® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2013-08-20, 9:23 am | | كتاب النحات pdf رواية كتاب النحات لأحمد عبد اللطيف pdf
لنا عبد الرحمن تكتب عن رواية "كتاب النحات" الروائي وشخوصه في رحلة البحث عن الوجود لنا عبد الرحمن السبت ٢٠ يوليو ٢٠١٣ في موازاة الأسطورة اليونانية التي تحكي عن الملك والنحات البارع بغماليون وتمثال غالاتيا المرأة الباهرة الجمال، يبني أحمد عبد اللطيف في روايته الجديدة «كتاب النحّات» ( دار آفاق -القاهرة) عالمه الروائي -وحكايات النحات مع تماثيله- بحيث ينتقل بطل الرواية النحات الشاب إلى جزيرة مجهولة في قارب صغير وحيدًا مع أشيائه البسيطة وصلصاله، وبعض الرسوم التي يحلم أن تصير منحوتات في يوم ما. لكنّ هذه ليست الأسطورة الوحيدة التي نجد لها صدى في رواية «كتاب النحات»، بل إن العمل الروائي ككل حافل بالدلالات والرموز. حالة النحّات المتوحّد مع فنه في جزيرة خالية من البشر تستدعي روبنسون كروزو، مع الفارق في أسباب الوحدة، والأسئلة أيضًا. فالهواجس التي تشغل ذهن النحات هي أسئلة الوجود من جانب الفن. بيد أنّ الجزيرة في «كتاب النحات» لديها أكثر من وجه وحكاية، ففي البداية تبدو فيها شوارع واسعة خالية إلا من مقاصل وسلالم وبالوعات، وهذه الأشياء يكون لها دلالات رمزية في الفصل المعنون «حكايات مرافقة للتماثيل». وفي موضع آخر، تبدو الجزيرة عالمًا محوطًا بالماء من كل الجهات، وحول الماء صحراء لانهائية، وفي هذه الصورة يعود بنا الكاتب إلى المقولة الأولى، وهي أنّ العالم خُلق من ماء، خصوصاً، وأنّ هذه الدلالة تحضر في بداية «اليوم الثالث». يتشكل المعمار الداخلي للرواية من فكرة إعادة الخلق، لدينا نحّات في جزيرة معزولة، أي أرض شاسعة يبني عليها عالمه عبر تماثيل يصنعها من الطين الممزوج بماء النهر، ويتركها في الجزيرة تحت أشعة الشمس حتى تجفّ وتدبّ فيها الحياة، وتصير كائنات شبه بشرية تمارس حياتها، تحبّ وتكره وتسيطر، ثم تعود إلى دورتها البديهية الأولى في الصراع من أجل البقاء. يصنع المثال منحوتاته من فكرته عن أشخاص اختار لهم الحياة مجدداً، لأنهم كانوا تعساء في حياتهم السابقة، ولا يغيب عن واقع هذا الاختيار دلالة كلّ تمثال على حدة، ومدى ارتباطه بالميثولوجيا ، مع توظيف كلّ منحوتة لتكون مرتبطة بحكاية غيبية كبرى، كأن تجسّد المنحوتات في حياة النحات كلاًّ من: الأم، الأب، زوج الأم، رجل البرميل، وبائعة اليانصيب، وعروسة النهر، مع وضوح دلالات وجود الأم والأب وزوج الأم كونها ترمي لفكرة يقينية الانتماء للأم، في مقابل التشكيك بالنظام الأبوي، يتساءل النحات: «وأنا ابن من في الحقيقة؟» (ص 150(.
الوجود والعدم هكذا تتشكل لعبة الوجود والعدم في هذه الرواية، فالنحّات غير الموجود بالنسبة إلى تماثيله ليصير هو العدم بالنسبة إليها، في حين أنها كانت هي العدم قبل أن يصنعها، مجرد حكايات لأرواح رحلت. من المهمّ عند قراءة رواية «كتاب النحات» التوقف عند دلالة الشكل الروائي الذي اختاره الكاتب، فقد قسّم روايته إلى أربعة «أسفار»، وفي داخل كل سِفر أيام «ستة» تحمل دلالتها أيضًا في فعل الخلق، واقتصر «السفر الأول» على عناوين فرعية ترتبط بالحكايات المذكورة في النص، فيما بقية الأسفار تضمنت التقسيم وفق الأيام فقط. يأتي فعل الكتابة كفعل موازٍ إلى جانب «النحت»، الذي يحضر في عنوان الرواية «كتاب النحات»، فالكتابة تحضر هنا كتدوين لعملية الخلق، فالتدوين موجود عبر كتابة النحات لحكايات تماثيله في «السفر الأول»، ثم اكتشافه سرقة التماثيل لتلك الحكايات: «أي يد ملعونة سرقت تاريخ تماثيلي؟ هل سيتحتم علي من جديد أن أدون التاريخ؟» (ص104). لكنّ فعل الكتابة لا يختصّ بالنحات، لأنّ «عروسة النهر» المنحوتة البديعة التي اصطفاها لنفسه وأحبها بعدما دبت الحياة فيها تمارس فعل الكتابة أيضًا. النحات يكتب لها الرسائل كي تعود إليه بعدما هجرته، وعبر أوراقها تحكي بطريقة شهرزاد: «بلغني أيها النحات الطيب»، وفي مقتطفات حكايتها نجد إيجازًا للتاريخ البشري في السيادة التي انتقلت من الكلّ إلى الفرد، مع سيطرة الكاهن على العقول والأجساد. هكذا يبدو أنّ الحكايات التي تحكيها عروسة النهر، على صغر مساحة السرد في أوراقها، تُكثّف الوجود البشري على سطح الأرض. وتحضر العلاقة بين النحات وعروسة النهر لتجسّد أكثر العلاقات تعقيدًا ودراماتيكية، ليس بين الرجل والمرأة فقط ، بل بين الإنسان والرمز. هي المنحوتة المتمردة التي تهجر النحات وتقول له في أسلوب بشري عذب: «أريد أن أفعل ما يخصني، وما ينبع من داخلي وينتمي إلي، لنتفق على أن لديك ما تفعله كنحات، وأن لدي ما أحياه في غيابك» (ص 157). في السفر الثالث يرحل النحات عن الجزيرة، ويحضر صوت الراوي العليم من جديد بعد أن ظلّ حضوره مقتصرًا على الصفحة الأولى، يحكي عن غياب النحات وجهله بكثير من الحكايات: «هكذا رحل النحات عن الجزيرة قبل أن يرفع النقاب عن أسرار لم يطلع عليها، وبالتالي لم تضمها أسفاره» (ص 211). هنا يبدو الراوي العليم الكلّي القدرة في النص، ممسكاً خيوط اللعبة السردية، يتابع حكايات النحات وأبطاله. وبرغم ذلك لا يتدخل الراوي العليم في حياة النحات واختياراته، بل يزعم أنه ينقل الحكاية كما وصلت إليه تمامًا. لكنّ الراوي العليم يشترك مع النحات ومع عروسة النهر بفعل الكتابة، هو يدوّن الحكاية كما وصلته من أوراق كثيرة، وفي داخل الحكاية الأولى حكايات أخرى لأبطال يدوّنون ماضيهم ومستقبلهم، فالنحات يعيد حكايته منذ البدء في «السفر الرابع»، يعيد نحت تمثال أمه بعدما هجر الجزيرة الأولى وترك مخلوقاته فيها وانتقل إلى جزيرة أخرى، وشرع يعمل على تماثيل جديدة. يختتم أحمد عبد اللطيف روايته ببراعة توازي براعة السرد في البداية، فيحضر صوت الراوي العليم مشككًا في كلّ الحكايات والأساطير، كاشفًا عن ضعفه أيضًا حين يقول: «لسنا على يقين تام من أنها كل الأوراق التي كتبت، ولا كل الأحداث التي جرت، غير أن ما نأمله في نهاية المطاف أن يشكر سعينا، ويُرفع ذكرنا، وأن يضاف هذا الجهد إلى ميزان حسناتنا» (ص 231). وهو عبر تلميحه بهذا الشكّ، كأنّه يحيل القارئ إلى أسطورة أخرى غائبة أو محجوبة بفعل نحّات آخر، أو راوٍ آخر.
أحمد عبداللطيف يبدع أمثولة النحات
بقلم د. صلاح فضل ٢٠/ ٨/ ٢٠١٣
أحمد عبداللطيف روائى مصرى شاب فى منتصف العقد الرابع من عمره، موهوب فى ترجمة الروائع وموصول بالفكر الأدبى العالمى، لفت الأنظار إليه فى تجاربه الناجحة «صانع المفاتيح» و«عالم المندل» وعلى الرغم من ذلك أرجأت الكتابة النقدية عنه حتى تتجلى معالم مشروعه الطليعى فى اختراق الأنماط السردية الميسورة وتقديم عوالم عجائبية، توظف مخزون المخيلة الإنسانية ونصوص الثقافة الكبرى لتبتكر آفاقاً جديدة تناوش الموروث وتجاوزه وها هو فى روايته الثالثة «كتاب النحات» يعكف على تأمل أسطورة بجماليون التى شغلت الأدباء منذ تحولات «أوفيد» الرومانى إلى مسرحيات «برناردشو» وتوفيق الحكيم بأصدائها البعيدة فى السينما المعاصرة، يعمد إلى هذه الأسطورة ليغمسها فى ماء الفلسفة الثقيل قبل أن يضمخها بعطر الأدب الأثيرى الجميل، ويصوغ منها أمثولة مجازية بليغة، تقع على ضفة الخلق الموزعة بين أشباه الآلهة وكبار الفنانين، لتختبر حالات العشق والوهم، أسئلة الوجود وطبيعة الكينونة والمصير، فى نسق روائى متماسك، يعتمد على صوت الراوى الواحد معظم الوقت، هو صوت النحات ذاته وهو يحكى تقلباته مع صنائعه التى تخرج عن سيطرته حالما يجف طينها وتبدأ فى معاقرة الحياة بشهواتها وغرائزها.
ومع أنه يتمثل موقف صانع التماثيل فإنه لا يستطيع أن يتجاوز رؤية صانع الكلمات- ففى البدء كانت الكلمة- وهو يروى تجربته قائلاً: «أتحسس بيدى المنحوتات الصغيرة المصنوعة من الطين والتى لم تجف بعد وأنظر إليها بحنين وأفكر بأنها صور مصغرة لراحلين عاشوا فى عالمى الأول..
انتهيت من تشكيل أجسادهم مستحضراً صورهم المحفورة فى ذاكرة غائرة، لأشعر، ربما للمرة الأولى بمتعة الخلق.. تحمل الذاكرة كلمات لا نعرف أصحابها، أما الأصحاب الذين لا تبقى لهم كلمات فأغلب الظن أنه محكوم عليهم بالفقد الأبدى، أظن أن أثر التذكر على الأقل فى حالتى له صلة بقدسية الكلمة، للكلمة سحر من وقع تحت أسره لا يعرف الخلاص، أنظر لتماثيلى الطيبة وأفكر ما من خلود لها ما لم تكن مصحوبة بحكايات عنها، التمثال الذى لا يحمل صاحبه حكاية أسرة سيكون محض حجر أصم.
النحت والكتابة وجهان لنفس العملة: جسد وروح هذه هى الحكمة الأولى التى تبذلها لنا سردية النحات، الوجود صور ودلالات، والكلمات العادية والمقدسة هى التى تصوغ هذه الدلالات، ولا معنى للصورة ولا بقاء لها فى ذاكرة الوجود دون كلمات، لكن يظل هناك شىء جوهرى مفقود فى هذه المعادلة، فليست الكلمات هى التى تحرك الصور أو تمنحها الحياة، ومن ثم فإن صانع التماثيل ستظل قدرته ناقصة ومعطلة، تماثيله تتحرك تلقائياً دون أن يطلب ذلك من الآلهة مثل بجماليون ومن ثم فإن معجزة الخلق لن تنسب إليه، ستظل معلقة فى نظرية المحرك الأول فى الفلسفة أو الرب فى الأديان، أو العلم فى المستقبل، دون أن يصلح نموذج صانع التماثيل للإجابة عنها.
مجاز المسرح:
يعطى المؤلف لشخوصه حق رواية حكاياتهم بإيجاز قبل أن يستأثر النحات وحده بالسرد، فيقدم عدداً من الحكايات المرافقة لتماثيل الشخصيات الأولية، لأمه وأبيه، وزوج أمه وعمه، وبائعة اليانصيب ورجل البرميل ورجل التصنيب قبل أن تظهر عروسة البحر ويحتدم صراع الحب والسلطة، وتقوم هذه الأطياف بدور مجازى مكثف فى تمثيل حيواتها السابقة قبل أن تظهر ثانية فى عمل النحات. وربما كانت الإشارة لفن المسرح الذى احترفه زوج الأم- وهو ذاته الأب المحتمل للنحات غالباً- نقطة ارتباط الرواية بجذرها المسرحى، حيث يروى النحات كيفية دخوله عوالم المبدعين بقوله: «كان زوج أمى مخرجاً مسرحياً، يصحبنى مساء كل يوم إلى المسرح القريب من بيتنا، ويجلسنى فى النصف الأول ويبدأ عمله مع ممثلين مبتدئين.. كان هادئاً جداً، يمارس حياته كمن يعرف النهايات، رغم ذلك يفعل الأشياء- حتى البسيطة منها- بمتعة خاصة كأنه يخلدها. شكلت كلماته عبارات مقدسة استخدمتها دوماً لتسجيل اللحظة، مثل: «أفضل طريقة للممثلين ليحفظوا أدوارهم هى تمارين التركيز قبل النوم، عندما يظلم العالم تماماً عليهم مراجعة يومهم بالتفصيل منذ استيقظوا حتى عادوا لمخداتهم؟
لم أنو فى لحظة فى حياتى أن أكون ممثلاً، مع ذلك وجدتنى أمارس هذا التدريب حتى صار عادتى، مع الوقت التفت إلى أننى لا أمارسه من أجل تقوية الذاكرة بقدر ما هو لعبة لاستحضار العابرين، فك شفراته، بناء حياة أخرى معهم..
وعندما بدأت فى تشكيل تماثيل صغيرة من الطين أو الصلصال انتبهت إلى أن ملامح المخلوقات تعكس حقيقتها هذا المجاز المسرحى لإعادة الخلق ينداح ليشمل جميع الفنون ولمسعى الإنسان ذاته على مسرح الحياة، ولا شك أن علاقة كاتبنا المباشرة بالآداب العالمية عند ترجمتها وتفكيك صيغتها قد منحته جرأة فى التخيل وجسارة فى اقتحام بعض المناطق الفكرية المألوفة فى الغرب ومذخوره الميثرلوجى عن عبث الآلهة وصراع أرباب الأولمب وانعكاس ذلك على مصائر البشر مما نجده مغلفاً برموز أخرى فى الثقافة العربية عن الشياطين والجان والقوى الغيبية الأخرى، وما تمثله من وعود وتهديدات لحيوات الناس وأقدارهم. كما أن قدرة الكاتب الفائقة على الوصف التفصيلى لتقنيات النحت فى تجسيد الملاحم البشرية وتكوين الصور والأشكال تبرز جهده فى بلورة القيم الجمالية للفنون التشكيلية عندما تتحقق فى الجسد الإنسانى بحواسه المتفتحة وهى تستقبل دبيب الحياة وسريان الشهوة وتدفقها فى شرايينه، حيث يتقن أحمد عبداللطيف تمثيل ذلك أدبياً بصياغة محكمة وإيقاع شعرى مضبوط.
دين الحب وحب الدين:
تتناثر الدلالات الهامشية فى الرواية على مدار فصولها حتى تبلغ بؤرتها الجامعة فى عشق عملية الخلق وعبادة الخالق، لكنها قبل أن تصل إلى ذلك تسجل بعض الأفكار المتعلقة بمنظورها الكلى عبر الحكايات طبعاً حيث تؤكد ظاهرة متواترة فى أحداث كثيرة تتمثل فى ارتباط الموت بغلبة التشابه على المخلوقات، بمعنى أنه كلما أدركت الخلائق أنها أصبحت نسخاً مكررة وفقدت تفردها كان ذلك إيذاناً باستحقاقها للفناء، مع أن بداية إبداعها كانت تمثيلاً لنماذج محفوظة فى ذاكرة النحات من حياته الأولى. حتى نموذج الجمال الأنثوى الكامل أطلق عليه الصانع اسم عروسة البحر وكأنه محاكاة لأسطورتها القديمة، وإن كان قد وقف متحيراً أمام كنهها ومصيرها قائلاً: أتصور الجزيرة مع خطوات عروسة النهر.
لا أدرى هل بوسع منحوتاتى رؤيتها أم لا، ولا أدرى هل بوسعها هى ألا ترانى متجسداً أم سأصير محض صوت، أتوقع لاختلاف مادة الصنع ألا تحيط بها أبصارهم «تشهد الأحداث التالية على غير ذلك إذ تراها المنحوتات الأخرى، وهى وحدها التى ترى الصانع دون غيرها» ما أعرفه يقيناً أننى فطرتها على عشقى، عجنت مع الماء والصلصال محبتى، شكلت فى قاع قلبها صورة مصغرة لى ستعيش أبد الدهر، قد تنتزعها ذات يوم بإرادتها، لكنها لن تستطيع سد الثقب الذى تندفع منه دماء غزيرة..
وما إن انتهيت حتى أدركت فداحة ما فعلت، أى خطيئة تعادل خطيئة حفر الحب حتى الموت فى قلوب الآخرين، وهكذا تتجلى أمام أعين القارئ نقائى شبه الإله باعترافه ذاته، فهو لا يعرف مصير صنائعه، ويقر بفداحة خطاياه، لكنه- وهذا هو بيت القصيد فى الرواية- يجعلها تحرث الأرض لتنبت فيها الثمار التى تعطى للحياة نكهتها، فهى رمز للثقافة مقابل الطبيعة وهى لذلك تتكفل بأن تكتب «حكايات تصور العالم أو تتصوره، تكتب شعراً يلخص المعانى التى تدور فى ذهنها، فالإنسان منطور على الحكى، لأن ما حدث لا يمكن اعتباره حدثاً إلا بحكية، ففى الحكى محاولة لتأويله وإعادة تأويله، قراءة للماضى والحاضر وبنوءة بالمستقبل» على أن المقابلات الرمزية لمنحوتات الصانع لا تخضع لآلية التفسير الواحد، فمن طبيعتها التعدد والتناقض أحياناً، وإذا كانت عروسة البحر- الأنثى الكاملة فى جمالها- العاشقة لصانعها فإنها كذلك محبوبته، يتضرع إليها قائلاً «أنا النحات وأنت صنيعتى» عجنتك بيدى وشكلتك بأصابعى، ليس كمثلك شىء، ثم منحتك حرية وإرادة وانفصلت عنى لأبحث عنك طيلة حياتى فلا أكتمل إلا بك.. سرت معك فى طرق لا أعرفها فخبأتنى فى صدرك.. أثلجت السماء وارتجفت الأرض وتهادى كهفى فكنت بيتى، نصف تفاحتى، نصف روحى، نصف جسدى، نصفى الجميل» هذه الأنشودة العاشقة التى يقدمها الصانع للحسناء التى أبدع نحتها تجسيد لدين الحب وتكريس لقداسته التى عرفها العشاق والمتصوفة.
وعندما يتتبع القارئ فى أحداث الرواية مصير هذا الوله بالجمال الكامل فى دلالته العديدة وتقلباته العاصفة يدرك فرادة النموذج الذى يقدمه أحمد عبداللطيف واختلافه الجوهرى عن الصياغات السابقة للأمثولة القديمة، كما يدرك الدور الجديد الذى أخذت تضطلع به عروسة البحر أو النهر عندما شرعت فى كتابة تأملاتها فى دقائق الحياة فرسمت للصانع صورة عن أحوال البشر تقول فيها «بلغنى أيها النحات الطيب أن الكاهن الذى كان فى ظاهره يدعو إلى الفضيلة والزهد كان يحمل فى داخله النزق وحب الدنيا، وأن السلام الذى كان يدعو إليه لم يكن إلا دعوات مستمرة لحروب لا قبل لأحد بها، وأنه ذات صباح دعا لجلسات سرية مع نساء جزيرته وسمع منهن آلام الحياة، ثم إنه أقام مع كل واحدة منهن منفردة طقوساً برائحة البخور وبلون النار فتحولت الليالى التى كان يدعى فيها زيارة الصرت له إلى ليال حمراء، مع ذلك كان حب بعض أهل الجزيرة له وتقديرهم لقدرته وتوتيرهم لمعرفته فى غيابه وحضوره يقابله خشية وخوف ويضاهيه كراهية ونفور من بعضهم الآخر» من هنا يقوم صراع محتدم بين الكاهن ورجل البرميل الذى قد يرمز للفنان وكل منهما يدعى علاقته المباشرة بالصانع.
وتدور عجلة الحياة بطريقة عكسية، حيث يشهد الراوى مولده وإخوته وتتراكم التأملات والمشاهد حتى تتكرر حرفياً مما يؤذن بنهاية الرواية طبقاً للمبدأ الذى سبق اعتماده فى النص من قبل دون أن يصل القارئ لأى إجابة قاطعة عن الأسئلة الكونية المطروحة لكن ما يتبقى فى وعيه هو أصداء الدهشة ومذاق الحكمة، ولذة الإفتتان برواية لم تمر بها التأملات الفكرية من متعة اتقان شعرية السرد الجميل.
لتحميل الرواية أضف ردّا وأعد تحميل الصفحة كتاب النحات pdf المؤلف: أحمد عبد اللطيف * الناشر: آفاق للنشر والتوزيع. * نوع الكتاب: pdf للتحميل المباشر على عفاريت أضف ردّا
رابط تحميل ميديا فاير
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
| |
| |