#إبراهيم_عيسى يكتب لـ #المقال: لكن الإرهابيين لا يموتون!
قرر النظام أن ينهى الإرهاب.
الكلفة لم تعد محتملة والصورة صارت قاتمة والسمعة باتت سيئة، فقرر نظام مبارك مع منتصف التسعينيات (وبالذات عقب حادث الأقصر الإرهابى فى 1996) أن يقضى على ظاهرة #الإرهاب فاتخذ، خصوصًا مع مجىء حبيب العادلى إلى مقعد وزير #الداخلية، إجراءات واضحة ومحددة وبصرامة شديدة:
أولاً: توسيع دائرة الاشتباه، فلم يعد الفرز دقيقًا ولا التصنيف مهمًّا بل مجرد الاشتباه كفيل باتخاذ اللازم.
ثانيًا: السجن بلا محاكمات، فليس مهمًّا عرض السجين على المحكمة ولا حتى إقامة دعوى ضده، بل استغلال قانون الطوارئ فى مد فترة بقائه فى السجن بلا محاكمة، وبعضهم طال معه الأمر لعشر سنوات وأكثر، وزاد عدد المساجين والمعتقلين، حتى إن السجون المقامة لم تعد تتسع لهم فأنشؤوا سجونًا جديدة وتوسعوا فى أخرى.
ثالثًا: التصفية بديلاً عن القبض، ففى أى اقتحامات أو مداهمات أو مواجهات لأوكار الإرهابيين وأماكن اختبائهم تكون الأولوية للتخلص من الإرهابى وليس القبض عليه بما يشكِّل ردعًا واجتثاثًا من الجذور فى تصور الداخلية.
رابعًا: الاختراق الكبير لتلك التنظيمات عبر تجنيد عناصر داخلها، خصوصًا فى السجون، حيث الخاصرة الضعيفة لتلك التنظيمات وسهولة الانفراد بعناصرها والتحكم فيهم.
خامسًا: تجنيد قيادات هذه الجماعات من أمثال عاصم عبد الماجد وكرم زهدى وناجح إبراهيم وصفوت عبد الغنى وغيرهم، عبر اختراع فكرة التائبين ونشر المراجعات لأفكارهم المتطرفة، مما يسمح للدولة بمكافأة بعضهم وإغراء آخرين وترويع السائبين (طبعًا بعد ثورة يناير اكتشفنا كيف خدع معظم التائبين والمراجعين أجهزة الأمن خدعة مهينة وضحكوا عليها حد المسخرة!).
سادسًا: التحالف مع السلفيين بحركتهم الواسعة فى المجتمع والتنسيق مع قيادتهم بحيث تبدو الدولة داعمة للدين الصحيح الذى هو البُعد عن الحكم والدعاء للرئيس، وهذا ما ظهر بوضوح سافر مع قنوات السلفيين الفضائية التى كان ينسق ظهورها وشغلها ضباط أمن الدولة مع الشيوخ #محمد_حسان و #حازم_صلاح_أبو_إسماعيل وصفوت حجازى وغيرهم، فليخرف السلفيون كما يحلو لهم ويخربوا العقل المصرى كما يريدون وبدعم ورعاية وتحالف مع الدولة ما داموا يسمعون كلام السيد حسن عبد الرحمن رئيس جهاز أمن الدولة، وينفذون تعليماته من أول تقديس الرئيس وحتى لعن إيران!
سابعًا: إظهار الدولة غضبها ونقمتها وقرفها من أية فكرة تنتصر للدولة المدنية وللحرية الفكرية والحرص على إبداء أكبر قدر ممكن من النفاق الدينى عبر المزايدة على الجميع فى ما يخص ما أطلق عليه الرسوم المسيئة للنبى الكريم ومثل هذه الحوادث الطائفية التى تنتهى بانحياز الدولة إلى عدم إغضاب السلفيين وتلبية النوازع المتطرفة فى الشارع المصرى وتهدئة خواطر الأقباط بالزيارات المرطبة المجاملة للبابا شنودة فى الأعياد وعقب كل حادث فتنة طائفية!
الثابت أن مبارك قضى فعلاً على العمليات الإرهابية وشهدت #مصر هدوءًا كبيرًا للغاية فى تلك الحوادث، بل تكاد تكون قد شعرت بانتهاء الظاهرة كلية فى الصعيد وبقية أقاليم مصر واقتصرت العمليات الإرهابية على بضع جرائم فى سيناء كان المتهم فيها دائمًا أصابع أجنبية، حركة حماس فى الغالب، بينما عاش البلد هدوءًا من الإرهاب شهد به العالم وطبعًا الشعب المصرى، لدرجة أنه فى نهاية عام 2010 ومع احتفال العام الجديد 2011 لما وقعت حادثة كنيسة القديسين كان عاديًّا أن تسمع اتهامات للأمن بتدبيرها من فرط إحساس الشارع أن الإرهاب تم القضاء عليه.
لكن كل هذا كان زيفًا لكل هذه السنوات.
عاد الإرهاب عقب ثورة يناير واشتد عقب ثورة يونيو.
الآن يعالج الرئيس #السيسى قضية الإرهاب بنفس طريقة #مبارك والعادلى، تقريبًا طبق الأصل (بما فيه الحاجة إلى بناء سجون جديدة!) وتقريبًا عبر نفس المنهج وهو تغذية الإرهاب وقتل الإرهابيين، فأجهزة البلد الأمنية والحكومية والإعلامية والدينية كلها بلا أى استثناء تغذِّى التسلُّف والتطرُّف والفتنة المذهبية والطائفية وتنتصر للتزمت وللوهابية، بينما ينتاب أجهزة الحكم بل ودوائر واسعة من الشعب إحساس أننا قضينا على الإرهاب.
وهو الإحساس الزائف نفسه.
الإرهابيون لا يموتون أبدًا بل يولدون كل يوم، لأن كل ما فعله مبارك ومن بعده السيسى لم يحارب الإرهاب بل حارب الإرهابيين!