( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ( 116 ) إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين تفسيرها ( 117 ) ) .
يخبر تعالى عن حال أكثر أهل الأرض من بني آدم أنه الضلال ، كما قال تعالى : ( ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ) [ الصافات : 71 ] ، وقال تعالى : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] ، وهم في ضلالهم ليسوا على يقين من أمرهم ، وإنما هم في ظنون كاذبة وحسبان باطل ، ( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) فإن الخرص هو الحزر ، ومنه خرص النخل ، وهو حزر ما عليها من التمر وكذلك كله قدر الله ومشيئته ، و ( هو أعلم من يضل عن سبيله ) فييسره لذلك ( وهو أعلم بالمهتدين ) فييسرهم لذلك ، وكل ميسر لما خلق له .
من السنن التي كشفت عنها الآيات القرآنية والتي تتناول اتجاهات الناس واصطفافهم حول الحق والخير والإيمان والتدبر والتعقل وغيرها من الصفات التي دعا إليها الحق سُنة إتباع أكثر الناس للباطل وكراهيتهم للحق واختيارهم للضلال والانحراف وذلك بمحض اختيارهم إرادتهم، وقد وصف الحق سبحانه وتعالى أكثر الناس بالأوصاف آلاتية :
1-أكثر الناس لا يؤمنون . قال تعالى :
(إن السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)غافر/59 .
2- أكثر الناس لا يعقلون . قال تعالى :
(إن الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)الحجرات/4 .
ومن الآيات التي دلت على المعنى نفسه ما يأتي : (المائدة/103 . العنكبوت /63 .)
3- أكثر الناس فاسقون . قال تعالى :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) الحديد/2 .
4- أكثر الناس لا يعلمون . قال تعالى :
(000ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)الروم/30 .
(000وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُون)الطور/47 .
5- أكثر الناس للحق كارهون . قال تعالى :
(أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)المؤمنون/70 .
(لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)الزخرف/78 .
6- أكثر الناس كافرون . قال تعالى :
(000وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ)الروم/8 .
7- أكثر الناس غافلون . قال تعالى: (000وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)يونس/92 .
8- أكثر الناس مشركون. قال تعالى: ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ)الروم/42 .
(وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)يوسف/106 .
9- أكثر الناس لا يشكرون . قال تعالى :
(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إن اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ)غافر/61 .
10- أكثر الناس يجهلون . قال تعالى :
(وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أن يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)الأنعام/111 .
11- أكثر الناس لا يسمعون . قال تعالى :
(000فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)فصلت/4 .
(أَمْ تَحْسَبُ إن أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إن هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)الفرقان/44 .
12-أكثر الناس يتبعون الظن . قال تعالى : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُون)الأنعام/116 .
(وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا إن الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا إن اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)يونس/36 .
13- أكثر الناس معرضون . قال تعالى: (أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ)الأنبياء/24 .
14-أكثر الناس ضالون . قال تعالى : (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ)الصافات/71.
ومن هنا يتضح تماما أن أكثر الناس اتبعوا طريق إبليس الذي حذرهم الله منه في مواقع كثيرة من كتابه العزيز ولكن نبؤة إبليس قد تحققت في ذرية آدم عليه السلام فقال الله تعالى على لسانه: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِين)ص/ 82 -83.
وقال تعالى على لسانه كذلك : ( قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلاً)الإسراء/62 .
ولقد أكد الحق سبحانه ذلك بقوله: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِين)سبأ/20 .
وقال الله تعالى
وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ)ص/24 .
وقال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُور)سبأ/13 .
ومن خلال ما سبق من ثبات هذه السنة الكونية التي كشف عنها الحق جلا وعلا يستطيع كل ذي عقل أن يفهم أن الوصول إلى الحق والخير والفضيلة لا يمكن بحال من الأحوال الوصول إليه من خلال إتباع أكثر الناس؛ لأن أكثر الناس دهماء توجههم أهواؤهم وشهواتهم، وبالتالي لا مناص لكل من يبحث عن الحقيقة من التأمل والتدبر والتفكر واتخاذ قراره بناء على ما توصل هو إليه من نتائج، وأن ما تتبعه الأكثرية ليس فيه أي مؤشر على الصواب بل على العكس من ذلك تماما.
الدكتور محمد عمر الفقيه