في قارةٍ أخرى، تركتَ أعداء مساكين،
يجب أن تخجل من نفسك عندما تتذكرهم
لا شيء يُغضبك الآن،
من الصعب أن تقابل شيوعياً كلاسيكياً هنا، إنهم يضعون ساعةً
في المكاتب العمومية بدلاً من صورة الرئيس.
ربما يكون كابوساً أن تقضي يوماً كهذا تحت تأثير المهدئات.
لا شيء جدير بأن تتمرّد عليه.
أنت مرْضيٌّ وميتٌ
والحياةُ من حولكَ تبدو مثل يدٍ رحيمةٍ
أضاءتْ الغرفةَ لعجوزٍٍ أعمى
ليتمكّن من قراءة الماضي.
جغرافيا بديلة، ٢٠٠٦.
مقبرةٌ سأحفُرها
عائدة إلى البيت بطائرٍ ميتٍ في يديّ، ومقبرة صغيرة
سأحفرها تنتظرنا في الحديقة.
لا دماء على ريشه المغسول، جناحان مفرودان
ونقطة ندى على منقارٍه ربما تكونُ خُلاصة الروح
كأنه طار أياماً وهو ميّت بالفعل،
تحدّد سقوطه أمام عينيّ الرب، مائلاً وثقيلاً
وأمام عينيّ.
أنا التي تركتُ بلداً في مكانِ ما لأتمشّى في هذه الغابة
أحملُ جثةً لم ينتبه لغيابها السرب،
عائدةٌ إلى البيت في جنازةٍ كان يجب أن تكون مهيبةً
لولا هذا الحذاء الرياضيّ.
من "حتى أتخلّى عن فكرة البيوت"، ٢٠١٣.
ولأسبابٍ أُخرى
لم أسمع ثوريّاً يتكلمُ
إلا ليُدافع عن ثورتهِ القديمة
أمام صامتين جُدد.
الأنبياءُ يصمتون بالضرورة
عندما يصبحون أكثر قُرباً
مِن الذي أرسلهم.
من "المشي أطول وقت ممكن"، ١٩٩٧
ينتظرونَك حيث تركتَهم
هكذا
من الأفضل ألا تلتقوا أبداً.
الجنس
ما يسمونه "الجنس"
المأساة ؛
ربما لو رفعتُ رأسي إلى السماء لفاجأني قمرٌ
لتخيلتُ أسئلتي تمشي مثل حيواناتٍ حيةٍ في غابةٍ.
في الخارج،
تعبرُ المدينةُ الجسرَ في إضاءاتِ سياراتها الخاطفة،
يمكن للواحدِ أن يؤكدَ أن الدنيا موجودةٌ،
الدنيا تلبسُ قميصَ نومٍ فوق الرُّكبة
ولمساءٍ كاملٍ لم تنظر في ساعتها كأنها لا تنتظر شيئاً.
المأساةُ القديمةُ
ستنتهي هنا
لتبدأ خلفَ شُبّاكٍ آخر.
جغرافيا بديلة، ٢٠٠٦.
قد يكون الموت هو عدم القدرة على تبادل ذكرى مشتركة بين شخصيْن. أنا معك فوق الأرض وليس تحتها أنت. كُمّ قميصك الذي خلعته للتوّ مطويّ تحت فستاني الذي خلعتُه للتوّ وأصابعك الأخرى تحفر في سلسلة ظهري الآخر، نظّاراتانا كانتا على صينيّة القهوة يا أخي، كأنهما تحدّقان في كل الذي حدث في المستقبل.
للأسف،
نحن لم نقتل شاعراً واحداً في حياتنا
لقد ماتوا بلا مجد
بينما كنا نبحث عن طريق للخروج
من أرحام زوجاتهم.
مثل القصيدة التي كنت أكتبها في الحلم
غريمي على ركبتيْه وجمهوره يصرخ "كيف لن يقتل أحدٌ أحدا"
معجزاتٌ تحدث ولا تسأل كيف
السيفُ تحت إبطي مثل شمسيّة تنتظر مطراً لتنفتح.
وترخّ السماءُ حروفاً
كلّما تكوّنت كلمة التأم جرحٌ ما في هذا العالم
في الطريق، كأنني كنتُ على طرف قناة وأمي على الطرف الآخر
بيننا سربٌ من الأوَزّ نجحنا أخيراً في إعادتها إلى البيت
في البيت كنت أقشّر برتقالاً وأقطّع تفاحاً في جلسة صُلح مع الفاكهة
وكأن عيالي أكلوا كثيراً حتى أنني خفتُ أن أحسدهم
ربما نمتُ بعدها
وكانت لذة تصحو في أصابع قدميّ
الدم كان نظيفاً في عروقي
وتؤرجحني سحابة
السعادة اكتملت
والغريب أنني عرفت لحظتها أنها السعادة.
قُلتَ: لو كان له أنفُكِ فسيمشي في حواري العالم دون خوف.
قُلتُ: ولكن لو كانت له عيناي لارتطم بكلّ حافة في طريقه.
جاء الطفلُ، طفلنا، بأنفك وعينيّ ويتعذّبُ
يتعذّبُ
كأنه لم يولد إلا من رحِم المجاز.
ربما يكون كابوساً أن تقضي يوماً كهذا تحت تأثير المهدئات.
لا شيء جدير بأن تتمرد عليه.
أنت مَرْضيٌّ وميتٌ
والحياةُ من حولكَ تبدو مثل يدٍ رحيمةٍ
أضاءت الغرفة لعجوزٍ أعمى
ليتمكّن من قراءة الماضي.
سركون بولص، "لقاء مع شاعر عربيّ في المهْجر"
في تلك الساعة المنبوذة والمُنفردة
في تلك الساعة من الليل حين تضيقُ الخيارات
حتّى يتّخذُ كلُّ غيابٍ للمعنى شكل سحابةٍ من الدخان
بين أصوات الزبائن السكارى في ذلك المطعم الصغير
وهدير المحيط الهادي الذي يدكُّ، في الأسفل، شاطئَه الصّخريّ
حدّثني عن شعراء المهْجر الأسطوريين
وكيْف كان يعرفهم في شبابه، هو الذي
ما زال يتْبع نفْس الطريق.
ومن دفتر عتيق
يحملُ على غُلافه أرْزة لُبنان
أخذ يتلو عليّ قصائدهِ العموديّة الطويلة.
لم يكن ممكناً أن أراك في مدينةٍ بلا سور، حيث تنوح الرياح أمام البوّابات ولا يمكنها الدخول. مدينةٌ بسورٍ، كلانا يحتاجُ السجنَ حتى ينتبه للطيور التي تمرّ فوقه. أحبطني أنها نوارس، لا يمكن أن تكون هذه الأجنحة لنفس الكائنات التي تسرق فراخ الطيور الأخرى. أحبطك أنها نوارس، كيف تكون الرموز التي يغني لها الشعراء من أكلة المخلفات.
نيّئةٌ هي الأحْزان
مثل كلمات في قاموسٍ
عندما أُقلّب الصفحات عشوائياً، أنخُلُ طحيناً ويُغطيني الدقيق الأبيض
وعندما أكتب جملة واحدة تُصبح يداي لامعتيْن ونظيفتيْن كأنني عجنتُ نفس الدقيق وخبزته.
وعندما تكون جنازةٌ يخِبُّ رجالٌ في جلاليبَ بيضاءَ
كأنهم جموعٌ في إعلانٍ مجانيّ عن مسحوقِ غسيل
وتذبح لابساتُ السواد أكبر طيورِهن
الأبوابُ مفتوحةٌ والولائمُ تنتظر
قُرباناً لإله الموت
كي لا يزورهم قبل أن تكبر الطيور الصغيرة.
اليدُ التي لم تُسلّم عليكم
ولم أدفع بها كائنات تمشي أمامي . . . لأمُرّ
وكأنّ شيئاً حقيقيّاً. . حرجاً
كُنتُ أقصِدهُ، فقدتُه حالاً.
اليدُ التي لم تُصحّح الأخطاء اللغويّة
لأُناسٍ لم يزل يهمّهم النحو والبروليتاريا
وعند إشعال النار
لا تصْلُحُ إلا لتثبيت عُلبة الكبريت
في وضع استسلام
أتركها
مفتوحةً على الوسادة
لشخصٍ يُمكن أن يضع عيونَه عليها
إذا لم تُؤخّره المواصلات العامة.
اليدُ المترفة كأنها ليست يدي
المُعطّلةُ لسببٍ لا تفْهَمْهُ
تبدو يدي أكثر.
المشي أطول وقت ممكن، 1997.
من النافذة
من الممكن أن تميّز الشخص الذي تحطّم من قبل
الشخص الذي بعد أن تحطّم نجحوا في تثبيت ظهره
أو ربط عنقه بالكتفين،
من وقفتك هذه، تشرب القهوة وتتابع العابرين،
قد تخمّن شكل الشريان الذي نقلوه من معصمه إلى قلبه،
أو تلمح لمعان المسامير التي استوردوها من أجل الرّكبة.
سترى بوضوح إخلاصه لخطوته،
بطيءٌ ربما
ويمشي عادةً في خطٍ مستقيم
لن يلتفت نحوك فترى عينيه؛ إنه مغلقٌ بإحكام.
الأمر سيكون أسهل مع شخصٍ تبعثر من قبل؛
الشخص الذي تبعثر من قبل عادةً ما يتلفّت حوله، كأنه
يبحث عن جزءٍ ما زال ضائعاً منه
وقد يبدو في التفاتته حلواً جداً لأنهم ألصقوه بالصمغ
أو مُرّاً بعض الشيء لأنه يبالغ
في إضافة الغراء ليسدّ فجوةً بين عضويْن.
لا أظن أنك من زجاج النافذة، يمكن أن تُدرك
هؤلاء الذين تمزّقوا من قبل
لا شيء يميّزهم في الحقيقة!
أقصد، ربما كلٌ منهم لا يشبه إلا نفسه
مثل ملصقات مختومة تم نزعها من أغلفة المظاريف
وانتهت عند هواة جمع الطوابع.
خانات
عادةً ما تكون النوافذُ رماديّة،
وجليلة في اتساعها،
بما يسمح للموجودين داخل الأَسِرَّة
بتأمُّل سير المرور،
وأحوالِ الطقس خارجَ المبنى.
عادةً ما يكون للأطبّاء أنوفٌ حادّةٌ،
ونظاراتٌ زجاجيّةٌ،
تثبت المسافة بينهم وبين الألم.
عادةً ما يتركُ الأقاربُ
وروداً على مداخِل الحُجرات
طالبين الصفحَ من موتاهُم القادمين.
عادةً ما تمرُّ سيداتٌ على
مُربّعات البلاط بلا زينة،
ويقف أبناءٌ تحت مصابيح الكهرباء
مُحتضنينَ ملفَّات الأشعّة،
ومؤكدين أن تمرير القسوة مُمكنٌ
إذا تَوَفّر لآبائهم بعضُ الوقت.
عادةً كل شيئ يتكرر
والخانات مملوءةٌ بأجسادٍ جديدة
كأن رئةً مثقوبةً تشفط أكسجينَ الدُنيا
تاركةً كلَّ هذه الصدور
لضيقِ التنفُّس.