يطلب منا بعضهم أن نرضى بما يحدث فى بلادنا وأن نغض الطرف عنه وأن نلوذ بالصمت إيثارا للسلامة وتجنبا لموجات التخوين والمزايدة والاغتيال المعنوى التى تطال كل معارض فى هذا الوطن، يمكننا بالفعل أن نصمت ويمكننا أن نحزم أمتعتنا ونأخذ أبناءنا ونخرج كما خرج كثيرون بحثا عن راحة البال، يمكننا أن ننهمك فى عملنا المهنى وأن نخلق لأنفسنا عالما موازيا منفصلا عن كل ما يؤرقنا وينغص علينا الحياة فى مصر، لكننا مصابون بداء حب الوطن والخوف على ناسه والحلم بمستقبل مشرق له، لذا فلا نستطيع الصمت ولا نقدر على تأنيب الضمير الذى قد يسببه الخلاص الفردى والانعزال عن الشأن العام.
أكتب هذه الكلمات ومصر تبدأ مرحلة الانتخابات البرلمانية بحثا عن الاستقرار الذى نفتقده منذ سنوات طويلة، تتم الانتخابات فى مناخ غير مبشر يعود فيه الماضى بقبحه وبؤسه ليسيطر على الحاضر ويرافقه طفيليات حديثة نمت فى مستنقع الانتهازية والتطبيل للسلطة بحثا عن مصالح خاصة لا مكان للناس فيها، تبدو مصر وكأن هناك أربع سنوات قد مُحيت من ذاكرتها بالكامل، من عايش أجواء انتخابات برلمان 2010 لن يستطيع أن يفرق بينها وبين انتخابات برلمان 2015 والتى قد تكون أكثر سوءا، فبعد ثورة يناير الملهمة ومافتحته من أبواب الحرية نعود لمشهد انتخابى بائس يبدو فيه أن هناك (برلمان تفصيل) قادما فى الطريق، برلمان أغلب المرشحين فيه - أو جميعهم - يعلنون تأييدهم الكامل للسلطة ويقولون إنهم سيقومون بتغيير الدستور لإنقاص صلاحيات برلمانهم لصالح الرئيس وسيقومون بالموافقة على كل القوانين التى صدرت من الرئاسة بلا نقاش! برلمان يعتبر نفسه من قبل انعقاده ذراعا للسلطة التنفيذية وليس رقيبا أو مسائلا لها كما استقر فى أى نظام ديمقراطى من أعراف وتقاليد.
أخطر ما يحدث فى مصر الآن أن الناس لن تجد من يعبر عنها داخل البرلمان بل ستعتبر أن هؤلاء النواب معبرون عن السلطة وداعمون لها وكما يقولون (الجواب باين من عنوانه)، كيف نصدق أن هناك برلمانا حقيقيا قادما ورئيس هذا البرلمان يتم اختياره قبل بدء الانتخابات ذاتها؟ كيف نراهن على هذا البرلمان ونحن نرى هذه الوجوه التى تجسد فشل الماضى والتى قامت الثورة بسبب ممارساتها؟ كيف نعتقد أن البرلمان القادم سينحاز للشعب بينما نرى تدخل أجهزة الدولة فى تفصيله واضحا وفجا؟ يحلو لبعضهم وصفنا بالمتشائمين والمُحبطين والسوداويين ولكن الحقيقة أننا نبحث عن أى بقعة مضيئة لنتفاءل فلا نجد غير ما يحزننا ويحبطنا ويسحق أحلامنا.
لا تعنى معارضتنا للنظام أننا نتمنى الشر للوطن أو نشمت فى ما ستؤول إليه الأوضاع، الوطن ليس النظام الحاكم الذى تحاول أبواقه احتكار الوطنية ونزعها عن معارضيه، سندفع جميعا ثمن تجريف الحياة السياسية وتأميم المجال العام وحصره على مجموعات الموالين للسلطة والمطبلين لها، سندفع ثمن إسكات الأصوات المختلفة التى تختلف من أجل الوطن ولا تختلف عليه، إغلاق مسار الإصلاح من داخل السلطة يفتح الباب لخيارات أخرى ليست آمنة، ستذكرون ما نقول والله شهيد على الجميع.