القرآن الكريم كتاب هداية وتوحيد وإرشاد.. من تمسك به سلم من الانحراف والضياع وأصبح فى مأمن من الشرور والقلق.
حول شفاء النفس من سقامها يقول الدكتور إبراهيم أبو محمد ـ أمين عام المجلس الإسلامى للثقافة مدير إذاعة القرآن الكريم باستراليا ـ: الوصفة الأولى لشفاء النفس من سقامها حددها المولى عز وجل فى قوله تعالي: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما فى الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين يونس ـ 57.
ويشير د. إبراهيم إلى أن هذه الوصفة مركبة من أربعة أنواع من الأدوية الإلهية، أولها الموعظة وهى منهج فى المعرفة يشكل القسمات العامة لشخصية المسلم فى تفكيره وثقافته، وإدراكه لحقائق الأشياء وحكمه على الأمور كلها، فالموعظة منهج يعيد تشكيل البناء العقلى والثقافى والسلوكى فى حياة المسلم.
والموعظة كما يقول د. إبراهيم أبو محمد تعمل فى ثلاثة ميادين.. ميدان النفس الذاتي، وميدان البيئة المحيطة بالإنسان، وميدان الكون الواسع العريض.
ويوضح د. إبراهيم: منهج المعرفة فى الموعظة يقدم للإنسان الدواء والشفاء وينقذه، ويوجه طاقات العقل إلى الأعمال المفيدة ويقول لك أنت سيد الوجود أنت سيد الكون عندما تكون عبداً لله.. أنت الملك والسيد المطاع، وكل ما فى الكون مسخر لك.. الشمس والقمر والنجوم والبحار والأرض والسماء.. كل ما فى الوجود مسخر لخدمتك، خلقه الله من أجلك.. وسخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعا منه الجاثية ـ 13.
الله الذى خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجرى فى البحر بأمره وسخر لكم الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل و النهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، إن الإنسان لظلوم كفار إبراهيم ـ 32: 34.
ويقول د. إبراهيم معلقا: يلاحظ هنا كلمة لكم وكيف تكررت فى النص الكريم لتذكر الإنسان بموقعه وأهميته ورسالته.. فهو السيد المطاع بين السادة الأتباع طالما ظل عبداً لله خليفة له فى الأرض يقيم العدل ويعمر الأرض باسم الله ويحقق فى ذاته شروط العبودية وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة البقرة ـ 30، ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا الإسراء ـ 70، فإذا خرج الإنسان عن نطاق العبودية أصبح أهون على الله وأهون على الوجود من أقل حشرة فى هذا الكون لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون الأعراف ـ 179، واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون، ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون الأعراف ـ 175: 177، إذن فالإنسان خليفة الله فى الأرض.. خلقه بيده الكريمة، وأمده بروح منه، ومنحه الحياة والحركة وأمده بمنهج وخطة ورسول ورسالة.
وعندما تساءل الإنسان منذ قديم الزمان من أين جئت؟!
كانت الإجابة: نحن خلقناكم فلولا تصدقون الواقعة ـ 57، والدليل أفرأيتم ما تمنون الواقعة ـ 58، الحيوان المنوى خلية ضئيلة تحمل الجينات الوراثية كلها والقرآن فى سورة الواقعة يحدد نقطة البدء وأصل الخلقة والتكوين والإرادة العليا التى تجلت بالإبداع فى هذا المخلوق كما تجلت بالإبداع والعلم فى كل مفردات الوجود.
وبعدما يتكون الإنسان فإن الله يضفى عليه بعض صفاته فيمنحه السمع والله سميع، ويمنحه البصر والله بصير، ويمنحه الحياة.. والله حى ويمنحه العلم والله عليم.. وإذا كانت هذه الصفات ذاتية فى الله فهى عرضية فى الإنسان أى أنها متغيرة فى الإنسان وليست ثابتة، كما يمنحه الله بعض القدرة، وبعض الثراء بالملكات، ثم بالمال نتيجة للسعى والكسب واستعمال تلك القدرات.. وهذه الصفات فى البشر قد تخرجهم من نطاق البشرية ما لم تكن محكومة بإطار من العقيدة الصحيحة ومسيجة بسياج من معرفة الإنسان لربه، ومعرفته لنفسه، وأنه وما يملك إنما هو منحة من الله الذى خلق فسوى وقدر فهدي.
إن وجود الإنسان فى رحلة الحياة الدنيا مؤقت بزمن وأن وراء الدنيا حياة أخرى باقية وخالدة والإنسان فيها مؤاخذ بما كسبت يداه، وأنه مجازى بالسوء سوءا وبالإحسان إحسانا.
ويوضح د. إبراهيم أن الربط بين الحياة والموت يحد من غرور الإنسان وكبريائه، فلا يتيح فرصة لتتورم الذات وتغتر وتخرج عن نطاق كينونتها المحدودة، فتظن أنها بالعقل والعلم والإنجازات المتعددة قد ملكت زمام الأمور وسيطرت على كل شيء، لذلك كان الحديث عن الموت مقرونا ببداية الحياة فى قصة الوجود الإنساني: نحن خلقناكم فلولا تصدقون، أفرأيتم ما تمنون، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون، نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين، على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون الواقعة ـ 57: 61.
ويشير الدكتور إبراهيم إلى أن تقرير الموت هنا مقرون ببداية الحياة لكسر غرور الإنسان وتذكيرا للبشر بقانون القهر الإلهى الذى يجرى على الجميع ولا يستثنى أحداً، لكن الإنسان قد ينسى أو يتغافل عن الموت، لذلك كانت حاجته اليومية إلى النوم وهى حاجة لا يستطيع أن يدفعها عن نفسه.. فكأنما النوم إنما هو تذكير للإنسان بالموت لأنه مظهر من مظاهر قانون القهر الإلهى الأكبر، وما دام لا يستطيع الإنسان أن يدفع عن نفسه النوم، فهو كذلك لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الموت، فالنوم تذكير بالموت واستحضار له ونحن نمارسه كل ليلة.. والنوم يجرى على الصغير والكبير والغنى والفقير وهو يشكل 33% من عمر أى إنسان على الأرض، كما أنه آية من آيات الله فى الخلق، ونعمة من النعم المهمة لتتداخل حياة الإنسان المادية بشكل سوي.. وكما ينام الإنسان ويصحو، يموت ويبعث مرة أخرى وكما يعجز الإنسان عن مقاومة النوم فكذلك يعجز عن حماية حياته من الموت