فى كل حى ولد عترة، وصبية حنان.
أنا شخصيا قابلتهم بنفسى، فى كل محافظات وأحياء وشوارع وحوارى مصر، تلاقى عيل صغير شكله عادى جدا، ليس بمتسول، ولا بطفل من أطفال الشوارع، طفل يشبهك وأنت صغير أو يشبه ابنك أو حفيدك، يروح شابط فى طرف القميص ويقول لك: «عمو عمو.. هات نص جنيه عشان أجيب أكل».
كنت أنخدع فى البداية، وأهلكت عشرات الأنصاص من الجنيهات، وأنا أشعر أننى أقوم بدور وطنى فى تخفيف قرصة الجوع عن طفل طال به المسير فى الشارع فجاع ولم يحتمل الانتظار حتى يذهب إلى البيت فتطعمه أمه، الأطفال أحباب الله، والجوع كافر، والكافر عدو الله، أما الطفل فلا يحتمل الجوع ولا العطش، وهو اختارك من وسط كل هؤلاء البشر واعتبرك بمثابة أبيه، ورُب ابن لك لم تلده زوجتك.
كنت مواطنا غرا ساذجا، ضحك عليه العشرات من الأطفال. حتى اكتشفت الحقيقة المفجعة المفزعة المروعة، وياليتنى ما اكتشفت.
كنت أقف أمام بوابة الجامعة، حتى أتانى ياسر وقال: عمو ممكن تدينى 2 جنيه عشان أجيب علبة كشرى؟
كان مكلبظا نظيفا أبيض الوجه واليد التى مدها فى وجهى، مما أكد لى أنه فى أمس الحاجة إلى جرعة سريعة من الكشرى، الذى كان محله على بعد خطوات، فقلت بسرعة لأدركه: تعال أنا هجيبلك أكل، وجذبته من يده، لكنه جذب يده منى بقوة شخص لسه واكل لتوّه، وقال: لأ، هات الفلوس وأنا أجيب أنا، قلت فى نفسى ربما يكون خجلا من أن أدفع له النقود أمام الناس، فنفحته الجنيهين، وانصرف متجها نحو محل الكشرى، لكنه تجاوزه، فسرت خلفه، لأرى ما سيفعل، حتى دخل فى شارع ضيق، والتقى مجموعة من أصدقائه، فقال له أحدهم: جبت كام يا ياسر، فقال: 25 جندى (جنيه يعنى)، وقال آخر: ده إنت أهطل، أنا معايا 50، فدافع ياسر عن نفسه: أنا مبقاليش غير نص ساعة، كانوا يقفون أمام محل بابه «فاميه» مغلق، وحين انتهوا من حديثهم دخلوا، وأغلقوه خلفهم، فقلت فى نفسى: يا ولاد الإيه ده شكله مطعم فخم جدا، تجاسرت وتجرأت وفتحت الباب، فوجدت ياسر وأصدقاءه جالسين فى دعة يلعبون البلاى ستيشن، وهم يتصايحون، رجعت أدراجى وأغلقت الباب وأنا أشعر بألم مفرط فى سذاجتى، لدرجة أننى قررت إجراء عملية لاستئصالها، عشان أعرف أنام.