اختلال
بين الحينِ والآخر تُعلِن وسائلُ الإعلام عن مُختَلٍّ قامَ بفعلٍ جذب الأنظار، وأدهش الناسَ أو أفزعهم. جرت العادةُ بأن يُساء استخدامُ الكلمة ويُعاد توجيهُها؛ بما يجعل الوصمَة التي تطال مَن خَفَّت ركائزُ عقولِهم لعلَّة من العِلل، تنال في الوقت ذاته مِن عاقلين؛ حادوا عن مَسارات المُجتمع الجامدة، واخترقوا المَحظور. يُصدِر الناسُ أحكامًا مُسبَقة بشأن المَوصومين؛ لا يهتمون بمعرفة الأسباب، ولا ينتظرون اتضاحَ التفاصيل، واستبيان ما خفيَ مِن دواعي الاختلال. مَررت بكثير "المُختلِّين" مِمَن يتمتعون بنظرةٍ ثاقبةٍ مُتزنة ورأيٍ سديد؛ لم تكُن رجاحةُ العقل لشديد الأسف عونًا لهم على احتمالِ سوءِ العَيش، ولا كانت البصيرةُ حمايةً مِن عتمَة المصير.
***
ثمَّة أشخاصٌ يأبون الاندماجَ في أجواءٍ تَزكُم بعطنِها الأنوفَ، يحاولون تطهيرها مِن الغثاءِ فينتفض مُريدوه، ومع كُل واقعة كاشفة؛ تفضح بُؤسَ الصورة، يظهر اختلالُ العقل كدافعٍ لا يجوز رَدَّه؛ فيغدو إجابةً لسؤالِ المُشاهدين، وأداةً لإرضاءِ المُرتابين وإطفاءِ شكوكهم. الأفعالُ المُربكة لا حدَّ لها ولا دليل لمنعها، والعقلُ المُختلُّ مُبرِّرٌ كافٍ عند أغلب الناس؛ يُخفِّف مِن دهشتهم إزاء أية واقِعة، ويُسوغ ما جرى وما قد يجري مُستقبلًا، بل ويضعه في إطار القدر المَحتوم.
***
اختلالُ الشيء في مَعاجم الُّلغة العربية يُشير إلى عُطبٍ شابه، بينما المُفردةُ في قديم القواميس تعني اتخاذَ الخَلَّ مِن عصير العنب والتمر. خَلَلُ الفعلِ هو فساده وقِلَّة إحكامه، والأمرُ المُختَلُّ هو الأمر الواهن، أما مَوطِن الخَلَل؛ فهو مَحلُّ الاضطراب والضَعف. إذا وُصِف الثوبُ بأنه خَلٌّ؛ فالمعنى أنه بالٍ مُهلهَل، وإذا قيل عن شخص إن جسدَه مُختلٌ؛ فالقصد أنه نحيفٌ هَزيل. أخلَّ بالشيء أي أجحفه حقَّه ولم يستوفِه، وأخلَّ بمركزِه أي غاب عنه وتركَه، وقديمًا كان يُقال إن الوالي ”أخَلَّ بالثغور“؛ إذا خَفضَ عددَ الجُند بها وعرَّضها لبطشِ الأعداء.
***
بعضُ المرات يكُون الاختلالُ حِسيًا ملموسًا، وفي مراتٍ أخرى يكون معنويًا؛ لا يشعر به أحدٌ، ولا يراه رؤيَ العين سوى مَن يُعانيه. تختلُّ عضلةُ القلب ويضطرب عملها، تمامًا مثلما تختلُّ المشاعرُ وتختلط على أصحابها؛ كلاهما مُوجع في ذاته مُخيف، والحال أنهما قد لا ينفصلان؛ إذ يغذي أحدهما الآخرَ ويُفاقمه. يقول الشاعر العباسيّ القديم: لا يهُن عندك اختلالٌ بجسمي .. فقوامُ الأرواحِ بالأجسامِ. كذلك يصلح مَعنى البيت إن انعكست الأدوار ويستقيم؛ فالصِلةُ القائمةُ بين الجَسد والروح، لا تقتصر على اتجاه واحد.
***
حديثُ البيئة والطَّقس وما اعتراهما مِن تغيُّر مَلحوظ، وتبدُّل، فاختلال عميق؛ يحتلُّ موقعًا رئيسًا مِن وسائل الإعلام الأجنبية، بينما يظهر على استحياءٍ في المنطقة العربية، ويكاد يغيب عن كثير الساحات. أشاهد يوميًا في الذهاب والإياب؛ اقتلاعَ الأشجار وغرسَ الخرسانات، ودكَّ الحدائق لصالح جسور وشوارع إسفلتية؛ لا تخلو ضفافُها مِن أكوام النفايات. يتباكى المَسئولون صباحًا على احتضار الأخضر، ويضربون معاولهم مساءً لدفنِ ما تبقى منه.
***
إذا طاردت النعامةُ أسدًا؛ كان صنيعها علامةٍ على اختلالِ المَوازين، كذلك إذا صعد مَن لا يستحقُّ الدَرَجَ، وتربَّع على عَرشٍ من العروش، وهانَ مَن يفوقونه قيمةً ومَكانة. المَوازين التي يُصيبها الخلل هاهنا؛ تعطُّل عدالة التقييم وتقلب الأحوال رأسًا على عَقب، فلا يعود المرءُ على ثقة مِن أمره أو من أمر غيره.
***
يسير لاعبُ الأكروبات على حبلٍ رفيع، يُمسك بمُنتصف العصا المُمتدة تحاشيًا للسقوط، فإذا اختلَّ توازنُها بين يديه، ولم يكُن في مُتناوله بديل؛ سقط مِن علٍ. بعضُ الأشخاص يتراقصون على الحبالِ؛ لا عصا في حوزتِهم ولا هم يهتمون بحفظ توازنِهم، قد يواصلون لعبتَهم ردحًا مِن الزمان؛ لكن خسارتَها قاضيةٌ وأكيدة.
***
الاختلالُ حَدَثٌ ذاتيّ، أما الإِخلالُ ففعلٌ إراديّ؛ فإذا أخلَّ الفردُ بنظامٍ ما، عُوقب مِن قِبل واضعيه. بات الإخلالُ بالأمنِ العام تهُمة جاهزةً مَصكوكة؛ لا يدري أحدٌ كنهَها ولا يُدرك سبيلَ اتقائِها. الأمنُ حال مَرغوبة ولا شكّ؛ لكن مُتعلقاتها غائمة، وضوابطَها قابلةٌ للتمدُّد والثني والتطويع؛ ما قد يراه واحدٌ إخلالًا بمُقتضيات الأمن الواجبة، يجده الآخر حقًا طبيعيًا مشروعًا.
***
يقول المثلُ الشعبيّ: "خُدْ مِنِ التَّل يِخْتَل"، والمعنى أن التبذيرَ وسفه الإنفاق قادران على تَبديد الثرواتِ مَهما تضاعفت وبَلغ حجمُها، والحقُّ أن التلَّ القائمَ في الجوار قد أصابه الاختلالُ مِن كثرة ما فقد، وصار مشرفًا على الاختفاء؛ فما يُؤخذ منه لا يُرد، وما يُنتقص لا يتم تعويضُه.
***
إذا اختلَّ المَقودُ في يدِّ مَن يُمسِك به، اعوَجَّ المسارُ وبات الاصطدامُ وشيكًا، وإذا اختلَّت الرؤيا وغامَت، وتَضَبَّب الإدراكُ، وأفسد القدرةَ على استجلاء الآتي؛ توجَّب البحثُ عن بدائل.
خِزي
إذا ارتكب واحدٌ فعلًا قبيحًا، قِيل له "يخزيك"؛ دعاءٌ مُباشر بأن يتعرَّضَ للفَضح وأن ينكشِفَ أمام الناس؛ فيصبح في مَوقًف مُخجِل مُهين، لا يتمناه أحد.
***
الخِزْيُ في معاجم اللغة العربية هو الهَوان، وخَزِيَ المرءُ بمعنى هان، أو وقع في بَليَّة وشَرٍّ أورداه مَورِد الإذلال. أَخْزَيْته أَي فَضَحته، والخِزْيُ بمنزلة الفَضيحة، ويُقال خَزِيَ الرجلُ إِذا افْتَضَح أمره وتَحيَّر، ويشير الخِزي أيضًا إلى الندامةِ والأسفِ على ما وقع، بينما تأتي الخَزايةً مِن الاستحياء؛ فإذا خَزيت فلانًا فقد اسْتَحييت منه.
***
بعضُ المَرات تقسو الظروفُ وتُجبِر الناسَ على قبول ما لا يريدون، وتجعلهم في حالٍ مِن الخَجَل والضِّيق؛ لا يستطيعون منها فكاكًا. رأيت مَن يؤدي عملًا لا يُلائم وضعَه الذي يستحقُّ، ولا يتناسب مع ما أتقنَ مِن مَهارات، ولا يليق بتعريفِه في بطاقةِ الهُوية وتَوصِيفه، وما يُفترَض أن يضطلعَ به مِن مَهام وأدوار؛ لا لخيبة ذاتية أو فشل حقَّقَه بيديه، بل لأن ثمَّة مَن يَفرض عليه هذا العملَ وما دونه. الخزيُ يُكلِّل النظراتِ، والذُلُّ في لُغةِ الجَسد المُستكينِ واضحٌ لكُل ذي عينين.
***
كثيرًا ما تساءَلت، ترى أي مَهانة تنال باحثٌ أو خريجٌ جامعيّ؛ يجلس القرفصاءَ أمام أقفاص الخضروات مُنتظرًا المتسوقين؟ أي خزي ينال مِن نفسه ويقوض عزمه؟ يُقال إن كُلَّ عملٍ شريف وسامٌ على الصدر، لكنها قَولة حقّ يُراد بها باطل ولا شكّ، فمِن الناس مَن بذل جهدًا عظيمًا للوصول إلي مَرتبةٍ بعينها، ومَن صبر في سبيلِها صبرًا طويلًا، وتجرَّع الحلقمَ كي يَجدَ في نهاية المَشقَّة ما يُرطِّب الريقَ؛ لكن انعدام الرؤية عند المسئولين يُزيِّن القبيحَ مِن الأفكار ويُثمِّن فاسدَها، ويهدر سنواتِ العمر.
***
يقول ميخائيل نعيمة: أخي! من نحن؟ لا وطن ولا أهل ولا جار إذا نمنا، فإذا قمنا؛ رِدانا الخزي والعارُ. يصير الهوان بعض الأحيان ملازمًا للمرء لا يتخلى عنه، مثله مثل ردائه، يلبسه في صحوه ويتحرك به ويمارس حياته في وجوده؛ وكأنه صار جزء أصيلا منه. الكلمات شارحة نفسها، موفية حقها، والحال تستدعيها وتصور أحرفها بلا نقصان، بل وتزيد عليها ألمًا فوق الألم وذلًا بلا نهاية.
***
تحمل مُفردة الخِزي ما تقارب مِن المَعاني وامتزج؛ فالمَهانة والذُل والفَضح والنَدامة، تندرج جميعُها في إطار واحد، تُسلِّم كُل مِنها لرفيقتها وتؤدي إليها؛ سواءً عن طريقٍ مُباشرة أو فرعية. كثيرةٌ هي الأفعالُ المُخزية التي تضُمُّ بين جنباتها المَعاني السابقة كافة؛ فخطاباتٌ مُلونة بالكذِب، واستهتار بحيواتِ البَشر، وإراقةٌ لكل جَميل، ثم إسرافٌ في غير مَحلِّه واستهتار؛ أرضٌ تُهدر ومَوارد لا تُصان، وبؤسٌ مَصنوع بجدارة. كثيرون هم مَن حَفظَ التاريخُ أسماءَهم وأعمالَهم؛ تلازمُها صفةُ الخِزي ويلاحقُها العار. ثمَّة مَن ينهض بالغارق، ومَن يُغرِق الطافيَ ويصنع ما يُخزيه في صحوه فيُرافقه لما بعد المَمَات.
***
رغم هذا؛ لا يَصِف الخِزيُ حالًا سلبيةً على الدوام، فأحيانًا ما تُستَخدَم الكلمةُ في أغراضِ المديح، وقديمًا كان الناسُ يتحادثون عن أشعر مَن فيهم قائلين: أخزاه اللهُ، أي أهانه. القولُ هنا إشارةُ استحسانٍ لقوةِ البيان؛ فما أتى به الشاعرُ المُتمكِّن يستحقُ كَيلَ الثناء وينتزع آيات التبجيل، ويَتَطلَّب وقايته من الحسد، وفي السياقِ ذاتِه؛ كانت القصائدُ المُتفرِّدة في مَتانة أسلوبها وقوتها، تُوصَف بأنها مُخزِية؛ دلالة على مكانة مُنشِدِها.
***
"يَخزي العَين" بمعنى يدرأ شرَّها ويُحبِط الحَسَدَ النابعَ منها ويَمنعه. التعبيرُ مُستخدَم بكثرة في الثقافة الشعبيَّة، وهناك مَن لا يزال يرفع كَفَّه في حَضرةِ آخرين؛ بمُواجهتِهم أو مِن وراءِ ظُهورهم؛ درءًا لنظراتٍ مُؤذية تحملُ السُّوء. هناك أيضًا مَن يلجأ لادعاء المَرَض كي يَخزي الأعيُنَ عنه بعد تحقيق نجاحٍ مَشهود، وهناك مَن يُؤمن بالرقية مِن شرورِ الحاسدين وصنائعهم، ومَن يُخوزق عينيّ عروس مِن الورق بالإبر ليخزيَ الأعداءَ ويُحبِط المكائدَ التي يحوكون. في هذا الإطار؛ قد تمنع الأمُ أبناءَها عن التباهي بما أنجزوا، وتَصِفهم بما ليس حقيقيًا فيهم، وتحكي عنهم ما يجافي أمرَهم بل ويُناقضه. تلجأ عن قَصدٍ وتدبير إلى رَسمِ صورةٍ أقلَّ بهاءً ونجاحًا؛ مُتيقِّنة مِن أنها تحميهم وتخزي الأعيُنَ المُتحفِّزة تجاههم، وتقيهم أثرَها.
***
مصدر الخِزي في العادة مَوقِفٌ وعِر عَصيب؛ والجَهرُ به وإعلانه بين الناس يضاعفان وقعَه. تتواتر في الصُحف أخبارٌ عن انتحار أشخاص مِن مَراحل سنِّية مُتباينة. القاسمُ المُشترك بين كثيرهم إحساسٌ هائلٌ بالخِزي والهوان؛ مَنبعه الاحتياج وعدم القُدرة على توفير مَعيشة مَقبولة؛ خاصة في وجود عائلةٍ ومَسئوليات. تتفاقم الحالُ وتتعاظم كُلما فكَّر واحدٌ مِن هؤلاء بحجم الإهانةِ التي يتلقاها يوميًا ويعجز عن تجنُّبِها أو ردِّها. إهانةٌ تدفع الإنسانَ إلى إنهاءِ وجوده؛ فغيابٌ تام خير مِن خِزيان دائم.
***
يقول أبو تمام: رأيت الحُرَّ يجتنب المخازي.. ويحميه عن الغدر الوفاءُ. الحُرُّ عند أبي تمام قادر على الاختيار، واختياراته تنحو إلى ما يصون الكرامة ويعززها، لا إلى ما يستجلب الخزي والهوان. ثمة استثناء من هذه القاعدة؛ فبعض من يتمتعون بالحرية ظاهرًا، يتخيرون بإرادتهم ما فيه إراقة للكرامة وهدر للكبرياء، لا تغريهم حريتهم بمحاولة استعمالها واختبارها، إنما بجعلها أداة زينة تلوكها الأفواه وتعجز عن تجسيدها الأفعال.
وَهَج
في بعض الوجوه وَهجٌ ينبُع من روح لم تُفقِدها السنواتُ نضارتَها، وفي وجوه أخرى أفول وخواء. ثمة نظرات متوهجة يحمل أصحابها أملًا لا يتهاوى، وأخرى تنعدم فيها كل رغبة، وتكاد تشي بفقدان علامات الحياة.
***
الوَهجُ كلمةٌ قليلة الاستخدام، ربما كان حظها في الكتابة أعلى مِن حظها في استخدامنا اليومي لمختلف المفردات، بل وربما كان حظها في النصوص الأدبية على وجه التحديد؛ أوفر منه في كتابات الصحافة وعناوين الأخبار ومتون الدراسات والأبحاث؛ لا يشفع لها أنها كلمة قليلة الأحرف، سلسة، مُعبّرة وغنيّة.
***
كثيرةٌ هي الأشياء التي لها وَهج؛ المعادِن النفيسة، الأحجار واللآلئ، قطع الأثاثِ القديمة، اسطوانات المُوسيقى، الأمكِنة العتيقة التي لا تزال تحمل رحيقَ الماضي وبصماتِ مَن عاشوا فيها. الحياةُ نفسُها لها وَهجٌ مهما قَسَت ودالت، لا ينفكُّ العابرون ينجذبون إليها؛ رغم ما تحمل إليهم كُلّ لحظة مِن أوجاع ومُعاناة، وفي هذا يقول أبو القاسم الشابي: سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك، عازفاً.. قيثارتي، مُترنِّما بغنائي.. أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ.. في ظُلمة الآلامِ والأدواءِ، والحال أن العِلَلَ والخطوبَ في أوجِها، لا تمحو الوهجَ الأصيلَ، ولا تطمس أثرَه في النفوس.
***
الوَهَجُ في معاجم اللغة العربية هو حرارة الشمس التي تُستَشعَر مِن بُعد. توهَّجَت المَعركةُ أي استعر لهيبُها؛ إذا اتَّقدت النار قيل إنها قد توهَّجت، وبالمثل يُحكى عن وَهجَان الجَمر واضطرامه، أما الليلة الوَهِجة فهي شديدةُ الحرّ. توهَّجت النجوم أي اشتد بريقها وظهرت جليًا للناظرين، وتوهَّج الجوهر أي تلألأ ولمع، أما وَهَجُ الطِّيب؛ فانتشارُ رائحته وسريانها في الأجواء، وكذلك وَهجُ البحر.
***
تتوَهَّج أعيُن القطط ليلًا؛ ويُقال إن توهُّجَها العنيف فيه حمايةٌ لها مِن المَخاطر المُحيقة، قد لا يلمح السائرون أجسادَها لكنهم قطعًا يرون البريق. على جانبيِّ بعض الطُرق؛ تنغرس عينُ قطٍّ مَعدنية في صفّ ممتد، تبرق هي الأخرى لتنبِّه الغافلين إلى المَسار، وترسم الحدودَ التي لا ينبغي تجاوزها بدقَّةٍ وصرامة.
***
يقول عنترةُ بن شدَّاد في عِشقِه عبلة: أشاقكَ مِنْ عَبلَ الخَيالُ المُبَهَّجُ… فقلبكَ فيه لاعجٌ يتوهجُ… فقَدْتَ التي بانَتْ فبتَّ مُعذَّبا… وتلكَ احتواها عنكَ للبينِ هودجُ. اللعجُ في الصدر مثل اختلاجُه، والقصد أن عبلةَ فارَقَت مَحبوبَها واختفَت عنه، وخلفَت في قلبِه خفقانَ الشَّوق ووَهجَه الحارَ واضطرابَه.
***
مِن الذِّكريَات ما يذهَبُ أدراجَ الرياح؛ وكأن لم يكُن في يومٍ من الأيام، ومنها أيضًا ما يحمل وهجًا مَهما تقادَم، ومهما تراكمَت عليه الأتربةُ وغطاه الغُبار؛ لقاءٌ عابر قد يجعل المَرءَ في حالٍ عجيبةٍ مِن التَوهُّج والإشراق؛ حبيب، صديق، زميل دراسةٍ أو جار قديم، وبالمثل؛ خبر يبدو تافهًا قد يضيء الملامِحَ ويبسط القسمات ويرسم خطوطَ الوجه وتجاعيده من جديد، وحدثٌ غير مُتوَقَّع قد يُحي في القلب جزلًا خبا، ويضخ فيه دفئًا وحرارة، وحماسة كتلك التي تعتري الأطفال؛ ما صادفوا لُعبةً يهوونها.
***
بعضُ الأفكار لها وَهجُها الذي لا ينطفئ أبدًا ولا يتلاشى؛ وإن جَلَبت المَتاعبَ وأثارت المَخاوفَ وأربكَت الحسابات. للثورةِ على سبيل المثال ذاك الوَهجُ ما ذُكِرَت بمجلسٍ.
***
للثورات المُندلعة شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، سخونتُها وألقُها وطلاوتُها، ولكلٍّ منها وَهجٌ خاص؛ عَكَست صِحَّةً أو وَشَت بمرضٍ، أفصحت عن جوع وفقرٍ أو أعلنت غضبًا، صاغت ما شاءت مِن عبارات، ورفعت ما عَنَّ لها مِن كلمات؛ هي بنهاية الأمر فعل يجُبُّ ما سبق، يكسح بعنفوانِه الرُكُودَ، ويغسل الشوارع والميادين من أدرانِها.
رَتابَة
بعضُ الناس يملِكون حياةً رتيبةً؛ يتحركون فيها على وتيرةٍ واحدة. يتنقَّلون بين رَتابةِ العقلٍ الذي يُفكِّر داخلَ حدودٍ لا يتخطَّاها، ورَتابةِ الأداءِ الذي يتبع نمطًا واحدًا لا يتبدَّل، ثم رَتابة الروح التي تعيش سأمًا متواصلًا؛ لا تتُوق لمشاعرٍ جديدة، ولا تبحث عن خبرةٍ أو تجربةٍ مغايرة.
***
الرَتابةُ في مَعاجم اللغةِ العربيةِ هي حالٌ مِن التَّعب؛ تُصيبُ الإنسانَ نتيجة تعرُّضِه لمؤثِّر له خاصية التواتر المُنتظِم؛ كدقَّات مُتتالية تفصلُ بينها مَسافات زمنيَّة شِبه مُتساوية. رتَب المَوقفُ أو الشَّيءُ أي؛ ثبَت ولم يتحرّك، ورَتَبَ الرَّجُلُ أي؛ اِستقرَّ فِي مكانِه، وإذا قِيل رَتَب بالمَدينةِ؛ فالمعنى أنه أقامَ بها. ترتيبُ الأغراضِ هو تنظيمُها وتنسيقُها، وترَتيب الأُمُورِ يعادل إقرارَها وتسويتَها، وإذا صِيغ مِعيارٌ لتصنيفِ جَمعٍ مُتباينِ مِن الناس؛ احتلوا وِفقًا لخصائِصهم وقدراتِهم مَراتِبَ مُختلفة عليه.
***
بعضُ الأنهارِ رتيبٌ في سَرَيانه رائقُ الطَّبع، فيما البعضُ الآخر فائرٌ غليظ، يُنافِس في جَرَيانِه وعنفوانِه بِحارًا هائِجة. يتهادى النيلُ إذ يقتربُ مِن المَصَبِّ، لا يُشبه قوَّتَه عِند المَنبَع ولا يُماثِل في نهايةِ رِحلتِه أنهارًا أخرى ثائرة. مِن الناس مَن يعشقُ حَمَاسةَ النهر، ومِنهم مَن يُحبُّ السريانَ المُتأنّي؛ تيارٌ خفيفٌ باعثٌ على التأمُّل، حاضِنٌ للشُرود. على كُلّ حال؛ مع ازدياد المَوَانع التي تعوق المَسارَ وتُعرقِل الاندفاعَ، وتختزن الفيضَ الغزير؛ قد يصبح المَجرى عما قريب مُوحشًا كسولًا.
***
مِن المعاني ما يُوصَفُ بالرَتابةِ؛ عباراتٌ تُكتَبُ أو تُقال لا تحملُ جَديدًا ولا تُضيفُ وصفًا أو مَعلومَةً؛ وكأنها لم تُوجَد. بعضُ البَرامِج الحِوارية رَتيبٌ؛ لا يجذبُ إليه المُتابعينَ، ولا يشدُّ الآذانَ أو يُثير الفُضولَ، وأكثرها فظّ مُتدنّي المُحتوى والقالب، يُنفِّر المُشاهدين ويبعدهم عن الشاشة. المُحصِّلةُ النهائِيةُ غيابُ ما يُشجِّع على التفاعُل ويَفرِضُ الاحترامَ، ويُحرِّض على التَّفكير.
***
رَتيبةُ اسمُ فاعلٍ مِن رَتَبَ؛ لا تحمِله فيمَن نعرف إلا نساءٌ قليلات، مِنهن الرائعة رتيبة الحفني التي تآلَّقت بفنِّها، وأعطت مِن شغفِها وحبِّها وعِلمها للنغماتِ ما شحَّ وجوده في وقتنا هذا. ثمَّة لحنٌ رَتيبٌ فاقد للروح، لا يمَسَّ الوِجدانَ ولا يُشجِيه، ولحنٌ هادئٌ يترقرقُ في الأجواءِ، ويتغلغلُ بصفائِه في القلوب ويُوقظ بريقًا مَدفونًا؛ سوناتا ضوء القمر ومقطوعة قصة حب وفالس الدانوب الأزرق؛ كلها وأضعاف مثلها؛ مقطوعات تميَّزت برهافة حسٍّ لا تُضَاهى، ولا يُغادر الأروقةَ صداها ما قرأها العازفون. راتبٌ اسمُ فاعلٍ هو الآخر لكنه أقلَّ نُدرة مِن مَثيله؛ هناك أحمد راتب وجميل راتب، وكلاهما مِن أعظم الفنانين وأقدرهم، وأعلاهم حساسيةً في الأداء، هناك أيضًا عقيلة راتب التي بدأت حياتَها مُغنِّية ذات صوتٍ جميل، ثم قدَّمت أعمالًا درامية مُتعدِّدة ما بين السينما والمسرح.
***
الرَاتبُ؛ هو القيمةُ المَاديةُ التي يتقاضاها المَرءُ مُقابِلَ عَمَله المُنتظِم، وربما كان مَبعثُ التسمِية هنا هو الاستقرار والدوام؛ فمُهِمَّات مُحدَّدة يتكرَّر إنجازُها، ومَبلغٌ ثابتٌ يُعطى لقاءها. تزداد الأسعار ويتضاءل الرَاتبُ؛ وبتضاؤلِه تُصبِح الحياةُ مُوجِعةً ورَتيبة، فأقل وسيلةِ ترفيهٍ تُكلِّف عائلةً صغيرةً مَبلغًا طائلًا.
***
اتسمَت الحياةُ قبل عقدٍ تقريبًا برَتابةٍ مَلحوظةٍ، صباحاتٌ مُتشابهةٌ وأُمسياتٌ سَقيمةٌ، كلماتٌ مُعادةٌ، وساعاتٌ تمضي بلا حَدَثٍ يجعل لها طعمًا أو رحيقًا. انقَضَت الرَتابةُ إذ فجأة واستحالت نشاطًا عنيفًا؛ فِعلٌ يندفع وراءَ آخر حتى لا يجد المَرءُ فُرصةً للتأمُل أو حتى للإلمامِ بالتفاصيل. انتقالٌ مِن حالِ الوَخم والخُمول إلى حالِ الفوران المُتواصِل الذي يُخفي الفائتَ لصالح الآني، ويُخفي الآني لصالح التالي، ويَمحو مَفهومَ الرتابةِ مِن الوُجود.
***
ثمَّة شَخصٌ "مُرتَّب" يضع فردتيّ الحذاءِ مُتوازيتين والجوربَ في مكانه، ويعلم جيدًا مكانَ أدواته، ويجد ملابسَه بسهولة في الصوان. يظُن الناسُ في ذاك الشخص أنه سعيدٌ مُسترخٍ، رغم أنه يعيش في العادة متوترًا مُرهَق الأعصاب؛ وكأنه كائنٌ قادمٌ مِن مَجرَّة أخرى، إذ مِن حوله الفَوضى ضاربةٌ، عميقةُ الجُذور.
***
قد يَجلبُ الإيقاعُ الرتيبُ سأمًا ومَلَلًا؛ لكنه بعض الأحيان يَقود إلى الجُنون؛ فقطرةُ مياهٍ يُفلِتها صُنبور مَعطوب لتطرُقَ سطحًا صلبًا، وتُحدِثَ صَوتًا مُحايدًا لَحوحًا بلا نهاية؛ تُصبِح وسيلةَ تعذيبٍ مؤثرة، قد تدفع للانهيار.
***
في الأفلام القديمة؛ يُداوي الطبيبُ النفسيُّ زبائنَه بالتنويم المَغناطيسيّ؛ يُمسِك ببندولٍ مُتأرجِح ذي حركةٍ ثقيلةٍ ورتيبة؛ دقائق قليلة ثم تسقط الجفونُ مُغلقَة، ويغرق العقلُ في سُبات. ليس المشهدُ بكامِلِه هزلًا ففيه بعضُ الحقيقة؛ رتابةُ الأداة التي تروح وتجيء كأنها أبديةَ الوُجود؛ قد تعبث بمُستوى اليقظةِ وتبعثُ الخِدرَ في تلافيف الجسد المُنتبِه لها.
***
تَراتُب الطبَقَاتِ الاجتماعية تعبيرٌ شائع؛ يشير إلى اصطفافِ الناسِ في درجاتٍ تعلو بعضَها البعض؛ فطبقةٌ دنيا ووسطى ثم عليا، الأولى تقع تحت خطوطِ الحياة، والأخيرةُ ترفل في مَباهِجها. كما جَرَت العادةُ، يسعى قاطنوا الأولى لاستبقاء التراتُبيةِ المَقيتة، فيما ينسَحِق الآخرون.
أَوَان
يُقال دومًا أن لكُلّ شيءٍ أوانه؛ وقته المَعلوم الذي يكون فيه على أفضل صورةٍ وبأحسن حال. ما ظَهَر مِن فاكهةٍ أو خُضرواتٍ في غير أوانِه يفتقر في العادة إلى طيبِ المَذاق؛ والسبب أنه لم يَحظ مُدة كافيةً بعوامِل البيئة المُناسبة التي تُنضِجه وتُغنِيه وتُكسِبه رونقه، لم يأخُذ فرصَتَه في الأرضِ ولم يتشَبَّع بخيرِها ولا تَرَك عليه الزمانُ بصمَتَه؛ أما ما بدا ناضِجًا على الأقفاصِ وبين يديّ التُجار، فبوسائلٍ فيها تحايُل وخِداع، والطعمُ لها كاشف.
***
تُحدّد الأشهر القبطية أوانَ غرسِ البُذور وريّها، وساعةَ استواءَ النبتةِ ومَوعدَ حصادِها؛ إذ ارتبط التقويمُ منذ قديمِ الأزل بطبِيعة الحياة؛ الأرض والمَاء والنَبات.
***
ليس الحَصادُ وحدُه ولا الحَيُّ مِن المَوجودات فقط؛ هو ما يرتبطُ بمُرورِ الزَّمن ارتباطًا وثيقًا؛ فبناءٌ يُشيَّد لا بُدَّ وأن تجفَّ أساساتُه وتشتدُّ أعمدتُه، وأن يأخذ وقتَه ويعلو في أوَانِه، بلا عَجَلة تؤثر في تماسُكِه، وبلا تسرُّع واستخفاف يُؤذيان صلابتَه؛ وإلا انهار. تَكمُن المَهارةُ في اختيار اللَّحظةِ المُناسبة؛ لا في استجلابِها عنوة، واصطناعِها بلا تروٍّ ولا تخطيط.
***
الأَوَانُ في مَعاجِم اللغة العربية هو الوَقت والزمانُ، يُقال هذا أَوانُ البَردِ؛ أيّ فَصلُه، وكذلك أَوانَ الحَجّاج. إذا قِيل وَصَلَ بَعدَ فَوَاتِ الأوَان، فالمعنى أنه لم يَلحق بأمرٍ مُهِم مِن الأمور، والسابِق لأوانِه هو المُتجاوِز زمَنَه، والقول قد يأتي مَجازًا ليصِفَ الحذقَ مُنذ نعومة الأظفار. يُعرَف الأوانُ كذلك بأنه الحينُ؛ آن أوَانُه أي حان وَقتُه، ولا أشهر مِن كلمةِ الحجَّاج بن يوسف الثقفيّ؛ الطاغية الأعظم: والله إني لأرى رؤوسًا قد أينَعَت وحانَ قطافُها وإني لصاحبها. الرؤوسُ في تشبيهه ثمارٌ؛ جاءَ أوَانُ جنيِها مِن على الأعناق، لكنَّ هذا الأوانَ لم يكُن اختيارَ أصحابِها بكُل تأكيد.
***
ثمَّة أوانٌ للصَمت وأوانٌ للقَول وآخرٌ للحركة؛ فإذا اختلطَت المَواقيتُ وحلَّ فعلٌ محَلَّ الآخر، أفسد المَوقِفَ وأربكَه؛ ربَّ كلمة تخرج في وقتِها الصَّحيح فتغدو بمنزلَةِ السِّحر، وأخرى تُخطِئ أوَانَها فتصبح كطلقةِ رصاص. قِيل قديمًا؛ مِن الحصافةِ أن يعرفَ المَرءُ متى ينطقُ ومتى يسكُت، فكثير الناسِ يجهلون الحدودَ؛ حتى يضجَّ السامعُ أو يمَلَّ مَن ينتظرُ الحديث.
***
غنَّى الشيخُ إمام: هِلّي يا شمس البشاير طابت وآن الأوَان.. إلى آخر الأغنية: مصر الشباب العزيزة قامت، وكان اللي كان. هذا "الذي "كان" ارتبط بحلولِ ساعةٍ مُرتقَبة، لا يتقدَّمُ عليها ولا يتأخرُ عنها، وهذا الذي "سيكون"؛ مَرهونٌ بطبيعةِ الظروف وتطوُّراتِها ومدى مُلائمتِها؛ فإذا اجتمَعت الأسبابُ وتهيأت الأجواءُ، طلَعَت الشَّمسُ ولم يُمكن لأحدٍ إخفاؤها.
***
أعرف كُتابًا قادرين على صياغةِ نُصوصِهم في كُلّ أوانٍ ومكان، أعرف أيضًا مَن ينتظرون حضورَ لحظةِ وَحيٍ؛ تنطلق فيها الكلماتُ بلا جَهد، وتصطَفُّ المعاني سلسةً واضحة. أعرف قسمًا ثالثًا يكتُب، ثم يترك ما كتَبَ ليعود في وقتٍ مَعلوم؛ فيراجع الفكرةَ ويُعيد اختبارَها ويتأكد مِن صلاحيتِها. ربما لا يَفضُل أحدُ هؤلاء الآخرَ فلكلّ عاداته وطبيعته، ولكلِّ نصٍّ أوَان اختماره.
***
إذا تأخر واحدٌ عن فِعلٍ وَجَبَ عليه أداؤه، قِيل عند حُصوله: لسَّه فاكر؟! في السؤال ما لا يُمكِن تجاهُله مِن سُخريةٍ واستِهجان، والقَصد أن التأخيرَ مَحا الاحتياجَ وجعله طيَّ النسيان. كُلُّ ما جاء بعد فواتِ أوَانِه؛ فقد جزءًا عظيمًا مِن قوتِه وبَهت وقعُه وتلاشى؛ فغوثٌ بعد نجاة مَلهوف، أو غضبٌ بعد انقضاءِ السبب، أو إجابةٌ بعد زوالِ السؤال، أو حتى احتفالٌ بعد انتهاءِ المناسبة؛ جميعها أفعال ذات أصداءٍ خابيةٍ ضعيفة، مَرَّ وقتُها فصارت بلا مَعنى ولا أثر.
***
ثمَّة أشياءٌ تحدث في أوقاتٍ ثابتة؛ يمكن التنبوء بساعتِها وتاريخِها، وكثيرها مِن عملِ الطبيعة لا البشر؛ فدورةُ شمسٍ أو قمر أو نوَّةٌ عاصِفةٌ، تصدُق في العادة وتصِلُ في موعدها بدقَّة مَشهودة. ثمَّة ما يأتي على حين غُرة، يحلُّ دون أن يحسبَ الناسُ حسابَه ويعدُّون له العدَّة، يُفاجئ الوادعين المُستكينين لحالهم، ويُنزِل بهم صدمةً، ويترك لهم أسئلةَ الدهشة؛ حَدثٌ قد يبدو في غَير أوَانِه، لكن هناك دومًا ترتيبات لا تُرى في وقتِها، بل تُدرَك بعد حين.
***
كَتَب أحمد فؤاد نجم مَوَّاله الشهير "الأولة بلدي" في أوجِ الازدهار، وقد أداه إلى جانبِ رفيقِ رحلتِه أكثرُ مِن مُطرِب ذي مَكانةٍ على مَدار سنوات طوال، وفي مَطلعه يقول: الأولة بلدي باسلطن جو موالي ودا الموصوف دوا العيان.. والثانية بلدي باقول الكلمة بالعالي وع المكشوف وف المليان.. والثالثة بلدي ياكنزي وعزوتي ومالي وملو الشوف آوانك آن. بقيت الكلماتُ صامدةً مُنذ خرجت إلى السامعين؛ فالأوان الذي استشرفته لا يزال مُنتظَرًا.