® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2015-11-20, 3:42 am | | سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا
قصيدة محمود درويش
من ديوان أحبّك أو لا أحبك
سرحان يشرب القهوة في الكفاتيريا
يجيئون، أبوابُنا البحرُ، فاجأنا مطرٌ. لا إله سوى الله. فاجأنا مطرٌ و رصاصٌ. هنا الأرضُ سُجّادةٌ، و الحقائب غربهْ! يجيئون، فلتترجّلْ كواكبُ تأتي بلا موعد. و الظهورُ التي استندتْ للخناجر مضطرة للسقوط و ماذا حدث ؟ أنت لا تعرف اليوم. لا لون. لا صوت. لا طعم لا شكل.. يُولد سرحان، يكبر سرحان، يشرب خمراً و يسكُرّ. يرسم قاتله، و يمزِّق صورته. ثم يقتله حين يأخذ شكلا أخيراً و يرتاح سرحان: سرحان! هل أنت قاتل ؟ و يكتب سرحان شيئاً على كُمِّ معطفه، ثمَّ تهرب ذاكرةٌ من ملفَّ الجريمة.. تهرب.. تأخذ منقار طائر. و تأكل حبة قمح بمرج بن عامر و سرحان مُتّهم بالسكوت، و سرحان قاتل *** و ما كان حُبّاً يدان تقولان شيئاً، و تنطفئان قيودٌ تلد سجون تلد منافٍ تلد و نلتفُّ باسمكِ. ما كان حُبّاً يدان تقولان شيئاً.. و تنطفئان و نعرف، كُنّا شعوباً و صرنا حجارة و نعرف كنتِ بلادا و صرتِ دخان و نعرف أشياء أكثر نعرف، لكنّ كل القيود القديمة تصير أساور ورد تصير بكارهْ في المنافي الجديدة و نلتفُّ باسمك ما كان حُبّاً يدان تقولان شيئاً و تنطفئان. و سرحان يكذب حين يقول رضعتُ حليبك، سرحان من نسل تذكرة، و تربّى بمطبخ باخرة لم تلامس مياهكِ. ما اسمك؟ _نسيت . و ما اسم أبيك ؟ _نسيت و أمك _نسيت و هل نمت ليلةَ أمس ؟ _لقد نمتُ دهراً حلمت ؟ _كثيراً بماذا _بأشياء لم أرها في حياتي و صاح بهم فجأة : _لماذا أكلتم خضاراً مُهرّبة من حقول أريحا؟ _لماذا شربتم زيوتاً مهربَّة من جراح المسيح؟ و سرحانُ متّهم بالشذوذ عن القاعدة *** رأينا أصابعه تستغيث. و كان يقيس السماء بأغلاله زرقةُ البحر يزجرها الشرطيّ، يعاونه خادم آسيويّ، بلاد تغّير سكانها، و النجوم حصى و كان يغنّي مضى جيلنا و انقضى. مضى جيلنا و انقضى. و تناسل فينا الغُزاةُ تكاثر فينا الطغاة. دم كالمياه. و ليس تجفّفه غير سورة عم و قبعةِ الشرطيّ و خادمهِ الآسيوي. و كان يقيس الزمان بأغلاله سألناه: سرحان عمَّ تساءلت؟ قال: اذهبوا، فذهبنا إلى الأمهات اللواتي تزوّجن أعداءنا. و كنّ ينادين شيئاً شبيهاً بأسمائنا. فيأتي الصدى حَرَساً ينادين قمحاً فيأتي الصدى حَرَساً ينادين عدلاً فيأتي الصدى حَرَساً. ينادين يافا فيأتي الصدى حرساً و من يومها، كفَّت الأمهات عن الصلوات و صرنا نقيس السماء بأغلالنا و سرحان يضحك في مطبخ الباخرة يعانق سائحة، و الطريق بعيدٌ عن القدس و الناصرة و سرحان مُتّهم بالضياع و بالعدميَّة *** و كلّ البلاد بعيدهْ . شوارعُ أخرى اختفت من مدينته ( أخبرتهُ الأغاني و عزلتُهُ ليلة العيد أن له غرفة في مكان) ورائحةُ البنِّ جغرافيا و ما شرَّدوك.. و ما قتلوك . أبوك احتمى بالنصوص، و جاء اللصوص و لست شريداً.. و لست شهيداً.. و أُمك باعت ضفائرها للسنابل و الأمنيات و فوق سواعدنا فارسٌ لا يسلِّم (وشم عميق ). و فوق أصابعنا كرمةٌ لا تهاجر ( وشم عميق ) خُطى الشهداء تُبيدُ الغزاة (نشيد قديم) و نافذتان على البحر يا وطني تحذفان المنافي..وأرجع (حلم قديم –جديد) شوارع أخرى اختفت من مدينته ( أخبرته الأغاني و عزلته ليلة العيد أن له غرفة في مكان ). و رائحةُ البُنِّ جغرافيا و رائحة البن يدْ و رائحة البن صوت ينادي.. و يأخذ رائحة البن صوت و مئذنة (ذات يوم تعود). و رائحة البن ناي تزغرد فيه مياه المزا ريب ينكمش الماء يوماً و يبقى الصدى . و سرحان يحمل أرصفةً و نواديْ و مكتبَ حجز التذاكر سرحان يعرف أكثر من لغة و فتاه. و يحمل تأشيرة لدخول المحيط و تأشيرة للخروج و لكنّ سرحانَ قطرة دم تفتِّش عن جبهة نزفتها.. و سرحان قطرة دم تفتّش عن جثة نسيتها.. و أين ؟ و لست شريداً.. و لست شهيداً و رائحة البن جغرافيا. و سرحان يشرب قهوته .. و يضيع **** هنا القدس . يا امرأة من حليب البلابل كيف أُعانق ظلّي و أبقى ؟ خُلقتَ هنا.. و تنامُ هناك مدينته لا تنام و أسماؤها لا تدوم. بيوت تغيَّر سكانها. و النجوم حصى . و خمسُ نوافذ أخرى، و عشر نوافذ أخرى تغادر حائط و تسكن ذاكرةً.. و السفينةُ تمضي . و سرحان يرسم شكلاً و يحذفه: طائرات وربُّ قديم و نابالم يحرق وجهاً و نافذة.. و يؤلف دولهْ . هنا القدس . يا امرأة من حليب البلابل كيف أعانق ظلي.. و أبقى؟ و لا ظلّ للغرباء. مساءٌ يرافقهم، و المساء بعيد عن الأمهات قريب من الذكريات. و سرحان لا يقرأ الصحف العربية... لا يعرف المهرجانات و التوصيات.فكيف إذن جاءه الحزن.. كيف تقيّأ ؟ و ما القدس و المدن الضائعة سوى ناقة تمتطيها البداوة إلى السلطة الجائعة و ما القدس و المدن الضائعة سوى منبر للخطابة و مستودعٍ للكآبة و ما القدس إلاّ زجاجة خمر و صندوق تبغ ..و لكنها وطني . من الصعب أن تعزلوا عصير الفواكه عن كريات دمي .. و لكنها وطني من الصعب أن تجدوا فارقاً واحداً بين حقل الذرة و بين تجاعيد كفيّ و لكنها وطني.. لا فوارق بين المساء الذي يسكن الذاكرة و بين المساء الذي يسكن الكر ملا و لكنها وطني في الحقيقة و الدم متَّسع للجميع و خط الطباشير لا يكسر المطر المقبلا هنا القدس .. كيف تعانق حريتي_ في الأغاني_ عبوديتي ؟ و سرحان يرسم صدراً و يسكنه و سرحان يبكي بلا ثمن ووسام و يشرب قهوته.. و يضيع *** يُمَزَّقُ غيماً، و يرسله في اتجاه الرياح. و ماذا؟ هنالك غيم شديد الخصوبة. لا بُدَّ من تربة صالحه أتذهب صيحاتنا عبثاً؟ أكلتَ.. شربتَ.. و نمتَ.. حلمت كثيراً. أفقتْ تعلمت تصريف فعل جديد. هل الفعل معنى بآنية الصوت.. أم حركه؟ و تكتب ض. ظ. ق. ص. ع. و تهرب منها، لأن هدير المحيطات فيها و لا شيء فيها ضجيج الفراغ حروف تميزنا عن سوانا_ طلعنا عليهم طلوع المنون- فكانوا هباء و كانوا سدىَّ. سدىَّ نحن هم يحرثون طفولتنا و يصكون أسلحة من أساطير أعلامهم لا تغني و أعلامنا تجهضُ الرعد نقصفهم بالحروف السمينة ض.ظ.ص.ق.ع ثم نقول انتصرنا و ما الأرض؟ ما قيمة الأرض؟ أتربة ووحول نقاتل أو لا نقاتل ؟ ليس مهماً سؤالك ما دامت الثورةُ العربيةُ محفوظةً في الأناشيد و العيد و البنك و البرلمان و تعرف أن الغزاة عِصِيٍّ بأيدي المماليك تكتب ض. ظ . ق .ص . ع تمزق غيماً و ترسله في اتجاه الرياح و ماذا؟ هنالك غيم شديد الخصوبة. لا بد من تربة صالحه و تمضي السفينة. تبقى غريباً. جراحك مطبعة للبلاغات و التوصيات. و باسك تنتصر الأبجديةُ. باسمك يجلس عيسى إلى مكتب ويوقع صفقة خمر و أقمشة و يحيى العساكر باسمك. تُحفظ في خيمة و تُعلَّب في خيمة. لا هوية إلاّ الخيام. إذا احترقت.. ضاع منك الوطن و باسمك تأتي و تذهب.باسمك حطّين تصبح مزرعةً للحشيش، و ثوّارك السابقون سعاة بريدٍ. و باسمك لا شيء. يأتي القضاة، يقولون للطين كن جبلاً شامخاً فيكون. يقولون للترعة انتفخي أنهراً فتكون و تكتب ض. ظ .ص .ع . ق تُمزِّق غيما و ترسله في اتجاه الرياح، و ماذا ؟ هنالك غيم شديد الخصوبة. لا بدّ من تربة صالحه أتذهب صيحاتنا عبثاً؟ و ليست خيامك ورد الرياح. و ليست مظلات شاطئ. تَدجَّجْ بأعمدة الخيمة. احترقي يا هويَّتنا_ صاح لاجئ و سرحان يشرب قهوته. للجليل مزايا كثيرة و يحلم، يحلم، يحلم.. آه_ الجليل! *** و من كفّ يوماً عن الاحتراق أعارَ أصابعه للضماد و صرَّح للصحفيِّ و للعدسات: جريح أنا يا رفاق و نال وساماً.. و عاد و سرحانُ ، ما قال جرحيَ قنديلُ زيتٍ و ما قال .. صدريَ شبُّاك بيتٍ و ما قال.. جلديَ سجّادة للوطن و ما قال شيئاً.. أتذهب صيحاتنا عبثاً ؟ كل يوم نموت ،و تحترق الخطوات و تولد عنقاء ناقصة ثم نحيا لنُقتل ثانيةً يا بلادي، نجيئك أسرى و قتلى. و سرحان كان أسير الحروب، و كان أسير السلام على حائط السَّبْي يقرأ أنباء ثورته خلف ساق مغنّيةٍ و الحياةُ طبيعيَّة، و الخضار مهرَّبة من جباه العبيد إلى الخطباء، و ما الفرق بين الحجارة و الشهداء؟ و سرحان كان طعام الحروب، و كان طعام السلام . على حائط السَّبي تعرض جثَّته للمزاد. و في المهجر العربي يقولون: ما الفرق بين الغزاة و بين الطغاة؟ و سرحان كان قتيل الحروب، و كان قتيل السلام. على حائط السَّبي يصطدم العلم الوطني بأحذية الحرس الملكي . وحربك حربان. حربك حربان سرحان! لا شيء يبقى، و لا شيء يمضي. اغتربتَ .. لجأتَ.. عرفت. و لست شريداً و لست شهيداً خيامك طارت شراره. و في الريح متَّسعٌ هل قَتَلت؟ و يسكت سرحان يشرب قهوته و يضيع و يرسم خارطة لا حدود لها و يقيس الحقول بأغلاله -هل قتلت؟ و سرحان لا يتكلم .يرسم صورةَ قاتله من جديد، يمزّقها، ثم يقتلها حين تأخذ شكلاً أخيراً.. _قتلت ؟ و يكتب سرحان شيئاً على كُمِّ معطفه، ثم تهرب ذاكرة من ملفّ الجريمة.. تهرب.. تأخذ منقار طائر و تزرع قطرة دم بمرج بن عامر. _________________ حسن بلم | |
| |