شعر محمود نسيم
ديوان محمود نسيم pdf
كل راياتنا من قماش
فكيف إذن ستلف بقاياك
كيف نواريك في الأرض
والأرض مطوية في الرصاصة والصمت
في الغيب والطلقات
ولا شيء يحميك
لا صرخات أبيك
ولا الغضب البدوي
ولا حرق نجمة داود في الطرقات
نحن لا نملك الريح
حتي نحط رماد المدينة في الحجرات
ولا نملك البحر
حتي نقيم حدود فلسطين
فيما تقيم حدود فلسطين
فيما تبقي من الأرض والكلمات
ولا نملك الغيب
كي نستطيع الكتابة في هذه اللحظات
______
بقايا النهار"قصيدة جديدة "لنسيم"عن"سعيد"
تشاهد وجهك فى البئر
ثم ترانا ونحن نصلى على الغائب المتبقى لنا
وكأنك بعد المكان
تقول أنا أعرف الكلمات وأنسى الكلام
تقول أنا فى وجودى، ولست هنا
لا أريد الملقن فى القبر
يأتيك شيخ ضرير ويعطيك ماءك
تبقى قليلا، وتدرك صاحب موتك عند الممر
سلام هى الروح حتى نرى ما وعدنا به
فانتظرنا دقائق
حتى نعيد العهود أو الذكريات
..............
وتلك جراح محبتنا لك
والآن نعرف أنك صورتنا قبل يوم من الأسر
كنا نداول بين الحوائط أيامنا
نعبر الجسر بعد هزيمتنا
ونهرب أسرى العدو
وأنت تعود أمام الولاة وقتلى الوباء
وتلقى خطاب الإدانة
تسأل حارس سجنك
كيف نرى ضوء زنزانة؟
ونميز من يرثون المدينة والخارجين عليها؟
ونحن هنا خارج السور
لا ورق أو شباك عناكب حتى نغطى ضحايا المجاعة
لا طائر معنا أو كتاب لنتلو الشهادة
والروح فينا ...
سنكتب باللغة المستعارة أسماءنا الحركية
كى نستطيع التعارف فى الاحتفال
بذكرى اعتقال معارضة من خليتنا
أو بيوم اغتيال سجين لنا
ونصوغ البيان السياسى للثورة الطبقية
حتى إذا ما اتفقنا عليه افترقنا
"تحفظ بعض الرفاق على الصيغة اللغوية،
توقيت إعلانه، شكله العلنى، وأشياء أخرى "
.........
وأنت تراجع فكرتنا عن قداسة أزمنة العهد
تحمل صخرتنا صاعدًا من صليبك للبرج
حتى ترانا على حلبات مصارعة
نتشارك فى لعبة القتل
والدوران الجماعى حول الحجارة والخبز
تسأل : كيف نكون شهودا
على بيعة الإثم باسم المصاحف
كيف نميز عند افتراق الطريق
لصوص المقابر عن شيعة الأنبياء
المعارض عن رجل الأمن
كيف نميز بين المرابى وضيفك فى غرفة العمليات
يدنو بمقعده المتحرك
حتى نكاد نحس صداه المحاكى
يجاوبه رجل لا نراه
يلاحظ نسيانك الظاهرى
فيخلى المكان إلى زائر لا يرانا
يضيق الكلام
وتفتقد النطق إلا قليلا
وتحمل ألواحه
نائما فى السرير مكان المهاجر
تصحب سارق قبرك فى حفلات التنكر
تطلب منه انتظارك بالسرقات
وريشة ميزانه خارج الباب
تهبط بين بنيك بأرض محرمة
للحساب أو الاعتراف
وشكلك يظهر فى عتبات البياض
بهالاته السبع
والصوت والوقت يلتقيان
وجسمك شاهدك الآن
فانقل لنا عن نبيك أسماءه كلها
ما كتابك؟ ما دينك اليوم ؟
هل تشهد الملكين ؟
وهل كنت والماء يحمل زوجين من كل جنس
على جبل الطير
أم فى مساجدنا، والحرائق فيها ؟
" وكيف تريد الإجابة ؟
بالرسم أم بالإشارة أم بالكلام ؟ "
...........
سيرفع عنك الغطاء
لتسأل، كيف وأبصارنا فى العماء
نحس الخروج بأرواحنا للنهار
وهل كل نفس بما سلبت؟
أم بما تركت ؟ .. ربما عرفت
ربما كان أنت وريث النبى المقنع
يخفى وجوه صحابته بزهور الجنازة
يلقى السلاح ليشرح ثورته
ربما كان أنت
وكانت بلادك محجوبة عنك
تمشى وتحفظ قرآنها
والمشانق نازفة الدم فيها
ترى فى حصون العدو وحاناته مترفيها
فتأخذ ما شئت أن تتخيله من بنيها
وتمضى بهم، كل فجر، على سورها الدائري
تقول لهم، وخبيئتها فى يديك
سأحيا نهارا وليلين بين صلاتى ونومى
وأنتم معى فى مشاهدة الروح
تكشف عن شكلها فى عمى النظرات
ولستم معى الآن فيما يفيض عن الموت
أو ما تبقى من العرض
معجزتى فى الأداء على مسرح لا أراه
كتابى على الباب
سنبلتى فى يدى
صورتى فى اللسان
رموزى طيور وغرقى على سلة الخبز
ماء الطهارة فى كأسنا هبة لدمى فى الجفاف
كأنى على الريح
أنوى الكتابة، فى قلق، هابطا مصر
أعطى لسيدة العالم الأبدى ثمارى وريشتها
جسدى وصخورى على كفتى
وجناح وليد من الطير
أو زهرة فى اللقاح بكفتها
لا أريد الحساب وخبزى حرام على
كأنى المهاجر من أخوتى
أستعير قميصا وذئبا وبئرا
لأعطى أبى عهده وحكايته
وأظل أنا معكم فى حقول المرايا
وليس لدى شهيد على ما أقول
...........
وليس لديك دليل على ما ترى
تلك رحلتك الآن
تقضى صباحك فى عربات التراحيل
ترفع جلبابك القروى وتجمع فى حجره
دودة القطن
تمضى مساءك فى قاعة العرش
تلقى مهرجه والفقيه وحامل أختامه
فى متاهة أعمدة ومرايا
ومقعده فارغ
تنفض السوس عن ملك يتساند فوق عصاه
فيلقى إليك قناع الشبيه
فتمضى إلى الاحتفال بتتويجه السنوي
وتحرق دميته يوم شم النسيم
تغادرنا فى دقائق
كى تأخذ الكلمات القديمة من يومك المتبقى
وتسألنا فى اجتماع الخلية أو بعد جلسة مقهى
لماذا احتملنا خداع الحقيقة فى وطن ورقى ؟
وتكتب :
قد نختفى من شوارع كانت لنا
ونفارق صحو الضحى تاركين رماد الحواس
وقد نرتضى أن تكونوا قريبين حتى التلامس
دون اتصال
نراكم، ونذهب فى ريحكم حسرات
وقد ننتهى بعد وعد بيوم يمر ويأتى
ولكن : لماذا الألم ؟
.............
ستحجب بابك عنا
وتلقى كتابك والروح فيك على سور معتقل
ربما كان أنت المبشر فينا
وكنت أنا مثل صاحب موتك
حارس سجنك، سارق قبرك
ضيفك فى الاحتفال وراويك فى السوق
حافظ لوح الوصايا ومنتحل الكلمات
فهل تشتهى الاتصال الخفى بزهرتنا فى المياه ؟
لماذا تشاهد وجهك فى البئر ؟
هل تحجب الباب ؟ ما دينك الآن ؟
كيف تريد العلامة ؟
هل أنت فى حفلات التنكر
تلقى ضحايا المجاعة والهاربين وأسرى الحروب ؟
تقول أنا فى حياتى، أنا فى مماتى، أنا فى صلاتى
صدى جسدى فى ثلاثة أمكنة
وتقول : ضرير وطائره فى الممر
ملاك يمر على الزهر والنار فى مسرحى
والملقن يعطى الممثل فى القبر جملته
وأنا أتوارى بأرض وعدت بها
فإذا هى رائحة من حدائق موتى
وهذا كبير التماثيل
سوف أعلق فى رأسه الفأس
آخذه لافتتاح الجريدة والسجن
ألقى خطاب الإدانة داخل قلعته
لا أرى سوى لاعب بالدمى
وطواف أجنتنا، وسوائلها حية، فى الغبار
.......
ومنذ دقائق، من سنوات
تلوت عليكم نصوص الرسالات
والليلة الارتجال
ونحن على الحلبات
وأسرتنا الملكية فوق مقاعدها
وعليها تميمة عهد
وقبسة نار وزهر
ومن نظراتى القريبة منها،
وجدت على الصدر والوجه فضة نور تبث الأشعة
والقدمين تراب
وحارسهم دون كلب وأسلحة خارج الباب
الملك الآن عار
وزوجته تضع الدمية الذهبية فى عرشه
أكتفى الآن
تلك خيالات كهف
نبوءة غار تؤدى إليه تماثيل لا تنتهى
أكتفى الآن
جسمى يخايله ضوء سهرتنا
يتعامد والشمس
تحت الأشعة يعطى الكتاب
وكفاه معقودتان على صدره
أكتفى الآن.
لا أحس بشيء, ولكن, رأيت دمي في خلاياه مشتعلا
والذي كان وجهي يصير هلاما من اللحم منبهما
وما يشبه الروح ينحل في شهقة الاحتراق
وعظمي تسايل في غمرة النار
وانفك ملتصقا بحديد المقاعد
أبقيت جسمي بموضعه
وبدوت كأني ألوذ بنافذة أو جدار
وكأني أريد هواء وماء, هواء وماء..
اجــــــترار
إن كنت مارّا, أعطِ كفيك لراسمي النقوش
أو لقارئي الطوالع المحدِّقين في الألواح والرمل
وإن أقمت , فكر كيف تبقى بانطباع اللحظة الأولى.
وكيف تتقن الإيحاء بامتلائك الذاتي كي تنال زوجة
وبالموت , لتنسى ما عرفت
فلست غير خاطر يرافق المدينة التي ظننت
وصاحبي في الغار يبكي
والحمام العنكبوتي , مسوّماً , يسوخ في فضاءٍ أرقط
وليس غير السانحات سابحات سبحةً
في غبشة الإشراق
فانشغلتُ بالصلاة والنوم
فما لبثتُ غير لحظة أرى
شجيرة تحيطني بتوتها وفيئها الدفيء
وحينما استفقت أوهممت بالطوافِ..
واقتطاف طرحها الخبيء
كانت تصير شاهداً
وكان زيتها, وقد مسّـته نار, لا يضيء.....
وقفت شاهداً ,
وقد تفتحت بداخلي ذبابة ذئبيه
وغرغرت كشهوةٍ
خطيئتي كفَّارتي
وصفحتي مطويةٌ
(هذا أنا
وهذه مدينتي)
في جارٍ يرد مسرعاً تحية الصباح
في غير المباحات , وإن شئت , المحرمات
في شجار زوجة ومقهى مترب
فيما أسميه الحياة في الجموع
وما تسميه : سكينة القطيع
وقصّ عن مشوهي الحروب
عن رسائل الجنود للأهل
عن المخيمات والخيانات
- أتكره القتال ?
قال : أين ينتهي السؤال?
واستمر يفرك الوقت
ومر تاركاً هشيم طائر الفخار
واستدار في توحش
يجر جسمه المعوق الكظيم
دافعاً إلى الجدار جثة تطيبت
مكرراً , شابهتُ أسلافي
فأبقيت شبيهاً في الفراش, وارتحلت
ناقتي تنوس في غواشي ظلمةٍ
وقفت شاهداً ,
وجندي يصيب طائر الفخار مزهوا ,
ويلقيه مهشما إليّ قائلا
ما زال لي تأملي الخاص , انشغالاتي وأسراري
وطاقتي على إيجاد أهداف , ولو بسيطةٍ
ولو من الفخار
- تلك فطرة الحياة ياجندي
لا , بل استفاضت الحواس يافتى
- ما زلت أيها العجوز تتقن التصويب
مثلما أجيدُ الحب ,
إن الجسم ما يريد لا ما يستطيع
استنفرته فكرة اللاشيء
قال أنت تكتفي بالاعتراض الداخلي
واجترار أوجه وأحرف وأصدقاء فاترين
تعرف استكانة الفقد
وتعطي , بائتلافك , انطباعاً خادعاً
- وما البديل ?
هكذا , في يومك العادي والتتابع الآلي والتكرار
من قصيدة: بــــين مســــــافـــتين
تأتين لي
جسدي يحس رماده ,
ورذاذ طير يستدر سحابة
فأنال وقتا دائماً, وأقول ما ينسى
أحبكِ أم أريدكِ?
رغبة رملية تلتف حول يدي
موت دافيء , قط يناوش ظل نافذة
ظلام ظاميء
أهي الغواية أن أرى الخيل المخصّب نائماً في دكنة اللبلاب
أن أتشمم العشب المبلل بين جلدك والقميص
وأن أهز إليك نخلاً مريميّاً كي تشيري لي , فأكتشف الكلام
وأنا أريدك ,
هل لدي من الفراديس الأثيمة والسماء - الشاهد الغيمي -
ما يكفي لأهبط ثانيا بخطيئة أخرى
تمليت الفراغ بفُرجة الباب الموارب , وامتلكتك في المنام
تأتين في الفرح المؤجل والعذابات الصغيرة
في البرودة والبرودة والزجاج
وتتركين على السرير مدار أنثى
تلك رائحة العناكب , والجدار يمج وحشته
فألتمس المدينة في بقايا شارع
في خطو عابرة تخلل صوت كركرة النراجيل , اندفاعات الدخان
كشك الهاتف المنهار , أعمدة المصابيح الصديئة
في الصداقات السريعة والأحاديث الخفيفة
في حوار فاتر في الإثم والنسيان
- كيف قضيتِ وقتكِ منذ موعدنا الأخير
- غسلتُ , شاهدتُ المسلسل
وانشغلتُ لساعة في الحب والتطريز...
محمود نسيم
* محمود نسيم السيد الجوهري ( مصر) .
* ولد عام 1955.
* حصل على الليسانس في الفلسفة من كلية الآداب - جامعة عين شمس 1980, والماجستير من أكاديمية الفنون بالقاهرة 1994.
* عمل مدرسًا بكلية التربية النوعية بطنطا والعباسية, وعضواً بلجان تحكيم وقراءة نصوص إدارة المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة.
* أسس مجلة (كتابات) مع الشاعرين رفعت سلام, وشعبان يوسف, كما أنه عضو مؤسس بجماعة (إضاءة 77).
* نشر قصائده في عدد من الصحف والمجلات المصرية, وشارك في أغلب المهرجانات العربية, والمحلية, كما ترجمت بعض قصائده إلى الإنجليزية.
* دواوينه الشعرية: السماء وقوس البحر 1984 - عرس الرماد 1989 - كتابة الظل 1995, وله مسرحية شعرية بعنوان: مرعى الغزلان.
* نال الجائزة الأولى للمجلس الأعلى للثقافة بمصر عن مسرحيته الشعرية (مرعى الغزلان) 1986, وجائزة سعاد الصباح عن ديوانه (عرس الرماد) 1991.
* عنوانه : 4 شارع أحمد ماهر - أرض النعام - القاهرة .