة عديمة النفع اختلق أحد مدوني الإنترنت خبراً ادعى نقله عن وكالات الأنباء يقول إن ساركوزي يصلي من أجل فوز الفريق المصري، واضطر الإليزيه لنفي الخبر، العاري من الصحة، فساركوزي المشغول بألعابه الخاصة ليس بحاجة إلى مزيد من المشكلات تجرها عليه ألعاب الآخرين.
ولم يثبت أن لإيران يداً في المعركة، لكن تاريخ العنف بين الفريقين ومشجعيهما كان أكثر من كاف لتحويل مباراة الكرة إلى 'حوسة' إقليمية، تشبه 'حوثة' اليمن والسعودية مع الحوثيين!
ولم يُقصّر أصحاب النوايا الحسنة في حق المتحاربين، لكن مبادرات السلام معلقة على السطح، بوصفها نوايا طيبة أضعف من نوايا أوباما بشأن السلام في فلسطين.
مبادرة 'وردة لكل مشجع جزائري' أطلقتها صحيفة المصري اليوم، بينما اختارت 'أخبار اليوم' تنظيم حفل مساء الخميس للنجمين محمد منير والشاب خالد حضرها الآلاف من عشاق الأسمرين. ولم يُقصّر النجمان في الغناء أو مناشدة الجمهور وارتداء خالد ذي الضحكة الطيبة للعلم المصري. لكن وسائل الاتصال الحديثة الأقل اكتراثاً بالدبلوماسية، كانت تقرع طبول الحرب.
تعليقات القراء على أخبار المباراة في الصحف، تنضح بالعنف والتربص، تُذكّر بالإسهال الذي أصاب اللاعبين المصريين من أكلة كسكسي جزائرية قبل مباراة الذهاب، وبعين الطبيب المصري التي طارت في مباراة 1999 بالجزائر، لكن تعليقاً ظريفاً من قارئة غير عارفة فيما يبدو بآلام الجزائريين، تتسول النصر للمنتخب المصري تقول: 'إن شاء الله هنفوز، الجزائريين عندهم حاجات تانية مفرحة، لكننا بنخرج من الموت في البحر للموت في القطار لانفلونزا الخنازير'!
كتابات في المدونات الشخصية والفيس بوك تدعو إلى حجر لكل لاعب، صور للفريق المصري بوصفه 'كتيبة الإعدام' التي ستغير اسم الجزائر إلى بلد المليون وأحد عشر شهيداً. دعوات للوقوف تحت شبابيك الفندق لإزعاج نوم الفريق الجزائري، كما جرى للفريق المصري هناك. مناشدات للنساء ليقرن في بيوتهن بعيداً عن مدرجات التشجيع، وكأنه احتياط ضروري لبقائهن بعيداً عن خطر السبي.
المشكلة أن الاعتداء الجزائري على شرف القبيلة المصرية، لم يكن بحاجة إلى انتظار لحظة جمع غنائم ما بعد النصر؛ فقد انطلقت الشائعة بأن اللاعبين قادمون بصور للفنانات المصريات مرسومة على أجسادهم!
إنها العودة إلى الطوطم، التي لن يفيد فيها الحرص، حيث يستحضر اللاعبون، السحرة الأشرار الفنانات من صورهن.
وهذا الاستدعاء الجنسي، هو بالتحديد القادر على تفسير التوتر الكروي بين البلدين، ورده إلى أصله الأعمق. هي الذات الجريحة هنا وهناك وقد وجدت متنفسها في هذه اللعبة التي تحيل إلى الحقل الجنسي.
والكرة رموزها جنسية بامتياز؛ ليس عندنا فقط، بل في كل مكان، حيث الحديث عن التهديف بوصفه اغتصاباً وحيث يكون الحفاظ على'عذرية الشباك' أغلى وأعلى معاني الفوز.
ومن غيرنا، نحن العرب، الذين لم نتخلص بعد من جرائم الشرف يغار على غشاءشباك فريقه، ومن غيرنا سينقل شرف القبيلة إلى ما بين ساقي حارس المرمى؟!
لكن لماذا يحتاج الشرف الرفيع إلى إراقة الدم وخزق الأعين بين المصريين والجزائريين بالذات الجماهير التي اختلطت دماؤها في معارك التحرر، لماذا تريق دماؤها اليوم في ساحات اللعب؟!
ولماذا تستقتل الفرقتان للتأهل إلى كأس العالم، وعندما تفوز إحداهما تتخلى عن عذريتها في أول أو ثاني لقاء مع الغرباء لتخرج من بداية المسابقة؟!
الأمر لا يخلو من مفارقة ساخرة تحتاج إلى تحليل نفسي، لكن من المؤكد أن الجماهير التي تزحف إلى مدرجات الكرة بكل هذا الاحتقان ما كانت لتفعل ذلك لو كان في مصر أو في الجزائر ما يفرح.
وإلى أن يجد الشعبان فرحاً حقيقياً أو إلى أن يتكرم الصينيون باختراع غشاء سهل الاستخدام يصلح لرتق شباك الفريق المهزوم، سننتظر بكل خوف لقاءات الفريقين التي تصبغ المستطيل الأخضر باللون الأحمر، مثلما أنتظر الآن في مخبأي الذي قد لا يكون آمناً، لكنه أفضل من البقاء في مرمى نيران حرب غير مقتنع بها!