أنا فتاة عندي 23 سنة، أنا بطبيعتي مرحة جداً مع أي حد بحب الهزار جداً، آه عارفة إنه مش في كل الحالات، بس أنا باحس إن الناس بتقرّب مني عشان كده، بس باحس إني في نظرهم شخصية "هايفة"، وإنهم ما بيزعلوش مني في أي حاجة بيعدّوا ليّ غلطاتي أياً كانت، هل ده عشان هما مستهيفيني ولّا عشان بيحبوني ولّا إيه مش عارفة؟!! وهل أنا كده هايفة فعلاً ولّا أنا عادي؟!!
عزيزتي..
مجرد اتخاذك وقفة مع نفسك لمراجعة تصرّفاتك والانطباع الذي تتركينه عند الناس، هو تصرّف ينفي عنكِ تمامًا تهمة "الهيافة". فمن أبرز صفات الشخص التافه أنه لا يُراجع نفسه بل يستمر في تفاهته بالقصور الذاتي.
فلنتفق إذن أنكِ لستِ شخصية تافهة, ولنركز على باقي محتوى رسالتك. تقولين أنكِ مرحة.. وما المشكلة في هذا؟ اتصاف شخص بالمرح ليس أمرًا مشينًا بالمرة, بشرط أن يعرف التطبيق السليم -شكلاً وموضوعًا- لمبدأ "لكل مقام مقال". فللمرح وقته, وللجد وقته, وعندما يحين وقت أي منهما عليه أن لا يخرج عن الحدود المقبولة غير المستهجنة, بدون إفراط أو تفريط.
السؤال الصحيح إذن هو: "هل أنا شخصية مرحة بإفراط في الوقت المناسب وغير المناسب وبشكل يسيء لي؟" فالمرح في حد ذاته ليس مشكلة المشكلة في المبالَغة فيه. فلو كانت الإجابة بالنفي فلا مشكلة, أما إن كانت بالإيجاب فهنا يجب أن تأخذي وقفة ثانية مع نفسك؛ لتعرفي أين موضع الخطأ وكيف تصلحينه؟!!
وفي حالة اكتشافك أنكِ بالفعل تعانين مشكلة إفراط بالمرح لا تقلقي من إصلاح المشكلة ولا تخشي أن تفقدي بهذا طبيعتك الجذابة, فمن ينجذبون لكِ لذاتك ويرون الأمور الجميلة بكِ سيسعدهم أن تتغيري للأفضل, فضلاً عن كونهم -من البداية- يرون فيكِ أمورًا أخرى جذابة غير الطبيعة المرحة, أما من لا يريدون سوى شخصية مرحة تسلّيهم -عفوًا للتعبير- فهؤلاء لا يستحقون منكِ أن تكترثي لهم, ووجودهم في حياتك من عدمه لن يؤثر أصلاً.
ثم إن لكل منا صفة غالبة عليه, فكل منا به عدة عيوب ومزايا، لكن بعضها يبرز على السطح بشدة, كمن يغلب عليه المرح، ومن تغلب عليه العصبية، ومَن يتصف بالطيبة أو الصرامة أو التهذيب الشديد أو.. أو.. إلخ.. فلا بأس ببروز صفة معينة فينا نُعرَف بها, طالما كانت صفة جيدة وكانت في حدود الاعتدال.
أما عن مسألة تهاون المحيطين بكِ مع بعض أخطائك، فيمكن أن تجدي له أسبابًا كثيرة, كتفهمهم قلة الخبرة بأمور معينة, أو تسامحهم مع عيب معين يودي لوقوعك في بعض الغلطات, أو خشيتهم جرح مشاعرك بإبداء ملاحظة ما, أو ربما تسامح مفرط في طبيعتهم من الأساس, عشرات الأسباب, لكن لماذا لا تسألين المقربين منكِ فيما يتعلّق بهم؟ أعتقد أنهم كشهود على بعض المواقف يمكنهم أن يفسروا لكِ الأمر بشكل كامل.
لا أريد أن أخرج عن موضوعنا الأصلي وتتشعب بنا الموضوعات, لكن ما فات كان ضروريًا لتدركي أبعاد الموقف. وخلاصة كلامي أن عليكِ من وقت لآخر مراجعة تصرّفاتك, فلو وجدتِ فيها أي نوع من المبالغة, فهنا موطن الخطأ وعليكِ إصلاحه, سواء كانت المبالغة في المرح أو الجدية أو أي انفعال أو "حالة" من حالاتنا اليومية المتعددة.
وللمرة الثانية أطمئنك, لستِ شخصية تافهة بالمرة, طالما أنكِ تراجعين نفسك كل حين، وتهتمين فعلاً بنظرة الناس لكِ.. لكن حتى هذا عليكِ أن تراعي فيه عدم المبالغة..