® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2014-12-30, 3:54 pm | |
أنَا خَطَأُ النُحَاةِ
ليسَ دمِي صدَقةً جارِيةً ولا أشْبِهُ أبَا الهَوْلِ فِي الصَّمْتِ قد يكُونُ مَثِيلِي فِي الشهَادةِ والكِتمَان لكنَّنِي لم آكلْ منْ لُحُوم البشَر ولم تكُنْ أصابعي العشْرَةُ يومًا منَ البَارُود وليس فمِي قبْرًا يستقبلُ الغُربَاءَ حين يُسرفُونَ في أخذِ جرْعَاتِ زائِدة من شرَابِ الأمَل لا أبوابَ لِي أو نوافذَ وإنْ كان فهِي عميْاءُ لا ترَى أرْفَعُ سمَاءيْنِ على رأسِي وأُعْطِي للحوائطِ وجْهِي الذي بلا وُجوهٍ منْ سَوَادْ .
يَصْعدُ النَّهْرُ لِي في الصَّباحِ بأسْمَاكِهِ وأنْزِلهُ كُلَّما حنَّ شيْخِي إلى المَاء أعترِفُ أنَّنِي الأصْمَتُ بين النَّاسِ والأجَنُّ وفي رِوايةٍ : أنَا آلةُ الجُنُونِ حينَ أُشْرِقُ لم تَمُر السُنُونُ منْ بينِ الأصَابِع بل خمَشَتْها الأظَافرُ أعادتْها إلَى الصِّفْرِ مَا مِنْ لُعبةٍ كسَبْتُها حتَّى صِرْتُ ابنًا للخَسَائِرِ ورُحْتُ فِي المتَاهَةِ لمْ أبرَأ منَ اللَّعبِ ولم تضَعْ لِي من أُحِبُّ حِجَابًا لأدخلَ النشِيدَ واحِدًا وسائرًا في الحُلم .
أعطَيْتُ كُلَّ شَيءٍ ولمْ آخُذْ حتَّى مِنَ الظلِّ أسمَاءَهُ أثِمْتُ كَمَا إلهٍ مِنْ بُرونْزٍ حِينَ يصْدَأُ في العَرَاء ولم يغْفِرِ المَارُّونَ لِي تبدُّلَ اللَّوْنِ ولا سِحْنتِي الكالحةِ من فرْطِ بصمَاتِهِم فِي الوُجُوه جَاءَ كتَابي خاليًا من الهَمَزَاتِ والنقاطِ كعنْكبُوتٍ بلا أرجُلٍ يبْحَثُ عن عَكَاكِيزَ فوقَ حائِطٍ عَارٍ الكِتَابُ مُمْتلىءٌ بالدُّمُوع والكَلامُ الذي لا يرَاهُ سِواي أنا خَطَأُ النحَاةِ والرسْمُ الفرِيدُ لطَائرٍ مُنْتَشٍ ذِي مِزَاجٍ منْ عِنَبْ .
أنا أحمدُ الشَّهاويُّ الذي رَتَّبَ الأبد كيْ لا تكُونَ هُنَاك فوائدُ منْ مصَائبَ قوْمٍ يغزِلُون العنكبُوتَ لا عيْنَ لي في المرَايَا إذْ لا حوائطَ في الفرَاغِ واللانهاياتُ بلا جسَدٍ باذِخٍ كأنَّ شيْطانًا يرْقدُ في المُتُونِ يمْلَا الدَّوَاةَ بدَمٍ فاسدٍ ويكتبُ عنِّي ما لمْ أقُل : البابٌ مَغلُوقٌ ولا منْ طريقٍ تُشِيرُ إلى جِهةٍ فِي اليسَارِ حيثُ تركتُ قلبي يسِيرُ طَوالَ الليلِ وحْدَهْ بلا بوْصَلةٍ أو دَلِيلْ .
المَجْدُ للأبيضِ وَالأَسْوَدِ أحمد الشّهاوي
لا أستطيعُ أَنْ أكتبَ بغيرِ الأَسْوَدِ، فهو الَّلونُ الذي أراني فيه متحقِّقًا وفاعلاً وخالقًا صُورتي وَكَيْنُونتي.
الأسودُ للشِّعْرِ، الأسودُ السَّيَّالُ الدافقُ الذي ينطقُ بما أَحْمِلُ، الذي يُفكِّرُ معي.
لا شكَّ أنَّني جَرَّبتُ وأجَرِّبُ دومًا أقلامًا جديدةً، وأستعرضُ الأنواعَ الحديثةَ من الأقلامِ التي تَحْمِلُ الأَسْوَدَ في بَاطِنِهَا.
ولا أستطيعُ أن أتخيَّلَ أحدًا يكتبُ بِغَيْرِ هذا الَّلونِ. اللونُ الذي يعيدُ خَلْقَ العالمِ وتركيبَهِ من جديدٍ. وليس الأسودُ لونُ ما أَخُطُّه على الورقِ الأبيضِ غير المسطورِ، لكنَّهُ لَوْنُ ملابسي، ولَوْنُ غرفةِ نومي، ولونُ أشياء حميمةٍ في حياتي.
ثم إنَّ الورقَ المسطورَ يُشْعِرُني أنَّه وَرَقٌ مكتوبٌ سَلَفًا، مُسْتَهْلَكٌ، كما أنَّ السُّطورَ تُقَيِّدُني، أعتبُرها قضبانًا لزنزانةٍ سَاعَةَ أكتبُ. أمَّا الأَوَرْاقُ البيضاءُ من دون تَدَخُّلٍ في تسطيرهِا، فتحملُ حريتي وَنَزَقِي وَثَوْرَتي، وثروتي في الُّلغةِ والبناءِ والصُّورةِ.
وأنا لم أستخدمْ الآلةَ الكاتبةَ يومًا ما في الكتابةِ، لأنَّني لم أَتَعَلَّمْ الكتابةَ من خلالها. وكذا رغم معرفتي الكتابة عن طريق الكمبيوتر فإنَّني لم أكتبْ سوى ثلاث قصائد (من رأسي إلى الشاشةِ مُباشَرَةً). وَكَانَ لديَّ مشروعٌ لأَنْ أكْمِلَ ديوانًا أَكْتُبُهُ بحيث يكونُ الكمبيوتر وسِيطَ الكتابةِ، لكنَّ الفكرةَ خَمَدَتْ نَارُهَا ، ولم تتأجَّج ثانيةً.
وربَّما فيما بَعْد تَتَغيَّرُ أشياءٌ كثيرةٌ في طرائقِ كتابتي ، خُصُوصًا أنَّني أُطوِّرُ أدواتِ كتابتي الشعريةِ من ديوانٍ إلى آخر، لكنِّي مازلت أرى أنَّ للوَرِقِ الأبيضِ والحِبْرِ الأسودِ ، والإمساكِ بالقلمِ لَذَّةً لا تعادلُها لَذَّةٌ سوى الفرحِ باكتمالِ النصِّ وخروجِهِ في شكلٍ أرتضيه كَشَاعرٍ له.
ولأنَّني اعتدتُ الكتابةَ بيميني منذ الطفولةِ، وحتَّى كتابةِ هذه السطور، فَأَرَى – حتَّى لو كتبتُ فيما بعد عن طريقِ الكمبيوتر – أَنَّ هذه الطريقةَ مضمونةٌ ، ولا مشكلات تقنية مُعَقَّدة وراءها، خُصُوصًا أنَّ زملاءَ لي فقدوا أعمالهم (من الكمبيوتر) إِثر أخطاءٍ غير مقصودةٍ ارتكبوها.
كما أنَّ الكتابة (يدويًّا) لها فَرَحٌ خَاصٌ، وتمنحُ الشَّاعرَ فُرْصَةً لأنْ يُشكِّلِ حَرْفَهُ بتؤدةٍ خُصُوصًا من يتمتعون بخُطوطٍ جَيِّدةٍ مثلي، فمثلي – وأنا مولعٌ بالفنِّ التشكيليِّ وتكوين الصورةِ – يَلْعَبُ بحروفِهِ ويزخرفُها ساعةَ ميلادها وَيَضْبِطُهَا ، بحيث يعتقدُ من يقرأها – في التوِّ – أَنَّه تمَّ الانتهاءُ منها وتبييضها.
والكتابةُ بيميني صَارَتْ جُزْءًا من حياتي، وارتباطًا نَفْسيًّا بل روحيًّا، لا أستطيعُ الفَكَاكَ منه أَبدًا.
ولأنني لم أَعُدْ أكتبُ شعرًا متمثلاً في القصيدةِ المُفْرَدَةِ منذ صدورِ مجموعتي الشعريةِ الأولى "ركعتان للعشق" في عام 1988 ميلادية، وصرتُ أكتبُ – فقط – الكتابَ الشعريَّ، ذا السياقِ الواحدِ، والُّلغةِ التي تَتعدَّدُ وتتأوَّلُ، والبناء الذي يجمعُ عديدًا من الأبنيةِ داخله، فأنا طالما دخلتُ في مشروعِ كتابٍ شعريٍّ لا أخرجُ منه حَتَّى أُكْمِلَهُ، فَقَدْ أكتبُ كُلَّ يومٍ، وأنتهي من الكتابِ الشعريِّ في شهرٍ أو شهرينِ أو سنةٍ، ولكنَّني أظلُّ طُوالَ الوقتِ في حالةِ كتابةٍ حتَّى ولو لم أَخُط حَرْفًا.
فأنا أؤمنُ أنَّ الشَّاعرَ لابدَّ أَنْ يعيشَ الشِّعرَ يوميًّا، وألاَّ يكونَ الشِّعْرُ زائرًا أو ضيفًا يأتي في أوقاتٍ، ويغيبُ في أوقاتٍ أخرى، وتلك طريقةٌ يتعوَّدُها الشَّاعرُ الذي لديه مَشْرُوعٌ مَهْمُومٌ به، ويريد أن يُحَقِّق شيئًا في حياته، فالجلوس إلى المكتبِ يوميًّا طريقةٌ مُثْلَى لأيِّ مبدعٍ، بحيثُ يعيشُ الكتابةَ، ولا يَغْتربُ عنها أو تُخاصمُه، أو تجعله خِصْمًا لها.
لذلك أنجزتُ أعمالاً مثل "لسان النَّار"، قُلْ هي" ، "كتابُ الموت"، "أحوالُ العاشق"، "كتاب العِشْق"، "الأحاديث"، "الوَصَايا في عِشْق النِّسَاء" وغيرها بطريقةِ "الكتابِ"، لا بطريقةِ "المجموعةِ"، لأنَّنا – نحن العرب – أُمَّةُ الكِتَاب (القرآن – الأحاديث القدسية الأحاديث النبوية، الكتبُ الأساسية في النثر العربي، كُتب الصوفية خُصُوصًا ابن عربي، السهروردي ، النفّري، وغيرهم).
وما "المجموعة الشعريةً إلاَّ ترجمةٌ حرفيةٌ لـ Collection Poems ، بينما الكتابُ الشعريُّ أو الديوانُ الشعريُّ أَمْرٌ آَخَرُ. حيث إنَّ المجوعةَ هي جَمْعٌ لقصائد كتبها الشَّاعرُ في أوقاتٍ متفرّقةٍ، وتتضمَّنُ رؤىً عديدةً، ولغةً متفاوتةً، ومستوُىً متراوحًا.
والكتابةُ للكتابِ غيرُ الكتابةِ للمجموعةِ الشعريةِ، ففي الكتابِ أكونُ في حالةٍ تحدٍّ، واستنفارٍ ، وَشَحْذٍ لطاقتي، وَابْتِعَاثٍ لمخيلتي، وَرَصْدٍ لسماواتِ رُوحي، وَحَرْثٍ لأَرْضي.
وبعد ما أَفْرَغُ – أو هكذا أتصوَّر أَنَّني أنهيتُ كتابي الشعريَّ – أعودُ إليه أكثرَ من مرَّةٍ ولكن على فتراتٍ متباعدةٍ، بحيث تحدثُ فجوةٌ بيني وبينه، وأتصَّورُ أنه لم يَعُدْ يخُصُّني، وأتعامل معه بشكلٍ نقديٍّ صارمٍ، وَأَنَا من الذين يؤمنون بإعمالِ الحذفِ أكثر من إضافةِ حرفٍ واحدٍ. وقد أحذفَ نصوصًا كاملةً لا أكونُ راضيًا عنها ، أو أراني كتبتُهَا من قبل، أو أعدتُ كتابةَ النصِّ أكثر من مرةٍ في الكتابِ. وهكذا فأنا أُحَكِّكُ نَصِّي وَأُشذِّبُهَ، وأحذُفُ منه، وأفعلُ فيه مثلما كان يفعل الشَّاعرُ العربيُّ طوال حَوْلٍ كاملٍ حَتَّى تظهرَ حوليتُهُ الشعريةُ، وأرى أنَّ العَرَبَ هُم أولُّ من استخدموا تقنيةَ الحَذْفِ في الكتابةِ، قبل أَنْ تشيعَ في الغربِ.
ولي عددٌ من المقرَّبين أَعْرِضُ عليهم كتابيَ الشعريَّ قد يصلون إلى عشرةٍ وهم مُنْتشرون في البلدانِ العربيةِ وليس في مِصْرَ فقط، وأتلقَّى ملاحظاتهم بعنايةٍ وتركيزٍ ، ثم أُعيدُ قراءَةَ كتابي على ضوءِ هذه الملاحظاتِ، وقد فعلتُ ذلك مع "لسان النار" ، و"قُلْ هي"، و"كِتَّابُ الموتِ" ، و"الأحاديث – السِّفْر الثاني" وغيرها بشكلٍ أساسيٍّ، وأرى أَنَّها طريقةٌ مفيدةٌ لي ، حيث أرى عيوبيَ ونواقصيَ من خلال عيونِ المقرَّبينِ مني دُونَ خديعةٍ أو تجميلٍ أو مُجَامَلَةٍ، فالشَّاعر ليس نبيًّا ، ونصُّه ليس مقدسًا، ويحتملُ التغييرَ والتعديلَ، وَالمُرَاجَعَةَ.
ولا أحدَ يَنْسَى أَشْهَرَ قصيدةٍ في القرنِ العشرينِ (الأرض الخراب) أو (اليباب) The Waste Land لـ (ت.س.إليوت) وما فعله إزراباوند بها حيث حَذَفَ ما يزيدُ على ثلثيْ القصيدةِ. وَرَأَى أَنَّ البقيةَ " لا تصلح " لأن تَظْهَرَ للقُرَّاء، ولما ظهرت بعد ذلك على يد الباحثين، عرف القُرَّاءُ لماذا كان باوند مُحِقًّا في حَذْفِ ثلثيها.
الكتابةُ مُرَاوَغَةٌ وَ مُرَاوِغةٌ في الآنِ ذاتِهِ.
وَعَلَى المرءِ أَنْ يعيشَ عبدًا لحِبْرهِ، وقصيدتِهِ، وألاَّ تَشْغَلُهُ أمورُ الحياةِ الدنيا من التوافِهِ المستهلكاتِ للوقتِ والرُّوحِ.
وليظلُّ الورقُ زادًا والحِبْرُ ملاذًا لمن يكتبُ.
ليسَ اسمُهُ أحْمَدَ
أعرِفُ أنَّ الثروَةَ هبطتْ مُتأخرةً عليَّ لكنَّها جاءتْ ومُنذُ الآنَ أعلنُ أنَّنِي :
أتاجرُ في الصَّمْتِ أتاجرُ في الدُّمُوعِ أبيعُ العَتَمَةَ ولا أتقاضَى فائضَ رِبحٍ أبيعُ النَّوْمَ لمنْ في رُؤُوسِهِم مصَابيحُ لا تنْطَفِىءُ لكنَّنِي أكَفِّنُ الهَزَائمَ وأحرقُ جُثثَ الذكرياتِ بسِعرٍ زَهيدٍ ؛ لأساعدَ العُشَّاقَ في النسْيَانِ وسَرِقَةِ أرواحِهم إنْ أرادُوا .
أقرِضُ النصرَ لمن يلتقُونَ أمَلًا في البرَارِي أقايضُ العُزْلاتِ باليقينِ لمن فقدُوا أسنانَهُم في البراكينِ ولمنْ غرقتْ سفائنُهُم في الزلازلِ ولمْ يعرفُوا أينَ يسْكُنُ نُوح ؟
لا رِبَا ولا فِصَالَ ولازيادَةَ في السِعْرِ حتَّى ونحنُ نبيعُ مياهَ الملَامْ . ونُعطِي لأصحابِ الفيلِ تخفيضًا كيْ لايهدمُوا كعبةَ الحُبِّ ثانيةً
أتاجرُ في تُرابِ المقابرِ ؛ كي أخَفِّف عن الموتَى التذكُّرَ وعنْ طُيورِ البرَارِي النوَاح وليس للرهْنِ مكانٌ فِي الدكَاكِينِ وأيضًا ليسَ للحُبِّ رَفٌّ لأنَّ الذي يبيعُ الحُبَّ فِي السُّوقِ ليسَ اسمُهُ أحْمَدُ .
القراءةُ فعلُ حبٍّ ، لأنَّكَ تكونُ مُتحدًا مع موضُوعكَ ، قادمًا من رغبةٍ عارمةٍ ، وفي جلستِكَ مع الكتابِ ، أنتَ وحدكَ في لذةٍ وإغراءٍ ، الأمرُ الذي قد يدفعكَ إلى أن تكتبَ . وما الكتابةُ إلا فعلُ حبٍّ باقٍ ، لا ينقضي بانقضاءِ السبب
غُموضُ الأَسْوَدِ وَظِلاَلُهُ التي لا تَخُونُ أبدًا أَحْمَدُ الشّهَاوِي فُطِرْتُ على حُبِّه منذ طفولتي.
لم أَكُنْ أدري بَعْدُ دلالاتِه، أو تجلياتِه، أو إشراقاتِهِ، أو رموزَهُ، أو معانيه،... لكنَّني كُنْتُ أحبُّ أن أكونَ فيه، متوحدًا به، ومتوشِّحًا.
عاتبني أبي – ضاحكًا - : "أمي كانتْ تلبس كقميصكَ هذا". وَصَلَتْ إليَّ إشارتُهُ، لكنَّني لم أَرُد خَجَلاً أَوْ أدبًا أَوْ ربَّما عَدَم اقتناعٍ بما قال، وهو الذي ربَّاني على الجدل والحوار والحرية، حرية أن تَقَولَ وتَفْعَلَ وتختارَ.
بعد سنوات قليلةٍ مِنْ قَوْلَتِهِ هذه، مَاتَ عام 1975 دون أن يُكْمِلَ الخمسين.
فَارْتَدَيْتُ القميصَ الأَسْودَ الذي شبَّهَهُ بما كانت ترتديه أُمُّه (جدتي لأبي) كُنْتُ آَنَذَاكَ لَمْ أَدْخُل الخامسة عشرة من عمري، كان اليوم الاثنين الثالث عشر من أكتوبر 1975، ثالث يومٍ لي في السنة الأولى من المرحلة الثانوية.
وصار الأَسْوَدُ من يومها فَاتِحَةً وَخَاتِمَةً لي في ملبسي، ولون فِرَاشِي، ولون سريري، ولون بعض أغلفة كتبي، ليس حُزْنًا أو ألمًا أو موتًا، لكنَّه أكبرُ من ذلكَ، إنَّه اختياري الشَّخْصِي، لم أكن أَعْرِفُ نُبْلَ الَّلونِ الأَسْودِ، ورُقيِّهَ وإيقاعَهُ، وامتيازَهُ وخصوصيتَهُ، وضوءَ عَتَمَتِه، وتدرُّجَ ظلالِهِ، ودرجاتِ لَيْلِهِ، وَصَفَاءَ نقائِهِ، وَحُضُوَرهُ المُسَيْطِرَ، وطغيانَ سماواتِهِ.
فَلَمْ أَنْجَحْ حتَّى – الآن – في كِتَابةِ نصٍّ بِلَوْنٍ غيرِ الأَسْود، هكذا اعتادتهُ عَيْنَايَ، وورقتي، ويمنايَ، وَقَلَمي، والضَّوْءُ الذي أكتبُ فيه؛ لأَنَّ الأَسْودَ نورٌ يَتَّصِلُ بروحي، كما أَنَّني أٌقَدِّسُ ظلماتِهِ التي فيها أَحْيَا وَأَلْتذٌّ، وأسوقُ روحي نحو بَحْرِ ظلماتِ الأسود الذي يَسِيلُ ذَهَبًا.
فهو العَيْنُ التي أَبْتَغِي، وَهُوَ الكُحْل الذي سَكَنَّني، وهو مُبْتَغَى الشَّاعِرِ في العِشْق.
إن الأَسْوَدَ يُطَمْئِنِنُي، لأَنَّهُ لونٌ شَرِيفٌ، يُثيرني، ولهذا ترتديه النِّسَاءُ في الباطنِ والظَّاهرِ.
إنَّه لونٌ عميقٌ في بَسَاطَتِهِ، ورغم شيوعه فإنَّه نَاِدرٌ وفريدٌ، ودومًا يبحثُ عمَّن يَسْتَحِقُّهُ ليمنحه شَرَفَ التَّمثيلِ.
أَنَا أَتَحقَّق في الأَسْوَدِ حُضُورًا وَكِتَابَةً وعِشْقًا. إنَّه لونٌ صافٍ، خَالٍ من الدَّنَسِ، مُرِيحٌ لِلْعَيْنِ والرُّوح والقَلْبِ والنَّفْسِ.
فَهُو لَيْسَ لونَ مِزَاجي أَوْ رُوحِي، لكنَّ غموضَهُ يُعْجِبُني، وَسِريَّتَهُ تَأْسِرُني، وَحَيْرَتَهُ تَأْخُذُني، وَقَلَقَهُ يَمْنَحُنِي الكثيرَ من الأَسْئِلةِ.
الأَسْوَدٌ نُورٌ، ظِلاَلٌ تَتْبُعُني وَلاَتَخُونُني أبدًا.
أَرَاني من خِلاَلِهِ، وَأَرَى مَنْ أُحِبُّ.
لي مِنْهُ حَرْفَانِ في اسْمِي الأَلِفُ والدَّالُ. كما أَنَّ كُلاًّ مِنَّا يمتلكُ أربعةَ أَحْرفٍ.
والحرفان المشتركان بيننا حرفان سيِّدَان.
فَالأّلِفُ، الذي سَمَّى بورخيس كِتَابَهُ بِاسْمِهِ (كِتَابُ الأَلِف). الحرف الأكثر دخولا في الكلام، فهو الأوَّلُ، الباقي دُونَ حَذْفٍ أَوْ تَأْخِيرٍ، المهموزُ، الوَاضِحُ، المُجَاهِرُ، ذُو الصَّوْتِ العالي، القَادِرُ، المُعْتَزُّ، الأَعْلَى، المُتَمَكِّنُ، المُسْتَقِرُّ، ذو الرَّأْسِ، الأَعْلَى، المُسْتَقِيمُ، الذَّاهِبُ نحو السَّمَاء، لأِنَّ فِيهِ من الجَلاَلِ وَالجَمَالِ والسُّمُوِ الكَثِيرَ. فهو طَمُوحٌ وَطَائِرٌ نَحْوَ مَجْدِهِ، يُبْصِرُ، وَلاَ يُخْطِئُ الهَدَفَ. لأنَّه لَيْسَ مَعْلُولاً أو مريضًا، ولذلك اخْتَارَهُ اللهُ "ليبدأَ بِهِ اسْمَهُ الظَّاهِرَ من الذَّاتِ المُقَدَّسةِ الإلهيةِ الله".
فحرف الألف كما يقول سهل التستري ( 200 – 283 هجرية ) هو (... أَوَّلُ الحروفِ، وأعظمُ الحروفِ، وهو الإشارةُ في الأَلِفِ. أي الله الذي ألَّفَ بَيْنَ الأشياءِ وانفردَ عن الأشياءِ، أمَّا حرف الدَّال الذي انتهت به كل آيات سورة "الإخلاص" في القرآن فهو الحرفُ الأخيرُ من اسمي، ومن اسم لوني الأسود، كَأَنَّهُ النهايةُ، أو بَدْءُ الخِتَامِ، أو التوكيدُ على الحُضُور والبَهَاءِ أو الذُّرْوةُ في التشكُّلِ والتكوينِ.
وَأَظُنُّني خُلِقْتُ عَلَى صُورِةِ اسْمِي. وَمَا أَعْجَبُ لَهُ أن كثيرًا من أسْلاَفي الشُّعراء كَانَتْ قصائدهم في الرثاء داليةً (ابن الرومي، الخنساء، حسان بن ثابت، أبو العلاء المعري،... محمود سامي البارودي...) كَأَنَّ الدَّالَ بِنْتُ الموتِ والحُزْنِ والألم، وشقيقةُ الرثاء، ولَذِا دَنَتْ دولتُها للشُّعراء. فالدَّال تَجْمَعُ وَتَدُلُّ بِنَفْسِهَا وَتَخْتِمُ وَتَبْدَأُ. ...
المشتركُ بين أحمدي وأسودي، يُنْبِؤُني بالأحلام في سديمها النورانيِّ.
إنَّني بِالأَسْوَدِ في مَآْمَنٍ من سَطْوَةِ الغُرَبَاءِ، أَنَا الغريبُ الذَّاهِبُ إلى الثَّمرةِ في نُضْجِهَا.
أنا ابنُ حَضَارةٍ كَانَتْ ترى في الأَسْوَدِ رمزًا للبعثِ والحياةِ الخالدةِ، بَيْنَما أَحْفَادُهَا يَرَوْنَهُ رمزًا للموتِ والحُزْن والحداد.
أنا الذي تربَّيْتُ في قرية (كفر المياسرة)، نساؤها لا يلبسن إلاَّ الملاءات السَّوداء، أو الجلابيب السَّوداء، أو "المَلَس الأسود".
إنَّه لَوْنُ صَمْتي، يخشاه البَعْضُ أو يتشاءَمُ مِنْهُ، لكنَّ كثيرين يُحبُّونَهُ وَأَنَا على رَأْسِ هَؤُلاء، لأِنَّهُ مِثْلُ الأَلِفِ: رَأْسُ الأَلْوانِ وَسَيِّدُهَا. فَهو يحتوي الأَلْوَانَ جميعَهَا، ولم أُصَدّق يومًا، ما قِيلَ في ذَمِّهِ أَوْ هجائِهِ، إنَّهُ لَوْنٌ يَتَحَمَّل الشَّتَائمَ والسِّبَابَ من كارهيه، أَوْ الحاقدين على فَرَادَتِهِ.
هُوَ لَوْنُ القَدَاسَةِ والتفاني، والعُزْلةِ، (إنَّه لونُ كِسَاءِ الكَعْبَةِ، ولونُ الحَجَرِ الأَسْوَدِ).
أذكُر أَنَّ لوركا كان مأخوذًا باللونِ الأسودِ (ومعه ثلاثةُ ألوانٍ أخرى هي الأخضرُ والأحمرُ والأصفرُ)، وقد تبدَّى ذلك في شعرهِ ورسومهِ التي لم تنتشر كثيرًا في مجتمعاتنا الثقافيةِ العربيةِ بالقدرِ الذي انتشرَ شِعْرُهُ.
وقد أتيح لي أَنْ أزورَ بَيْتَ لوركا في غرناطة، وأرى بعضًا من رسومه، وأجلسَ على مقعده، وأجولَ بين غُرف بيتِهِ.
إنَّها ساعاتٌ أَمْضَيْتُها بَيْن بيتِهِ، وحديقة البيتِ، استرجعتُ فيها سيرتَهُ وعوالمهُ وشعرَهُ وَمَقْتَلَهُ وتجاربه المبكرةَ، إذْ ماتَ كالكبارِ – دومًا – في سن الشباب (5 من يونيو 1898 – 19 من أغسطس 1936 ميلادية).
أَسْودُ لوركا
هو القَتْلُ، والفجيعةُ، والظلُّ والدخانُ، والرحيلُ.
أَسْوَدِي فيَّ بَاقٍ لاَ يُفَارِقُ،
إِنَّهُ أَنَايَ وَظِلِّي.
في الذُروةِ ، لا تُحدِّثْنِي عن القواعدِ ، والأصُولِ ، والتقاليدِ ، والأعرافِ ، والمشْي على الصِّراطِ ، لأنَّ الفاعلَ والمفعُولَ فيها يكونان رُوحيْن حلاَّ في جسدٍ واحدٍ . إنه طقسٌ خلاقٌ ، نادرٌ بين البشرِ ، لا يعرفُهُ إلا البرِّيون والبرِّيات ، حيثُ يقولُ العاشقُ للمعشُوقِ يا أنا ، سأذبحُك . إنه تعاركٌ دون قتلٍ ، ووصولٌ دون نهايةٍ ، وبحرٌ بلا ساحلٍ ، حيثُ تكونُ الذاتُ داخلَ وخارجَ أناتِها ، لكنها في وضْعٍٍ مقدسٍ لا يَتكرَّرُ ولا يُسْتعادُ ، إذْ في كُلِّ ذُروةٍ هو جديدٌ لما سَبق .
كُنتُ أنتظرُك ظُهرًا كتلميذٍ هارِبٍ من كُراسَةٍ مدرسيَّةٍ رأيتُك جالسَةً في رُفُوف الكُتبِ خرجتِ تامَّةً من مُحاورَاتِ أفلاطُون وسيَرِ الحُبِّ في الحضارِاتِ القديمَةِ لكنَّك لم تُشْبهي سِيرةً منْها ولا حتَّى إلياذة هُوميروس التي تُحبِّينَ لأنَّكِ كتبتِ سيرتَكِ بقلمِ قلبِكِ حينَ جنحَ نحْو يمينِ العشْقِ
فاتَ أفلاطُون أن يُدلُّ أرسطُو عليكِ هُو لم ينْسَكِ لكنَّهُ كان عاجِزًا عن أن يُدرَك فتنتَكِ فآثرَ الصَّمتَ لكنَّ الحواريين رأوْكِ في أحلامِهِم وأبلغُوا المُعلِّم أنَّنِي من سأكُونُ لك ذاتَ ظهيرةٍ حين نامَ قمرُك في رَاحةِ رُوحِي .
ما الغِيَابُ ؟ ما الغيابُ ؟ سِوَى أنْ يصْمُتَ البَحْرُ عنِ الكَلام وأنْ يهْربَ الفِيلُ من مِندِيلِهِ وأنْ ينامَ النَّحْلُ واقفًا وأنْ يرْفُضَ المانْجُو مبدَأَ التقْشِيرِ وأنْ يُغَادِرَ شيخُ الحُرُوفِ مِئذنَةَ الأبجديَّة وأنْ يتجرَّدَ الأملُ منْ سَريرِ يأسِهِ وأنْ يلبسَ الشتاءُ الأسْوَدَ وأنْ يبيعَ العدَمُ إرثَهُ فِي المَزَادِ وأنْ تضعَ الأرْضُ أثقالَها في حبَّةِ المَانْجُو وأنْ يبيعَ النخْلُ أرْضَهُ كمقْبرةٍ وأنْ يطيرَ هُدْهُدٌ نحَو شَاهدٍ ويقْرأَ الفاتحَة وأنْ تسْجنَ الرِّيحُ سمَاءَهَا فِي قُمقُمٍ وأنْ يخشَى الاسمُ على مصِيرِهِ منْ همْزَةٍ وأنْ يحمِلَ منْخُلُ الحرِيرِ دقيقَ الأسْرَارِ في قِيعانِهِ أنْ يسِيرَ العقيقُ الأحمَرُ فِي الشَّوَارِعِ دُونَ أنْ يخَافَ منَ الخطْفِ أنْ تحملَ الرِّيحُ الرسَائلَ لا الحمام الذي لا يجْرحُ القلبَ أنْ نغلِيَ الحُبَّ في درجاتٍ يضيعُ اللونُ فيها أنْ تفكَّ الدَّائرةُ حِصَارَها وتمنحَ شعبَها حُريةً بعدَ رِقٍّ طَويل أنْ تُنصِّبَ الكُسُورُ نفسَها مُلوكًا على ممالكِ الحِسَاب أنْ يحْنِيَ هُدهدٌ قامتَهُ كيْ تلبسَ بَلقيسُ قميصَها الحرِيرَ أنْ تنامَ إبرةٌ على بطْنِهَا كيْ تَمُرَّ الفراشَاتُ أنْ يُفَسِّرَ الشَّيءُ نفسَهُ على أنهُ لا شَيءَ وأنه خفِيفٌ كنهديْنِ طائريْن أنْ يمُرَّ الكونُ على صدْرِهَا فيُغْمَى عليْه أنْ يمشيَ المَوْتُ في الشَّوَارِع رافعًا علمًا فيه اللونُ أحمر أنْ ينزفَ المِجْدافُ دمَاءَ غرْقَى يحمِلُونَ رسَائلَ التودِيعِ من عُشَّاقِهم أنْ يُعلنَ النسْيانُ نفسَهُ سيدًا علَى الحُكْمِ وأنْ يقُولَ الغيَابُ للغِيَابِ : يا أنَا
كُلَّما رَآنِي الطِّينُ عايرَني
تعرِفينَ أنَّني لا أُحِبُّ الآفلِينَ ولا الغُرُوبَ ولا الطِّينَ الذي كلَّما رَآنِي عايرَني رغم أنَّ النُّورَ فيَّ أعلى من مآذنِ الغرامِ في البلاد . غرقتِ الشَّمسُ في كاسِي ولم ينَم قمرٌ حافيًا على نوَافذِي الأشبَاحُ تشْمَتُ فِيَّ وتُسمِّينَنِي المتْرُوكَ الطحالبُ التي كنتُ آمرُهَا – وأنا طفلٌ – أنْ تُخرِجَ شواربَها لزوجاتِها كيْ لا أدوسَها برجْلِيَّ تُخْرِجُ الآنَ ألسنتها دُونَ أمر . صارَ المَاءُ أثقلَ ولم يعُد ابنُ حزمٍ يأتينِي في الأحْلام هجرَتْ حمامتُهُ الطَّوقَ وأغلقَ الحُبُّ دكاكينَهُ ولم تعُدْ قُرطبةُ تزهُو في الخريطةِ ولا علا صوْتُ المآذنِ بالهَوى وماتَ في عُيُونِ الخواتِمِ الأمَلُ صارتِ الأفيالُ أثقلَ رغم خِفَّتها في اللُّهَاث . لا بيْتَ لي في جنُوبِ السَّماء ولا في شَمَالِها ولا أرضَ تحتَ رِجْليَّ ونامتِ الوعُودُ في الأدرَاج بل كفَّنتها ظُلمةُ النسْيان وأخشَى ساعةَ الدَّفنِ . لم أكُن أعرِفُ أنَّ الشِّتَاءَ موْسِمٌ لصيْدِ القلُوبِ ؛ كيْ تنامَ في الجِرَار وأنَّ الخوفَ صارَ أطولَ من نخيلِ القُرَى . كيف لي أن أدُلَّكِ على ضَرِيحِي ومن سيسْقِي قرنفُلا أحمرَلم تزرْعهُ يدَايْ . لم أنزل البئرَ طائعًا بل ألقِيتُ كنبيٍّ لا اسمَ لهُ أو كرَامات . لن يأتيَ الأملُ في حياةٍ ثانية فلا تكذِبوا على أنفسكُم وتُصدقُوا أنَّكُم واجدُونَ حُورياتِ البرَارِي في الجِنَان ليس سِوى شَجرٍ ناشفٍ وأعشابٍ لا تقوى الأفيالُ على مضْغِها . لا أحبُّ أن أكونَ قتيلَ غُبارِ نسْيانٍ ولا أنْ يكْسِرَ التّرْكُ أجنحَتِي حينَ أنافسُ الفيلَ في الطيرَان ولا تنامُ العُزْلةُ في يمِينِي . لنْ أموتَ لكنَّنِي كسمكةٍ في بُحيرةِ الأمل كنتُ سأحيا أبدًا ولن يصطادَنِي أحدٌ لأنني جُبِلْتُ على التحوُّلِ والخَفَاء طِعَامي الغيومُ ولي ما ليس للسَّمكِ من ذكْرى وذاكرةٍ الآنَ لا الشمسُ تسْطعُ على آلهةٍ في السَّرِيرِ ولا القمرُ يستحمُ في برْكةِ الكُرْسيِّ وصارَ الماءُ أسْودَ كالغيُومِ التائِهة بين أقدامٍ ثقيلة لم يعُدْ ينتصرُ في المعارك الأمل وصِرْتُ مكشُوفَ الظَّهرِ تضْرِبُنِي نِصَالُ النَّهارِ ولم أدْركِ اللَّيلَ كمحرُومٍ من غرَامِ البرَاري ما أنا الآنَ سِوى ذرَّةٍ من غُبارٍ لم تجِدْ فِي الأرضِ ما تستقرُ عليْه
كُنتُ أنتظرُك ظُهرًا كتلميذٍ هارِبٍ من كُراسَةٍ مدرسيَّةٍ رأيتُك جالسَةً في رُفُوف الكُتبِ خرجتِ تامَّةً من مُحاورَاتِ أفلاطُون وسيَرِ الحُبِّ في الحضارِاتِ القديمَةِ لكنَّك لم تُشْبهي سِيرةً منْها ولا حتَّى إلياذة هُوميروس التي تُحبِّينَ لأنَّكِ كتبتِ سيرتَكِ بقلمِ قلبِكِ حينَ جنحَ نحْو يمينِ العشْقِ
فاتَ أفلاطُون أن يُدلُّ أرسطُو عليكِ هُو لم ينْسَكِ لكنَّهُ كان عاجِزًا عن أن يُدرَك فتنتَكِ فآثرَ الصَّمتَ لكنَّ الحواريين رأوْكِ في أحلامِهِم وأبلغُوا المُعلِّم أنَّنِي من سأكُونُ لك ذاتَ ظهيرةٍ حين نامَ قمرُك في رَاحةِ رُوحِي .
كُنتُ أنتظرُك ظُهرًا كتلميذٍ هارِبٍ من كُراسَةٍ مدرسيَّةٍ رأيتُك جالسَةً في رُفُوف الكُتبِ خرجتِ تامَّةً من مُحاورَاتِ أفلاطُون وسيَرِ الحُبِّ في الحضارِاتِ القديمَةِ لكنَّك لم تُشْبهي سِيرةً منْها ولا حتَّى إلياذة هُوميروس التي تُحبِّينَ لأنَّكِ كتبتِ سيرتَكِ بقلمِ قلبِكِ حينَ جنحَ نحْو يمينِ العشْقِ
فاتَ أفلاطُون أن يُدلُّ أرسطُو عليكِ هُو لم ينْسَكِ لكنَّهُ كان عاجِزًا عن أن يُدرَك فتنتَكِ فآثرَ الصَّمتَ لكنَّ الحواريين رأوْكِ في أحلامِهِم وأبلغُوا المُعلِّم أنَّنِي من سأكُونُ لك ذاتَ ظهيرةٍ حين نامَ قمرُك في رَاحةِ رُوحِي .
هَمْزَةُ أحْمَد رَغْمَ البَرْدِ نِمْتُ أمس أمامَ عتَبَةِ الدَّارِ لأفُكَّ القَمَرَ منْ حبْسَتِهِ وأحرِّرَنِي منَ الهمْزَةِ التِي شِلتُهَا طَويلًا وآنَ لهَا أن تَسْترِيحَ أو تعمَلَ عندَ آخرَ شَرْطَ أنْ لا يُهِينَها إذْ ربيتُهَا علَى العزِّ
ما المرْأةُ إلا نصٌّ شعريٌّ ذُو شُسُوعٍ ، مبنيٌّ في تركيبٍ دقيقٍ على الانسجامِ والتماسُكِ ، وأي خُرُوج هو زياداتٌ وترهلاتٌ ينبغي استئصالُها ، كيْ يصيرَ التشكيلُ تامًّا ومُكْتمِلا .
أدْمنَتْ بُوقَ المَلِكِ إذْ لا تمُرُّ ليلةٌ دُونَ أنْ تأكُلَ طِنًّا مِنْ زُهُورِهِ وتُسجِّلَ هلوساتِهَا صَوْتًا وصُورةً ولمَّا يأتِ الصَّبَاحُ تتخلَّصُ من شللٍ مُؤقَّتٍ أصَابَهَا وترى حلمتيْها وقد صارتَا نخلتيْنِ بينما ما هلوستْ بِهِ كان ككتابٍ مُقدَّسٍ حمَلَهُ النَّمْلُ في رحلتِهِ للشِّتاءِ والصَّيْف .
نبَّأتُكِ عن طيْرٍ يُقلِّبُ جناحيْهِ فلِمَ لا تقُولينَ لِي أين وضَعْتِ الرُّقْيَةَ ؟ ومتى وضعتِها ؟ هل عند سمَاعِ صَوْتِ دِيكِ الجِيرَانِ الذي ذبحْتِهِ لمَّا أقلقَ نُطفَ الأحلامِ في رَحِمِ رُوحِكِ أمْ فِي ليلةٍ لمْ ينْبحْ فيها كلبٌ ولا حتَّى كلب سُلْطَانِ البِلاد .
لن أرشَّكِ بمَسْحُوقِ عيْنِ العفرِيتِ حتَّى لا يُعَطِّلَ سِحْرُكِ فيَّ لن أخلطَهُ مع البَخُورِ الذي حملتُهُ مِنَ الصَّحْرَاءِ لأنَّ اللَّونينِ الأحمَرَ والأسْودَ اللَّذين يُزيِّنَانِ عيْنَ العفريت يُذكِّرَانني بقميصِ نوْمكِ الذي لمْ أرَهُ لكنَّني حلُمتُ بِهِ مُنذُ دهريْن .
لو خجِلتِ لخسِرتِ
ونقُصتْ مُتعتُكِ وانحشرتْ في قصبةِ العشْقِ الأغنية .
دجَاجَةٌ زنجيَّةٌ
أمسُ كنتُ في المطْعمِ آكُلُ دَجاجَةً مخْطُوفَةً وفِي المِقْعَدِ المُوَاجهِ كانَ أمريكيٌّ في السَّبعين يأكُلُ زِنجيَّةً مخْطُوفةً في الثلاثين أدفعُ للدجَاجَةِ المسْرُوقَةِ ويدفعُ للزنجيَّةِ التي خَطَفَهَا منَ الفقْرِ ليْلةً بعدهَا ستعُودُ إلى الفقْرِ أو إلى أمريكيٍّ آخرَ احترَفَ الخطْفَ
وأعُودُ – أنا - إلى قريتِي لأسرقَ كُلَّ الدَّجَاجِ أضَعُ بيضَهُ – كما كان يفعَلُ ابنُ عمٍ لي في طُفُولتِهِ حين سَرقَ بيضَ دجاجاتِ أمِّهِ ليُرْقِدَ عليها كلبَهُ الصَّغيرَ ؛ كيْ يُفَرِّخَ دجاجاتٍ زنجيةً لا تذهبُ إلى الفقرِ أو إلى أمريكيٍّ خاطفٍ .
دجَاجَةٌ زنجيَّةٌ
أمسُ كنتُ في المطْعمِ آكُلُ دَجاجَةً مخْطُوفَةً وفِي المِقْعَدِ المُوَاجهِ كانَ أمريكيٌّ في السَّبعين يأكُلُ زِنجيَّةً مخْطُوفةً في الثلاثين أدفعُ للدجَاجَةِ المسْرُوقَةِ ويدفعُ للزنجيَّةِ التي خَطَفَهَا منَ الفقْرِ ليْلةً بعدهَا ستعُودُ إلى الفقْرِ أو إلى أمريكيٍّ آخرَ احترَفَ الخطْفَ
وأعُودُ – أنا - إلى قريتِي لأسرقَ كُلَّ الدَّجَاجِ أضَعُ بيضَهُ – كما كان يفعَلُ ابنُ عمٍ لي في طُفُولتِهِ حين سَرقَ بيضَ دجاجاتِ أمِّهِ ليُرْقِدَ عليها كلبَهُ الصَّغيرَ ؛ كيْ يُفَرِّخَ دجاجاتٍ زنجيةً لا تذهبُ إلى الفقرِ أو إلى أمريكيٍّ خاطفٍ .
كَمَرْثِيَّةٍ مَنْسِيَّةٍ على حَائطٍ كهَاجِسٍ صَغِيرٍ يكْبُرُ يكبُرُ الغيابُ . كدُودَةٍ قزٍّ يتيمَةٍ تتشَرْنقُ يكبُرُ الصَّمتُ تحتَ أظافرِها . وكَفِيلِ صَغِيرٍ يكبُرُ فِي أحلامِهَا تمرُّ السَّنةُ باكيةً كَسِرٍّ لا أبَ له . كَحُلمٍ لا يُفسَّرُ على بابِ الصَّباحِ يكبُرُ الخجَلُ منَ البُعدِ . وكيدٍ كتبتْ رسَالةً ثارَتْ ظِلالُها يَكْبُرُ العِنادُ كنخلةٍ لا ذِرَاعَ لها . كقَوسٍ رمَى حِبْرَهُ في الوَدَاع وفَاضَ كمَنْ يغْسِلُ يدَهُ في مِياهِ مَلائِكَةٍ يكبُرُ الصَّباحُ فِي الدَّمِ . وكَكِلمةٍ بسَاقٍ واحدةٍ يصْحُو عجْزُهَا يكبرُ رُفاتُ اللُّغَاتِ في يدِ الشَّاعرِ . كجُرْحٍ زَادَ في نسْيانِه كبرُ الشَّاعرُ مثل مرْثيةٍ منْسيةٍ على حَائطٍ . وكضُفدَعٍ نسِي لحْنَهُ فِي النَّهارِ وصَارَ مثل قطارٍ بلا نَفَسٍ كبُرتِ السَّتائرُ كأشْجارٍ عارِيةٍ في الليل . كرَأسٍ مَلأى بِقِشْرةِ الشَّكِّ تكبُرُ الرِّيحُ لتأكلَ الأشْوَاكَ . وكقمرٍ واهنٍ صدمتْهُ عَرَبةٌ منْ كلامٍ تكبرُ النارُ لتطهوَ حِجَارَةَ الأمَل . كَعَدَمٍ يُخَاصِمُهُ النَّومُ يكبر جدارُ البَلاغةِ حتَّى يغيبَ المعنَى عن حُضُورِ الجنَازَات . وكطيْرٍ لم يُميِّزْ بين لُغتِي وَمنْطِقِهِ كبُرَتِ الصَّحراءُ في باطِنِ الكَفِّ وغابتْ عنْ يدِ الشَّاعرِ أسْرارُ البلاغَة . كَاسْمٍ يمْشِي على الأرْضِ في اللَّيْلِ وهُو نائمٌ يكبُرُ النسْيانُ في العَرَاء وتَصْدَأُ القُبلةُ الأخِيرَة . وكقِطٍّ ينامُ قُربَ البَابِ فِي البَرْد تكبُرُ المَكانسُ في يدِ الفِيلِ ليكنسَ البيتَ منَ الذكريَات . كنخلةٍ كانت امْرأةً في زمَانٍ أوَّلٍ تكبُرُ الأمُ في الشَّاعرِ كيْ تمْنَعَ اللُّصُوصَ من سَرِقَةِ الجُمَّار فِي الفَجْر وتبنِي معَابدَ حولَ ما تركتْ يدَاهَا منْ أثر . كضريحٍ ينامُ وحيدًا على طرفِ البْحرِ يكبُرُ الإزميلُ الذي ينحتُ اسمِي عليه وينسْى أنه كان يومًا إلهًا في السرير . كثَمَرَةِ مانجُو حَارَ سُقْرَاطُ في وصْفِها فقشَّرتْ نفْسَها كيْ يفقهَ القلبُ حينَ يَسْكَرُ تكبُرُ امرأةٌ على شَاطٍىءٍ للغضبْ . كحَجَرٍ يسْندُ الزمنَ حينَ يعرجُ يكبُرُ السُّورُ كَيْ لا تقْفزَ الذِكْرَى منْ عليْه
كَمَرْثِيَّةٍ مَنْسِيَّةٍ على حَائطٍ كهَاجِسٍ صَغِيرٍ يكْبُرُ يكبُرُ الغيابُ . كدُودَةٍ قزٍّ يتيمَةٍ تتشَرْنقُ يكبُرُ الصَّمتُ تحتَ أظافرِها . وكَفِيلِ صَغِيرٍ يكبُرُ فِي أحلامِهَا تمرُّ السَّنةُ باكيةً كَسِرٍّ لا أبَ له . كَحُلمٍ لا يُفسَّرُ على بابِ الصَّباحِ يكبُرُ الخجَلُ منَ البُعدِ . وكيدٍ كتبتْ رسَالةً ثارَتْ ظِلالُها يَكْبُرُ العِنادُ كنخلةٍ لا ذِرَاعَ لها . كقَوسٍ رمَى حِبْرَهُ في الوَدَاع وفَاضَ كمَنْ يغْسِلُ يدَهُ في مِياهِ مَلائِكَةٍ يكبُرُ الصَّباحُ فِي الدَّمِ . وكَكِلمةٍ بسَاقٍ واحدةٍ يصْحُو عجْزُهَا يكبرُ رُفاتُ اللُّغَاتِ في يدِ الشَّاعرِ . كجُرْحٍ زَادَ في نسْيانِه كبرُ الشَّاعرُ مثل مرْثيةٍ منْسيةٍ على حَائطٍ . وكضُفدَعٍ نسِي لحْنَهُ فِي النَّهارِ وصَارَ مثل قطارٍ بلا نَفَسٍ كبُرتِ السَّتائرُ كأشْجارٍ عارِيةٍ في الليل . كرَأسٍ مَلأى بِقِشْرةِ الشَّكِّ تكبُرُ الرِّيحُ لتأكلَ الأشْوَاكَ . وكقمرٍ واهنٍ صدمتْهُ عَرَبةٌ منْ كلامٍ تكبرُ النارُ لتطهوَ حِجَارَةَ الأمَل . كَعَدَمٍ يُخَاصِمُهُ النَّومُ يكبر جدارُ البَلاغةِ حتَّى يغيبَ المعنَى عن حُضُورِ الجنَازَات . وكطيْرٍ لم يُميِّزْ بين لُغتِي وَمنْطِقِهِ كبُرَتِ الصَّحراءُ في باطِنِ الكَفِّ وغابتْ عنْ يدِ الشَّاعرِ أسْرارُ البلاغَة . كَاسْمٍ يمْشِي على الأرْضِ في اللَّيْلِ وهُو نائمٌ يكبُرُ النسْيانُ في العَرَاء وتَصْدَأُ القُبلةُ الأخِيرَة . وكقِطٍّ ينامُ قُربَ البَابِ فِي البَرْد تكبُرُ المَكانسُ في يدِ الفِيلِ ليكنسَ البيتَ منَ الذكريَات . كنخلةٍ كانت امْرأةً في زمَانٍ أوَّلٍ تكبُرُ الأمُ في الشَّاعرِ كيْ تمْنَعَ اللُّصُوصَ من سَرِقَةِ الجُمَّار فِي الفَجْر وتبنِي معَابدَ حولَ ما تركتْ يدَاهَا منْ أثر . كضريحٍ ينامُ وحيدًا على طرفِ البْحرِ يكبُرُ الإزميلُ الذي ينحتُ اسمِي عليه وينسْى أنه كان يومًا إلهًا في السرير . كثَمَرَةِ مانجُو حَارَ سُقْرَاطُ في وصْفِها فقشَّرتْ نفْسَها كيْ يفقهَ القلبُ حينَ يَسْكَرُ تكبُرُ امرأةٌ على شَاطٍىءٍ للغضبْ . كحَجَرٍ يسْندُ الزمنَ حينَ يعرجُ يكبُرُ السُّورُ كَيْ لا تقْفزَ الذِكْرَى منْ عليْه
في عصْرِها الأوَّلِ قالتْ : إنَّها كانتْ فِيلًا شاطحًا لهُ ألوانُ طيْفٍ هارِبٍ من سمَواتِهِ إذْ كانَ خاتمُ الإلهةِ مُعلَّقًا في رُؤُوسِ أفيالٍ صغيرةٍ باضتْ في يمينِها . وهيَ تأكلُ أرزًا باللبنِ كملاكٍ لم يصْحُ من حُلمِهِ مشتْ على قشرِ بيضِهَا لا تهابُ كسْرًا في العددِ حتَّى أنَّ فِضَّتَها رسَمتْ سمَاءيْنِ في جُمَّارِ نخْلِهَا
القراءةُ فعلُ حبٍّ ، لأنَّكَ تكونُ مُتحدًا مع موضُوعكَ ، قادمًا من رغبةٍ عارمةٍ ، وفي جلستِكَ مع الكتابِ ، أنتَ وحدكَ في لذةٍ وإغراءٍ ، الأمرُ الذي قد يدفعكَ إلى أن تكتبَ . وما الكتابةُ إلا فعلُ حبٍّ باقٍ ، لا ينقضي بانقضاءِ السبب
_________________ حسن بلم | |
| |