لا النفط ولا الغاز ولا الفحم ولا الطاقة النووية الانشطارية قادرة على إنقاذ الحياة على الأرض من مجاعة طاقة قادمة قادمة إن استمرت الأمور كما هى عليه، فكل تلك الطاقات ناضبة ناضبة سواء بعد سنين أو عقود، ناهيك عن مخاطر بعضها وتلويث البعض الآخر للبيئة وللحياة، بل حتى للأخلاق البشرية كما تنبئنا مؤامرات الصراعات الخفية على الغاز والنفط، ومثلها احتكارات الصناعات النووية. وحدها الشمس بفرن الاندماج النووى الربانى المُعجز الذى يعتمل فى قلبها المتقد، هى التى يمكنها أن تمد لنا طوق النجاة من ذلك الغرق المستقبلى المهجوس، ثمة من انتبه لذلك، فالتفت بجدية ودأب لتطوير استثمار طاقات الشمس المباشرة من ضوء وحرارة، كما من طاقاتها غير المباشرة المُكتنَزة فى الظواهر الطبيعية، ومنها الرياح، لتوليد الكهرباء. أما الجديد والمثير للدهشة، فهو توظيف طاقة الشمس فى توليد رياح تحت السيطرة، تدير «توربينات» تولِّد كهرباء لا تنقطع ليلاً أو نهاراً، وبوسيلة من أقدم ما عرفته البشرية منذ عرفت النار والدخان.. والمداخن!
ما من ابتكار تقنى إلَّا ويبدأ بفكرة، لكن الفكرة تظل حلماً خيالياً ما لم يتقدم العلم ليرفدها بقوانين ضبطه وتدقيقه، ومتى ما دققتها وضبطتها قوانين العلم صارت مهيأة للتحقق فى الواقع كتقنية، بتسارع ملحوظ أو بتباطؤ مُحيِّر. ولقد بدأت فكرة مداخن أو أبراج الطاقة الشمسية فى ذهن الكولونيل فى الجيش الإسبانى «إيزادورو سابَنيس» عام 1903، ونشرها فى جريدة «لا إنيرجيا إليكتريكا» مقرونة بصورة لنموذج تجريبى عبارة عن مدخنة رباعية الأضلاع ترتكز على قاعدة زجاجية لتجميع وتركيز حرارة الشمس تحتها، فيسخن الهواء تحت القاعدة ويندفع نحو فوهة المدخنة السفلى ليصعد فيها بقوة وتسارع، وفى اندفاعه للصعود يدير توربينات تولِّد الكهرباء. توجد صور ووثائق تؤكد حقيقة وتاريخ هذا الابتكار البسيط المذهل، لكن لا توجد معلومات لتُبيِّن مدى نجاح نموذجه التجريبى. على ذلك النسق، وربما باقتباس منه، قدم البروفيسور المهندس «بيرنارد دوبو» عام 1928 اقتراحاً للأكاديمية الفرنسية بإقامة محطة شمسية هوائية لتوليد الكهرباء ترتكز مدخنتها، أو برجها، على منحدر جبل كبير بالمغرب ــ يوم كانت المغرب مُستعمرة يظن الفرنسيون أنهم سيمتلكونها للأبد ــ فتكون بمثابة برج توليد لتيار هوائى صاعد فيما سفح الجبل يعمل كصوبة لتسخين الهواء ليندفع بقوة داخل المدخنة ويدير فى طريقه «دينامو» لتوليد الكهرباء.
1 لنحلم، فبعد الحلم علم
بعد اثنين وسبعين عاماً من إعلان الكولونيل الإسبانى عن الفكرة ونموذجها التطبيقى البدائى، قام «روبيرت لوسيير» بالتقدم للحصول على «براءة اختراع» ما أسماه «المدخنة الشمسية لتوليد الطاقة» فى مطلع العام 1975، ويبدو أنه لم ينجح فى مسعاه لأن الفكرة كان لها صاحب وإن واراه الثرى، عندئذ سارعت عدة جهات من أستراليا، وكندا، وإسرائيل، والولايات المتحدة، بتكوين شركات لاستثمار الفكرة التى اعتبروها مشاعاً وبلا صاحب! ولعل الفضيلة الوحيدة التى اكتنفت ذلك الاقتناص، هى أن الفكرة عبر هذه الشركات كان لابد من إخضاعها للتقنين والتدقيق العلميين لتغدو تقنية فاعلة فى الواقع، وهو واقع مدهش كما الحلم، يعد بتوليد طاقة جديدة، آمنة، نظيفة، مُستدامة، عبر مداخن عملاقة بلا دخان، تخلع عنها تسمية المداخن سيئة السمعة، فتكون أبراجاً للطاقة ENERGY TOWERS، بل أبراجاً للطاقة الشمسية التى هى مصدر كل طاقات كوكبنا فتُدْعَى «أبراج الشمس» SOLAR TWERS، فهل ارتفعت هذه الأبراج لتُشكِّل تقنية حقيقية تنضم لترسانة تقنيات طاقات المستقبل المُنقِذة، أم أنها بقيت مجرد حلم؟
بالنسبة لنا، كبداية: لتكن حلماً، ولماذا لا نحلم مع الدنيا التى تتحدى الدنيا لتحيل أحلامها حقائق على الأرض، تبهرنا وتثير دهشتنا، لعل الدهشة توقظ فينا الغيرة والنخوة، خاصة وأرضنا ساحة رحيبة وعطشى للإعمار بتألقات مثل هذا الحلم، حلم أبراج الشمس والهواء، كل خمس مداخن تعطى ما يعطيه مفاعل نووى بلا أذى ولا خوف ولا ارتهان لغير الله صاحب الشمس والهواء، ألف ميجاوات من الكهرباء لكل خمس مداخن ومائة ألف ميجاوات من خمسمائة مدخنة منتشرة فى أركان صحراواتنا الشاسعة، أى ما يعادل عطاء مائة مفاعل نووى، تضىء ليالينا وتُشغِّل مصانعنا وتحرك مركباتنا التى ستكون بالضرورة كهربائية، فى البر والبحر وربما فى السماء أيضاً. تصير الصحراء لدينا نعمة لا مثيل لها، بعد أن تصورناها نقمة. ونتداوى بعطاياها حين يداهم الدنيا نضوب الطاقات الملوثة للبيئة، وسقم التلوث نفسه. فلنحلم، على الأقل الآن نحلم، ولو لنكون فقط على علم، لعلنا نُقدم على الفعل فى وقت مناسب، قبل فوات الأوان!
2 بين حرارة الشمس وحركة الهواء
إنها فكرة بزغت فى أفق الطاقات البديلة كما حلم جنونى يصعب تصديقه، لكنها كما كل أحلام العلم التى بدت جنونية فى عمرها الباكر، تتقدم الآن لتتجسد على الأرض، لتحصل البشرية المذعورة من مجاعات الطاقة المهجوسة على كهرباء من الهواء! فى حضرة الشمس. طاقة تدوم مادام تحت خيمة كوكبنا الأزرق اللؤلؤى هواء، ومادامت تسطع على هذا الكوكب شمس، وهى ليست طاقة الرياح التى بتنا نعرفها، ولا طاقة المحطات الحرارية الشمسية أو الكهروضوئية، بل هى دمجٌ مُعجِز البساطة بين حركة الهواء وحرارة الشمس، وبأداة بالغة البساطة، طالما التصقت فى وعينا بالنقمة، فهى المداخن التى تتحول هنا بعد تطهرها وتسامقها إلى نعمة، فقد صارت مداخن ليست كالمداخن!
مداخن عملاقة لا يقل ارتفاع الواحدة منها عن 800 متر، وقطرها أكثر من مائة متر، ولا ينبعث منها دخان، فهى لا تعتلى أفراناً ولا محارق من أى نوع، بل تتسنم نوعاً من صوبات زجاجية مترامية، قطر الواحدة منها يبلغ الخمسة كيلومترات، مسقوفة بألواح شفافة لتجميع وتركيز حرارة الشمس، فحين تسطع الشمس مشرقة على الصحراوات الشاسعة الجافة، تلك التى تماثل صحراءنا العربية، تتركز الحرارة تحت سقف الصوبة الذى يأسرها ولا يفلتها، فيسخن الهواء فى جوف الصوبة، ويتوق كما كل هواء ساخن للصعود والابتراد، ولا يجد أمامه غير فتحة المدخنة السفلى الرحيبة ترحب بتوقه المحموم، بل المقترب من درجة الغليان عندما تكون درجة حرارة الجو خارج الصوبة 45 درجة مئوية، ويتوسط عند 70 درجة مئوية عندما تهبط حرارة الجو عشر درجات كاملة، ويظل ساخناً عند درجة حرارة أقل بعد الغروب، وفى كل الحالات يظل يندفع ذلك الهواء الساخن بكل تدرجاته ليصعد فى رحاب المدخنة العملاقة، وبسرعة تقارب سرعة سيارة منطلقة بلا جنون، فيدير الهواء الدافق فى طريقه الصاعد 32 توربيناً تولِّد 200 ميجاوات من الكهرباء، أى خُمس ما يولِّده مفاعل نووى، وبتكلفة أقل من خُمس تكلفة المفاعل النووى، وما إن يُكتمل بناء تلك المدخنة العملاقة التى تقتنص الكهرباء من حركة الهواء، حتى لا تكون هناك أعباء تشغيل إضافية، فلا وقود نووياً ولا أحفورياً، ولا تكاليف ترميم ولا دفن نفايات، ولا مخاطر إشعاعية، ولا تلوث بأى دخان ناتج عن حرق ما يُعيينا استيراده من نفط أو غاز أو فحمٍ، فهذه الأبراج التى باتت تتسمى لفصلها عن تقنية مشابهة أبراج تيار الهواء الصاعد UPPER DRAFT ENERGY TOWERS لا تنفث أى دخان. فأى حلم؟!
نعم حلم، لكنه بات مدعوماً بالعلم ومُهيأً للتحقق تكنولوجياً، ومن ثم يخطو ليتجسد الآن، مشاريع عملاقة طموحة تتبناها شركات كبرى عابرة للقارات منها شركة تتمركز فى أستراليا اسمها ENVIRO MESSION أى «مهمة بيئية» وهى بيئية بامتياز، تضرب أكثر من عصفور بدفقة هواء وشمس واحدة، فإضافة لتوليد الكهرباء التى تكفى بها مدخنة عملاقة واحدة احتياجات مدينة يسكنها 200 ألف إنسان، تكون هناك إمكانية لسياحة تحمل مرتاديها فى مصاعد شفافة إلى القمة العالية. أما على الأرض، فهناك الصوبة، لزراعة محاصيل تتطلب السخونة الغامرة، ولتجفيف محاصيل تنشد السخونة. أعجوبة لا يُقرِّبُها من حدود التصديق غير كشف ما يكتنزه قلبها من علمٍ عبقرى، وبالغ البساطة فى آنٍ.
3 فيزياء عبقرية بإلهام الأحياء
إنها بساطة المدخنة، والتى تنهض على قاعدة فى علم الفيزياء تُسمَّى «تأثير المدخنة» CHEMMINY EFFECT، وهو تأثير يكاد يعرفه كل الناس بالسليقة، وإن كانوا لا يعرفون جيمس ماكسويل الذى فسر سر دينامكيته، عندما قدم عام 1860 ورقة بحثية عن أثر الحرارة فى سلوك الغازات التى تتسارع جزيئاتها كلما ارتفعت حرارتها، فتخف للصعود ملتمسة أن تبرد، وتتلقف هذا الالتماس بنية المدخنة إذ يندفع الهواء الساخن ليصعد فى قلبها ملتمساً الابتراد فى الأعالى حتى يبلغ الفوهة، عندئذ يتكفل سرٌّ علمىٌّ آخر بسحب الهواء الذى برد من فوهة القمة ليطوح به فى السماء المفتوحة، ومن ثم يستمر ويتسارع سحب الهواء الساخن من جوف الصوبة إلى قاعدة المدخنة، طبقاً لخبيئة علمية أخرى تكتنزها المداخن، اسمها «قاعدة برنولى»، وهى كما أعظم النظريات العلمية، تحمل ملامح الطرافة والبساطة المعجزتين اللتين تنطوى عليهما قوانين الطبيعة، والتى ما كان لها أن تُكتَشف، إلا بتأملات عالم مثل برنولى شغلته أعاجيب المداخن، وإن كانت مداخنه حيَّة!
لم تكن المداخن الأولى التى اكتشف بعضَ سرها «برنولى» مداخن مصانع ولا قطارات، بل كانت مداخن فى الجسد الإنسانى، لا يتصاعد عبرها دخان ولا بخار، بل أنفاس حارة، ودماء دافقة، فـ«برنولى» حامل إجازة الطب إضافة لأستاذيته فى الفيزياء والرياضيات وحتى علم النبات، قدم فى باكورة مسيرته العلمية أطروحتين؛ أولاهما عن تصاعد الهواء عبر القصبة الهوائية رغم سلبية حركة عضلات الصدر والحجاب الحاجز عند الزفير، والثانية عن صعود الدم إلى المخ عبر الشرايين ضد الجاذبية الأرضية، وفى الوقت نفسه كان مهتماً بحركة السوائل عند انتقالها من حيز واسع إلى آخر أضيق فى الأنابيب وغير الأنابيب. وانكشف له السر عام 1726 فى قانون لم يحمل اسمه إلا بعد موته بعقود، ومفاده: «يكون ضغط تيار الماء أو الهواء كبيراً إذا كانت سرعته ضئيلة، ويقل الضغط إذا زادت السرعة»، وبتطبيق ذلك على ما يحدث عند الفوهة العليا من المدخنة، نرى بداهة أن سرعة الهواء الحر خارج الفوهة تكون أكبر مما فى داخلها، ومن ثم يكون الضغط خارجها أقل، فيزداد ويتسارع سحب الهواء من داخل المدخنة إلى خارجها، وبالتالى يزداد ويتسارع أكثر سحب الهواء من داخل الصوبة إلى فتحة المدخنة السفلى، ويدير ذلك الزخم من تيار الهواء الصاعد توربينات تولِّد الكهرباء بكفاءة تتناسب طردياً مع سرعة وقوة ذلك التيار.
4 الحلم يبدأ مسيرة التحقق
كل ذلك مثير وجميل، لكن: هل ثمة أى تحقق عملى لهذه الفكرة أو تلك التقنية فى الواقع؟ والإجابة نعم، ولكن بلا تهويل ولا تهوين، وإن باستشراف لوعودها الممكنة والكبيرة فى المستقبل. وقد حصل فى بلدة «منزاناريس» التى تبعد 150 كيلومتراً جنوب العاصمة الإسبانية مدريد أن شُيِّد فى العام 1982 وبتمويل من الحكومة الألمانية «برج شمسى لتيار الهواء الصاعد» كنموذج تجريبى، بارتفاع 95 متراً وقطر 10 أمتار على قاعدة دائرية كصوبة مسقوفة بالزجاج قطرها 244 متراً ومساحتها 45 ألف متر مربع، ومن تصاعد وتسارع الهواء الساخن الذى يدير توربينات عند فوهة البرج السفلية، استمر توليد 50 كيلووات من الكهرباء ليلاً ونهاراً على امتداد ثمانية أعوام، ثم أخفق المشروع بسبب عدم حساب تأثير التآكل وصدأ الهيكل الحديدى للبرج الذى شُيِّد من مادة رخيصة وبسمك رفيع، لكن النموذج التجريبى الذى لم يكن ناتجه القليل من الكهرباء غير مخصص لأى تسويق تجارى، راكم كمية من المعلومات تُعتبر كنزاً لمشيدى أى أبراج للطاقة من هذا النوع فى المستقبل، فقد نشر المصممون والباحثون الإسبان والألمان 180 مجساً إلكترونياً موزعة داخل البرج وخارجه لقياس درجات الحرارة والرطوبة وسرعة الريح وكفاءة التوربينات ومقدار الكهرباء المتولدة على مدار الساعة وعلى امتداد سنوات عمل البرج. ورغم إزالة المحطة كاملة عام 1989 فإن هذا لم يقتل طموح هذه التقنية للتجسد وفى أكثر من مكان فى العالم، النامى والمتقدم على السواء. كما صارت هناك اقتراحات تقنية لتقليل التكلفة وتجاوز الصعوبات الإنشائية، كإقامة أبراج سامقة الارتفاعات من أنسجة خفيفة من اللدائن يتم نفخها فتطفو وتميل مع الريح فوق أرض الصوبة، مما يزيد من تدفق تيار الهواء الداخل إليها والذى يدير فى طريقه توربينات توليد الكهرباء، وتكلفة هذه الأبراج المنفوخة والمرتفعة فى الهواء تقل خمس إلى ست مرات عن أبراج تيار الهواء الصاعد الخرسانية، وهى ابتكار اقترحه البروفوسير الألمانى الشهير عالمياً بتشييد الكبارى المعلقة «جورج سشلايخ» تحت مسمّى «مداخن الشمس الطافية»، وإن كان هناك من يزاحمه فى الابتكار وهو البروفوسير اليونانى «خريستوس باباجورجو».
على أرض الواقع العملى ثمة تجارب متحققة وأخرى تشرع فى التحقق، ففى مايو 2009 بدأت الصين فى إقامة برج طاقة لتيار الهواء الصاعد فى منطقة جينشاوان على مساحة 277 هكتاراً وبتكلفة تساوى 208 ملايين دولار لينتج 27.5 ميجاوات بعد أربع سنوات، وقد بدأ البرج بالفعل فى ديسمبر 2010 بإنتاج 200 كيلووات، ولوحظ أن الصوبة التى يعتليها البرج حسَّنت من مناخ المنطقة الصحراوية فقللت من حدة العواصف الرملية بها. وفى إسبانيا التى خاضت تجربة البرج المخفق فى منزاناريس هناك تخطيط لإقامة برج فى منطقة «فونتيل» ليكون الأول من نوعه فى أوروبا بارتفاع 750 متراً وتغطى صوبته منطقة مساحتها 350 هكتاراً لينتج طاقة متوقعة مقدارها 40 ميجاوات. وتخطط شركة «إنفيروميشن» الأسترالية لإقامة برج طاقة شمسية لتيار الهواء الصاعد فى أريزونا وآخر فى تكساس وإن لم تتضح بعد ملامح المشروعين، وفى أستراليا نفسها أعلنت شركة «هايبريون» للطاقة عن إقامة برج طاقة فى «ديمبستر» بغرب البلاد، وفى بتسوانا الأفريقية أعلنت وزارة العلم والتكنولوجيا عن نيتها تشييد برج تجريبى لهذه التقنية على مقياس مصغر بدأ اختباره بالفعل. وفى ناميبيا المجاورة، وافقت حكومتها على مخطط لإقامة برج يتجاوز طوله 1000 متر وقطره 280 متراً تحت اسم «البرج الأخضر» لإنتاج 400 ميجاوات من الكهرباء معتلياً صوبة مساحتها 37 كيلومتراً تُزرع بمحاصيل خاصة ذات مردود مالى مرتفع لتعويض تكاليف المشروع الضخم. والقائمة لا تنتهى.
5 الحكم الرشيد يزيد المصداقية
إن مجرد ذكر بتسوانا وناميبيا من بلدان الجنوب الأفريقى فى سياق تحقيق هذه التقنية يعطى مؤشراً على صدقية وجدية سعيها للتفعيل مهما بدت الآن خيالية ومحدودة العطاء من الكهرباء، فبتسوانا هى دولة الحكم الديمقراطى الرشيد فى هذه القارة، وناميبيا هى دولة الحكم الديمقراطى النظيف والحكيم لثوار جبهة سوابو الذين تسلموا قيادة هذا البلد بعد نجاح مقاومتهم للحكم العنصرى هناك، فلم ينتقموا من البيض العنصريين الذين ساموهم العذاب من قبل بل تسامحوا معهم لتتماسك الدولة الوليدة، وبلغ بحكمهم التطهر إلى حد أن الوزير إذا اقترض من البنك ألفى دولار لتشييد حجرة إضافية فوق بيته الصغير ينشر ذلك فى الصحافة إعمالاً لحق الشعب فى معرفة أدق دقائق سلوكيات حُكَّامه، والبروفوسير «سام نوجوما» قائد حركة التحرير الناميبية «سوابو» وأول رئيس أسود لهذا البلد بعد أن أنهى فترة رئاسته الدستورية عاد إلى الجامعة أستاذاً كما كان بلا أى امتيازات استثنائية، وهذا ما شاهدته وأشهد عليه من خلال مهمة عمل صحفية قمت بها لهذا البلد الجميل، ناميبيا، منذ سنين، وجعلنى أتابع البلد المجاور له، بتسوانا. لهذا لم أتردد فى الكتابة عن الأبراج الشمسية لتوليد الطاقة بتيار الهواء الصاعد هذه، فالأمر إذن جد رغم ما يُحيط به من حلم وخيال.
6 صرخة صدر لمن يهمه الرأى
وتبقى وستظل فى صدرى من هذا الأمر صرخة: إن السيناريوهات المستقبلية لمصر والمنطقة العربية لجهة قضيتى المياه والطاقة مخيفة إن لم نبادر بالعمل على تغييرها من الآن، وبكل طاقة الخيال الخلاق والفعل النبيل، وإلا عدنا إلى مرحلة البداوة الأولى وربما التصحر المُميت. ومن حسن حظنا كعرب، أن بلداننا كلها تقريباً واقعة فى أغنى مناطق الحزام الشمسى سطوعاً، كما تمتلك سواحل مديدة على البحار والمحيطات، فلماذا لا ندخل العصر الشمسى للحصول على الكهرباء من طاقة الشمس، ومن هذه الطاقة نُعذِّب مياه البحر. لماذا لا يكون لدينا منظمة عربية علمية تقنية اقتصادية جامعة لأبحاث وتطوير واستثمار الطاقة الشمسية وإعذاب المياه، محصنة ضد الخلافات والاستقطابات السياسية، لإنقاذ المستقبل، بالعلم الهادف والخيال الخلاق والإرادة النبيلة للتعاون والتطبيق؟ فليس الإرهاب الأعمى والجهول والخسيس وحده ما يتهددنا، فالتهديدات البيئية المستقبلية أكبر وأخطر، والمستقبل يبدأ اليوم بلا شك. صرخة أوجهها لمن بيدهم أمر هذا البلد وبلدان العرب جميعاً، لعل.. وعسى.