ليلٌ أجمل من الظلام
كتابة: قاسم حداد وسعد الدوسري وعادل خزام
XXXXXXXXXX XXXXXXXXXX XXXXXXXXXX
أيها العطشان؛
ماذا ستفعل حين تدرك أنَّ كلَّ هذا الماء قربك، مجردُ سراب، وأن الحقيقةَ التي كنتَ تظنُّها ستروي ظمأ السؤال في داخلك، ستظلُّ تبتعد عنك كلَّما اقتربتَ من حوافها؟ ومن سوف ينقذك، حين تتشققُ شفتاكَ من الصراخ في وادٍ لا يسمعك فيه أحد؟ وإذا عثرت يوماً على كتابِ الزمان ممزقاً ومحروقة متونه وحواشيه، كيف سترممُ المعاني التي حُوّرت؟ وكيف بعينين مفقوءتين ستقرأ سيرةَ من تناسلوا في التكرار؟
هؤلاء أقوامُ الرتابة الذين ربطوا خيوطَ البداية بنهاياتها، وتراقصوا على حبال واهنةٍ منتسبين للأشباه. أشباه بشر أحياناً، وأشباه وحوشٍ لهم ظلال من نار. عاشوا وعاثوا، وكانوا غافلين حين هبّت عاصفة الرماد في وجدانهم فأمطرتهم حقداً، وما عادوا يملكون سوى الاقتتال في حلبات العبط. بخناجرهم الصدئة ينحرون الورد، وبكلمات ميتة يدفنون نداء الأمل.
في الصباح، تغرقُ الشوارعُ بأقنعةِ الليل، بمسرحياتِ الليل وببقايا الجماهيرِ وهي تخنقُ الممثلين و الممثلات.
في الصباح، تنظرُ اليكَ القهوةُ بكلِّ أسى وأنتَ تمزّقُ كلّ هذا الليل.
كأن الفراشات نحو النار.
ليس للفراشة مناصٌ سوى أن تغوي الليل وتتذوق ملاءةَ الصحو، والنار شهوة الآلهة.
الكتابُ آلةُ الزمن، والحبرُ زيتها. والقلمُ آلة الحياة، والكلمة بيتها. ويبقى أن أشعَّ ببوصلة الصمت ثم أهطلُ شرقَ المليحة. لولا ان حدود الخرائط ممحوة بفعل الحب، لتُيسِّر لله ان يُعيدَ صياغتها مجدداً.
انظر إلى الموت، لا مفر منه ولا نجاة.
قم إذاً، وتعال مكتظاً بالحياة.
التفت للشجر، حتماً ستهديك آياتها وستوسوس لك نداها.
نعم،
في الليل، الشجرة سيدة الغابة ومليكة الزرقة.
شهيق الزرقة الأخيرة
تخنقُهُ الزرقة،
ولا تنقذ روحَه سوى الشجرة.
تمحو موتَ المشهد في عينيه،
تتراءى رويداً رويداً،
يراها وهي تعبرُ البرزخَ بساقيها العاريتين،
يزحفُ الشهيقُ الى صدره،
فيسقط على أغصانها جثةً حالمة.
لم يعدْ متاحاً لنا التمييز،
الأشجار والجثث،
التدافع ذاته، الغابة ذاتها، الوحوش تختلف.
لا تتغير، لكنها تختلف.
يبقى لنا شهيقٌ واحدٌ قبل كل شيء،
يبقى لنا الشهيق.
وإذا اقتربتَ من نهر الدم الذي سفكوه كي يجري تاريخهم، هل تجرؤ على اغتراف قطرة واحدة؟
إن شربتها، يهتفُ بك الشيطان. هل تفعل ذلك لتصيرَ سيداً في ليل الدخان، أم أنّك تفضّل انتظار مطر في سحابة كاذبة، ومع ذلك فإنها ستأتي؟
هذا تاريخكَ يتلوى مثل ثعبان عملاق، يهشم مدناً كنت تظنها حصنَ ماضيك. وهذا يومُك يتراجع ليصيرَ أمْسَك الذي أشحتَ بوجهك عنه وقلت أن الحقيقةَ ملكُكَ وحدك، وأن سرَّ ما جرى مدفونٌ في بئرٍ عميقة لا قرارَ لها. وأن الذي يطمسه التاريخُ لا يعودُ يظهر أبداً. لكن هيهاتَ أن تموتَ الحقيقةُ، حتى لو ردموها بأطنانٍ من الورق المزيّف. فالقاتلُ يعودُ يظهرُ من جديد، ونسلهُ الشيطاني يتغذّى في العتمة منتظراً إشارة النار.
كل ذلك يحدث لأن من كتبوا سيرةَ المجد، ورصّعوها بالبرد والزمرد، أغفلوا، وتغافلوا عن ذكر الخطأ باعتباره مكملاً للصواب، حتى ظنَّ الناسُ أن القتلةَ الذين حكموا في التاريخ كانوا ملائكةً، والناسَ من بقايا الرعية. ولا أحدَ يجرؤ اليوم، بعد مئات السنين، على قول :لا، لمن قالوا في ذلك الزمان : نعم.
سريرٌ عظامهُ النار
شهيقٌ أخير في مواجهة ما بقى من زيت المصباح.
يعتلى اسمَهُ بكل ضراوة ثم يختفي في جموع صلاة الجنازة.
وعلى هضبةٍ بعيدة، كان هناك قميصٌ مبقّع بظفائرَ من حِناء.
كل مرّة، يَسِمُكَ المرضُ بجرح ثم يعودُ لكي يطمأنَ على وسمه.
حين تراه مقبلاً، لا تجهز له النار.
هذه المرة، لا تفعل.
اذا طال مرضك اجعله صديقك.
-ما اكثر أصدقائي .
يراقبكَ المرضُ عن كثب، مثل نارٍ تسجّر أحجارَ السهرة. تحتسي رائحتها المعتَّقةَ منذ ميلاد الوردة حتى تثمل. وفي غيبوبتكَ، يروي لك الحجرُ كيف انتابكَ في المرة الأولى.
كنتَ في الطريق الى حديقة النار، فتعثرتَ بملمس أصابعها. هوتْ بك الى سريرٍ عظامُهُ النار، وملاءاته السعال. وحين أفقتَ، كانت الحديقةُ قد غادرت أشجارها. قلتَ له: المرضُ ليس هنا. ليس في الجسد. الحياة هي المرض، فالموت اكثر الأصحاء نشاطاً. ماذا تفعل الحياة في الموت؟
الحياةُ تحيةُ صباح الموت، هي طفلته التي تشاغبُ شروقَ الشمس بكفيّها المحناتين،
هي قصرُ الرمل الذي تجمع فيه سبايا الشهيق على رمل النهار.
الحياة هي الجملة التي يفكر الموت في كتابتها كلَّ مساء، فتفرُّ من صفحته، لتستفيق على أجنحة الملاَك.
فإذاً، يا أجسادنا المرتعشة الفرائص لفرط الواقع. أيها الوهم المستفحل والشيخوخة الماثلة، كفوا عن مزاعم الهزيمة في عنفوان انتصاراتها، وصكوا بآباطكم على الريشة الاخيرة في جناح مكسور، وأمنحوا نشيداً يليق بتحليقنا الأخير على هاوية تدخّر لنا السحق الفادح،.
هذه صلواتنا لآلهة الضغينة. وليكن النشيدُ رايةً نرفعها في مهرجان الهجرة، لكي يعرف الموت أننا نمحو عمامته من مخيلة الفريسة، وأننا لن نختار باب الاشارة لنكمل رحلتنا، بل سنختار باب الخريطة. ومن هناك، سننازله عراة من المزاعم.
بعيداً عن المهرجان.
في الهجرة فقط، خارج النص، تشبثْ بهامشك في رحيلك الوحيد. لم يعد لكَ المكان، ولا يسعك الزمان. فالقبر الذي يحفرون والمقاصل التي ينصبون، تَسَعُ جثمانكَ وتؤرجح جثتك.
دعهم في خلائط ما يزعمون، واذهب عارياً في الريح، مثل فرس مذعورة تنسى طبيعة الحرية.
ولفرط الحبسة، تنطلق.
تاء الحياة المفتوحة
أهدمُ سرايا الضجيج
قبل أن أذهب،
وأعتلي ربوة الكأس الأخيرة
طمعاً في لذة الصحو.
حينها، سأطلب من فتاة المضمار أن تقرع جرس السباق.
هناك، سأجدك ترمقُ خط النهاية بتوجسٍ يشبه توجسي،
وسننطلق.
الشاعرُ في أول الصفِّ، ليموتَ اولاً.
فيكون هذا فألٌ حسنٌ في حسبهم، حيث تصبحُ الطريق سالكةً نحو التغيير الذي يقصدون.
فتستوي المراثي والمدائح، مثلما لا فرقَ بين الموت والحياة الا بالتاء: مفتوحة هناك ومغلقة هنا.
وبعد ما يفوت الفوتُ لن ينفع الصوت. ولا الريح حتى الأعاصير.
الشاعرُ
محني الظهرِ
متوكئاً على عصاه،
وهي في الأصل قلمٌ
لا يصدّه الإعصار،
والدروب التي يفتح انهارها
تزهر بثمرة النجاة
أو بثورة ضد الحياة.
فإن ضربَ الأرضَ رجَّ معناها
واشعل في نعاس النفوس يقظةً
نسيها الزمان.
من ذا الذي خطَّ البيداءَ غيرُ القلم،
ومن عبَرَهاغيرُ الشاعر؟!
خيامٌ تلوحُ كأفقِ قصيدة،
يمرّ الموت بها،
فتُذبحُ له الأمسياتُ،
ويُدقُ له سامرُ الشهبِ الضائعة.
يجلسُ في صدر الموكب،
يشيح بوجهه عن بداوة القهوة،
وبكارة الموائد،
بحثاً عنك.
كان موكبه آتياً من خيزران العطش،
ولم تكن سوى رملٍ مرّ،
ليُكتبَ الماءُ لهم.
بعد أن ينفضَ الظلامُ عباءته، سيتساقطُ النور. وقبل أن تمتطي قدماي صهوة الطريق، ستهمسُ له :
-لماذا تغوص البدايةُ في نهايتكَ، وتطفو على ساحلكُ عناقيد التيه؟
لولا عصاه لاستعصى عليه الوقت،
لغتُهُ تسند ظهرَه لئلا ينحني ، وبين أضلاعه حدائقُ وبساتين وأحلامٌ مستعدة،
عرضةً لصلاةٍ اكثرَ ضراوة من عربة النيران،
لكنه لم يزلْ.
العابرون من جنّة الأشرعة
البساتينُ مخبأةٌ في تجاعيد النعاس،
ولولاها لما تقاطر البنُّ في ذاكرة الفنجان.
إستقمْ أمام رجفة النوافذ،
إصدح عالياً لذلك الوادي السحيق،
وأختر النارَ التي تجدلُ ظفائرها تحت قدميك.
معها، إهبط الى الغيم وتناولْ قهوتك برفق.
ليست للقطف هذه الوردة،
انها للقطيف العفيف،
فهل يا ترى قالوا لها؟
تعال اليها،
معتقةً برمال البتراء،
مخضبة بشفاه الجنوب البهي،
تعال اليها كما كنت دوماً،
مصطحباً صناديق البريد التي تبخترتْ بالزغارد.
تعال.
دعها تتذكر مستقبلها،
دعها في اختبار الوقت،
فالتجربة تمنحها الحب وعذابه.
فهي البريد والرسائل والأجنحة والريح.
تتذكر بأنها عذَّبتِ البحرَ،
وآوتْ الى جبلٍ لم يعصمها من الملح،
وأنكَ لم تستوِ إلاّ على جيدها.
أستلَّ بقيَتها من غمدِ هربه كي يقتل الغربان التي وشمتْ مخبأه.
تلا تاريخَ الطرائد على نبض الجدران القرمزية المتواطئة،
فصد الدم الأبيض،
غسل به إحمرار صوته،
وإزرقاق سعاله،
ثم إستعد للحديث.
قال:
كنت أنا الجاني، مررتُ بنقشها الجاف على هواء عمرتها اليانعة. حييتُ مقامها قبل أن أطوفَ بأحجارها، ثم سعيتُ لجبالها لأحشرجها بخشوع وداعي.
تهدج انتظاري الى أن سالَ من هضبة مشيتها خدرٌ أغواني.
قطعتُ صلاتي، فنزفتْ حتى الصوت، ثم تدحرجتْ معها الى القارعة.
وكانت تلك ساعة ارتطامنا بالحقيقة النائمة،
واظننا استيقظنا على نداء ناي.
لماذا تستيقظُ الحواس؟!
ألتلتهم أعوادَ النار التي نصبْناها فرحاً بالعابرين من جنة الأشرعة؟!
يشحن حقائبه بالأحلام،
مستعجلا العودة الى منابع الماء. لا ليله ليل ولا نهاره نهار. لحواسه طبيعة العطاء ولا يأخذ سوى شذرات الشوق المتهدل كأجنحة. انظروا إليه متاحاً لأكثر الأسفار غموضاً.
جريرتك ليست جناية، تضع وردتك قي كأسها، وهذا ضربٌ من تحريك الذات في الموضوع.
هل تسمّي حضورك المرعش اضطراب الرؤية، أم تجلّي رؤياك في حضرة المليكة؟
في غيِّها، أمُمُ الحَجَر
كيف أسمّي مَنْ لا إسم له؟
إذا ثملتِ الوردةُ، فسيكون من حق الكأس أن يغلق حانته وأن يضطربَ بعيداً في فراشه.
كيف أروي من لا رؤية له؟!
حين يجتمعُ السحرةُ حول عصا المليكة،
فإن ثعبان الضُحى سيطبق سمَّهُ على ما بقى من إرتعاشاته.
هكذا هو،
نبيٌ بلا اسم
رسولٌ بلا رؤية،
تثمل وردته في نبيذها كلَّ مساء، ليوحي لها آيةً جديدة.
الوردة المنقوعة في الدم لم تكن في الأصل حمراء،
وشاربُ عطرها كان يخفي عن النهار يده السكين.
الآن، تنكسر مسافةُ النداء،
وتنفضُ الأشجارُ أوراقَها، فتسقط ثمرةُ المعاني الفاسدة،
ولا عزاءَ للحطّاب سوى إنتظار خريفِها.
السيدةُ النائمة في الوسادة،
والدعاءُ المرفوع بقوة الصمت،
ورجلٌ يلكم ماضيه بقبضة القدر،
هل وصلوا؟
وهل جرعةُ الحروفِ تُشبِعُ هذا الجدار؟
كان السيلُ حفرة نبع،
ويدَّعي النهرُ أن منبتَهُ في القصيدة،
ولكن الجهات مخنوقةٌ في البوصلة،
وهاهو الشمال يتقوسُ مظلةً على العالم،
ومن عيونها الدمع ما يجف،
ومن بين الستائر هناك الهوى خلسة.
لكأن النومَ لا يكفي لأحلام الأطفال الذين لا يجدون الوقتَ ليكبروا،
ولا جهاتٍ تسعهم ليضعوا خطواتهم المترددة على طريق واضح،
لا بوصلة تدلهم ولا أدلاءَ لهم.
موتهم أقربُ من جرعة السماء.
انظروا لهم،
كم إنّ لأمهاتهم صبراً على ذلك،
لا يدركه الكتابُ ولا تهديه المواعظ.
بصيرتهم تزرّقُ،
الخديعة على مشارف القبيلة،
والفرسان يتدفأون بزنجبيل الشجاعة.
رموشهم تهتزّ كجنينٍ تروي له أمه حكايات الخروج.
هاهم الخوارج يصقلون أسنّة أحاديثهم الضعيفة،
ثم يطلقونها باتجاه الآمنين.
والسبات الأزرق أننا حلمنا بالورد،
وتفتحت عيوننا على دخان نفخناه على مرآيا يائسة،
والصبر، وهو الطريق إلى القبر
كان أمْراً،
ولكننا تشظيّنا في هلاله،
ولعبنا في الخفاء مع الحسرة،
وتركنا الجهلاءَ يتسابقون في عبط احتضارهم،
وحين إكتمل العيدُ في أحلامنا،
وجدناه مُراً
ولم تعكس مراياه سوى التماعة الدمع.
ثم قال المجنون: خذوني حكيماً،
وصدقه الأنبياء.
ومن بلاد إلى بلاد،
تدحرجتِ الكلمةُ
وتناسلتْ في غيّها أممُ الحجر.
يَنحازُ الليلُ للمؤامرة
يغترفُ الطفلُ سَنَتَهُ من ضفاف صمتهما،
فيعطشان.
وهذه الأصنامُ التي تمشي،
كانتْ في مكانها.
تمرُّ على الجالسين في بحبوحة النسيان،
يلوّح لها الأطفالُ بالماء،
وهي في عطش الصهيل تنادي فرسانها.
يفترشان سجادة اسمه،
ويصليان في حضرة الاحجارِ نافلةَ غيابهما عنه.
هاهم الفرسان،
يردّون لها التحيات.
لعل في الوقت ما يسع أرواحنا ونحن في الريح،
كأنما في الفريسة ما يغري الوحش، ويغرر بالطريدة ويضع الدم في القلب والجرح.
إذا كانت مجنونة فقط،
أطلقها.
مخيلتك،
لا تصدها ولا تسألها،
أسلم قيادك لها
واجعل خطواتك مليكة لسيادتها.
مخيلتك شمسك في النهار و الليل.
ماذا تريد منك،
اعطها.
فقط اصقلها قبل الصلاة والتجديف، لكي تصل.
اللهم اني اشهد. اللهم اني قد بلغت.
وهؤلاء الذين تقاسموا ندمي،
كانوا واحداً،
كانوا.
وصلَ لي بلاغك،
مدَّ ساقيك،
واسند ظهرك على حائطي.
يا سيد سلالتي؛ ليس لك إلاّي،
اكتب جواهري،
وسأقاسمك ومن معي ندمك ومدني.
هكذا توردُ الإبل،
قلت لك ذلك في القرن الماضي، يوم كنا شباباً نورد احصنتنا الى الماء وتقصر عن إجبارها على الشرب، فنعود بها والعطش يفتك بنا معها.
الان،
لا تزالُ خيولنا عطشى، ولا نزال مكتنزين بالمزاعم.
انها الرايات،
يغرسها المشلولُ في طين النهاية.
بالكاد نبدأ.
لكنه اولُ الساقطين.
هكذا كنا،
نقتسم مداد السفر،
ونتشارك حصير المدن المسرفة.
ولا ننسى أن أجنحة الحنين تطول أن طويناها.
في كل مدينة،
أغرس رائحةً تذوقتُ نسيجها في ركن نص قرأناه معاً،
او في فئ موسيقى عزفناها بأوردتنا.
ليست ذكريات
انها دفاتر القلب.
هل كانت التحية شكلاً في الوداع،
هل طمروها قبل تنهيدة الندم،
وهذه اليد وهي تصافح سيوفهم.
لم نعد ذاهبين بأية سيوف
الى اي مكان،
التحية هي طلب النجدة فحسب.
هل تمدها لتقول: الحب رحمة نائية؟
لأن النجدة هي شهيقُ العينين،
فلا بد أن تمدها،
لكي ترى.
لعله سلاحنا فحسب،
الحب،
دمغةُ الحياة المؤجلة.
هو سلاحنا، نضعه على أرواحنا، ونمضي في غي الصيد، غير عابئين بغرائز الفخاخ التي ُتحاك في براثن الشرق.
نصلهم وصل العظم،
فيما نباهي بعرينا من الأسلحة.
ولكن تتنافرُ العروق،
وتزدهي الشوكةُ باحمرارها.
كأننا نعلك الرمادَ لفرط الواقع.
غير الواقعيين نحن.
ويدك وهي ممحاة، تكتب ما ينهبونه،
ولسانك وهو بعد غر، متهمٌ بالزلل،
هم لا يطيقون الاعوجاج،
عبيد الأسطوانة.
ليكن،
فالاعوجاج هو الصراط الذي تعثّرَ على مشيتنا، فسقطَ في نارِ عدْن.
لماذا ينحاز الليل لمؤامرة الشك؟
يَعُجُّ التقويمُ بترجمات الوقت، وبالحكمة الرخيصة المبتذلة،
والفجر يتوكأ على جدار الارتياب.
ليس إلا أن تفيق،
وتدفع بابَ الصباح بكفين مغمضتين.