ديوان حفيد امرىء القيس( كاملا) 50 قصيده طباعة ارسال لصديق
ســعدي يوســف
يــومُ جُــمـعـةٍ رَطبٌ
قرميدٌ خَـضِــلٌ
يُدخِـلُ في عينَـيَّ برودتَــهُ الـمعجونةَ بالـبُــنِّـيِّ ؛
القرميدُ سيدخلُ في اللوحةِ
والشّــجرُ
العصفورُ الغائبُ أيضاً
ومـحفّــةُ مَـرْكبةِ الإســعافِ
وفانوسٌ من أشعارٍ كُـتِـبَتْ في منتصف القَـرنِ الـماضي …
لَكأنَّ الساحةَ بالونُ زجاجٍ مملوءٌ بالمــاءِ
وبالريشِ الأبيضِ ،
بالونُ زجاجٍ سَيــطـيــرُ قريباً
ويُـخَــلِّـفُـني
بمواجَـهَــةِ القرميدِ
وبَـرْدِ اللونِ الـبُــنِّـيِّ
وفانوسِ الأشعارِ المكتوبةِ منتصَفَ القرنِ الـماضــي .
لندن 20/5/2005
ابنُ عائلةٍ ليبــيٌّ مقيمٌ في روما
قالوا لي : كيف تقيمُ هنا ؟
تترك بيتكَ عند طرابُلُسٍ ، وحقولَ الزيتونِ ، ومقبرةَ الأجدادِ ،
وتسكنُ في حيٍّ من أحياءِ الفقراءِ بروما ؟
قالوا لي أيضاً : إني الأكبرُ سِــنّـاً في العائلةِ …
أعرفُ هذا ،
أعرفُ أني أسكنُ في عاصمة القيصرِ
أن جنود الحاميةِ الرومانيةِ في أرباضِ طرابُلُسٍ
يَجْــبونَ ضرائبَ فادحةً ،
ويحبّونَ الغلمانَ الليبيينَ
ويغتصبون نساءً أحياناً …
أعرفُ هذا ؛
لكنْ … إنْ كانت ليبيا مستعمَرةً للرومانِ
فهل أفضلُ لي أن أسكنَ في مستعمرةٍ ؟
أن أسكنَ داخلَ ما سَـمّـاه الرومانُ بلادَ برابرةٍ ؟
أنا في حيٍّ من أحياءِ الفقراءِ بروما … حقّـاً
لكنّ العسسَ الليليّ هنا لا يزجرني
لا يسألني
لا يأمرني أن أخلع أثوابي ليفتشني …
والأمرُ بسيطٌ جداً ، جداً ، جداً ؛
فالعسسُ الليليّ هو العسسُ الليليُّ لعاصمةِ القيصرِ
لا للمستعمرةِ …
………………
…………………
…………………
الآنَ
سـأفتحُ نافذةً كي يدخلَ ضوعُ صنوبرةٍ بعد المطرِ ؛
…………………..
…………………..
…………………..
ابتعدتْ عني رائحةُ البارود .
لندن 22/8/2004
عــدَن 1986 … إلخ
كانت رائحة البارودِ وأدخنةُ البارودِ تَصــاعَدُ تحتَ سماواتٍ هابطةٍ
وتَـنَــزَّلُ في الرئتينِ ،
وكانت عدنٌ تدخل في أزمانِ الغِــربانِ الأولى
مَــعْــبدَ بارْسِـيِّـينَ
وبُرْجاً للصمتِ …
وشــارعَ ذبْحٍ لقرامطةٍ وشـــيوعيّــينَ .
وفي ساحة فندق نوفوتيل ( بَـناهُ فرنسيّـونَ ولبنانيّـون ) على الشاطيءِ
كان القتلى
ينتظرون مناقيرَ الطيرِ
لتأخذهم نحو سماواتٍ غامضةٍ ؛
نحفرُ في الرملِ
ولا مــاءَ ،
ونحرثُ في البحرِ
فلا أســماءَ …
لقد كنا فقراءَ ، وما زلنا الفقراءَ
ولكنّــا آمَـنّــا يوماً بقرىً نرفعُ فيها مَـلَــكوتَ حُـفاةٍ وشُــراةٍ
ونُـعِــيدُ النجمَ إلى التربةِ
والإســمَ إلى الأشــياء …
…………………......
……………………..
……………………..
تعالتْ عدنٌ
وتهاوتْ عدنٌ
وتداولَــها ، وتداولَــنا معها الزمنُ الحِــرباء .
لندن 4/5/2005
نصيحةُ مُجَـرِّبٍ
حينَ تَـنْـعَـمُ بامرأةٍ
فَـلْـتَـكُـنْ ناعماً مَـعَـها …
إنّ جِـلْدَكَ ، جِـلْـدَ التماسيحِ ، وَعْــرُ
وتاريخَ جِنْسِكَ ( أعني الذّكورةَ ) شَــرُّ ،
وهذا الذي يتناوَسُ ، مُسـْـتَنْـفَراً ، بين فَخْذَيكَ ، ليسَ يَـسُــرُّ
إذاً ، فَـلْتَـكُنْ ناعماً مَـعَــها ،
في الأقَلّ ...!
لندن 6/6/2005
بعد قراءة روايةٍ عن القرن التاسع عشـر
أمّــا الـمَـنْـفيّ
فعليهِ ألآّ يملكَ من غالٍ ونفيسٍ
إلاّ نفْـسَـــهْ !
أنا لم أقُل الفكرةَ ؛
جان جِيونو Jean Giono في " الفارس ُ فوق السّـطحِ "
هــو القائل …
كان جيونو يلبسُ ثوبَ عقيدٍ إيطاليٍّ شابٍّ
يتخفّى في هيأةِ فلاّحٍ .
كان على حَـدِّ السيفِ يسيرُ إلى الثورةْ
أصحابي الـغُرباءُ
الناجونَ بأنفُــسِـهِم من جَـفْــنةِ مَـحْـبِسِـهم
كَـمْ هُمْ سُــعَـداء !
لندن 29/5/2005
معروف الرّصافــيّ
أتذكّــرُ تمثالَكَ في الساحةِ ضخماً وثقيلاً
مثل تماثيل الكولومبيّ الواخِـزِ : بوتيــرو …
لكَ أن تتعالى في الساحةِ
أن تُعلِـنَ وقفتَكَ …( النحّـاتُ ذكيٌّ )
لكَ أن ترفعَ عينيكَ
وأن تترفّــعَ …
ألاّ تبصرَ تلكَ الأعوامَ الخمسينَ :
الضبّـاطُ شــريفيّــونَ
الوزراءُ شــريفيّــونَ
الشعراءُ شـــريفيّــونَ
صحافيّــو كلِ سِــخامِ الورقِ المدفوعِ شــريفيّــونَ
النوّابُ الأوباشُ شــريفيّــونَ
وحرّاسُ ملاهي بغدادَ ، وحاراتِ دعارتِـها ، والتاجِ ، شــريفيّــونَ …
ولكنّك ، تسندُ ظَهرَكَ للحائطِ :
أنتَ تبيعُ سجائرَ لن يتنشّــقَها أحدٌ ، في الفلّــوجةِ …
أنتَ تؤلِّفُ عن شخصيّـةِ مَنْ أســمَـيناهُ نبيّــاً
أنتَ تُبَـلشِفُ
تكشِفُ
تكتشفُ العُــريَ صريحاً ،
وتقولُ …
…………………….
…………………….
…………………….
لنا أن نتباهى بكَ في الساحةِ
يا معروفُ !
لنا أن نستقبلكَ اليومَ رفيقاً …
أمّــا أنتَ فمن حقِّكَ أن تشتمَــنا
من حقِّكَ أن ترفعَ عينيكَ
وأن تترفّــعَ عنّــا ،
أن تتعالى في الساحة…
من حقِّكَ أن تحسبَ كلَّ الضباطِ
وكلَّ الوزراءِ
وكلَّ النوابِ
وكلَّ الشعراءِ
وكلَّ حُماةِ بيوتِ دعارةِ بغدادَ …
ومنطقةِ التاجِ الخضــراءِ
شَـــريفيّــين !
لندن 9/5/2005
مائدةٌ للطيرِ والسنجاب
هـيّأتُ صباحَ اليومِ وليمةَ عيدٍ للطيرِ
وللسنجابِ ؛
اليومَ ربيعٌ أوّلُ
_ أعني أولَ يومٍ لا يثقلُكَ المـعطفُ فيهِ … _
أحسستُ بأنّ روائحَ تأتيني من قِــممِ الأنديزِ
ومن أعماق الغوطةِ
من أرباض نهاوندَ ،
وقلتُ : أُبارِكُ ضَـوعَ العالَــمِ ،
فلأنثرْ خبزي اليوميَّ ،
ليأكلْ منه العصفورُ ، ويقضمْ منه السنجابُ ؛
مددتُ بساطَ العشبِ
_ طريّـاً ونديّـاً كانَ _
وعدتُ إلى نافذتي …
جاء الزرزورُ الأولُ
فالثاني
فالثالثُ …
هبطَ السنجابُ خفيفاً من جذع الجوزةِ
مختطفاً كِـسْــرةَ خبزٍ ،
ليعودَ إلى مَـرْقَــبِـهِ في أعلى الدوحةِ .
…………….....
……………….
……………….
كم كنتُ سعيداً !
لكنّ العقعقَ جاءَ
وجاءَ الثاني
فالثالثُ …
في طرفةِ عينٍ فرِغتْ مائدةُ العشبِ …
…………..
…………..
…………..
إذاً … ســأظلُّ : أُفَـكِّــرُ بالزرزورِ
وبالسنجابِ …
لندن 15/3/2005
تنويعٌ على سؤالِ رئيسِ أساقفةِ كانتربَري
Variation on the question of the Archbishop of Canterbury
قد طالَــما فكّــرتُ :
إنْ كان الإلــهُ حقيقةً
فَــلِــمَــنْ ، إذاً ، نحنُ ؟
السؤالُ :
لأيّ معنىً نحنُ ؟
إنْ كان الإلــهُ ، القادرُ ، الحقَّ
انتهينا منهُ ،
أو مِــنّـا …
أيُـعْـقَــلُ أنّ آلافاً مؤلَّــفةً من الأعوامِ
تمضي هكذا؟
قتلاً
وقتلى _
الأيدْز ، والطاعون ، والبركانُ
والطوفانُ
والـمارينـز في بغدادَ
والذُّؤبان …
………………..
………………..
………………..
إنْ كان الإلـهُ حقيقةً
فحقيقةُ الشــرِّ : الإلــهُ ؛
وليس من معنىً
لِــما نعني
ومَن نعني ســـواهُ …
لندن 4/1/ 2005
في صباحٍ غائــمٍ
الصباحاتُ غائمةٌ ، ليس من قبلِ عشــرينَ يوماً فقط …
الصباحاتُ غائمةٌ ، منذُ عشــرينَ عاماً وأكثرَ ؛
إن الصباحاتِ غائمةٌ
مُــذْ وُلِــدْنا .
وفي عدَنٍ كانت الشمسُ في السّــمتِ فجراً
تُؤجَّــجُ قحفةَ رأسكَ مثلَ الزجاجِ ،
ولكنّ تلك الصباحاتِ غائمةٌ !
………………….
………………….
………………….
ربّــما في عواصفَ ثلجيّــةٍ يتجلّــى الصباحُ الـبَــهِــيُّ …
لقد حَطّت الطيرُ !
عند محطة مترو الجنوب ، بموسكو
انتظرتَ التي لم تجيءْ
وانتظرتَ … انتظرتَ إلى حَــدِّ أن غَــمَــرَ الثلجُ شَـعرَكَ
واقتاتَ عينيكَ ؛
قلتَ : الصباحاتُ غائمةٌ …
وانكفأتَ .
………………………
………………………
………………………
السلالــمُ لا تـنـتـهي حينما ترتقيها
( غُـرَيفةُ باريسَ في الطابق السابعِ )
السَّــيْنُ ليس بعيداً
وفي الصُّبحِ نفترضُ الشمسَ …
لكنّ تلك الـغُــرَيفةَ لن تبصرَ الشمسَ إلاّ دقائقَ .
إن الصباحاتِ غائمةٌ في غُــرَيفــةِ باريسَ أيضاً !
………………….....
……………………
……………………
· وماذا عن الـمَـشـهَدِ الآنَ ؟
- لا مشهدَ الآنَ .
إنْ رُمتَ نوراً فَـخَـبِّــيءْ شـآبيبَــهُ في نبيذِ العروقِ
ولا تنتظِــرْ أن يكونَ الصباحُ الـمُتاحُ بهيّــاً ...
ســتشـهدُ كلَّ الصباحاتِ غائمةً
ومدجَّــجةً بالعفونةِ
حتى تمـــوت !
لندن 18/4/2005
كونشيرتو للبيــانو والكْلارِيْـنَتْ
Concerto for Piano and Clarinet
متدافِعٌ قصَبُ الـبُـحَــيرةِ طائرٌ يختفي في ســماءٍ ســماويّــةٍ
طائرٌ يختفي في سماء
طائرٌ يختفي
طائرٌ
متدافعٌ قصبُ البُـحيرةِ
أهيَ ريحٌ من وراءِ البحرِ تدفعُــهُ
أَم السمَكُ الذي في القاعِ ؟ هذهِ سِــدْرةُ الـمُـنتـهى ، البيتُ
هل سِـدْرةُ المنتهى البيتُ ؟
هل سِـدْرةُ الـمنتهى ؟
سِــدرةُ الـ …
متدافعٌ قصبُ الـبُـحَـيرةِ
كانت الشمسُ الخفيفةُ أرسلتْ منديلَـها
ليدورَ في الـــماءِ نحن أولادُ بيتِ القصَبْ
نحن أولادُ غُصنِ الذّهَبْ
نحنُ أولادُ معبودةٍ خائبــةْ
نحنُ مَنْ؟ نحنُ مَن؟ نحنُ مَنْ ؟
متدافعٌ قصبُ البحيرةِ
في السقيفةِ زورقُ الصيّـادِ
يُطْـلى ، مِـثلَـنا ، بالقارِ
يُطلى ، مثلَنا ، بالنار خَـلِّــني أغترِفْ ملءَ كَـفَّـيَّ
من مائكَ الـمستحيــل
خَـلِّـني أغترِفْ منكَ نارَ السبيل
خَـلِّـني أختـلِجْ
خَـلِّـني أبتهِجْ بالقليل …
لندن 9/6/2005
ـــــــــــــــــ
· النص إلى اليمين يعتمد الكاملَ وزناً ، كما هو واضحٌ ، وهــو للبيانـــو .
والنصّ إلى اليسار يعتمد المتدارَك وزناً ، وهو للكلارِيـنَـت .
· قراءةُ النصّ الشعريّ يمكن لها أن تكون متداخلةً ، أو متناوبةً ، أو بأيّ طريقةٍ يختارها القاريء .
س. ي
إيْـسْـتْــبُــوْرْنْ في الشتاء
Eastbourne in winter
في الصيفِ الـماضي
بعدَ شِـجارٍ بين امرأتي وامرأتي فجراً ،
تركـتْـني ، عائدةً نحو محطةِ لندن / فكتوريا …
_ أنا لم أتدخّــلْ بين الضِـدَّينِ الـمُستَـعِـرَينِ بصدرِ امرأتي _
فأتاحتْ لي أن أعرفَ شيئاً عن هذا المرفأِ
أو أتلمّسَ ما أرجو بأزقَّــتِـهِ الخلفيةِ :
فندقَ دائرةِ الهجرةِ ، حيثُ يلوبُ الشبّـانُ وحيدينَ
و بارَ الصيّــادينَ ؛
أو الكيلومتراتِ الخمسةَ للروضِ الصخريّ على سِــيْـفِ البحرِ :
الصُــبّـارَ الفحلَ
ونَـبْـتَ الصحراءِ الشائكَ
والـموجَ ، وما تحملُــهُ الموجــةُ من نُـعْـمى الجسَــدِ …
………..................
…...………………
……………………
البحرُ يدمدمُ مرتعِــداً
والريحُ تَــناوَحُ ، صَــرّاً ، تقذفُ بالبحرِ إلى اليابســةِ
الروضُ الحَـجَــريُّ
يقاوِمُ ،
معتـزّاً بنبات الصحراءِ
وأسيافِ الصُـبّـارِ : الأخضرِ والأبيضِ ،
هذا الراكضُ صبحاً في الـمِـضمارِ البحريّ يقاوِمُ
سعدي يوسف في الفجر الشتويّ
الملتبِسِ
الفظِّ
يقاوِمُ …
أخشابُ السورِ
صخور مصدّاتِ الموجِ تقاوِمُ ،
إيستبورنُ الوهمُ
وذاكرةُ الصيفِ
تقاوِمُ …
…………………….
…………………….
…………………….
ليس لدينا الآنَ ســوى غفْــلتِــنا
ليس لدينا الآنَ ســوى النظرِ الأوّلِ
ليس لدينا الآنَ ســوى الـمِـرآةِ :
مساءً ســأكونُ بـحانةِ " قَـطْـرِ ندىً " / Dew Drop Pub
سأحاولُ أن ألقى شيخاً كنتُ تعرَّفتُ عليه هنا
في صيفٍ ما
قبل ســنينْ …
شيخَ البحّــارةِ كانَ
وكانَ
وكانْ …
لندن 24/ 2/ 2005
سِــياجٌ في الريــف
بينَ مُـقامـي ( أعـني بَـيـتي في القرية ) ، والـبَــرِّيّــةِ ، رَسْــمُ ســياجٍ خـشـبٍ .
كان سياجاً ينهشُــهُ السُّـــرْخُـسُ والـطُّـحْـلُبُ والـمطرُ الدائمُ . أحياناً يبــدو أخضرَ .
أحياناً يبــدو بُـنِّـياً . يتحوَّلُ أزرقَ في الأحلامِ . وأسْــوَدَ في الكابوسِ . وأبيضَ حينَ تضيقُ الدنيا .
( الملحوظةُ ) : أقصدُ فِعلاً ، وبلا أيِّ مُراوَغَةٍ أو أوهامٍ ، أو أيّ تقاليدَ لنا في التعبيرِ ، سِــياجاً فِعْـلِـيّاً .
كلَّ صباحٍ يدنو منــي . يوماً في سِــيماءِ غزالٍ . يوماً مع ثعلبِ فجــرٍ . لكنْ … أبداً في هيأةِ
طيرٍ . منذُ الرابعةِ ، الفجرَ ، يناديني باسمٍ من أســماءِ الطيرِ : أَفِــقْ يا غافِــلُ ! وافتَحْ عينَيكَ !
أَلَــمْ تهجِسْ هذا الكونَ ؟ ألَــمْ تتحسَّــسْ نبضَ الدَّوحِ ؟ أَلَــمْ تَـسْـتَفْ ضَوعاً سِـرِّيّـاً ؟
سَــرِّحْ طَــرْفَكَ بِضْعَ ثوانٍ … أَوَلَـمْ تتخاطَفْ في الـبُــعْـدِ مياهُ بُحيرةِ قارونَ ؟ ألَـمْ تَــرَ
قافـلةً لِــمَـغارِبَــةٍ ماضِـينَ إلى الكـنْـزِ ؟ فكيفَ تقـولُ ، إذاً ، إنك أَعْــلَـمُ بالسِّحـرِ
من السّــاحرِ ؟ لا !
لاتقلِبْ سُــحْـنَتَـكَ ! السُّـحْــنةُ ليستْ كالسُّــتْـرةِ … والـمنـزِلُ ليسَ الـمَسْــكنَ .
أنتَ تُراوِغُ نفْـسَكَ !
هل تســمعُـني ؟ هذي الجدرانُ الأربعةُ القرمــيدُ … أتحسـَـبُها عازلةً ؟ هي أوهَى من نسْــجِ
عناكبَ في رأســـي . هل تعْـلَـمُ أن فتى الفِتيانِ هو القادرُ أن يَعـبُـرَني قَــفْزاً كي يدخلَ فـي
الـبَــرِّيَّــةِ ؟ هل أبصرتَ البـرْقَ الآنَ ؟ غريبٌ ! هل سُــمِـلَتْ عيناكَ ؟ وهذا الرعدُ ... ألَــمْ
تســمعْــهُ ؟ غريبٌ ! هل وُقِــرَتْ أُذُناكَ ؟
تراوِغُ نفسَكَ !
أرجوكَ ، اســمَـعْني …
أنا لستُ ســياجاً لـلـبَــرِّيّــةِ ؛
أنا رَسْــمُ ســياجٍ في الـبَــرِّيّـةِ ...
أمّــا أنتَ … فَـمَـنْ أنت ؟
لندن 21/5/2005
الــحُـرِّيــة
الثلجُ نديفٌ
منذُ ثلاثِ ليالٍ ، وثلاثةِ أيامٍ ، والثلجُ نديفٌ …
والآنَ ، وفي الواحدةِ الظُّـهرَ ، الثلجُ نديفٌ .
ماذا أفعلُ ؟
ماذا يفعلُ هذا الزّاغُ المتشبِّثُ بالسقفِ الخشبيّ لديَّ ؟
الثلجُ نديفٌ
وفروعُ الأشجارِ بياضٌ في الأعلى
وشَـواظٌ بُـنِّـيٌّ في الأسفلِ
لن يقطعني الثلجُ
ولن أســتذكرَ مثلَ أبي تمّــامٍ ديوانَ حماســةْ …
إني أنظرُ من نافذتي :
سيدةٌ
تفتحُ بابَ حديقتها ،
تتأمّــلُ في الثلجِ قليلاً
وتلفُّ ســجارتَـها الهنديّــةَ
أو تلكَ الأفغانيّـةَ
- مَن يعرفُ ؟ -
تشعلُـها
تأخذُها كاملةً في الرئتينِ
وتُغْــلِقُ بابَ حديقتِــها …
لندن 25/2/2005
قارةُ الآلِــهة
لو كنتَ وُلِـدتَ بإحدى القارات المجهولةِ في قَــرنٍ آتٍ
وتنفّستَ هواءً مختلفاً
وطَـعِـمْتَ غذاءَ من آلِــهةٍ
وشــربتَ رحيقَ ملائكةٍ …
ولبستَ لبوسَ فضائيينَ ؛
أقولُ :
إذا أَمْــكَــنَ هذا
وتمكّــنتَ ،
فهل آمُــلُ أن أتلقّــى منكَ بريداً ؟
ذبذبةً خافتةً مثلاً
أو بضعَ إشاراتٍ ضوءٍ …
………………
………………
………………
كوكــبُـنا الآنَ يــمُــرُّ بقَـرنِ ظلامٍ
والظلمةُ ، حتى الظلمةُ ، تشتدُّ على البؤساءِ
( أنا منهم … )
أسألُكَ الرحمةَ :
هل تتدبّــرُ أن يحملني منك شعاعٌ
كي أولَــدَ في إحدى القارات المجهولة ، في قَرنٍ آتٍ
فأشِـبَّ رهيفاً
بين ملائكةٍ
ومنازلِ آلهةٍ
وفضائيين !
لندن 16/8/2004
حــفيدُ امريءِ القيسِ
أ هْوَ ذَنْــبُكَ أنكَ يوماً وُلِدتَ بتلكَ الـبـلاد ؟
ثلاثةَ أرباعِ قَرنٍ
وما زِلتَ تدْفَعُ من دمِكَ الـنَّــزْرِ تلكَ الضريبــةَ :
( أنكَ يوماً وُلِدتَ بتلك البلاد … )
وما تلكَ ؟
إنكَ تعرفُ أغوارَها والشِّــعابَ
تواريخَها الكذِبَ
الـمُدُنَ الفاقِداتِ المــدينةَ
تلكَ القرى حيثُ لا شــيءَ
ذاكَ الظلامَ العمــيمَ
وتعرفُ أن البلادَ التي قد وُلِدتَ بها لم تكنْ تتنفّسُ مَـعـنَـى البلادِ …
……………………….
………………………..
………………………..
السؤالُ : وما دَخْلُكَ الآنَ حينَ تطالَبُ بالمستحيلِ ؟
*
الـمُصيبـةُ أنكَ تحملُ أوزارَها في انتفــاءِ البلاد !
لندن 22/5/2005
هــادي الـعَــلَــويّ
كان هادي العَـلَـويُّ استلَـمَ الـجُرْفَ وفَرْعَ التوتِ في الضـفّـةِ ...
وهو الآنَ يمضي
يربطُ القاربَ بالـمَـرْسِ الذي قد فَـتَـلَــتْـهُ أمسِ كَـفّــاهُ
إلى الصفصافةِ الـعُـظمى ؛
عجيبٌ أمْــرُ هادي العَـلَـويّ :
الغرفةُ السابعةُ استنفدَت النورَ ،
وقد ضاقَ بها ( ضاقتْ بهِ ؟ )
فهو يســري خارجَ الجدرانِ والألوانِ
يســري داخلَ الـعَـتْـمَــةِ
كي يبلغَ ماءً لا يَـبلُّ الرِّيقَ
ماءً ليس فيه من صفاتِ المـاءِ إلاّ البرق
ماءً ظلَّ يُـغْـريهِ بِـنارِ المستحيــلِ …
………………...........
………………………
………………………
القاربُ الـمربوطُ بالـمَـرْسِ إلى الصفصافةِ العُظمى
اختفى في هَـبّــةِ الريحِ …
وهادي العَـلَـويُّ اقـتَـعَـدَ الأرضَ
هنا ، في الضـفّــةِ الأخرى _
بعيداً عن مَـزارٍ عابرٍ
عن جســدٍ
أو بُـلْـغةٍ …
كان على الـتُّـرْبةِ يَـخْـتَـطُّ قناديلَ من الأوراقِ
أَبراجــاً
وراياتِ حريقْ …
لندن 6/6/2005
الحصـــانُ والـجَـنِــيْـبَـةُ
Horse and barge
يتعيّـنُ عليَّ إيضاحُ أنّ الجنيبةَ ( الدُّوبة بالدارجة العراقية ) هي واسطة نقلٍ نهرية مسطّحة من الحديد ، وقد اتخذت اسمها لكونها تنتقل جنبَ الضفة ، وفي العراق كان الرجال الكادحون ، وهم على الضفة ، يسحبونها موثقينَ إلى الجنيبةِ بحبالٍ ، قبل أن تأتي المحرِّكاتُ مع الحرب العالمية الثانية . في إنجلترا العتيقة قامت الخيل مقامَ البشر في جَـرِّ الجنائب على امتداد شـبكة القنوات العظمى The union canal.
أعتقدُ أن عبد الكريم قاسم كان أرادَ أن تكون ( قناة الجيش ) بدايةً لما يشبه القنواتِ العظمى . ( كان في دورةٍ بريطانيّـةٍ ، بلندن ، للضبّـاط الأقدَمين العراقيين ، والتقى محمد مهدي الجواهري )
النصّ يهتمّ بحانةٍ كبرى على القناة اللندنية ، تحمل اسـمَ " الحصان والجنيبـة " ، Horse and barge ، اعتدتُ ارتيادها ، وهي ليست ذات خصوصيةٍ معيّنة ، بل أنها أقربُ إلى الرثاثة ، إنْ أردتَ الحقَّ ، لكنها ذاتُ حديقةٍ كريمةِ الإتّـساعِ تُذَكِّــرني بالبارات الصيفية في بغداد ، قبل حملة صدّام حسين الإيمانية ، وهذا التاريخِ الأميركــيّ العجيبِ الذي جعلَـنا أقربَ إلى مكةَ من واشنطن .
وثـمّتَ جنائبُ ضـيِّــقةٌ تُـتَّـخَــذُ مساكنَ دائمــةً .
سـكَـنةُ الجنائب الضيّــقة Narrow boats يؤمّـون المكانَ لأنه ملتصقٌ بمرســىً لهم يُدعى بالإنجليزية الفصيحة غيرِ المعتبرةِ كثيراً لدى السكَـنةِ : Marina ، وهؤلاء يشكلون شريحةً اجتماعيةً حقاً. هذه الشريحة تُعتبَــرُ خارجَ السائد عموماً في الطبع والـمَـلبس واللهجـةِ ..
وللمناسـبةِ ، بمقدورنا ، بعد هذا الشــرحِ كله ، أن نقرأ قراءةً واقعيّـةً قولةَ سان جون بيرس : ضيِّـقةٌ هي المراكبُ ، ضيِّـقٌ ســريرُنا .
وعلى أيّ حالٍ ، ســوفَ أبتاعُ جنيبةً ضيِّـقةً ، ولسوف تكون ذاتَ ســريرٍ ضيِّـقٍ حُـكماً !
لكنْ ، في هذا المطر الدائم ، المطر غير المرئيّ ، المطر الذي يشــبهُ زجاج المـطارات …
أقولُ : في مثل هذا المطر ، يكون الكلام عن الماء والقنوات والمراكب الضيِّــقة ، سخيفاً تماماً ؛ لِــمَ لا أتكلّــمُ عن مزارع تربية الخنازير مثلاً ؟
كنتُ أتابعُــها من نافذة القطار المنطلق من لندن إلى أدنبرة في الشمال . وفي العودة لم أرَ المزارعَ . سألتُ رفيقَ
الرِّحلةِ : أين ذهبت الخنازيرُ ؟ قال : لا أدري ، لكن من الممكن جداً أنهم أكلوها ! حســناً … تقصدُ أن البشــر أكلوا كل تلك الخنازير ؟ خذ الكوسج ( سمك القرش ) … كم إنساناً تأكلُ الكواسجُ كلَّ عامٍ ؟ ثلاثةً ؟ أربعةً ؟ قُلْ خمسةً . وهناك سينما وفَـكٌّ مفترسٌ … إلخ . حسناً … اذهبْ إلى الـمَـسْـمكة ، لا تذهبْ بعيداً جداً ؛ اذهبْ إلى سوق الأسماك في " مَـسْـقَـط " فقط . ألا ترى الكواسجَ الصغيرةَ ؟
Baby sharks ? … لكن أسماك القرش ليس لديها ســينما ، أي أن الكواسج لم تنجب مخرجين مـثل مخرج الفكّ المفترس … لكي نرى فكَّ الإنسان والتهامَ الفريســة .
فيكتور هيجو في " كادحو البحر " وصفَ أخطبوطاً هائلاً ، وصراعَ الإنسانِ للتخلّــصِ منه . اذهبْ إلى
بيروس ، مرفأ أثينا … اذهبْ إلى المطاعم في تلك البلاد ، وعلى انتشار اليونان الكبرى في إيجة والمتوسط … هل بمقدورك أن تحصي عـديدَ الأخطبوطات التي يلتهمها اليونانيون كلَّ يومٍ ؟ لِــنَــعُـدْ إلى المراكب الضيِّــقة! أمسِ في " الحصان والجنيبة " … لا ، لا ، لا ، الآنَ في الساعة الثالثة عشرة والدقيقة العشرين تماماً ، يومَ الخامس عشر من كانون أوّل 2004 ، نظرتُ من نافذة المطبخ ( المضبّــبة قليلاً ) ، إلى الحديقة المشتركةِ ، و البَــرِّيةِ الوحشيةِ بعدَها ، والبحيرةِ المتلألئةِ في البُعدِ القريبِ … على الأرضية الخضراء ، كان ما خلّـفه الخريفُ المنقضي من ورقٍ بُــنِّــيٍّ ، يتحركُ كالزرازيرِ . الـبطُّ المهاجِــرُ عبَـرَ منذ الصباح غيرِ الباكرِ . تذكّــرتُ قصيدةً لبدرٍ ( السياب ) لا يتذكّــرها أحدٌ : صيحاتُ البطِّ الوحشــيّ . كانت أيضاً طيورٌ ســودٌ متوسطة الحجم . هي ليست الطيورَ السودَ الصغيرةَ . ليست الغربانَ . قالت لي صديقتي إنها تُدعى Starling ... لم تقُلْ ذلكَ اليومَ . قالت ذلك منذ أيّــامٍ . كنا في مطعمٍ _ حانةٍ ، على ضفة النهر العظيم تماماً ( أقصدُ نهرَ التيمس ) . كنتُ أرى الجسورَ ، الواحدَ يتلو الآخرَ ... قيلَ إن بغداد ستسقطُ بعد
الجســرِ السابعِ ! لماذا ؟ ليس في بغداد سحرٌ ولا ساحرٌ … بغداد مدينةٌ ( ؟ ) متربِّــعةٌ على مَزبلتها مثل دجاجةٍ غـبيّـةٍ . الأتراكُ فقط حاولوا أن يصنعوا منها عاصمةً ، مثل ما حاولوا مع دمشــقَ … الأميركيون
ليسوا بُــناةَ حواضرَ . الأميركيون هادمو حواضرَ . وعلى امتداد قارّتهِــم لن تجدَ حتى مدينةً واحدةً ذاتَ معنى متّــصلٍ . لِــنَـعُدْ إلى الـمِـراكب الضيِّــقة ! أمسِ ، مساءً ، في " الحصان والجَــنيبة " ،
وتماماً عند البار ، رأيتُ شخصاً لـم أكن أتوقّــعُ أن أراه ، شخصاً طالَـما مررتُ به ، وهو في جنيبته ،
على القناة ؛ أحيِّــيه فلا يجيب . أبتســمُ لِـمَـرآهُ فلا يردُّ . هل أتذكّــرُ الفرزدق؟
فما رَدَّ السلامَ شــيوخُ قومٍ مررتُ بهم على سككِ البــريدِ
ولا سِـيْـما الذي كانت عليهِ قطيفةُ أُرجوانٍ في القُــعــودِ
في هذا الشاهد من شرح ابن عقيلٍ ، يحكي الفرزدقُ عن كلابٍ مرَّ بهم . حيّـاهم فلم يردّوا … إنهم شيوخُ القوم ! على أيّ حالٍ ؛ هذا الذي لم يكن ليردَّ ، رأيته جليسي . أنا أيضاً أحبُّ الجلوسَ إلى البار ِ ، لا على كرسيّ
عند طاولةٍ … قلتُ له : أنا أراكَ دائماً . أجابَ : أنا أراكَ دائماً أيضاً . قلتُ له : وأراكَ ساهماً دوماً ! أجابَ : وأراكَ ساهماً دوماً … قلتُ : عجيبٌ ! قالَ : عجيبٌ !
سيكون المســاءُ ثقيلاً ، مثقَلاً . أُفـكِّــرُ في شــراء جَــنيبةٍ . سيكون لي ســريرٌ ضيِّــقٌ فيها ،
كذلك الذي ذكَــرَه سان جون بيرس . وسـأُوصي الـمرأةَ التي أُحبُّ بأن تقتصد في تناول الطعام …
لندن 15/12/2004
تَـــداخُـــلٌ
اليومَ أوّلُ أيامِ الخريفِ . مظلاّتُ الــمقاهي خذاريفٌ تدورُ
وفي الســحائبِ اشــتــدَّ لونٌ داكنٌ . لِـمَـن الدنيا؟
لقد كــان في أشـجارها ثـمَـرٌ للجائعيـنَ ، وفـي
أوراقِــها مــطرٌ للســالكينَ دروبَ القيــظِ …
لو رجعتْ أيّــامُــهُ ، آنَ كانَ الكــونُ مُـلْـتأَماً لأهلِهِ
ومَــعاداً للــفتــوّةِ … ، يا
صـامتـاً
تجلسُ بين الناسِ ، في الـمقهى ( أو الحانــةِ ) ، عصــراً
ترقبُ الآتينَ
أو تأخذُ شــيئاً
وتـلُـفُّ الـتـبِـغَ الأســودَ ( أحببتَ فرنســا دائـماً )
ثـمّـتَ شــيءٌ غامضٌ ينبضُ إذْ تجـلسُ بيــن النـاسِ …
ـ لكنكَ لا تعرفُ في المقهى ســـوى الســاقيةِ المشغـولةِ ـ
اليومَ أوّلُ أيامِ الخريــفِ … ترى ذوائباً من مـــديدِ العشبِ
ترفعُــها ريحٌ ، وتخفــضُــها ريحٌ . وثَـمَّ خيـــــولٌ
تقتفي أثراً بينَ الـمَـعاشِـبِ ، فــي مَـرْجٍ بلا أَثَـــــرٍ .
أنصِــتْ لأنفاسِــكَ :
الأمــطارُ قادمــةٌ …
و
خائفٌ
نَـبْـضُـكَ … في الـمقهى أتى رُكّــابُ موتورسِــيكِلاتٍ .
مثلَ ما شــاهدتَ في الأفلامِ : عشــرينَ ، أقامـوا ما أقـاموا ،
وانتــهَــوا في بَــغـتةٍ .
رَعــــدٌ .
لقد أجفلَـت الخيلُ ...
وهذا
اليومَ أوّلُ أيــامِ الخريفِ . تَــنــاوَحَ النحاســيُّ والصفصافُ* .
يهطلُ كالتفّــاحِ ، أخضــرَ ، وَبْــلُ الكســـتنـــــاءِ ؛
ولا ســناجيبَ
لا طيــرٌ
ولا قططٌ …
فاليومَ أوّلُ أيـامِ الخريفِ .
أَقِــمْ ، إذاً ، في مَـهَــبِّ الريحِ
سوفَ ترى الثعالبَ
الفجرَ …
……………….
………………
………………
أنتَ ، الآنَ ، تصطحبُ ! **
لندن 14/9/2004
ــــــــــــــــــــ
· النحاسيّ هو الشجر المسمّى الزان النحاسي Copper beech
· ** تصطحبُ ، في الفعل إشارةٌ إلى لقاء الفرزدق والذئب :
وأطلسَ عسّالٍ وما كان صاحباً
دعوتُ بناري مَوهِناً فــأتاني
فلمّـا دنا قلتُ ادنُ دونَكَ إنني
وإيّـاكَ في زادي لَـمُشتركانِ
فبِتُّ أُسَـوِّي الزادَ بيني وبينهُ
على ضوءِ نارٍ مرّةً …ودخانِ
فقلتُ له لمّـا تكشَّـرَ ضاحكاً
وقائمُ سيفي من يدي بمكانِ :
تَعَشَّ ، فإنْ واثقتَـني لا تخونُـني
نكنْ مثل من يا ذئبُ يصطحبانِ
وأنتَ امرؤٌ يا ذئبُ والغدرُ كنتما
أُخَيَّـينِ كانا أُرضِعا بـلِـبانِ
ولو غيرَنا نبّهتَ تلتمسُ القِـرى
أتاكَ بسهمٍ أو شَـباةِ سِـنانِ !
نــبْــتـةُ الوردِ الإيرلنديّ
لا تُطْــلِعُ نَـبْـتـةُ ما يُدعى الوردَ الإيرلنديّ ، الوردَ كما نعرفُــهُ
أو نقرأُ عنــهُ …
هي عندي ، في زاويةٍ من بستاني
( لأُسَــمِّ اليارداتِ الأربعَ بستاناً … لن أخسـرَ شيئاً ! )
هي عندي منذُ حللتُ ، هنا ، قبل ثلاثةِ أعوامٍ ، في هذا الـمُـنْـتَـبَــذِ الريفيّ
وأنا أتَــعَــهّــدُها
أســقيها …
( كلَّ مســاءٍ ، وكما اشــتَــرَطَتْ )
منتظِــراً أن تُــطْـلِـعَ ورداً
أو وعداً بالوردِ ؛
( يُـسَــمّى ذلك جُـنْـبُـذَةً في البصرةِ )
خابَ الـمَـسْــعى !
خابَ المســـــعى !
والناسُ يقولون هنا :
الوردُ الإيرلنديُّ يفكِّــرُ …
فالنبتةُ في لندنَ
لا في دَبْــلِنَ …
…………………….
…………………….
……………………
كيفَ ، إذاً سيكونُ الأمرُ مع البصرةِ ؟
لندن 10/10/2004
جَــبْــلــة
قد نذكرُ أنّ السلطانَ ابراهيمَ الـممـلوكيَّ
بنى مسجدَهُ الجامعَ ذا القببِ الخمسِ ، هنا …
ليس البحرُ بعيداً
ليس البحرُ قريباً
لكنّ الأسماكَ الحُــمْــرَ ، الحُـرّةَ ، قد طُـمِـغَـتْ باسمِ السلطانِ
السلطانِ ابراهيمَ ؛
كذلك أهلُ الساحلِ
والنسوةُ تحت غطاءِ الرأسِ التركيّ
وأسواقُ البلدةِ
والمـحتسبُ …
الليلُ على هذا الشاطيءِ من أحجار المتوسِّــطِ
يهبطُ مثلَ مُـلاءاتٍ ليس لها لونٌ أو رفرفــةٌ .
قد يصلُ الصيّــادونَ الآنَ إلى الـمرفأِ
بينَ شِــباكٍ وقناديلَ
وألواحٍ كانت تَــخْــضَــلُّ ؛
وقد تنبعثُ الـجَــرّةُ كاللوتسِ من قاعِ البحرِ الرومانيّ …
السلطانُ الـممـلوكيُّ ( أنا في الـمقهى أكتبُ . لا أدري
كيفَ أُقيمُ اللحظةَ حاجزَ صوتٍ ! كنتُ تعلّـمتُ كتابةَ أشعارٍ
في مقهىً باريســيٍّ )
وأُتابِــعُ :
إنّ السلطانَ الـمملوكيَّ تَـعَـمّـدَ أن يجعلَ حاجزَهُ
بين الجامعِ والرومانِ ، رمالاً …
( شــرَعَ المقهى يكتظُّ ، وأقربُ طاولةٍ تتأجّــجُ
بالضحكاتِ ، ونارِ الأرجيـــلةِ )
إن العشبَ قويٌّ
العشبُ قويٌّ
والعشبُ يُـغَـلْــغِــلُ في الحَــجَـــرِ
الدمَ أخضــرَ
والــماءَ
وما يجعلُ ما يَـفْــصِــلُ ، يَـتَّــصِــلُ …
( اشتقتُ إلى بيتي بالضاحيةِ البيضاءِ تماماً ، أعني بيتي في لندنَ
واشتقتُ إلى رُكني في بارِ الـبَــحّــارةِ ؛ )
طبعاً ،
ســأُخَــفَّـفُ وَطْءً
في البرزخِ بين الجامعِ والصَّــرْحِ الرومانيّ …
وسوف أُتَــمْــتِــمُ في السِّــرِّ
صلاةً غامضةً …
…..……………..
…………………
…………………
أَشــياخي في الخلوةِ ؛
هذا الليلُ طويلٌ ، مكتـنِــزُ الأســرار
ومنتــظِــرٌ آياتِ الســـامرِ
والـبَــحّــار …
دمشق 31/3/2005
ـــــــــ
* جَـبْـلة : مرفأٌ فينيقيّ على الساحل السوريّ بين طرطوس واللاذقية .
ولــماذا لا أكتبُ عن كارل ماركس؟
حقاً : لِـمَ لا أكتبُ عن كارل ماركس؟
فالأيامُ الإثنا عشرَ الثلجيةُ قد رحلتْ مثل غيومٍ بِيضٍ في بحرٍ أســودَ ،
والسنجابُ يعودُ
ونقّــارُ الخشبِ ؛
البطُّ الوحشــيُّ يواصلُ هِجــرتَــهُ
وحَـمامُ الدَّغْــلِ يعود لينقرَ في البستان …
هواءُ ربيعٍ أوّلُ
والخيلُ ســترمي عن صهواتِ الخيلِ دثارَ الصوفِ ،
وأسمعُ في الفجرِ أغاريدَ لطيرٍ منفردٍ …
…………
…………
…………
ستقولُ : وما شأنُ الألــمانيّ ، طريدِ العالَــمِ ، في هذا؟
عجبــاً !
أ وَلَـمْ تعلمْ كيف أحَبَّ الشِّـعرَ ؟
وهل تعرفُ مَـن شـاعرُهُ ؟
ثمّ هنالك أمرٌ :
نحن ، الإثـنَـينِ ، هبطْـنا لندنَ في أيّـامٍ تتماثلُ …
نحن طريدا حرسٍ ( زُرقِ العيونِ عليها أوجُــهٌ سُــودُ ) .
……………..
…………….
…………….
ولماذا لا أكتبُ عن كارل ماركس ؟
قرأتُ بمكتبة المتحف أشعاري ( حيث تكَـوَّنَ رأسُ المالِ )
وبحثتُ طويلاً في لِـسْــتَـرْ سْـكْـوَير Leicester Square
لعلِّــي ألقى مـنـزلَــهُ ،
وفي ســوهو Soho أيضاً ...
وأخيراً أخبرني يوجين كامينكا Eugene Kaminka
عن آخر عنوانٍ للثوريّ الألمانيّ ، بلندنَ :
9 Grafton Terrace
Maitland Park
Hampstead Road
Haverstock Hill
( كامينكا ، هو أستاذٌ في تاريخ الأفكار بكانْـبَـيْـرّا )
*
لكني لستُ ذكيّـاً مثل وكيل البوليس السريّ الألمانيّ ،
ولهذا
حتى بعد سنينٍ خمسٍ من أسئلةٍ وطوافٍ
لم أعرف أين يقيمُ …
ولكنك تسألُـني : أ وَلَـمْ يُدفَنْ في هايجيت Highgate
( أو في المتحفِ ، حسبَ الليدي ثاتشــر ؟ )
فأقولُ : صديقي حَـيٌّ
لم يُدفَنْ في هايجيت ، ولا في المتحفِ
لكني لم ألْـقَ له أتباعاً ومُـريدينَ هنا ،
إني أنتظرُ الآتينَ من الـحَـجَـرِ الأولِ …
قُلتُ إذاً سـأُلخِّصُ تقريرَ وكيلِ البوليس السرّيّ الألمانيّ .
ملحوظة :
A Prussian Police Agent’s Report,
Published in
G.Mayer, “ Neue Beitrage zur Biographie von Karl Marx" ,
In Grunberg’s Archiv, Vol.10, pp.56-63.
التقـــرير الذي لم يُكتَبْ في الأصل باللغة العربية
ماركس متوسط القامة ، عمره 34 سنة ، أخذ شعره يشيب بالرغم من أنه في ريعانه . قويّ البِنية ، تشبه ملامحُـه زيمير Szemere ] رئيس وزراء الحكومة الثورية الهنغارية قصيرة العمر في 1848 ، الذي كان
صديقاً لـماركس[ ، لكنّ سحنته أغمق ، كما أن شعره ولحيته أسـودان . الأخير لا يحلق شعره ؛ وفي عينيه
الواسعتين النفّاذتين شــيءٌ شيطانيٌّ . لكن المرء يستطيع القول منذ الوهلة الأولى إن هذا الرجل ذو عبقرية
وقوّة . إن ذكاءه المتفوق يمارس تأثيراً لا يقاوَم في ما يحيط به . في حياته الخاصة ، لا يحبّ النظام ، مريرٌ ، وسيّء المزاج . إنه يحيا حياة الغجريّ ، حياة مثقفٍ بوهيميّ ، أمّـا الإغتسال والـمَشط وتبديل الثياب فلا يكاد يعرفها إلا نادراً . يستمتع بالشراب . وهو في الغالب لا يفعل شيئاً أياماً وأيّـاماً ، لكن إن كان لديه عملٌ يؤدِّيه اشتغلَ ليلَ نهارَ في مثابرةٍ لا تكِـلُّ . ليس لديه وقتٌ محددٌ للمنام والإستيقاظ . وغالباً ما يسهر الليلَ كلَّـه ، ثم يتمدد على الأريكة بكامل ملابسه حوالَي الظهيرة ، وينام حتى المســاء ، غير عابيءٍ بحقيقة
أن العالَـمَ يتحركُ جيئةً وذهاباً في غرفته .
زوجته هي أختُ الوزير البروسيّ ، فون ويستفالِـنْ ، وهي امرأةٌ مهذّبةٌ لطيفةُ المعشر ، عوّدتْ نفسَها على هذه العِيشة البوهيمية ، حبّـاً بزوجها ، وهي مرتاحةٌ الآنَ تماماً في هذا البؤس . لديها ابنتان وولدٌ ، والثلاثة حسنو الهندام حقاً ، وعيونهم ذكيةٌ مثل عيني أبيهم . ماركس ، زوجاً وأباً ، أفضل الرجال وأرقُّهم ، بالرغم من شخصيته القلِـقة . يعيش ماركس في حيٍّ من أسوأ أحياء لندن أي من أرخصها . لديه غرفتان . إحداهما تطلّ على الشارع وهي الصالون ، غرفة النوم في الخلف . وليس في الشقّة كلها قطعة أثاث ثابتة نظيفة . كل شيءٍ مكسورٌ ، مهتريءٌ وممزّقٌ ؛ وثمّتَ طبقةٌ ثخينةٌ من الغبار في كل مكانٍ . وفي كل مكانٍ أيضاً الفوضى العظمى.
وسط الصالون طاولةٌ ذات طرازٍ عتيقٍ مغطّـاةٌ بمشمَّـعٍ . على هذه الطاولة مخطوطاته ، وكتبه وصحفه ، ثم دُمى الأطفال ، وأدوات زوجته للترقيع والخياطة ، مع عددٍ من الأكواب مثلومة الحافات ، والملاعق القذرة ،
والسكاكين والشوكات والمصابيح ، وهناك محبرةٌ ، وكؤوسٌ ، وغلايين فخّار هولندية ، ورماد تبِغٍ – أي أن كل شيء على أسوأ حالٍ ، وعلى الطاولة إيّـاها . إن أدنى الناس سيرتدُّ خجِلاً من هذه المجموعة المرموقة .
حين تدخل غرفة ماركس ، يدهمك الدخان وأدخنة التبغ حتى لتدمع عيناك كأنك تتلمّس طريقك في كهف .
وبالتدريج ، تعتاد عيناك على الضباب ، وتبدآنِ تميِّـزان أشياءَ قليلةً . كل شيءٍ قذرٌ مغطّى بالغبار . والجلوسُ
خطِــرٌ . أحد الكراسي له ثلاث أرجلٍ فقط . وعلى كرسيّ آخر صادفَ أنه متماسكٌ يلعب الأطفال لعبة
الطهي . هذا الكرسيّ يقَـدَّمُ إلى الزائر ، لكن طهي الأطفال يظل في مكانه . إنْ جلستَ ضحّيتَ بسروالك.
لا شــيء من هذا يضايق ماركس أو زوجته . أنتَ تُستَقبَلُ خيرَ استقبالٍ . ويقَدّمُ لك الغليون والتبِغُ وما سوى ذلك بكل كرمٍ ، كما أن الحديث اللطيف المفعَم بالروح كفيلٌ بالترميم الجزئي للنواقص . بل أن المرء
ليعتاد العِشــرةَ ، ويرى هذه الحلْـقةَ مثيرةً للاهتمام وأصيلةً . ها هي ذي الصورة الحقيقية للحياة العائلية
للزعيم الشيوعيّ ، ماركس …
*
هَـــــيْ !
هَـــــــيْ !
هَـــــــــيْ !
أ وَما قلتُ لكم : إنّــا لم نعرفْ كارل ماركس ؟
لندن 7/3/2005
رسالــةٌ أخـيرةٌ من الأخضر بن يوســف
عزيزي : أنا الآنَ لا أتردَّدُ في أن أُحَـيِّـــــــــــيكَ . ( في أنْ أُصَـبِّحَ يومَكَ بالخيرِ )
مَـرَّ زمانٌ عـلينا ، ولم نَلْتـقِ . الصبحَ فـكّرتُ … قلتُ البــــــــــريدُ الـذي
كان منقطعــاً في الحــروبِ ، وفي مَـهْـمَــهِ الثورةِ المستـحيلةِ ، قد بـدأَ . الأصــدقاءُ
الذين غـدَوا جُزُراً في محيطٍ من الـمـعدِنِ الذائــبِ الـــتفتوا ، فجأةً ، نحو أنـفُـسِهِـم
واستراحوا على فحمةِ الليلِ كي يكتبوا . هل يقولون شيئاً ؟ أتحسَــبهم قائلينَ ؟ انتظرتُ ، فـلـم
أسْــتَـرِقْ نأْمةً . واســتَرَقتُ ، فلم أعـتَـبِــرْ نَـغْمـةً . حِـيْـنَها ، وأُصارِحُكَ القولَ
فـكّــرْتُ فيكَ …السلامُ عليكَ ! السلامُ على دارةٍ أنتَ فيها ! السلامُ على حَـيرةٍ أنتَ فيها !
أتعرفُ أنيَ طوَّفتُ أبعدَ ممّـا تظنُّ ؟ لقد كنتَ تسْــخَـرُ بي ، كنتَ تحسَـبُني وادِعاً أو جـباناً .
أتذكرُ ؟ يومَ انبطَـحْـنا على رملِ ساحلِ " أَبْـيَـنَ " ظلَّ الرصاصُ يَـئِـزُّ . ولم أرتجِفْ …
وفي صيفِ بيروتَ ، صيفِ الضواحي ، تطلَّعتُ في الموقعِ الـمتـقدِّمِ . كانت على مـدخلِ الـحَيّ
دبّــابةٌ . كانت الطائراتُ الـمُـغِــيراتُ تُـلقـي صواريخَـها . غيرَ أنكَ كنتَ الدِينامِيتَ في
عُـلْـبةِ الخشبِ . اليومَ حاولتُ أنْ أتَـبَـيَّـنَ ما كنتَ تكـنِـزُهُ آنذاكَ … تُرى ، كنتَ تأمُـلُ
في أن ترى الـمَوجتَـينِ وقد غَــدَتا موجةً ؟
ربَّــما !
لستُ أدري …
وهاأنتذا تتلقّى الرسالةَ
هاأنتذا تتقرّى الرسالةَ
ها أنتذا ، آ …
وهاأنذا …
………………………
………………………
………………………
نضربُ الصّــنجَ ، ثانيةً ، في العــراءْ .
لندن 27/5/2005
هَـلْـوَســةٌ خَــفـيفــةٌ
ولأنّ الــمـطـرْ
منذُ أن جئتَ تسكنُ في تَــلّــةِ الضاحيةْ -
خامِلٌ
دائمٌ
ماثلٌ
مثلَ بابِ الحديقةِ أو مَـدخَـلِ البيتِ ،
مثلَ جذوعِ الشــجــرْ …
صِـرْتَ تحلمُ ، مستيقِظاً ، بالــمــطــرْ …
مطرٍ يتكوّنُ من وردةٍ متناثرةٍ في الرذاذ ْ
مطرِ القطَــراتِ الكبيــرةْ
مطرِ الموجِ يغمرُ قمصانَ بَـحّـارةٍ تـائهين
مطرِ الرحمةِ الإستوائيّ في الـزوبعــةْ
مطرٍ لستَ تَـمْـلِكُ أنْ تســمعَــهْ :
مطرٍ من جرادْ
مطرٍ في عروقِ البلادْ
مطرٍ من رمــادْ …
لندن 1/6/2005
الإصـــغــاءُ
بينَ حينٍ وآخرَ
(واقرأْ هنا : بينَ عامٍ وآخرَ )
أُصغِــي إلى نبضِ قلبي …
( أتحسَـبُ ما قـلـتُــهُ لعبةً أو مَجازاً ؟ )
أقولُ : أُحاولُ أن أتَـثَـبّـتَ من نبضِ قلبي
وأن أُرهفَ السَّــمعَ ؛
أجلسُ مسترخِـياً
والنوافذُ مُـحْــكَــمَـةٌ
لا هديرَ محرِّكِ سيّــارةٍ
لا رياحَ
ولا مطرٌ يتــمــرَّغُ فوقَ الزجاجِ الـمـضاعَفِ …
أُسْــبِــلُ جـَفـنَــيَّ
أُرْخِـي ذراعَــيَّ
أُرهِفُ ســمعي : أدَقَّ . أدَقَّ . أدَقَّ …
وأخفِضُ رأسي يساراً ،
فيلمُسُ حَــنْكِــي قميصي الطريَّ الذي ابتعتُــهُ أمسِ .
يا قلبُ
يا قلبُ
أيُّ الرفيقَــينِ نحنُ ؟
أ في كلِ عامٍ تحدَّثُـني مرّةً ، فأردُّ عيكَ السلامَ ؟
الكلامَ
الحياةَ الـمؤجَّــلةَ …
الآنَ أســمَعُ صوتَكَ
نبضَــكَ
كالبوقِ …
أهيَ ســرايا الخيول التي تتقدَّمُ في السَّـهْـبِ ؟
أَمْ هو بوقُ الـنُّـشُــور …
لندن 19/4/2005
بطاقةٌ إلى ممدوح عدوان
أنتَ معـنى الـفُـتـوّةِ
تهجئةُ العَيشِ حتى القَــرارِ : الـثُّـمالةِ
راعي تقاليدِنا
في التسكُّــعِ ، والـعَــرَقِ الـمُــرِّ
أو قَولِ : لا !
أنتَ مَـنْ راوغَ السَّـيفَ
واســتنفدَ الخوفَ
واعـتـبَـرَ الحرفَ حتى غَلا …
كيفَ خـلّـفـتَـني في الـمَـفازةِ ؟
كيفَ انتـهيتَ إلى أن تغادرَني أوّلا ؟
لندن 20/12/2004
الــماندولــيــن
لا يمكن الكلام عن الماندولين ، إلاّ بلغة الماندولــين . أعني أن اللغةَ المعروفة ( أي التي نعرفُــها )
ليست أداةً للكلام عن الــماندولــين . والسبب بسيطٌ ( جداً ؟ ) … السبب أن ألـ ـ مـا ـ
نْــ ـ دو ـ لِــيْـ ـ نْ ، هي موســيقى . خشــبٌ يُــنْــبِــتُ مــوسـيقى .
لا تَـقُـلْ لي رأسـاً إننــي مرتبكٌ أو مُتَـلـبِّــكٌ … No , no, please ! . أنا بكامل هدوئي.
كنتُ في عدنٍ …
كنتُ خلّـفتُ أرواحَ نجدٍ إلى يَــمَــنٍ
كنتُ في عدنٍ
دَندَنَ العودُ : دانَــى ودانَــى …
ومِـن حَـضرموتَ الأغاني
وقد كنتُ في عدنٍ !
غريبٌ أمْــرُكَ معي ! أقولُ لكَ إن قصّــتي مع الـماندولين حَـقٌّ . بمعنى أنها ليست كما تفهمُ أنتَ الشِعرَ .
أي أنني أتحدّثُ عن ماندولين حقيقيّــة ، من لوحٍ ودمٍ . ماندولين نائمة بارتخاءٍ في صــندوقٍ مبطّـنٍ بمخملٍ أزرق. أتستزيدني؟ حســناً ! أقولُ لكَ إنني ابتعتُها من شـابٍّ كان تدرَّبَ عليها ، في ألـمانيا الديمقراطيّـة ، ثمّ هجرَها ، هنا ، إلى العود ( لا مشكلَ في الأمرِ . فـمن حقِّــه أن يعزف على الآلةِ التي تُــطعمه خبزاً ) .
أَمّـا أنا فـطعامي أنتَ تعرفُــهُ :
قلبُ الشِـفَـلِّـحِ
والـحَـلْـفاءِ
أو ، تَـرَفـاً ، رحيقُ ما أنبَتَ الـبُـرديُّ والقصبُ …
كأننا ، الشعراءَ ، النَّـــوءُ والسُّـحُـبُ !
الهـامُّ ( مَـن يدري ؟ ) ، أن الشابّ قبِــلَ ، بعد ترددٍ هيِّــنٍ ، أن يدرِّسَــني الماندولينَ التي ابتعتُـها منه . الأجرُ على قَــدْرِ المشَــقّــة ( لم يقُلْ هو ذلك … ) . كان يأتي في الضحى العدنيّ الرطبِ مبتسماً
دائماً . يفتح الصندوقَ ، ويُخرجُ الماندولين من نعاسها في المخمل الأزرق . ويقول لي : نبدأ …
نتدرّب على :
آه ، يا زين ، آه يا زين …
آه ، يا زين العابدين
يا وردْ !
يا ورد مفتّح بين البساتين ..
يعلِّــمني كيف أُمسِكُ بمثلّث البلاستيك الدقيق الذي يصل بيني وبين أوتار الماندولين ، مثل ما يصلُ الراهبُ بين الـمرءِ والله . أمضي معه ( طبعاً هي قصّــةُ أســابيعَ ، وإلاّ كيف ؟ ) …
أبلُــغُ : يا ورد …
يا أُمَّ الله المقدّســة !
وبعدَها كيف أمضي ؟
يا ورد / مْـفَـتْ / تَـحْ / بين / ال / بسا/ تين …
لكننــي سـأفِـرُّ من عدنٍ إلى البحر المهدَّدِ بالرصاصِ
سأتركُ البيتَ المعرَّضَ للقذائفِ ، حيثُ أوراقي تَـطايَـرُ
في هواءِ السُّــمِّ والبارودِ …
خلَّـفتُ الحقائبَ كلَّها ؛ وهــي الخفيفةُ . وارتقيتُ
الســُّورَ مرتبكاً :
تركتُ الــمـــانـــدولــيــــــن !
لندن 27/10/2004
ذِكرياتٌ من هناك
ماذا سأفعلُ هذا اليومَ ؟
صاحبتي قد سافرتْ نحوَ روما ، الفجرَ …
ما اتَّـرَكَتْ على الـمُلاءاتِ ضوعاً ، و انطواءَ مـخدّةٍ
أو غضوناً تجتلي ، سَـحَــراً ، مَـتْـنَ الفراشِ ؛
لقد مضتْ مثلَ ما جاءتْ
مُـنَـعَّـمةً
قريرةَ العينِ
في ســروالِها الذهبُ الصَّــفِـيُّ غَـزْلٌ
وفي أردانها الياســمينُ …
اليومَ ، يأخذني الموجُ :
……………………..
……………………..
……………………..
العشيّــةَ في باريسَ ، منتظِــرٌ أنا الفتاةَ التي كانت وراءَ البار منذُ صباحِـهِ ؛
البنتُ سوف تُــتِـمُّ الآنَ سابعَ ساعاتِ العبوديّــةِ ،
الشخصُ ذو العدساتِ السودِ سوف يسـلِّـمُ البنتَ أجْـرَ اليومِ …
قلتُ لها :
ماذا عليكِ لو استخدمتِــني ؟
أنا ، يا نِـيكول ، أفقرُ من أن أستغـلَّـكِ …
لا ، بل أقولُ … أنا دومـاً أُحبُّكِ !
فـلْـنذهَبْ إلى سان أنطونَ …
النبيذُ والـجُـبنُ
خبزُ القريـــةِ ….
المساءُ في حَومة الباستيلِ !
أعرفُ أن الغرفة الآنَ قد تبدو مجازفةً
ونحنُ في سان أنطونَ العجيبِ ؛
إذاً
لن أذكرَ الغرفةَ !
الليلُ البطيءُ … يُـجَـرْ …يُـجَر …جِرُ …في الباستيلِ خطوتَــهُ …
الناسُ الأُلى هدأوا بعد النبيذِ وخبزِ القريةِ التأموا على الضفافِ ؛
وأسألُ نيكولَ :
الطريقُ إلى الـمَــمَــرِّ والغرفة العُــليا ، أنقصدهُ من ههنا؟
…………..............
…..……………….
……………….
رَبِّ ، ماذا؟
إنّ صاحبتي قد سافرتْ نحو روما ، الفجرَ …
ما اتَّــرَكَــتْ …
لندن 1/5/2005
أطاعَ غناءَ الحوريّـاتِ
هو لم يخســرْ شيئاً حينَ أطاعَ نداءَ الحوريّــاتِ …
لقد غامَــرَ حقّـاً :
حطَّـمَ مركبَــهُ ، عَــمْــداً ، عند صخورِ الشــاطيءِ ،
فاضطُــرَّ إلى أن يسبحَ
كي يمسكَ جِــذعاً أنقَـذَهُ من غرقٍ حَـتْــمٍ …
- كان غناءُ الحوريّــاتِ يهدهدُهُ حتى في الغرقِ الـماثلِ –
كان ســعيداً ؛
أغــفى ، ملـتَـفّـاً بالرملِ الدافـيءِ
والأصدافِ
وهدهدةِ الحوريّــاتِ ؛
ولم يستيقظ إلاّ بعدَ ثلاثِ ليالٍ من حُـلُــمٍ …
في ليلتهِ الأولــى
ســارَ إلى ســفْحٍ وتَــمــدّدَ في كوخ رُعاةٍ ،
في ليلته الثانيةِ
اســتَـلقى بين زهورِ الخشخاشِ ،
وفي ليلته الثالثةِ
اختارتْــه الحوريّــاتُ السَّـبعُ لِـيُـمسي الأُضْــحِــيـةَ …
…………........................
….....…………………….
…………………………..
الـبَـحّــارُ أفاقَ
-كما في القَصصِ الأولى –
يفرِكُ عينيهِ ، ويشــعرُ بالجوعِ وبالعطشِ …
الوقتُ ضحىً
والبحرُ الهاديءُ كان يُـوَشوشُ … وِشْـوِشُ … وِشْوِشُ … وِشْـوِشُ
ثـمّتَ عينٌ يترقرقُ فيها الماءُ
ويكشفُ عن حصباءَ ملوّنةٍ وحصىً أزرقَ ؛
واللوتُسُ طافٍ
يلمعُ إذْ يتضــوّعُ :
هل تقـطـفُــني يا بحّــارُ ؟
اقـطـفْـني يا بَـحّــارُ
اقـطـفْـني أُطعِـمْـكَ من الجوعِ
اقـطـفْني !
…………………….
……………………
……………………
لم يعُـدِ البَـحّــارُ يرى غيرَ صخورِ جزيرتِــهِ
غيرَ السـمكِ الـميْتِ
وغيرَ طيورٍ متوحشــةٍ قد تأكلُـهُ يوماً …
لكنّ البحّــارَ يفكرُ ثانيةً :
أوَلستُ أرى الآنَ الـمِــرآةَ ؟
إذاً وَهْــماً كانت سنواتُ الرِّحــلةِ …
وهماً كان نشــيدُ البحر !
لندن 25/12/2004
خاطــرةٌ عن الـمِــرآة
بضعُ صديقاتٍ أتينَـني بالأُصُصِ اللائي تراها الآنَ في بيتي …
لم يأتِ حتى واحدٌ من أصدقائي بِـ …
النوافذُ الأربعُ
والطاولةُ الخفيضةُ
السـُّـلَّـمُ ، والركنُ الذي في غرفة النومِ … إلخ
تحفظُ ما جاءت به يوماً صديقاتي ؛
……………………
……………………
……………………
إذاً ، هل يَـصْــدُقُ القولُ عن العنقاءِ والغولِ ؟
أنا ، اليومَ ، أُرَوِّي الـعِـرْقَ في مملكةِ الأزهارِ
أغْــذوهُ بـما أَكْــنِــزُ من ماءٍ
ومن رنّــاتِ أســماءٍ وأضــواءٍ ولألاءِ عيونٍ ...
إنها حديقتي
مُـلْـتَـجأي في وحشةِ الليلِ
ومِـرآتي التي أقرأُ فيها الـمَـشــهدَ الآفِلْ .
لندن 21/5/2005
الطبيعةُ تلعبُ بي …
هاأنتذا حِــلٌّ بهذا البلدْ طقسٌ شــتائيٌّ ، ويومٌ أحَــدْ …
ما أقربَ الجنّــةَ !
إن البحيراتِ تَــراءى ، والنجومَ اللواتي غِـبْـنَ
يأتينَ
كما تأتي فتاةُ الدَّنَفِ الأوّلِ في الحُــلْــمِ ؛
انتبِــهْ !
ساقيةُ البارِ تحيّـيكَ …
فأنتَ الرجلُ الـمُـمْـعِـنُ في التهذيبِ حدَّ اللعنةِ ؛
الصِّـبْـيانُ يصطادون أعشاباً من القاعِ ،
وفي بح