هنا، نترجم للقارئ العربي هذه التعاريف التي خصّ بها فيرلينغيتي مفهومه للشِّعر ووظيفته في ديوانه الذي اشتهر به وأعيد طبعه مرّات بغلافه الأحمر: «الشِّعر فن العصيان»؛ وقد ساقها في شكل شذرات تبتهج بالمعرفة، والحبّ ووهج الحكمة التي تنفذ إلى نسغ الكلمات فتشفّ عن نداوتها وعافية خطابها، وهو يصدح متسائلاً: «ما هو الشِّعر؟»، وذلك في نحو مئتي شذرة تتحدّث عن الشعر وقيمته ووظيفته، وعن الشاعر وحالات القصيدة بلغةٍ بسيطة ومفعمة بالدهشة كأنّها تجري على شفاه أطفال يشرفون على نهر في أحد صباحات العالم. وذلك ممّا يجب أن يُقال ويحفظ في اليوم العالمي للشِّعر.
ما هو الشِّعر؟ (لورنس فيرلينغيتي)
الشِّعر هو الحقيقة التي تكشف كلَّ الأكاذيب، وهو الوجه بلا مساحيق.
ما هو الشِّعر؟ الرّيحُ التي تُنيم الأعشاب، والتي تُعول في النهايات المنفصلة.
الصّوْتُ المفقود الذي يحلم، البابُ الطّافي على الأفق.
ما هو الشِّعر؟ المُهرِّج يضحك، المُهرّج يبكي. يسقط القناع.
الشِّعر هو المدعوة المجهولة في المنزل.
الشِّعر هو ذاكرةٌ عظمى، وكلُّ كلمة هي بمثابة استعارة حيّة.
الشِّعر هو عين القَلْب، وهو صميم الرُّوح.
الكلمات تنتظر من يبعثها من جديد في ظلَّ قنديل الشِّعر.
عند أوّل وميض، يدفُّ عصفورٌ أسود بجناحَيْه- إنّه قصيدة.
الشِّعر كلغةٍ أُولى قبل الكتابة لا تزال تبعث فينا غناء الموسيقى الصامتة، موسيقى العماء.
حياةٌ تُعاش مع الشِّعر بالرُّوح هي فنٌّ في حدّ ذاته.
القصائد مثلها مثل الفراشات تتجمّع على زجاج النافذة، وهي تحاول أن تصل إلى اللّهَب.
الشِّعر، صرخة القلب التي تُوقظ الملائكة وتُرْدي الأبالسة.
الشِّعر يخطُّ الأبيض على الأسود، والأسود على الأبيض.
القصائد تتوارى في السماء عند الفجر، في المنازل المهدومة، في أوراق الخريف التي كنسَتْها الريح، في الرسائل التي تاهت وعُثِر عليها ثانيةً، وفي الوجوه الضائعة وسط الجمّ الغفير…
الشِّعر قد يكون الكلأ في مَرْج الأدب، الذي يُذكّرنا بالجذور.
الشِّعر، رَسْم حالات الرُّوح والبروفايل الخفيّ للوجوه.
الشِّعر: المرأةُ عاريةً، والرّجُل عارياً، وهو المسافة بين الاثنين.
الشِّعر، التّخْييل الرفيع.
الشِّعر، الميلوديا الصامتة برأس كلِّ حيوان أصمّ.
الشِّعر، الأنشودة التي ترتفع في قلب الظلام المهيب؛
وهو العزلة الحميمة التي تُصبح من العموم؛
وهو الضّوْءُ في نهاية النفق والغموضُ الداخليّ؛
وهو حمامةُ الصّباح التي تندب الحُبّ، ولا أحد بوسعه أن يصرخ صرخة القلب.
الشِّعر يأخذُ مسافةً من الموت.
الشِّعر، المسافة الأسرع بين كائنين آدميّيْن.
كلُّ عصفورٍ هو كلمة، وكلّ كلمةٍ عصفور.
وكلُّ قصيدةٍ هي المبالغة مع اعتدال.
الشِّعر خربشةٌ أبديّة في قلب أيٍّ مِنّـا.
الكلمات على صفحة القصيدة هي بمثابة الشّفْرة لكلّ العواطف الإنسانية.
قد تحترق الورقة، لكنّ الكلمات تنفلت.
الشِّعر هو جوهر الأفكار قبل أن تتمّ بالفكر.
الشِّعر هو رعدةٌ على جلد الأبديّة.
الشِّعر هو كلُّ شيء ذي أجنحةٍ تُغنّي.
صَوْتُ الشّاعر هو الصوت الآخر يهجع في أيِّما إنسانٍ كان.
الشِّعر هو هذه الصفحات الضائعة من الليل والنّهار.
الشِّعر يُقوّض السلطة. الشِّعر المطلق يُقوّض على الإطلاق؛
وهو الظلُّ الذي تقذف به أخيلتنا العاكسة.
الشِّعر هو كتاب الضّوْء في الليل، مُبدِّداً سُحُب الجهل.
الشّعر: الملابس الداخلية للرُّوح.
النَّثر المتنكّر تحت الشكل الطباعي للشِّعر ليس من الشِّعر في شيء.
الشِّعر هو قاربٌ من ورق في طوفان المعاناة الروحيّة.
الشِّعر هو إعادة اكتشاف النفس ضدّ العشيرة.
الشِّعر هو مُعلِّمٌ أنطولوجي، دائماً ما يُسائل الوجود ويُعيد ابتكاره.
القصيدة زهرةٌ لِلحظةٍ من الأبديّة.
الشِّعر هو الموضوع الحقيقي للنّثْر الرائع.
يقول ما يعجز اللِّسان عن وصفه، وينطق بالمتعذّر على القلب أن يتأوَّه به.
كلُّ قصيدةٍ هي جنونٌ مؤقّت، والخيالي هو الواقعي.
الشِّعر هو شكلٌ من الجنون الغنائي.
القصيدة هي على الدوام طرقٌ مسموعٌ على باب المجهول.
القصيدة: نظرة ثاقبة إلى قلب الأشياء نفسه؛
وهي تحقيق الذّاتي، الحياة الداخلية للكائن.
الفنُّ ليس صدفة. الصدفة ليست فنّاً، وإلّا فهو بالصدفة.
الشِّعر لا يزال بإمكانه أن ينقذ العالم وهو يُحوِّل الوعي.
في الشِّعر، تتكلّمُ الأشجار والدوابّ والنّاس.
الشِّعر يمنح الصّوْت لكلّ أولئك الذين يتكلّمون، ويُغنّون، ويبكون ويبتسمون.
القصيدة هي نافذة عبرها يمكن لكلّ ما حدث أن يُرى تحت شمس يوم جديد.
الشِّعر هو النبات الذي يطلع ليلاً من أجل أن يمنح للرغبة اسْماً.
الشِّعر، وسيط بين الواقع اليومي وبيننا نحن.
الشِّعر لا جنس له، لكنّه ليس خُنْثى.
الشِّعر: أذنٌ فوتوغرافية للروح، بدون صمّام.
الشِّعر يوجد لأنّ ثمّة من يسعون لأجل أن يضعوا الأزهار في السجن.
اللُّغة بالنسبة للشعر مثلها مثل الصوت للموسيقى، يجب أن تُغنّي.
وظيفة الشِّعر هي أن يكشف مظاهر الزّيف بالضوء.
الشِّعر هو ( تيك تاك) غير زمني، ووجيب القلب داخل الأبديّة.
الشِّعر هو الرُّمْح اللامع لمحارب أكثر فقراً.
الحُبّ يستمتع بالحُبّ. الفرح يستمتع بالفرح. الشِّعر يستمتع بالشِّعر.
الشِّعر العظيم يتطلب جوعاً ورغبة.
القصيدة الأعظم ليست شيئاً آخر سوى الحياة الغنائية نفسها.
الشّاعر تحديداً هو رسول الإيروس، الحُبّ والحرية؛ وعليه، فهو الخصم الطبيعي وغير العنيف للدولة البوليسية؛
وهو المقاومة الأخيرة.
الشِّعر الأرفع يقول إنّهُ يمكن أن نموت بدونه.
الشِّعر، آخر منارة على بَحْرٍ يُطمُّ.