| تحبل الأرض بالضائع الآن لايتوقّف فيها النسيج عن الرّوغان |
|
|
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2023-02-24, 7:14 am | | إنّها ردهة الوقت تنشع بالملكات القديمة والحجب الأوليّة تنساب تحت ذراعين ثمّ تجرّ الذبائح والعاشقين إلى غيبة تحبل الأرض بالضائع الآن لايتوقّف فيها النسيج عن الرّوغان وتدخل كلّ الأزقّة فى طرق لاحدود لها ويبيت الكلام على حمأة يستبدّ بما فيه من خجل ويرصّ على الأرض كلّ تعازيه ينفرط الشعر من ثقبه الأبدىّ يكاد يراقص أنسجة من رسوم يرفرف تحت جناحين منتهيين إلى أفق شاء أن يتفرّق أو شاءت الرّيح أن تدّعيه قداميكما الغواية تصبح قنّينة من سقوف ويصبح فوق السقوف قراصنة تحت أجفانهم غيمة تدعك الدّم كى يتساءل عن صلة العالم الغفل بالملكوت القديم وعن أحجيات تخطّ على الأرض خطّين مستوحشين وتمحوهما وتقيم على ماتراكم من حشرات الجسور وأخشابها خيمةً سوف تفقس فيها البويضات تخرج بعض الفراشات هائمة فى الظّلام وبعض الفراشات فوق رفوف من النّور مذعورة فإذا ماتوكّأت الأرض مال عليها الدراويش أحنوا لها قفص الصدر فانسدلت حزمة من أخاديد وانفجرت كرة الكون تجرى أمام الجميع وتلمس من كل نبت حرّا عارفا نفسه وكأنّ عناقيد بعض الذكور هى النّور أو ربما الأرض تخلع قفطانها تضع اليود قرب السواحل والحزن تحت اللسان وآنية الاغتسال بعيدا عن الليل ثمّ تغطّى المصابيح بالعرق البشرىّ وتسحب أعضاءها باتّجاهك إن صادفتك ستحسبها جرّة فوق رأس الفراغ وتبحث عن صفة والصّفات تكاد تدقّ ولكنّها قبل أن تتجسد تمرق كالطفل فوق الحروف فتصبح غمغمة ليس يدرك إيقاعها أحد يتملّك إيقاعه هاهنا سوف تنبسط القبضة الأمّ محشوة بالتراب وليس لها أن تحلّق عالية كان جيش العصافير يعرف قنطرة الروح يعبرها ويصبّ عليها دما يشبه الماء مابين تلك التفاصيل والريح عائلة تتصالح تسلم مزلاجها للفضاء وتمضى على طرق بينها والطريق الرئيسىّ ذاكرة ملئت كلّها بالوساوس وامتلأ الكون منها بأعشاشه واستردّ الأمومة هل تفرك الأبجديّة هذا الزحام وتنفذ منه إلى رغبة تنطوى رغبة وتسرّب من يدها أول الحرف تمسكه يتفلّت تبحث عن سرّه فيبوح لمن لايبوح ويكشف عن عالم فوق بشرته ظلمة كانت الشمس تلسعها فتجف وتهبط تحت الأصابع.....
هنا تستحيل الرياح لواقح والكلمات ذكورا تبارك أعضاءها فإذا انتصرت اولجت فوق أرجوحة وإذا أولجت شربت من حرارة انفاسها واكتفت أنّها سوف تخضع سوف تخرّ وينبت فى جسمها الرّيش تنخرها رغبة الاغتسال
| |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2023-03-06, 10:38 am | | | |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2023-03-10, 6:55 am | | فتحت عينىّ على ضوء أبيض يلوح من بين خصاص النّافذة! قمت من نومى منتفضا! كيف هجم وحش الصباح فجأة غارزا أنيابه البيضاء هكذا فى نافذة الغرفة ؟ وكأنّه يستعد لالتهامى وتوزيع عصارة أحشائى على أمعاء اليوم ومتاعبه المتعدّدة؟ استسلمت لفساد خطة يومى التى أعددتها سلفا وارتديت ملابس الخروج على عجل لكنّى ما إن هممت بفتح باب الغرفة حتى وقع نظرى عَرَضا على ساعة الحائط كانت عقاربها المتململة تشير إلى الرابعة قبل الفجر! تأكّدت من أنّ الضوء الذى كان يلتمع على النّافذة هو ضوء ردهة السلّم وقد نسيه أحدهم مفتوحا فى هذه الساعة الأخيرة من الليل! شعرت بغبطة وسعادة حقيقيّتين!!! وكأنّ الأبديّة قد أهدتنى ساعتين لأتنزّه فيهما خارج نطاق الزّمن الضيّق!!! فى هذه اللحظة بالذّات اتّسع وعيى وإحساسى بالزّمن حتّى شعرت بأنّنى تلمّست مادّته مادته هو وليس عبوره وإحساسى بالفناء.... ذهبت إلى قبر أمّى وقرأت الفاتحة وماتيسّر من دعاء ثمّ صلّيت الفجر وتنزّهت على شارع الجسر ملقيا السلام على روح أبينا ملك الأبديّة أوزوريس سلام على أوزوريس و على قريتنا النّائمة بوداعة على كتف النّهر.... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (اختلفت المصادر التاريخية حول تحديد مكان مولد أوزوريس فمنهم من قال إنّ مكان نشأته هو قرية أوزير أو بوصير مستدلّين بذلك على التشابه اللفظى بين الاسمين ومنهم من قال إنّ مكان نشأته هو قرية بهبيت الحجارة متخذين من الآثار المتبقّية فيها برهانا على صحّة ادّعائهم! لكنّ الآثار كدليل نشأةٍ أو وجود هو أغبى منطق يلجؤ إليه المتنطّعون منطق لا يصلح أصلا لتحديد أماكن مراكز الحضارة الفرعونية القديمة -تلك المراكز التى تراجعت عن متن الحياة لتحلّ مكانها هوامش الموت- وأىّ منطق هذا الذى يتّخذ من قبور الفراعنة دليلا على وجود حياة سابقة فى مكان اكتشافها؟!!! نوسا مدينة أوزوريس كانت مركزا للحياة وكل الآثار الفرعونية المكتشفة فى مصر جُلّها مكتشفٌ غرب النيل أعنى فى أماكن الموت ولذا بقيت مهملة حتى تم اكتشافها واكتشافها دليل على أنّ أماكن وجودها كانت للموت ونوسا كانت مدينة للحياة كلّ الحياة ولذلك تعاقبت عليها معاول الهدم والتخريب وتناوبتها أيدى الغزاة واللصوص) ....سلام على روح أبينا ملك الأبديّة أوزوريس ..... (هذه الحقيقة ذكرها ديودوروس الصقلى -الذى عاش فى القرن الأول قبل الميلاد- حيث قال بوضوح دون تأويل أو تأتاة ألفاظ إن أوزوريس نشأ فى مدينة مصرية اسمها نيسا أو نوسا وأنّه أطلق اسم نوسا على مدن أنشأها فى بلاد أخرى رغبة منه فى تخليد اسم المدينة التى تربى ونشأ فيها ... وإذا مارجعنا إلى الكتب الجغرافية القديمة لنبحث عن هذه المدينة المذكورة آنفا سنجد أن اسم قريتنا نوسا يتجلّى بوضوح فى كتاب معجم البلدان لليعقوبى كإحدى مدن مصر آنذاك) | |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2023-03-18, 10:15 am | |
مَصادِر تَدْمِير الذَات #سيوران
وُلِدْنَا فِي سِجن، وَ الأصفَادُ تُحِيطُ بِسَواعِدنَا وَ أفْكارِنَا، وَ مَا كُنَا قَادِرينَ علَى تَحمُلِ يَومٍ وَاحدٍ لَوْلاَ أنَ إمكَانِيَة أنْ يَنْتهِي كلُ هذَا تَحْثنَا علَى أنْ نَبْدأَ كُلَ يَومٍ مِنْ جَدِيد.. القُضبَانُ الفُولاذِيَّةُ وَ الهوَاءُ الخَانِقُ لِهذَا العَالَم يُجَردَانِنا مِنْ كُلِ شيْء باسْتِثنَاءِ الحُريَة لِأنْ نَقتُلَ أنْفُسنَا ؛ وَ هذِهِ الحُريَة تُزَوِدنَا بِالقُوَة وَ الإبَاءِ اللاَزِم لِمُواجهَةِ الحُمولَة الهَائِلَة مِنَ الأعْبَاءِ التِي تَسْحقُنا. أهُنَاكَ هِبَةٌ أشَدُ تَحْيِيرًا مِنْ أنْ نَكُونَ قَادِرينَ علَى أنْ نَفْعلَ بِأنْفُسِنا مَا نَشَاء وَ نَرفُض ؟ تَعزِيَةُ أنْفُسِنا بِٱنْتِحارٍ مُحْتمَل تَجْعلُ مِنْ مَوطِءِ أقْدَامِنا الضَيِق -حيْثُ نَخْتنِق- مِساحَات لاَ مَحْدودَة. الفِكْرةُ الحَاضِرَة لِتَدمِيرِ أنْفُسِنا، وَفْرةُ الوسَائِلِ اللاَزِمةُ لِذَلِك، سُهولَةُ ٱسْتِخدَامُها وَ تَوافُرهَا، تَمْلأُنَا بالإرْتيَاحِ وَ الرُعْب فِي آنٍ وَاحِد ؛ إذْ لاَ شيْءَ يَجْمعُ بيْنَ البَساطَةِ وَ الهَوْل مِثْل ذَلِكَ الفِعْل الذِي نَحْكمُ بهِ علَى أنْفُسِنا حُكمًا لاَ رِجعَةَ فِيه. فِي ثَانِيَةٍ وَاحِدَة نَتَخلَصُ مِنْ جَمِيعِ الثَوانِي ؛ لَكِننَا نُرْجِئُ نِهَايَتنَا كَشَياطِينَ مُتَبجِحَة : كيْفَ أمْكنَنَا التَخلِي عنِ الإظْهَارِ الوَحِيد لِحُريَتِنا، الإسْتِعرَاضُ الأكبَر لِكبْرِيائِنا ؟ الإنْسانُ الذِي لَمْ يَسْبِق أنْ تَصوَرَ فَنَاءَهُ أبدًا، لُجوءُهُ المُحْتمَلُ إلَى الحَبْل، الرَصاصَة، السُم، أوِ البَحْر، هُوَ عبدٌ مُنْحَط لاَ يَصْلحُ سِوَى لِلتَجْدِيفِ علَى سَفِينَةٍ أوْ مُجَردُ دُودَةٍ تَحبُو علَى جِيفَةِ الكَوْن. يُمْكِنُ لِهَذَا العَالَمِ أنْ يَأخُدَ مِنَا كُلَ شَيْء، أنْ يحْظُرَ عَليْنَا كُلَ شيْء، لَكِن ليْسَت هُناكَ قُوَةٌ قَادِرَة علَى أنْ تَمْنعَنَا مِنْ شَطْبِ أنْفُسِنَا. كُلُ الأدَواتِ تَعْرِضُ عَليْنَا مُسَاعَدتَهَا، ليْسَ هُنَاكَ مِنْ هَاوِيَّةٍ إلاَ وَ تَدْعُونَا إلَى جَوْفِهَا، وَ لَكِنْ غَرائِزُنا تَتأَمَرُ لِتَمنَعنَا مِنَ الإسْتِجابَةِ، وَ هَذَا التَعارَضُ بيْنَ الغَرَائِزِ وَ الصَوْتِ الدَاخِلِيّ يُفَاقِمُ فِي العَقْلِ نِزَاعًا مُستَعصِيًا علَى الحَل. حِينَ نَبْدأُ نَتأمَلُ الحيَاة، لِنَكتشِفَ فِيهَا خَواءً لاَ مُتَناهٍ ؛ تَكونُ غَرائِزُنا قَدْ أصْبحَت مُرْشِدَ وَ عرَابَ أفْعَالِنا، تُعَرقِلُ تَحْلِيقَ إلْهامِنَا وَ تَكبَحُ إنْقِيَادَ الرُوحِ إلَى المُغادَرَةِ. لوْ كُنَا فِي لَحْظَةِ الوِلَادَةِ مُدْرِكينَ كمَا نَحْنُ فِي نِهايَّةِ سِنِ المُراهَقَة، لَكَانَ مِنَ المُرَجَحِ أنَ الإنْتِحارَ فِي عُمْرِ الخَامِسَة ظَاهِرَةٌ عَادِيَة.. أوْ مَسْألَةُ شَرَف. لَكِننَا نَسْتيْقِظُ مُتَأخِرِين، نَجِدُ أمَامَنا السَنَواتِ التِي تُغَذِينَا فِيهَا علَى إرْشَادَاتِ الغَرائِز وَحْدهَا، وَ التِي لاَ يُمكِنُ تَخْدِيرُهَا إلاَ بِالخُلاصَاتِ التِي تَقُودُنَا إِلَيْهَا تَأمُلاتُنَا وَ خَيْباتُنَا، وَ التِي تَظَلُ تُلِحُ عَليْنَا بِلاَ تَوَقُف، وَ بِتَحصِيلِنَا لِلْوَعيِّ بحُرِيَتِنا ؛ نُصْبِحُ أسَاتِذَةً فِي مُقَاوَمةِ إغْرَاءِ الإسْتِخدَامِ لِوَرقَتِنَا الرَابِحَة. إنَّهَا تَجْعلُنَا نَتَحمَلُ الأيَامَ - وَ مَا هُوَ أهَم (اللَيَالِي)، لاَ نَعُودُ فُقَراءَ أوْ مَسْحوقِينَ فِي مِحْنَة : نَمْتلِكُ المَصادِرَ العُلْيَا. وَ حتَى حِينَ لاَ نَسْتغِلُهَا أبَداً، حِينَ نَفْطِسُ بِالطَرِيقَةِ الإعْتِيادِيَّةِ فَلقَدْ كانَ لَديْنَا كَنْزاً قَابِعاً خَلْفَ كُلِ تَنازُلٍ : مَا هِيَ الثَرْوَةُ التِي تُضَاهِي الإنْتِحارَ الذِي يَحمِلُهُ كلٌ مِنَا فِي دَاخِلِهِ ؟
إِذَا كَانَتِ الدِيانَاتُ قدْ حَظَرتْ عَليْنَا أنْ نَمُوتَ بِأيْدِينا ؛ فَلأنَهَا لَحَظَت فِي مِثْلِ تِلْكَ المُمَارسَاتِ نَمُوذَجًا لِلْعِصيَانِ المُهِينِ لِسُلطَةِ المَعابِدِ وَ الآلِهَة علَى السَوَاء. ٱعْتبَرَ مَجلِسُ أورْلِيانْ' الإنْتِحارَ جَرِيمَةً أشَدَّ مِنَ القَتْلِ، علَى ٱعْتِبارِ أنَ المُجْرِمَ بِوِسْعِهِ دَومًا أنْ يَتُوب، أن يُخَلَص، بَيْنمَا المُنْتحِرُ الذِي قَضَى علَى نَفْسهِ بِيَديْهِ قَدْ فاتَهُ الخَلاَص نِهَائِيًا. وَ لَكِنَ الإنْتِحارَ أيضًا يَشْتمِلُ علَى صِيغَةِ خَلاَصٍ رَادِكَالِيَة، أوَليْسَ العَدمُ يُضَاهِي أبَدِيَتَهُم ؟ الفَردُ المُنزَوِي ليْسَ بِحَاجةٍ لِأنْ يُعْلِنَ حربًا علَى الكَوْن، إنَهُ يُوجِهُ تَهْدِيدَهُ إلَى نَفْسِهِ. لَمْ يَعُد يَطْمحُ إلَى أنْ يُوجَدَ إلَى الأبَدِ، وَ هلْ بِٱقتِرَافِهِ ذَلِكَ الفِعْلِ الذِي لاَ يُضَاهَى سِوَى نَفْسهُ فِي مُوَاجهَةِ نَفْسِهِ ؟ إنَهُ يَرْفضُ الجنَّةَ وَ الدُنْيا كَمَا يَرْفضُ نَفْسَهُ. وَ فِي النِهَايَّةِ فَهُوَ قَدْ نَالَ أعْلَى مَراتِبِ الحُرِيَّةِ المُتَعذِرَةِ علَى الإنْسَانِ الذِي مَا زَالَ يُفَتِشُ عنْهَا فِي مَزْبلَةِ المُسْتقبَل..
لِحَدِ الآن لَمْ تَفْلح أيَةُ كَنِيسَةٍ أوْ أيَةُ مُؤَسَسَةٍ حَضارِيَة فِي تَقْديمِ حُجَةٍ مُحْترَمَة وَاحِدَة ضِدَ الإنْتِحار. أيُ جَوابٍ يُمكِنُ تَقْدِيمُهُ لِإنْسَانٍ لمْ يَعُد قَادِرًا علَى تَحمُلِ الحيَاة ؟ لاَ أحَدَ مُخَوَلٌ بِأنْ يَأخُذَ أعْبَاءَ الآخَرِ علَى عَاتِقِهِ. ثُمَ أيَةُ قُدْرةٍ يَملِكُهَا الجَدَلُ أمَامَ هَجمَاتِ اليَأسِ المَسْعُورَة وَ أمَامَ ألُوفِ الجِرَاحِ النَازِفَة وَ الأعصَابِ المُنْهكَة ؟ الإنْتِحَار هُوَ وَاحِدَةٌ مِنْ أهَمِ الخَصائِصِ المُمَيزَةِ لِلإنْسَان، أهَمُ ٱكْتِشافَاتِهِ، مِنَ الصَعْبِ علَى الحيَوانَاتِ أنْ تَجارِيَهُ فِيهْ، وَ المَلائِكَةُ رُبَما لمْ تَسْمع عنْ وُجُودِه. بِدُونِ الإنْتِحار سَيَغْدو المَشْهدُ الإِنْسَانِيُ أقَلَ جَاذِبيَّةً وَ أقلَ حَيَوِيَة، وَ لَكانَ يَنْقصُنَا شيْءٌ مِنْ مُنَاخٍ شَاذْ وَ سِلْسِلَةٍ مِنَ التَحدِيَاتِ المُمِيتَة تُضْفِي قِيَمًا جَمالِيَةً علَى عَالَمِنا ؛ لوْ أنَ ٱسْتِحضارَ التْرَاجِيديَا وَحْدهُ يَضْمنُ حُلُولاً جَدِيدَة وَ تَنْوِيعًا فِي الحِبكَاتِ وَ الخَواتِيمْ.
حُكَماءُ العُصورِ القَدِيمَة، أولَئِكَ الذِينَ أقْبَلوا علَى المَوْتِ كَدَلِيلٍ علَى نُضْجهِم، أسَسُوا نِظامًا وَ آدابًا لِلإنْتِحار يَجْهلُهَا أبْنَاءُ العَالمِ الحَدِيث. مَلْعونُونَ بعَذابٍ قَاتِم مُشِلّ، لمْ نَعُد مُؤَلفِي ذُرْواتِنَا وَ لاَ كَلِمةَ لَنَا فِي وَداعِنَا الآخِير ؛ نِهَايتُنَا لمْ تَعُد نِهَايتَنَا، يَعُوزُنا ٱمْتِيازُ حِسِ المُبادَرَةِ الفَرِيد - وَ الذِي قدْ يُمَكِنُنا مِنَ التَضْحِية بِحيَاةٍ ذَابِلةٍ وَ عَدِيمَةِ الطَعم، كَما نَفْتقِرُ أيضًا إلَى الكَلْبِيَةِ النَبِيلَة، العَظَمةُ القَدِيمَةُ لِفَنِ المَوْت. مُرتَادُو حانَاتِ اليَأْس، جُثَثٌ فَخُورَة، كُلُنَا نُعَمِر أنْفُسَنا وَ نَمُوتُ فَقَط لِنُتِمَ إجرَاءاتٍ شَكْلِيَةٍ عَقِيمَة. يَبْدو أنَ حَيَاتَنا كانَتْ مُتَمسِكَةً بِنَفسِها فَقَطْ مِنْ أجْلِ تَأْجِيلِ أيِ لَحْظةٍ نَكونُ فِيهَا قَادِرينَ علَى التَخلُصِ مِنْها.
بُورْترِيه شَخْصِي :
مَلْعونٌ إِلَى الأبَد ذَلِكَ النَجمُ الذِي وُلِدتُ فِي ظِلهِ، لَوْ أنَ لاَ سَماءَ تَأْوِيه، مَتْروكًا لِيُسحَقَ بِالفَضاءِ كَغُبارٍ بِدُونِ شَرفْ ! آخِدًا مَعَهُ تِلْكَ اللَحْظَة الغَادِرَة التِي ألْقَت بِي بيْنَ الكَائِنَات لِتُشطَبَ مِنْ قَوائِمِ الزَمنِ -إلَى الأَبَد !. رَغبَاتِي لمْ تَعُد تَجدُ لَهَا مكانًا فِي هذَا الخَلِيطِ الآسَنِ مِنَ الحيَاةِ وَ المَوْت وَ الذِي تَتعَفَنُ فِيهِ الأبَدِيَّةُ بِشَكلٍ يَوْميّ. بِسُأمِي مِنَ المُستقْبَل، فَإنَّنِي قَدْ عَبَرتُ أيامَهُ كُلهَا، وَ علَى الرُغْمِ مِنْ ذَلِكَ، يُعَذبُنِي ظَمَأٌ مَحْمومٌ إلَى مَجهُول لاَ أعْرِفُ مَا هُوَ. كَمَثَلِ حَكِيمٍ مَسْعورٍ، بَعِيدٍ وَ غَائِبٍ عَنِ العَالَم وَ حَانِقٍ عَليْهِ فِي الوَقتِ نَفْسِه، أُبْطِلُ أوْهامِي فَقَطْ لِتَسْتعِرَ أقْوَى مِنَ السَابِق. فِي كَوْنٍ لَا يُمكِنُ التَنَبُؤ بِه - وَ مَعَ ذَلِكَ لاَ يَنْفكُ كُلُ مَا فِيهِ يُكرِرُ نَفْسَهُ- كيْفَ بِوِسْعِنَا أنْ لاَ نَكُونَ سَاخِطِينَ ؟ إلَى مَتَى عَلَيَ أنْ أسْتَمِرَ فِي القَولِ لِنَفْسِي : ”أمْقتُ هَذِهِ الحَياةَ التِي أعْشَقُهَا“ ؟ سُخْفُ هَذَيانَاتِنا يَجْعلُ مِنَا جَمِيعًا آلهَةً مُكَرسَةً لِمَأسَاةِ هَزْليَّة رَدِيئَة. لِمَاذَا نَتَمرَدُ علَى الطَرِيقَةِ التِي يُدَبَرُ بِهَا الكوْنُ فِي حِين أنَ الفَوْضَى لاَ يُمكِنُ إلاَّ أنْ تَكُونَ نِظامًا لِلْإضْطِرابَات ؟ مَصِيرُنَا هُوَ أنْ نَتَعفنَ مَعَ القَاراتِ وَ النُجُوم، لَكِنَّنَا نَسْتمِرُ فِي جَرِ أنْفُسِنا كَعَجائِزَ مَرِيضَة وَصلَت إلَى تَقاعُدِهَا، وَ حتَى نِهايَّةِ الدَهرِ، سَيَظلُ الفُضولُ لِمَعرِفَةِ الخَاتِمَة المُتَوقَعَة ، هوسًا بِالرُعْب وَ العَبَث.
| |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2023-03-26, 11:58 pm | | منذ أن صكّ السيسى إنجازاته كلطمةٍ تذكارية على وجه الجنيه وهو فى حالة تدهور مستمرّ... لطمات إنجازاته المتتالية على وجه العملات و على قفا الوطن والمواطن تدفعهم بقوّة إلى هاوية الإفلاس!! (فى 2020 افتتح السيسى أكبر مصنع لإنتاج الأعلاف فى الشرق الأوسط ووقتها تمت طباعة إنجازه المشؤوم على عملات تذكارية لكنها اختفت فجأة فى ظل أزمة الأعلاف الرهنة ) | |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2023-04-30, 11:54 am | | ذلك اليوم الذي ضاع في زحمة مواكب الأيام والسنين، حسب فحوى عبارة وردت في إحدى قصص (بورخيس) ذلك اليوم المضيء الذي ربما يشبه الجوهر أو الحلم، وله ملمس الغياب والذكرى، يشبه اليأس المضيء والعدَم المشعَّ بالحقيقة… ذلك اليومُ الذي ضاع وسط تدافُع أمواج الشهور والعقود الصَّاعق. ربما لو التقينا به ذات صباح، ذات دهر، لأنقذنا من رتابة هذه الأزمنة والأيام. لو وجدناه، لو صادفناه ولو كبرقٍ يخترقُ حُجُب الرّتابة بإيقاعها الجنائزي، لو نعثر عليه صدفةً وبدون مقدّمات ولا نتائج، ما خلف الواقع والجهل والمعرفة، لو راودنا ولو كحلمٍ نائمٍ على سفح جبل قاف، أو جبل من جبال عُمان في فصلها الشتويّ.
حركة طائرٍ خلف إفريز النافذة إيذانًا باقتراب طلوع الفجر وسط هجْعة الظلام المستبدّ بالفضاء والمكان، حيث لا نأمةَ ولا حركة، عدا مروحةِ السّقف تبدّد الهواءَ الرَّاكد في فضاء الغرفة الغاصّة بالكتب والأشباح. السقفُ الذي يحدِّق فيه (المتوحِّد) عبر فجوات نومهِ المتقطع المُثخن بالأرق والهواجسِ وكأنّما في مرايا غابيّة، يرى ويتخيّل آفاقًا مأهولة بأشجارٍ باسقةٍ، وطيورٍ وأنهارٍ، ومدنٍ ومكتبات ومقاهٍ، ارتادها ذات زمن وما زال يراوده الحلم بالعودة إليها زيارةً أو عطلة إن لم تكن سُكنى وإقامة. حركة الطائر اليومية في عراء النّافذة تؤذن بمقدم الفجر وارتفاع صوت المؤذن في المسجد المجاور، الذي يأتي سريعًا خاطفًا من غير ترجيعٍ لحنيٍّ أشبه بالتهدُّج الروحيّ المموسق مثلما في جوامع أخرى وبلدان أخرى. فسحة صلاة الفجر بدموع الخشية من غضب الله، حتى يتصاعد الضوء من جهة جبال (بوشر) الشرقيّة وتطل الشمس بهيئتها الأزليّة المهيبة تضيء كونًا يخرج من نومه إلى حركة العربات وصفير الجبال الممزوج بلمعان المعدن الذي يعشي العيون والأفئدة، ويربكها في الشوارع والأماكن والمؤسسات.
قرفُك واشمئزازك من تصاعد أحداث العالم الموغلة في الوحشيّة وانفجار الغرائز السوداء بأقصاها تعصبًا وتطرّفًا، على ساحات الدّماءِ المُراقةِ والعمران المدّمر، بما يتضمّنه من قيمٍ ومكاسبَ على جانبٍ من النُّبل الإنسانيّ والأخلاقي جهدت البشريّة عبر تاريخها في لملمة أشلائها من المذابح والمِحن والعِبر المريرة التي مرّت بها. أو عبر السّجالات التي تتفجّر باستمرار وبوتائر متصاعدة، فيما أتاحه التطوّر التكنولوجي المُذهل الذي أنجزه (الآخر) كما درجت التّسمية في الثقافة العربية، سواء حول وقائع الراهن وصراعاته ومعطياته وعناصره الكثيرة، أو حين يتم استدعاء التاريخ بشخصيّاته الفاعلة، ورموزه ووقائعه على ضوء أحقاد الرّاهن وبموجبها تتمّ محاكمة ذلك الماضي الذي أضحى بعيدًا، يُسحب رغم أنفه إلى مستنقعات هذا الراهن ليُذكي ويغذِّي آلة التوحّش والانحطاط للمعارك العبثيّة التي لا تُبقي ولا تذر؛ إذ إنّ الجميع سيخرج منها – إن خرج – بخسائر وأحقاد جديدة تهيئ لقادمٍ ربما أكثر قتامة ووضاعة. ولأنّ العنفَ بكل تموضعاته وتمظهراته، ليس قابلة حتما، لميلاد تاريخ جديد مشرّف في مثل هذا السياق؛ بل مدعاةٌ لتناسُل دوائر العنف وتناسُل المجزرة على نحوٍ شاملٍ من التّصفية والاجتثاث. وحدهم تجّار الحروب والمخدّرات والنظم المافياوية التي تؤسس وتنمو وتتعاظم في مناخات الخراب وانحطاط القيم الروحية والمادية والقانونية، هم الرابحون الوحيدون من الجعجعة وهذا الحطام. في مثل هذه المناخات والأوضاع التي ينسدُّ أو يكاد، فيها الأفق والنور والأمل الذي طالما تغنى به أدباء وفلاسفة متشائمون أو متفائلون وفق هذه الثنائية التي لا يجافيها التبسيط؛ إما أن تدفع (الفرد) إلى شحذ الطاقة الإبداعية، طاقة العقل والخيال والسلوك المفارق الذي ينأى بنفسه عن سلوك القطعان البشرية الهائجة بأعلامها وإعلامها، وهو ما يمكن أن يُدعى (باليأس المضيء) أو الوقوع في السلبيّ المُظلم الذي تنشلّ في ضوء استبدادِه طاقة الإبداع والفعل خاصّة حين تكون في أوساطٍ قاتمة، تُعادي المعرفة والسؤال والبحث، مستكينة إلى المستتبّ البليد القاطع مما تقذفه حِمم وسائل التواصل والإعلام الجماهيري كل يوم، لحظة وثانية، طوفان زيف وأكاذيب وادعاءات، بحيث إن اختراق هذا الطوفان بقبس من معرفة وضوء، سيضيع لا بد في هيجانه الجارف… وحيث تنأى أزمنة الطفولة وأماكنها وتغرق في الجفاف والنسيان، كما ينأى الأصدقاء الذين تغيّبهم الأوبئة والمسافات والكمد إلى براري الأبديّة.
في معرض الكتاب بمسقط المعرض كان مناسبة معرفيّة بشمولها واتساعها بهكذا سياق أو تؤسس لهما. ومناسبة للقاء بعض الأصدقاء الذين وفدوا من أكثر من بلد وقارة لم نرهم منذ زمن بعيد. ولضيق المدّة بجانب انشغالات أخرى، فاتني لقاء الكثير منهم؛ لكن القليل الذي أُتيحت فرصة اللقاء به كان دالًا وعميقًا: الهواري الغزالي الذي جاء إلينا من فرنسا مقرّ إقامته وعمله الجامعي، صَحِبته في جولة بمسقط أولًا، وفي اليوم الثاني اقترح أن نذهب إلى عُمان الداخل الذي قرأ عن فرادة طبيعتها بأبعادها الجيولوجيّة والروحيّة، وكانت المنطقة الأقرب هي ولاية (سمائل)، وذهبنا إلى بلدة (سرور)، نزلنا في منطقة (تبينيات) على حافة الوادي حيث يقع منزل الوالد والوالدة -رحمهما الله- والعائلة بأفرادها الكثر الذين تفرّق بهم الشمل في العاصمة وغيرها، وأصبحت الديارُ خاليةً إلا في مناسبات متفرّقة، وذكرى أثيرة على القلوب لأولئك الذين رحلوا، تاركين المعالم والآثار هِبةً للذاكرة والروح العطشى.. وجدت هناك ابن أخي الأصغر إبراهيم بن يعقوب الذي اصطحبنا في جولةٍ وسط أرخبيل النخيل المستطيل نحو (علوى) وفق الدارجة العُمانية الذي لم أذهب باتجاهه منذ زمن بعيد. حيث كانت جولاتي المتفرقة ناحية (حدرى) حتى أصل إلى أقصى القرية من هذه الجهة التي يحدّها الوادي بأشجار الحلفاء والبردي والجبال. أسلمتنا النزهة العلوية هذه المرة إلى مدرسة المعلم سعود الرمضاني، معلمنا في الطفولات السحيقة الآفلة. وكان الهواري يتطلع إلى صفوف النخيل والأفلاج والسهوب بحيواتها السّاطعةِ الصّادحةِ في ضوء ظهيرةٍ ما زالت أنسامُها لطيفة وحنونة، وتلك اللامرئية في الأفلاج وضواحي النخيل والأشجار الأخرى، وإلى المساجد الصغيرة الحجم، الكبيرة المعنى والدلالة بمعمارها المتوارث عبر السلف والخلف. مساجد زاهية متقشّفة لكنها مفْعَمة بالنور والروح المشعّ لأولئك الراحلين الذين بنوها بسواعدهم الصلبة، ورووها بصدق إيمانٍ وإخلاص فضيلةٍ لحقيقة غيبيّة مُتعالية ومُطلقة. المدرسة التي أتذكّرها وبجوارها المسجد، كانت من غير جدران إسمنتيّة ولا طينيّة بين النخيل محدّدة بمعالم سعف النخيل، وقد تحوّلت إلى بناء إسمنتي. لا أعرف إن كانت هكذا بقيت كمعلم للذكرى في البلدة العتيدة أم أن التلاميذ مازالوا يرتادونها في أوقات معيّنة خارج المدارس الرسميّة الحديثة. كان الهواري يحدّق ويسأل ابن أخي إبراهيم، عن تفاصيل وأشياء مبعثرة تُثير غرابته وفضوله المعرفيّ الجماليّ، ويصور مشاهد ولقطات؛ حتى إنه توقّف أمام الأفلاج الثلاثة بأسمائها: (بوجدي) و(الأوسط) و(الحيلي). والأخير أكبر الأفلاج غزارة وتدفّقًا خاصّة في أيام الخصب والمطر. ثم توقّف أمام ساقيةٍ صغيرةٍ مُتفرّعة من الفلج الرئيسِ بمياهها الضحلة تقريبًا، ولاحظَ أسرابًا من سمكٍ صغير بالغ الصِّغر يسبح وكأنما في مملكةٍ مائيّةٍ فسيحة. حدّق فيه طويلًا وكأنّما يرى ما لا يراه الآخرون، يرى السرّ الخبيء وراء هذه الكائنات الميكروسكوبية السّارحة في برية الغموض والغيب. حين استفاق من غيابه التأمّلي، قلت له إنّ بعض هذه الأسماك كنّا نسميه (الصد) و(العنكر)، وكان هناك صنفٌ آخر أتذكره عبر هذه الحشود من الأزمنة والنأي يُسمّى (الصالحو) و(الفختل) يبدو أنه انقرض، أو أنه ما زال يأتي بأزمنة النعمة والخصب. ثمّ تصاعد تدريجيًّا صداحُ طيورٍ مختبئة بين الأكمات بألحانٍ سماويِّة عذبة، حين سألني ما اسم هذا الطائر، قلت له (الصّفرد) وهو نوعٌ من طيور الدرّاج يسرح من غير أن يُرى إلا نادرًا بين الجبال الدّكناء والسُّفوح ولونه يُشبه تلك الطّبيعة الصخريّة وكأنّما وُلد من رحمها وغموضها الشفيف. أما الصديقان عبده وازن ولوركا سبيتي الآتيان من لبنان الجريح، فلم تُتح الفرصة إلا لجولة قصيرة في مسقط العاصمة، نستبقُ الغروب من فندق كراون بلازا باتجاه بحر (مطرح) القديمة بأسواقها التقليدية ونوارسها المحلّقةِ فوق البواخر والقوارب وما تبقّى من تلك السفن التي صنعها العمانيُّون في الماضي ، لتشقّ بهم مدلهمَّ البحار والمحيطات، باتجاه أفريقيا والهند وفارس. لاحظ عبده وازن الذي يزور عُمان لأول مرّةٍ فرادة العمران وسط الجبال الممتدة حتى أعماق البحر، حين أشار إلى نتوء جبليٍّ، هذا يشبه (صخرة الروشة) في بيروت. وكنت في كتابة سابقة وأنا أتحدث عن لبنان أتيت على صخرة الروشة، وقد تخيّلتها آنذاك جزءًا من جبلٍ بجهة من الجهات البحريّة في عُمان، ترحّل من مكانهِ الراسخ في رحلة سندبادية بعرض البحار وطولها، حتى أسلمته المشيئة إلى البحر المتوسط ببيروت، واستقرّ هناك شاهدًا على أحوال المدينة المتحوّلة دومًا، المُحتشدة بالأحداث والخطوب، وشاهدًا على عشّاقٍ قضوا انتحارا من ذروة الصخرة إلى فسيح بحر الحضارات والإرادات المُتصارعة بجيوشها الذّاهبة والقادمة … قضوا من فرط الهُيام والعشق أو يأسًا واحتجاجًا، وربّما شغفًا بحُريّة لن ينالوها إلا بمعانقة المجهول والموت.. حدّق عبده وازن، وهو المتأمل العميق، صاحب الإنجاز الأدبيّ الشّاسع في الصخور والجبال المحيطة وتمتم بأسى جارح: (ما أطيب العيش لو أن الفتى حجرٌ، تنبو الحوادث عنه وهو ملموم). أما لوركا سبيتي الشاعرة والإعلامية فسألتني ونحن نقف على كورنيش مطرح وسط صفير السفن وأسراب النوارس، أنّها قرأت أنّ في سلطنة عُمان مدينة تُدعى (صور)، وهل تشبه صور اللبنانية؟ أجبتها، بِما أننا في عجالة حيث الليل المسقطي بدأ بزحفه على الجبال والكائنات: المُشترك الأعمق بين المدينتين هو البحر، المتوسّط في صور اللبنانية الذي انطلق منه الفينيقيّون باتجاه قرطاجنة وروما والعالم، وبحر العرب المتاخم للمحيط الهندي الذي انطلق في بهيمِ ليله المليء بالهوام والقراصنة. الأسلاف العمانيّون باتجاه الهند وأفريقيا على الأخص. وكانت المدينة العمانيّة أكبر مركزٍ في الجزيرة العربية لبناء السفن، ورشة صناعة وابتكار متقدّمة بمعايير زمنها. (دائمًا ما تتراءى لي مدينة صور العُمانيّة، تركض مع صور اللبنانيّة في غموض المحيطات والمطلق: امرأتان وُلدتا من مخيّلة بحارة وإعصار. كبرنا وشاخت المُدُن وما زالت الطفولة تتسلّق الأسوارَ والظلال). وسيكمل الليلُ الزاحفُ قصرَ هذه النّزهة مع عبده ولوركا لاحقًا، بالهذياناتِ والكلام والذكرياتِ حول الأماكن والوجوه الغائبةِ، وهذا الرّاهن العربيّ الذي يُفلت من بين الأصابع والأحلام موغلًا في النأي والخراب.
تحدث عيسى مخلوف بمداخلتهِ في المعرض إيّاه، عن المثلّث الأخطبوطيّ عبر مساره التّدميري، الذي يفترسُ الرّوح والعالم (المال، العولمة، التكنولوجيا) وتحوّلات الثقافة في الزّمن الرّاهن ضاربًا أمثلةً من مدينة الأنوار الثقافية والفكريّة كما درجت التّسمية في الثقافة العالمية، (باريس) التي يقيم فيها منذ نصف قرن شاعرًا وباحثًا يتنقّل بين الحواضرِ خاصة أوروبا والأمريكتين، وكيف أن كبار المليارديرية استولوا بالمال على أعرق المكتبات مثل (هاشيت) وأعرق المؤسسات الثقافية في فرنسا، وهو ما ينسحب على مراكز الحضارة والإنتاج الثقافي الرئيسة في العالم التي سبق لمفكّرين وفلاسفة منذ مطلع القرن العشرين وما قبله وصولًا إلى البرهة الرّاهنة التي اشتدّ فيها سُعار السوق في تبضيعِ وتشييء كلّ أوجه الإنتاج والصنائع التي أبدعها العقل الأوروبي والبشرية جمعاء، في أبعادها المادية والروحيّة، الفكريّة والأدبيّة والسلوكية، مرحلة (النيوليبرالية) الأكثر ضراوة وعنفًا كمحاولة مباشرة أو ضمنيّة لسحق إنسانيّة الإنسان، مشاعرِه وحقيقتِه الجوانيّة، لتحويلِهِ إلى سلعةٍ ضمن قطار (العولمة) المندفع إلى فضاء الهيمنة المُطلقة على كل مفاصل وتفاصيل الحياة والصيرورة والتاريخ. إذا كان هذا الخطر يحيط بتلك (المراكز)، وكل ثقافة مهما كان مصدرها الحضاري لها نواتها المركزية وتاريخيّتها مهما شطّت نزعة التمركز الأوروبي، فكيف ستكون مقاربة هذا الوضع لبلدان الأغلبيّة الواقعة تحت هيمنة مراكز الحضارة والإنتاج الصناعي والثقافي، حيث إن معظمها تسيطر عليه أنظمةٌ ترتاب وتمنع التعدديّة والرأي الآخر الذي يحاول قول الإصلاح والوعي المختلف لمقاومة تلك الأوبئة وإفرازاتها التي تقصفُ عُمر الكائن وروحَه منذ الطفولةِ وحتى استوائه كائنًا مشوهًا مُعاق الوعي والتفكير والسلوك، إلا القليل النّاجي من هذه المذبحة الجماعية النّاعمة. فهذه المجتمعات تستقبل وتستهلكُ ما ينتجه (الآخر) المهيمن الذي مهما كانت أعطاب تقدّمه وتسليعه غائرة عميقة حسب مفكريه، يظل محميًّا إلى حدٍّ كبير بالديموقراطية والمؤسسات المدنيّة والتعددية. وهذه ليست كلمات أو مصطلحات شكليّة هناك أو ترفًا مجتمعيًا ونخبويًا ثرثارًا كما يذهب البعض؛ بل هي في صميم المسار الحضاري ودورته الدمويّة التي تتجدد كلما بدت عليها علامات الوهن والتّداعي والاختناق، وهي كثيرة، حيث إنها محميةٌ (تلك الدعائم والتحصينات) عبر العقد الاجتماعي والدستوري والقانون، وحين يجري اعتداء على أركانها سيبدأ الانهيار الحتميّ. يكفي أن نلقي نظرة سريعة في الشاشة أمامنا الآن على فرنسا وإنجلترا مثالًا لا حصرًا ، والحراك الاجتماعي والجماهيري العارم الذي يشل مجمل الحياة تقريبًا ويعطّل آلة الإنتاج والصناعة من أجل عدم المساس من قبل رأسمالي (نيوليبرالية) للحقوق الاجتماعية والاقتصادية المكتسبة عبر تاريخ طويل، ومن أجل تحسين شروط الحياة ومستقبل الأجيال. وكونُ ذلك الإنتاج التكنولوجي يأتي في سياقِ مجتمعيٍّ فيه شيءٌ من السويّة والانضباط الذي تمليه التنشئةُ والمدرسةُ والجامعة وسائر أركان الاجتماع أفرادًا فاعلين ومؤسسات تحاول تصحيح خلل التطوّر المسعور والتقدم على حساب الإنسان وجوهر وجودهِ وحياتهِ. كلُّ شروط هذا المناخ الاجتماعي، تنعدم بشكل شبه كلي ما عدا الشّكليات والشعارات الخطابيّة الزاعقة، في مجتمعات الاستهلاك والاستقبال بمعناه السلبيّ الناسخ والمقلد بشكل قرديٍّ أو ببغاويٍّ في ألطف أحواله. على هذا النحو المظلم كما يرى الراؤون (المتشائمون) لن يكون في تلك (الأرض اليباب) التي دمّرت بعضها الحروب الأهلية وغير الأهلية ودمرها الاستعباد سلفًا، لن يكون إلا كائنات منفيّة أو مشوّهة تمضي في مركبٍ واحدٍ من الشّعارات البرّاقة والدعاوى التبشيريّة لفردوس المستقبل الدنيوي والأخروي المشرق أيَّما إشراقٍ ورفاه.
في سردٍ لتجربةِ سنان أنطون عبر حوارٍ مع الروائية هدى حمد، ما يثير الانتباه والذهول، كأستاذ في إحدى الجامعات الأمريكية ومترجم وروائي، حيث إنه أثار نقاطًا كنا نظنّ عكسها أو على الأقل ليست بهذه الحِدّة. سنان الذي التقيته منذ أكثر من عقدين من الزمن ربما أول مرة، وكان ذلك بمطعم في منطقة (جاردن سيتي) في القاهرة، بمعيّة شعراء أبرزهم محمود درويش الذي مرّ على اسمه في مداخلته الماثلة. وكان اللقاء بدعوة عشاء من الأكاديمية العراقية في الجامعة الأمريكية (فريال غزول) ببهائها المُشعّ، وكانت أيضا تُشرف على مجلة (ألف) العميقة دراسة وبحثًا. منذ ذلك العام كم حلّت بالعراق من النوازل الكارثية (لم يمضِ عام والعراق ليس فيه جوع) كما عبّر السياب، الجوع والغزو والإبادة. في جانب تجربة ترجمته للشعر العربي بأمريكا، العراقي خاصةً، ما أذهلني أنه لم يجد كتابًا واحدًا مترجمًا إلى اللغة الإنجليزية في أمريكا كلها من بدر شاكر السياب وحتى سركون بولص، العراقي العربي الأمريكي عبر معيشه الطويل واحتكاكه مع الثقافة الأمريكية بكل أطيافها وتجلّياتها الفنية خاصةً جيل (البيت) وموجة الشعر الأمريكي الجديد، الذي تعتبر تجربته (سركون) جزءا أقرب إلى هذا الجيل واستلهامه في عالم اللغة الإنجليزية منه إلى المعروفين والمؤثرّين أكثر على الصعيد العربي مثل (عزرا باوند) و(إليوت) ، حتى فاضل العزاوي والقائمة تطول. كنت وآخرون نعتقد أن هناك وفرة ترجماتٍ ودراساتٍ حول أولئك الرواد بأجيالهم وأنماطهم التعبيرية المختلفة. لكن ذلك الشعر كما بقية إنجازات الثقافة العربيّة في عصورها وأسمائها ورموزها تعاني هذا الإقصاء وهذا التهميش ولا تقع اللائمة على (الآخر) الذي يتعمّد الإقصاء والحذف حتى التآمر وفق نبرة الخطاب الجاهز. وكانت هذه مسألة مطروحة للسِجال والنقاش بداهةً، ليست بعيدة تمامًا عن الصحّة لكن تقع المسؤولية الأساس على النخب العربيةِ دولًا ومؤسسات بالدرجة الأولى، ومثقفين باحثين ومترجمين. يتبدّى منذ زمن أن ليس هناك من تخطيط منهجيٍّ مدروس ومُشتَغل عليه من قبل أي نظام عربيّ في هذا الاتجاه البالغ الحيوية والحساسية والخطورة، أي مخطط عربي قومي شاملٍ من الخليج إلى المحيط أو حتى قُطري على نحو من جديةٍ واستيعاب. ومثل هذا المنحى الوحدوي موجودٌ في مناحٍ أخرى، ليس الثقافة والمعرفة التي هي الهمّ الأخير في هذا الفضاء العربي الموّار بالعنف واللَغو وبإهدار المال العام في غير مكانه وزمانهِ الفاعلين حضاريًا، علميًّا وثقافيًّا، مثل ما عملت وتعمل دولٌ ونخبٌ في أمم أخرى والأمثلة باديةٌ للذاكرة والعيان. تبقى المحاولات الفردية المبدعة مثل مشروع (بروتا) الذي كانت تشرف عليه سلمى الخضراء الجيوسي، ومجلات وأفراد ودور نشرٍ هنا وهناك في مساعيهم النبيلة الطموحة في تلك القارة وبلدان وحواضر أخرى على مسافةِ العالم.
محمود عبدالغني القادم من المغرب (شاعرًا وأكاديميًّا) فتح في ورقته أفقًا معرفيًّا، أسئلةً وإشكالياتٍ تراكمتْ عبر القرونِ على تناقضِ الرؤى والسجالات بدوافع المعرفة ونقيضها. ونقيض المعرفة هنا هو التنميطُ المسبَق والرؤية التي تُعلّب الآخر وتقصيهِ إلى زوايا ضيّقة ومعزولة خارج الأفقِ الإنسانيّ الشامل للمعرفةِ وتاريخها وسياقها المعقّد. من تلك التنميطات اللامعرفيّة إقصاءُ العربيّ خارج (الأنا) الإبداعيّ، خارج الفردية والإحساس بالذات، كونه ليس إلا صدى باهتًا لصوت الجماعة والقبيلة. يذهب على سبيل المثال عبدالرحمن بدوي، مع آخرين عرب وغير عرب إلى هذا المنحى كون الجنس السّامي أو العربيّ خاصة إحساسه بذاته إحساس ضعيف!!! كلُّ شواهد التاريخ وبراهينه، بأسمائهِ ونصوصه وإنجازاته تقول عكس ذلك. مع تجاوزنا مؤقتًا للدخولِ في فضاء علم النفس خاصة لدى (يونج) وتحليله العميق للاشعور الجماعي والفردي. منذ بدايات كتابة (السيرة والتراجم) التي توسّعت وتعمّقتْ جيلًا بعد آخر، وحتّى الشعر؛ الذي هو المؤشر الأكبر على وعي الجماعات العربيّة وسياقات ثقافتها. هذا الشعر منذ ما سُمّي بالعصر (الجاهلي) كان إحساس الشاعر الفرد بذاتهِ تمايزًا وتجاربَ مريرةً أو سعيدةً وهي تغامرُ في ليل الوجودِ والصحراء والحروب، مما لا يتناقض على الأغلبِ مع الانتماء إلى الجماعة أو القبيلة وإنما ينسجم ويتناغم مع ذلك الانتماء. وهناك طائفة من الشعراء (الصعاليك مثلا) قطعت مع الجماعة وكانت لها سِمات فرادة جمالية وحياتية. هذه المسألة المتشعّبة التي لا بد أن تتوسّل استقصاءً واسعًا وعميقًا عبر عصور مختلفة لا تسعها عُجالاتٌ، لكن حسبها أن تفتح قوس الأسئلة المأزقيّة على الرؤية الجاهزة والتعليب السّهل الذي ما زال يمارس راهنًا تحت أقنعة حداثات زائفة. ويشير عبدالغني في سياق بحثه إلى مُنصفين من المستشرقين مثل (كارل بروكلمان) الذي يقول في هذا الصدد (كان العرب في الجاهلية يفخرون بذكر مآثر أسلافهم وأيامهم وأنسابهم وكان سمرهم يجري على رواية أيامهم. ولو كانت الكتابة منتشرة كأداة في ذلك العصر الجاهلي لوصلتنا سرود ذلك الإنسان عن ذاتهِ، والدليل على ذلك أن الشاعر الجاهلي يكثر الحديث عن نفسهِ حدّ الإطنابِ، وقد وصلنا الشعر دون النثر لأنّه أسهل للحفظ والتداول من النثر). هذه الانتباهة العميقة من قبل (بروكلمان) إلى ما كان عليه النثر من أهمية وازدهار متقاطع مع الشعرِ ولو ضعف تداوله بين الجماعات عبر الزمان لتلك الأسباب، وقد يفوق ذلك النثر الشعرَ إبداعًا وتوهّجًا في بعض الفترات. ما طرحه وأشار إليه الصديق محمود عبدالغني، الذي كنّا مطلع الأيام الخوالي أو مطلع الشباب نتسامر مع ثُلة من الأصدقاء الفريدين في ليل الرباط وأماكنه الحميمة، ما طرحهُ بحاجة إلى بحث ونقاشٍ تتوسّع رقعته ومداه إلى الكثير من تلك الأطروحات والمفاهيم إن صحّت العبارة، التي حُشر فيها التراث العربي والهوية العربيّة المستَهدفة راهنًا في صميم ذاكرتها ووجودها على جارِي عبارة لميلان كونديرا في إحدى رواياته.. إذا أردت أن تحطم شعبًا أو أُمّةً فلتبدأ بتدمير الذاكرة. وهذا ما هو قائمٌ على قدمٍ وساقٍ وعدّةٍ مدجّجة باللغة البرّاقة والرؤى المبطّنة بالكراهية والضغينة تحت ثوبٍ قشيبٍ ودعاوى تُغري بنقيضها. الأمثلة كثيرة لمن يُمعن النظر قليلًا في المشهد العربيّ الرّاهن في أبعاده وصُعُدِهِ كافة. في ضوء هذا لم يكن عبدالرحمن بدوي إلا مفكّرًا باحثًا يخطئ ويصيب كأي باحث كبير، أما من أشرتُ إليهم، وعن تصميم قصد وبنية من ميراث متراكم للكراهية واجتهادات التّدمير تحت أقنعة المعرفة والتاريخ والثقافة.
في ذكرى د.المقالح في هذه الفترة البالغة الحِلكة والفداحة من تاريخ اليمن والبالغة الانحدار بمعناه الحضاري الشامل على الصعيد العربي، يرحل الأستاذ الكبير عبدالعزيز المقالح المناضل الذي لا تلينُ عريكتُه ولا يتراجع حلمُه مهما شطت المسافة والصحراء، منذ مرحلة التحرّر الوطني وحتى التأسيس المعرفي والثقافي بكل تجلياته ومناحيه وعناصره اللازمة لأي نهضةٍ محلومٍ بها في دروبِ التّاريخ الوعرة والمتقلّبة. النهضة التي كانت حلم الدكتور وحلم النّخب والشعب اليمنيّ الذي بذل تضحياتٍ جسامٍ في سبيل الكرامة والحرية، في بناء الدولة الوطنيّة المستقلة الجامعة. سجون واعتقالات، اغتيالات وتصفيات، لكن اليمنيين ظلوا حاملين شعلة الحلم والحرية لأجيال متعاقبة. يرحل عنّا الضوء الكاشف والأب الشّاعر الأكاديميّ بمعرفته الشمولية التي سخرها جسدا وروحًا في سبيل اليمن ومحيطه العربي المنكوب. لا أستطيع أن أنسى تلك الجلسات التي جمعتنا في صنعاء بالأصدقاء من كل مكان في ضيافة الدكتور، وذلك الحضور الأبويّ المتواضع والمُتماهي مع الحضور الموجود، حتى الطلبة والتلاميذ، وليس ذلك الأبوي المُتعالي بحكم الموقع والمكانة التي يتبوؤها في كل الأصعدة. وإذا كنّا مع عائلته الكريمة والأصدقاء والشعب اليمني نتشارك هذا الأسى وهذا الانكسار الذي أصابنا برحيل الدكتور عبدالعزيز المقالح، وهو لم يرحل في واقع حال الثقافة والقيم النبيلة والحلم بتجاوز هذه المرحلة الوحشية المظلمة. إن إرثه وسلوكه المضيئين وما تركه من إنجازات تسترشد بها الأجيال الراهنة والقادمة، لهي عزاؤنا جميعا إزاء هذا الرحيل الفاجع. ناسكُ اليمن استقطب الثقافة العربية برموزها وأكاديمييها وثقافات العالم إلى اليمن، وأحال اليمنَ إلى مركز يفيضُ بالتفاعل الإبداعيّ والحيّوية والنشاط. واءم بين المحليّة والعربية والعالمية على نحوٍ من الانسجام الذي تُمليه رؤية فاحصةٌ متفانيةٌ عاشقة. أتذكّر في مركز الأبحاث اليمني حين نكون في زيارته بمقر المركز المطرّز بحدائق وأشجار باسقة، يتوافد إليه اليمنيّون من كل الفئات والمناطق والأرجاء، طلبًا للدعم والمساعدة حتى في الأمور التي لا تدخُل في مجال عمله واختصاصِه. يصحبنا معه جيئة وذهابًا في الحديقة يستمعُ ويسجّل مطالبهم وشكاواهم ولا يركن إلى طاولة مكتب وبيروقراطية عتيدة. فكان المثقف العضوي المشّاء حيث تنبثقُ الأفكار والرؤى وإمكانيات الحلول. رحم الله الراحل الكبير الذي سيظل حضوره معينَ حلمٍ وأملٍ لا ينضب مع تواتر الأيام والزمان.
شلة مجرمين شلّة من أعتى المجرمين، أنهكتهم التجارب المريرة والتقدّم في العمر، بداية انهيار الجسد، لجأوا إلى جزيرة نائية على ضفاف بحرٍ من بحار الشّرق الأقصى، يستمتعون بما تبقّى من زمنٍ ينفد بسرعة البرق، مُعاقرين أفخر الأنبذة ومصاحبين صبايا ذلك البلد الفقير. لكن أحيانًا في انخطاف النّشوة على إيقاع الموج والفراغ يبدأون بشنِّ غاراتٍ على أعشاش الطيور في جذوعِ وغدران الأشجار، ومطاردات وهميّة مع أسماك القرش الصاخبة في عرينها البحري. وعلى الشاطئ يشتبكون مع مجرمين يستحضرهم الخيال الجامحُ فيما يُشبه تحضير الأرواح في حفلاتِ الزار، ثم يجلسون متعَبين على الضفافِ، محدّقين في الأضواء الخلابة للمدينة القريبة. #سيف_الرحبى
| |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2023-08-03, 10:23 am | | حياةٌ معطّلةٌ وانتظارٌ ثقيلْ! يرفع واحدهم صوته الآن ...يلعن هذا الأفولْ ثم يركل حاسوبهُ فى اتجاهى ويشتد فى غيظهِ ويقولْ الحياةُ معطّلةٌ هاهنا والسماء تصبّ الجحيم علينا ولاشئ إلا التقاريرَ فى أزمة الكهرباء تجئُ لتعلنَ عن سفهٍ فى العقول!! ... أهجرهُ ساخرا ثمّ أجلس فى ركنى الخاصّ أشعل سيجارةً وأدندن أفتحُ نافذةً فى اتّجاه الحقولْ >>> (ثمة تناقضات تكتنف المشهد وارتباك واضحٌ في الخطاب الحكومي المقدّم إلينا بشأن ما نكابده من أزمة الكهرباء، ومن ذلك تصريحاتٌ متناقضة تماما لوزير الكهرباء محمد شاكر حيث يعلن الرجل أن مبعث الأزمة مشكلة في توفر كميات الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل محطّات الكهرباء، الأمر الذي يفرض تخفيف الأحمال بقطع التيار أوقاتا طويلة موزّعة على ساعات الليل والنهار، وهو كلام الشخص نفسه الذي قال للمصريين إن آلية تخفيف الآحمال ولّت إلى غير رجعة. كلام الوزير عن عدم توفر الغاز يبدو صادما لمن صدّقوا السلطة وهي تتحدّث عن أن إنتاج مصر من الغاز يجعلها قوة تصديرية هائلة، تنافس كبار منتجي الغاز ومصدّريه في العالم، وتتّسع الدهشة حين يعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نشرة دورية عن التجارة الخارجية تراجع تصدير الغاز المصري في الشهور الثلاثة الماضية، بنسب هائلة بلغت نحو 75% عما كان في شهر أبريل من العام الحالي)
يقول الظّلام ادّعاءْ ولست أبالى إذا قطعوا الكهرباءْ "فهذا جحيمٌ يُسمّى وطنْ تلظّى القضاء به واستشاط القدرْ" ... له الآن أن يستريح وأن يدّعى ملكه للفضاءْ... سيضطجع الآن فوق هلال القمرْ ! ويغمض عينيه... يُطلق ضوءَ البصيرة نحو السّماءْ هنالك حطّت نجوم السماء على راحتيه يغيّرُ أبراجها ويشكّل أقدارهُ كيف شاءْ | |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2023-09-07, 4:02 am | | فعل المقاومة باستمرار مرهق .. نحتاج كثيرا أن نشاهد السفينة وهي تغرق لكي نتخلص من كل مخاوفنا .. الاستسلام أحيانا قد يكون انتصار من نوع خاص .. انتصار على وجع البذل والمقاومة .. دعها تغرق .. أفلت يديك وأرح نفسك | |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2023-10-11, 10:07 pm | | له الآن أن يستريح وأن يدّعى ملكه للفضاءْ... سيضطجع الآن فوق هلال القمرْ ! ويغمض عينيه... يُطلق ضوءَ البصيرة نحو السّماءْ هنالك حطّت نجوم السماء على راحتيه يغيّرُ أبراجها ويشكّل أقدارهُ كيف شاءْ | |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2024-02-17, 9:17 pm | | امرأة من اخر الليل ، تبادلني الانحدارات والقبل ، تفتح ظهري بمشرط لسانها أمام شعب مراياها، تدس فيه العابها الحزينة ، كعبها العالي ، أقراط من عسل الإنطفاء ، وبقايا لحمها من علاقات سابقة . تقطر داخل عيني اسمها الذي يبرق كلما نسيته ، تسحب عينة من دمي لتحفظه في ثلاجة قلبها ، تستأذنني لحظات لتصلي صلاة الغائب على كل الذين لن يعودوا ، امرأة مزدحمة بالأنوثة وحوادث السير ، وحيدةٌ .. وحيدةٌ .. لاتوجد مسافات للتنهيد داخل وحدتها، تسافر عبر الزمن بساعة عاطلة حول معصمها المذبوح ، ككل الأنهار العظيمة تعرف كل طقوس القرابين المملة ، تشعر بضجر الشرفات العالية. فوق طاولتي شموع صَنعتها من زيوت النهود التي جفت خارج فمي ، فوق طاولتي عطور وعظام لنساء يختفين فجأة في أعياد ميلادي، فوق طاولتي تُقيم مأدبة لجوعها الذي لا ينتهي. تقول لي: أنا وريثة الفيصانات والزلازل.. أنا المسحورة بالفواجع ، جسدي الرماد الناعم وروحي جنازة أخطأت دربها فأرشدتها الفراشات للريح ، أنا المخفية عن كل الاتجاهات ، أنا آلهة مفارق الطرق. تقول لي أيضاً: ما أوحش يقظة الأزهار ،فهي ليست بالكامل لها، هناك جزء منه تمتلكه اليد التي ستقطفها.. لو تعرف قدر آخر امرأة ، مأساة آخر امرأة في حياتك.. | |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2024-02-18, 3:31 am | | | |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2024-02-20, 11:46 pm | | | |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2024-02-21, 6:21 pm | | مثل حُصيّات أسفل التنور أنشب ما تبقى منّي في اللظى أخلع رؤاي حديثَ"خرافةَ" في الغسق ( كان خرافة حفار قبور يرجم بالطبشور قبائل الجنّ جامحا يطلق لسانه نحو النار) أخلع ظلي الوثنيّ تأملاته الفلسفيّةَ اعترافاته الليليةَ أمام ناسك دميم أخلع كلّ المواقيت وموازينها المكان هنا هندسة تجريبيّة للسكون تهويم ملائكة بلا أجنحة الكرونومتر منبّه للنسيان... أرتّلني بما كان على حافة العجائبي الأخرس أرتّلني بما لم يكن من أسفار قديسين في الغار من تمتمة أشباح الهالوين أرتلني بما لن يكون فكان.. أتهجى السرّ المكنون في العدم أنا السرّ أتقرّى قدح الرّاح شعاعها البرونزيّ بوحها بما فاض بما لم يفض أنا البوح " أنا الحقّ". | |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2024-04-01, 10:46 pm | | بيدٍ مبتورةٍ أصافحُ العالم بعينٍ مفقوءةٍ أراه وبقدمين فقدتا القدرة على الحركة أسيرُ إليه أيُّها العالم، كُنْ واضحاً مثل عجزنا وطيباً مثل قلوبنا المكسورة. | |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2024-04-20, 1:54 am | | المالينخوليا، هي السَّعادة في أن تكونَ حزينًا فيكتور هيغو
ثمَّة من النَّاس من اختار انتهاج السُّوداويَّة رؤيةً للعالم ومقاربةً من مقارباته المتعدِّدة ومسلكًا جماليًا يعبُر تفاصيل الحياة وأفانينها، والمالينخولي في الأصل إنسانٌ يائسٌ من العالم ومن النَّاس، ليس يأسهُ يأسًا رومنسيًا ساذجًا أو حالة انفعاليَّة عابرة، بقدر ما هو كينونةٌ تُنحتُ وتُؤَصَّلُ طيلة مكوثه في العالم.
تعرَّض ابن سينا في كتابه القانون في الطبِّ إلى المالينخوليا باعتبارها حالةً مَرضيَّةً مُحدِّدًا أعراضها قائلًا:
علامة ابتداء المالينخوليا ظنٌّ رديء، وخوفٌ بلا سبب، وسرعةُ غضبٍ، وحبُّ التخلي واختلاجٌ، ودوارٌ ودوىٌّ وخصوصًا في المراق. فإذا استحكم، فالتفزغُ وسوءُ الظنِّ، والغمُّ، والوحشةُ، والكَرب، وهذيانُ كلام، وأصنافٌ من الخوف مما لا يكون أو يكون.
وإذا كان تعامل ابن سينا وسائر النفسانيين مع المالينخوليا تعاملًا طبيًا اكلينيكيًا فإنَّنا نُقاربها خارج الفضاء الصحِّي، لذلك نختلف معهم في الرُّؤية العامَّة للحالة السُّوداويَّة-التَّشاؤميَّة-المالينخوليَّة من حيث اتِّفاقنا في تشخيص الأعراض.
حسم المالينخولي أمره مع مفردات من نوع: قصد، غاية، هدف، معنى، مطلق… ولم يعد يهمُّه ماذا يقع في الضفَّة الأخرى من العالم، ولا ما وقع في غياهب الماقبل، ولا ما سيقع في سرمد الماوراء.
كيف للإنسان أن يحتمل مكوثه في هذا العالم، لولا تلك الأضرب من الوهم الجميل (الفنُّ، المُثل العليَا، شرائع الخلاص المزعوم…)، عدا ذلكَ فإنَّ الحقيقة لا تُؤدِّي إلا إلى ثلاثة طُرق: اللَّامبالاة المطلقة (وهي درجة عُليا من الحصافة) أو الجُنون (وهو عينُ الوعي بالعالم) أو الانتحار…
ينتمي المالينخولي إلى سجلِّ اللامبالاة المطلقة، حيث الانتماء إلى اللاانتماء، وليس ثمَّة ما يدفعه إلى الانتحار، لأنَّ الانتحار عادةً ما يكون نتيجة خيبةٍ متأخِّرة. يقول إيميل سيوران في شذرة خاطفة:
لا ينتحر إلا المتفائلون، المتفائلون الذين لم يعودوا قادرين على الاستمرار في التفاؤل. أما الآخرين فلماذا يكون لهم مبرر للموت وهم لا يملكون مبررًا للحياة.
المالينخولي كائنٌ سعيدٌ من شدَّة الحزنِ لأنَّ الحزنَ مصْلٌ مضادٌّ لنفسهِ، لا خشيةَ من شيءٍ إذنْ ولا أمل في شيءٍ، لا انتظارات ولا خيبات. يكفي الالتذاذ بما هو متاحٌ، لأنَّ اللِّذَّة مصدر كلِّ خير وفق المعلِّم “أبيقور”، والخيرُ كلُّ الخير في تجنُّب كلِّ ما يسبِّب الألم. تُعدُّ الإيتيقا الأبيقوريَّة وصفةً مثاليَّة لحياة المالينخولي السَّعيد: الالتذاذ في حدود المتاح، تجنُّب كلِّ ما يشكِّل مصدرًا للآلام، عدم الخشية من الموت ولا من القوَّة المفارقة، القدرة على تنسيب الألم والمصالحة معه.
يحاول المالينخولي الفكاك من كلِّ الارتباطات المحدَّدة بصفة قبليَّة، إذْ لا معنى للوطن فهو من قبيل المصادفة الجغرافيَّة، ولا معنى للعائلة لأنَّها مُؤسَّسةٌ على حتميَّات بيولوجيَّة، ولا معنى للعلاقات المبنيَّة على الانفعالات الطَّارئة والعرضيَّة. لذلك فإنَّه جازمٌ حازمٌ في مقاطعته لفكرة الزواج والتَّناسل؛ ففي زيادة النسل زيادةٌ في عدد الأشقياء. جاء في مصنَّف الدّراري في ذكر الذّراري لابن العديم الحلبي أنَّ فيلسوفًا سُئل: لم لا تطلب الولد؟ فقال: من محبَّتي للولد. وقيل لآخر: لو تزوَّجت فكان لك ولدٌ تُذكر به، فقال: والله ما رضيت الدنيا لنفسي فأرضاها لغيري.
لا يذهبنَّ في الظنِّ أنَّ المالينخولي السَّعيد داعية كراهيَّة أو صاحب نزعة تصفويَّة إباديَّة، فهو يفقد القدرة على الحبِّ والكره تدريجيًا خلال حياته القصيرة، لا شيء يستحقُّ الكره، كذلك بالنسبة إلى الحبِّ، كلُّ الموجودات سواسيَّة لأنَّها باطلةٌ بالأصالة وقبضٌ للرِّيح. الحياة عديمة الجدوى، وإذا وضعنا لها هدفًا على سبيل التجوُّز فإنَّه حتمًا سيكون الموت، لم يعد الموت مصدر خوف، بل هو صديق طيِّب للمالينخولي السَّعيد، وطيبته تكمن في حكمته المُعرِّيَّة للحياة.
يسخر المالينخولي من النَّوع الإنساني، بل ويشعر بالعار إذا تذكَّر انتماءه إلى هذا النَّوع، لذلك فهو محكومٌ في تمثِّله للعالم بـ”إرادة الفناء”، وتنزع هذه الإرادة إلى الإنهاء الوجودي للنوع الإنساني بعامة، حتَّى يعود النَّظام الطبيعي إلى مجراه، فالإنسان كائنٌ ناشزٌ، وقد تسبَّبَ نشوزه في إفساد العالم رغم التقدُّم الحضاري الظاهر. يقول جان جاك روسو في مقالته الرَّائدة في العلوم والفنون:
… وأنفسنا ازدادت فسادًا بقدر ما ازدادت علومنا وفنوننا كمالاً. أن يقول بعضهم إنَّها نكبة خاصَّة بعصرنا؟ كلَّا، يا سادتي، فالشُّرور الناجمة عن فضولنا الباطل إنَّما هي قديمة قدم العالم…
هل في نفس المالينخولي السَّعيد رغبةٌ في إصلاح ما قد فسدَ؟ كلا، إنَّ الضَّررَ هائلٌ وجبره صار محجوبًا عن الأفق. المالينخولي عدمي في المستوى الإيتيقي العام وفي مستوى السِّياسة. كلُّ تدبير للشَّأن العام هو تدبيرٌ للألم، وكلُّ سلطة تبدع مسخها الفرانكشتايني من حيث تدري ومن حيث لا تدري، فالأنظمة المجرمة كما يقول ميلان كونديرا:
لم ينشئها أناس مجرمون، وإنَّما أناس متحمِّسون ومقتنعون بأنَّهم وجدوا الطريق الوحيد الذي يُؤدِّي إلى الجنَّة.
قد يبدو المالينخولي السَّعيد متناقضًا في كثير من مزاعمه، فهو سعيدٌ من حيث حزنه، وموجودٌ من حيث إرادته للفناء، وعلاقاته الإنسانيَّة والعائليَّة طيِّبةٌ من حيث عدم إيمانه بأيِّ ضرب من الارتباطات! لكن التناقض الظَّاهر بالنسبة إليه ليس “نقصًا، أو خطأ، أو ضعفًا. إنه حركة حياة وكينونة. ورؤية عقلية متجددة” على عبارة عبد الله القصيمي، إنَّه حالة من القلق الدَّائم والارتياب اللَّامتناهي.
في ختام هذا المانيفستو، يريد المالينخولي السَّعيد بيان أنَّ لامبالاته غير ناجمة عن طيش أو فراغ وإنما هي حصافةٌ ورؤية للعالم واكتناه مباشر للألم الإنساني، فلا عزاء لهذا الألم إلا في فكرة فناء الإنسان ذاته باعتباره كائنًا مسيئًا إلى نفسه فضلاً عن إساءته إلى بقيَّة الموجودات.
صدق محمود درويش – وهو أحد الكائنات المالينخوليَّة السَّعيدة – إذ قال في سطرٍ شعري جميل جليل:
في اللَّامبالاة فلسفةٌ، إنَّها صفة من صفات الأمل. | |
| |
| |
® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2024-10-12, 12:13 am | | كم لا يحصى من الفراغ والثرثرة والمراء والتفاهة والصراعات من أجل اللاشيء .. صار غما يلاحق أيامنا كالطاعون وفوق قدرة أي كائن حي سوي على الاحتمال .. كيف للمرء أن ينجو بالحد الأدنى من سلامه النفسي من كل هذا الخلط واللغط والسفه .. دوامة من الانسحاق في كل شيء..وفر رأيك وصرير حنجرتك فلا أحد يسمعك ولا شيء يتغير .. حتى العبث بأرواح الأبرياء مستمر ولا شيء يتوقف .. الطريق كله غير ممهد كي يكون الإنسان إنسانا . | |
| |
| |
| تحبل الأرض بالضائع الآن لايتوقّف فيها النسيج عن الرّوغان | |
|