غياب
سيكون عليَّ أن أرفع الحياة الواسعة
التي ما زالت مرآتكِ:
سيكون عليّ إعادة بنائها كل صباح.
منذ رحيلكِ
كم من الأمكنة صارت بلا جدوى
وفارغة المعنى، أشبه
بالأضواء في عزّ النهار.
مساءات كانت ملجأ لصورتك،
موسيقى حيث كنت تنتظرينني دائماً،
كلمات من هذه الأيام،
سيكون عليّ أن أحطّمها بيدي.
في أي حفرة أخبئ نفسي
كي لا أرى غيابك،
الذي، كشمس رهيبة، بلا مغيب،
تلمع بشكل نهائي لا يرحم؟
غيابك يطوقني
كحبل حول العنق
البحرُ حيث تغرق.
غنيمة
كمن يعبر شاطئاً
مندهشاً من وفرة البحر،
مبهوراً بالضوء والفضاء السخي،
كنت المتفرج على جمالك
على امتداد نهار طويل.
عند الغسق كان الوداع
وبعزلة مطّردة
العودة الى الشوارع حيث ما زالت الوجوه
تعرفك
تَسوّدُ سعادتي وأنا أفكر في
أن من هذا الحزن النبيل للذكرى
بالكاد يبقى واحد أو اثنين،
ليكون زينة للنفس
في خلود ضياعك.
وداعاً
بين الحب وبيني ترتفع
ثلاثمئة ليلة مثل ثلاثمئة جدار
ويكون البحر بيننا سحراً.
لن يتبقى غير الذكريات.
آه! أيتها المساءات المُستحِقة بالحزن،
لياليَ في رجاء لقائك
حقل طريقي، أثير
ألحظه وأضيعه.
نهائي كالمرمر
يُحزن غيابُك مساءاتٍ أخرى.
وداع
مساءٌ حَفَّرَ وداعاً.
مساء حاد ولذيذ ومرعب مثل
ملاك مظلم.
مساء عندما عاشت شفاهنا في الحميمية
المجردة من القُّبل.
كان الزمن المُقدَّر يفيض عناقاً بلا جدوى.
كنّا نُغدق معاً الشغفَ، ليس من أجلنا
بل من الوحدة التي صارت قريبة.
كان الضوء يصدُّنا، هبط الليل عَجُولا.
ذهبنا حتى السياج في جاذبية الظل
الذي أراحته النجمة.
كمن يعود من حقل ضائع، عدت من عناقك.
كمن يعود من بلاد السيوف، عدت من دموعك.
مساء دائماً حيّ كحلم بين مساءات أخرى.
بعدها أدركت وتجاوزت تدريجاً الليالي والجروح
1964
(I)
لم يعد العالم سحرياً، تركناك.
لم تعودي تشاطرين ضوء القمر
ولا الحدائق الكسلى. ولم يعد
هناك قمر لا يكون مرآة للماضي،
بلّور العزلة، شمس الاحتضار
ودائماً أيتها الأيدي المتبادلة والأصداغ
التي كان يُقرّبها الحب. لم يعد عندك اليوم
سوى المرآة الصادقة والأيام الجرداء.
لا أحد يخسر (ترددين بلا جدوى)،
ما عدا الذي يمتلك ولن يمتلك،
لكن الشجاعة لا تكفي
لاستعادة فن النسيان.
رمز، وردة، يمزقانك
ويمكن قيثارةً أن تقتلك.
(II)
لن أكون سعيداً. أترى ذلك مهماً؟
فهناك أمور أخرى كثيرة في العالم؟
لحظة ما هي أعمق
ومختلفة عن البحر. الحياة قصيرة،
وحتى لو كانت الأيام طويلة، هذا السهم الآخر
الذي يحررنا من الشمس ومن القمر
ومن الحب. السعادة التي وهبتِني، واستردتِها
يجب أن تُمحى.
وما كان كل شيء يجب أن يصبح عدماً.
لم يتبقَ لي سوى طعمُ أن أكون حزيناً،
هذه العادة غير المجدية التي تقودني
الى الجنوب، الى باب ما، الى شارع ما.
On his blindess
غير جدير بالنجوم وبالعصفور
الذي يخترق الأثير العميق، يصبح سراً،
من هذه الخطوط التي هي الأبجدية
التي ينظمها آخرون ومن المرمر الضخم
وساكفه، واللتين تضيع في
عمقهما عيناي المتعبتان، وروداً
غير مرئية ووفرة من الذهب والحمراء
أتابع، ليس من «ألف ليلة وليلة» التي تفتح
بحاراً وفجراً في عتمتين،
وليس من والت ويتمان، هذا الآدم الذي
يسمي الكائناتِ الحية تحت القمر،
وليس من هبات النسيان البيضاء
وليس من الحب الذي أتمنى ولا يناديني.
ما ضاع
أين حياتي، تلك التي كان يمكن أن
تكون ولم تكن. المحظيّة
أو تلك من الرعب الحزين، ذلك
الشيء الآخر الذي كان يمكن أن يكون السيف
أو الترس ولم يكن؟ أين السلف الفارسي
الضائع، أو النروجي، حيث صدفة ألا تصبح أعمى،
حيث المرساة والبحر، حيث النسيان
أن يكون ما أنا؟ أين هي تلك الليلة الصافية
الليلة التي بالفلاح العتي يعهد
بالنهار الالي والنشط
بحسب أُمنية الأدب؟
أفكر أيضاً بهذا الرفيق
الذي كان ينتظرني، والذي، ربما ما زال ينتظرني.
H.O
في شارع هناك باب متين
بجَرَسه ورقمه المحدد
وطعم الجنة المفقودة،
الذي عند غياب النهار ليس مفتوحاً
لقدميّ. النهار مكتملاً،
صوت منتظر قد ينتظرني
في تهاوي كل يوم
وفي هدوء الليل الغرامي.
هذه الأشياء ليست موجودة. قدري آخر:
الساعات الغامضة، الذاكرة غير النقية،
تعسف الأدب
وفي تخوم الموت غير الممتع.
وحدها هذه الصخرّة أريد. وحدهما
هذين التاريخين التجريديين والنسيان.
ذَهَبُ النُّمور
حتى ساعة الغسق الأصفر
كم من مرة رأيت
النمر البنغالي القوي
يروح ويجيء على الدرب المُقدّرة
خلف القضبان الحديد،
من دون أن يشك أنه في سجن.
نمور أخرى تأتي بعده،
نمر بليك الناري:
ذهب آخر يأتي بعده،
معول زوش المغروم،
الخاتم الذي في ظرف تسع ليالٍ
يضم تسعة خواتم وهذه، تسعة،
ولا من نهاية.
وعلى مر الوقت ألوان جميلة أخرى
تتركني
والآن لا يتبقى لي سوى الضوء المبهم،
الظل المتعذر اقتلاعه
وذهب البدايات.
آه، الغربيون، آه، النمور آه،
شرارات الأسطورة والملحمة
آه، ذَهَبٌ أثمن، شعرك
الذي تشتهيه هاتان اليدان.
(1972)
عشية أمس
الوف جزيئيات الرمل
أنهر تجهل الراحة، الثلج
أدق من ظل، ظل ورقة
وديع شاطئ البحر،
الزبد الموّقت
دروب ثور البيزون القديمة
والسهم الوفيّ، أفق
وآخر، حقول الرز والضباب،
القمة، المعادن النائمة،
الأوزينيوك. اللعبة المعقدة
التي تنسج التراب الماء، الهواء
النار
أمكنة الحيوانات الخاضعة
تُبعد يدي عن يدك
لكن أيضاً، الليل، الفجر، النهار.
عملات معدنية
في سفر التكوين 9,13
سهم الرب
ويباركنا. القنطرة النقية
تحتوي على بركات المستقبل،
لكن أيضاً حبي الذي ينتظر.
متى، 17 9
قطعة الفضة سقطت في يدي الفارغة.
لم أستطع تحملها، على الرغم من خفتها،
وتركتها تسقط. كل شيء كان بلا جدوى.
قال الآخر: كانت تنقص كذلك تسع وعشرين
من الفضة.
جندي من أدريب
تحث اليد القديمة، تلامس القوسُ
عَرْضاً الحبلَ المتين.
صوت يزفر، لا يتذكر الانسان
انه فعل الأمر ذاته.
القمر
عزلة مثيرة في هذا الذهب.
قمر الليالي ليس الليل
الذي شهد أوّلَ آدم. القرون
الطويلة لليقظة الانسانية قد روتها
بدموع قديمة. أنظر اليها. انها مرآتك.
الساعة المائية
لن تكون من ماء، بل من عسل، النقطة
الأخيرة من الساعة المائية. سنراها تتوهج
وتهوي في الظلمات.
لكنها ستأتي بالغِبطات التي
شخص ما أو شيء منحها على حمرة آدم:
الحب المتبادل وعطرك،
فعل فهم الكون،
حتى بخداع، هذه اللحظة
التي أكتشف فيها فيرجيل «السداسي المقاطع»
ماء العطش وخبز الجوع،
في الهواء الثلج الناعم،
لمس المخطط الذي نبحث
عنه في لا مبالاة الادراج،
متعة السيف في المعركة
البحر الحر الذي استصلح انكلترا
تنفّس الصعداء بعد الصمت
الاتفاق المأمول، ذاكرة ثمينة
ومنسية، التعب
اللحظة التي يُفتّتنا فيها النومُ.
غونار طور جيلسون
ذاكرة الزمن
مليئة بالسيوف والسفن
وببارود الممالك
وبضجيج «السداسي المقاطع»
وبكبار الساعين للحرب
وبالهتافات وبشكسبير.
أريد أنا أن أتذكر القبلة
التي منحتني إياها في ايسلاندا.
اللعبة
لم يكونا يتبادلان النظرات. في العَتمة المشتركة
كانا جديين وصامتين.
أخذ يدها اليسرى ورفعها وأعطاها
خاتم العاج وخاتم الفضة.
ثم أخذ يدها اليمنى ورفعها وأعطاها
خاتمي الفضة والذهب مع حجارة قاسية.
قدرية التتابع اليدين.
دام ذلك وقتاً. وشبكا الأصابع وألصقا الكفين
تصرفا برقة بطيئة، كأنما كانا يخشيان أن
يُخطئا.
لم يكونا يعرفان أن هذه اللعبة كانت ضرورية
لكي يحدث شيء ما، في المستقبل، في منطقة ما.
العاشق
أقمارٌ، عاج، أدوات، ورود
مصابيح وخط (الرسام) دورير،
الأرقام التسعة والصفر المتغير
عليَّ أن «أزعم» أنها كانت في الماضي
«بيرسيبوليس» وروما وحبة رمل
دقيقة تقيس مصير السهام
التي قطعتها عصور الحديد.
عليّ أن أزعم ان الأسلحة ومحرقة
الملحمة والبحار الثقيلة
التي تنهش أركان الأرض.
عليّ أن أزعم أن الآخرين موجودون. خطأً.
وحدكِ أنت موجودة. أنت، إفلاسي
وثروتي، ولا تُستنفدين ونقية.
الانتظار
قبل أن يدق الجرس المستعجل
ويُفتح الباب وتدخلين، آه! منتظرة
في القلق، لا بد أن الكون حقّق سلسلة
من الأفعال الملموسة. لا أحد قادر
على تقويم هذا الدُّوار، رقم
ما تُضاعفه المرايا،
ظلال تتمدد وتعود،
خطىً تختلف وتأتلف،
ولن يكون للرمل أن يحصيها.
(في صوري، ساعة الدم تقيس
زمن الانتظار المريع)
قبل أن تصِلي
لعصفور دُوريّ أن يحلم بالمرساة
لِتُوَيْجةٍ أن تموت في سومطرة،
وتسعة رجال يموتون في «بورنيو»
نشيد
هذا الصباح
يفوح في الهواء العطرُ الخارق
لورود الجنة.
على ضفاف الفرات
يكتشف آدم طراوة الماء
مطر من ذهب يسقط من السماء؛
انه اله الحب زوش.
سمكة تقفز في البحر
ورجل من «اكريجنستي» يتذكر
انه كان سمكة.
في المغارة التي يكون اسمها «التاميرا»
يد بلا وجه ترسم منحنى
فِقار ظهر ثور البيزون.
يد فرجيل البطيئة تدغدغ
حرير المملكة المجلوب
للامبراطور الأصفر
بالقوافل والسفن.
البلبل الأول غنّى في هنغاريا.
يسوع يرى في الفضة بروفيل قيصر.
فيثاغورس يكشف للاغريق
ان الدائرة هي شكل الزمن.
على جزيرة في المحيط
سلوقيات الفضة تطارد آيل الذهب.
على السندان يُصنع السيف
الذي سيكون وفياً «لسيفورد».
(الشاعر) ويتمان يغني في مانهاتن.
هوميرس يولد في سبع مدن.
فستالية (كاهنته) تقطع من توها
رأس القارن الأبيض.
كل الماضي يعود كموجة
وكل هذه الأشياء القديمة
لأن امرأة قد عانقتك.
الفرح
من يُقبّل امرأة فهو آدم. والمرأة هي حواء.
كل شيء حدث للمرة الأولى.
رأيت شيئاً أبيض في السماء. قيل لي انه
القمر. ولكن ما عساي أفعل وبكلمة
وبمثيولوجيا.
الأشجار تثير فيَّ شيئاً من الخوف، فهي
خارقة الجمال
الحيوانات الوادعة تقترب لأقول لها
أسماءها.
مؤلفات المكتبة ليس لها حروف. انها
تبرز عندما أفتحها.
مقلّباً «الأطلسَ» عكستُ شكلَ سومطرة.
من يُشعلْ عود ثقاب في الظلمة يخترع النار.
في المرآة آخر بالمرصاد.
من ينظر الى البحر يرَ انكلترا.
من يتلُ بيتَ شعر من ليلينكرون
يدخل في المعركة.
حلمت بقرطاج والجحافل التي اجتاحت قرطاج.
حلمت بالسيف وبالميزان.
مبارك الحب الذي ليس له من مالِكٍ، ولا
مملوك، ولكن الاثنان يستسلمان، الواحد
الى الآخر.
مبارك الكابوس الذي يكشف لنا اننا نستطيع
أن نخلق الجحيم.
من ينزل نحو نهر ينزل نحو نهر «الغانج».
من ينظر الى ساعة رملية يرَ تفكك مملكة.
من يلعب بخنجر يتكهن بموت قيصر.
من يَنَمْ فهو كل الناس.
رأيت في الصحراء الشابة «سفنج» التي
قُطّعت إرباً من توّها.
لا شيء أكثر قدَماً تحت الشمس.
كل شيء حدث للمرة الأولى لكن بطريقة أبدية.
من يقرأ كلماتي يخترعها بمقدار ما.
الحنين الى الحاضر
في هذه اللحظة تحديداً يقول الرجل لنفسه:
وماذا الذي لا يمكن أن أعطيه مقابل
الفرح في أن أكون في ايسلاندا
الى جانبك،
تحت النهار الكبير الجامد
ومشاطرة الحاضر
كما تشاطر الموسيقى
أو طعم الثمرة.
في هذه اللحظة بالذات
كان الرجل قربها في ايسلاند؟.
المتاهة
انها متاهة كريت. انها متاهة كريت التي
كان في وسطها المينوتور الذي تخيله دانتي
كثور براس انسان، وفي شباك الحجارة
التي تاهت فيها عدة أجيال.
كما تُهتُ أنا وماري كوداما فيها. انها
متاهة كريت التي كان في وسطها المينوتور
الذي تخيله دانتي كثور برأس
انسان وفي شباكها تاهت عدة أجيال
مثل مارايا كوداما وانا قد تهنا هذا
الصباح ونستمر في التوهان في الزمن،
هذه المتاهة الأخرى.