أرى ما أريد >> الهدهد oubran & Mahmoud Darwish - A lombre des mots - in the Shade of the Words"FULL"
الهدهد
لم نَقْتَربْ من أرض نجمتنا البعيدة بَعْدُ . تأخذُنا القصيدةْ من خُرْمِ إِبْرَتِنا لِنَغْزلَ للفضاء عباءَةَ الأْفق الجديدةْ ، أَسْرى ، ولو قَفَزَتْ سنابلُنا عن الأسوار وانبثق السنونُو من قَيْدنا المكسورِ ، أسرى ما نحبُّ وما نريدُ وما نكونُ لكنَّ فينا هُدْهُداً يُملي على زيتونةِ المنفى بريدهْ عادتْ إلينا من رسائلُنا رسائلُنا ، لنكتب من جديد ما تكتبُ الأَمطارُ من زَهْرٍ بدائيَّ على صخر البعيد ويسافرُ السَّفَرُ- الصدى منَّا إلينا . لم نكن حَبَقاً- لِنَرْجِعَ في الربيع إلى نوافذنا الصغيرة . لم نكن ورقاً – لتأخذنا الرياحُ إلى سواحلنا . هنا وهناك خطِّ واضحٌ للتيهِ . كم سنةٌ سنرفع للغموض العذب موْتانا مرايا ؟ كم مَرَّةً سنحمِّل الجرحى جبالَ الملح كي نَجِدَ الوصايا ؟ عادة إلينا من رسالتنا رسالَتُنا .هنا وهناك خط واضحٌ – للظل . كم بحراً سنقطع داخل الصحراء؟ كم لوحاً سنَنْسَى ؟ كم نبياً سوف نَقتُلُ في ظهيرتنا ؟ وكم شعباً سنُشبْه كي نكونَ – قبيلةً؟ هذا الطريقُ – طريقُنا قَصَبٌ على الكلمات يرفو طَرَفَ العباءة بين وحْشتنا وبين الأرض إذ تنأى ، وتغفو في زَعْفَران غُرُوبنا . فَلْنَنْبسَط كَيد لنرفع وقتنا للآلهةْ أنا هدهد – قال الدليلُ لسيِّد الأشياء – أبحثُ عن أسماء تائهةْ لم يبق منِّا في البراري غيرُ ما تجد البراري منا: بقايا الجلْد فوق الشوك ، أغنية المحاربِ للديارِ وفم الفضاء. أمامنا آثارنا . ووراءنا صدف العبث أنا هُدْهُدٌ قال- الدليل لنا – وطار مع الأشعَّة والغبارِ من أين جئنا ؟ يسأل الحكماءُ عن معنى الحكاية والرحيلِ وأمامنا آثارنا ، ووراءنا الصفصافُ . من أسمائنا نأتي إلى أسمائنا ونخبيءُ النسيان عن أبنائنا . نَثِبُ الوعولُ من الوعولِ- على المعابد. والطيُورُ تبيض فوق فكاهة التمثال . لم نسأل لماذا لم يُولَد الإنسانُ من شَجَرٍ ليرجع ؟ أَنْبَأتْنَا الكاهناتُ أنَّ القلوب تُزَان بالميزان في مصر القديمة ، أنبأتنا الكاهناتُ أن المسلِّة تُسْنِدُ الأْفُق المُهَدَّدَ بالسقوط على الزمان . وأَننا سنُعِيدُ رحلتُنا هناك على الظلام الخارجيِّ . وأَنبأتنا الكاهناتُ أن الملوكً قضاتُنا ، وشهودَنا أعداؤُنا . والروحَ يحرسُها الرعاةُ جسر على نهرين رحلتُنا . ولم نولد لتمحونا وتمّحي الحياةُ أنا هُدْهُدٌ – قال الدليل- سأهتدي إلى النبع إن جفَّ النباتُ قلنا له : لسْنا طيوراً . قال : لن تصلوا إليه ، الكُلُّ لَهْ والكُلُّ فيه ،وَهْوَ في الكُلِّ ، اُبحثوا عنه لكي تجدوهُ فيه ، فَهْوَ فيهِ قلنا له : لسنا طيوراً كي نطير ،فقال : أجنحتي زماني والعشق نار العشق، فاحترقوا لتلقوا عنكم جسد المكان قلنا له : هل عدت من سبإ لتأخذنا إلى سبإ جديدة ؟ عادت إلينا من رسائلنا رسالتُنا ولم ترجع .. ولم ترجعْ وفي اليونان لم تفهم أرسْطُوفان . لم تجد المدينة في المدينة لم تجد بَيْتَ الحنان لكي تُدَثِّرنا حريراً من سكينة لم تدرك المعنى فمسَّكَ هاجسُ الشعراء : ( طيري يا بنتَ ريشي ! يا طيور السهل والوديان ، طيري طيري سريعاً نحو أَجنحتي وطيري نحو صوتي ) .إنَّ فينا شبقاً إلى الطيران في أشواقنا . والناس طير لا تطيرُ يا هُدهدَ الكلمات حين تفرِّخُ المعنى وتخطفنا من اللغة الطيورُ يا آبن التوتّر حين تنفصل الفراشةُ عن عناصرها ويسكنها الشعورُ ذوِّبْ هنا صلْصالَنا ليشقَّ صورة هذه الأشياء نورُ حلِّقْ لتَّتضحَ المسافةُ بين ما كنا وما سيكون حاضرُنا الأخيرُ ننأى ، فندنو من حقيقتنا ومن أسوار غربتنا . وهاجِسُنا العبورُ نحن الثنائيُّ السماء – الأرضُ ، والأرض – السماءُ . وحول سورٌ وسورٌ ماذا وراء السور ؟ علم آدَم الأسماءَ كي يتَفتح السر الكبيرُ والسرُّ رحلتنا إلى السريَّ . إن الناسَ طيرٌ لا تطيرُ أنا هُدْهُدٌ – قال الدليل – وتَحْتَنا طوفان نوحٍ . بابلُ أشلاء يابسةٍ . بُخارٌ من نداءات الشعوب على المياه . هياكلُ ونهايةٌ كبدايةٍ كبدايةٍ لنهايةٍ . حلِّقْ لينسى القاتلُ قتلاهُ. حلِّقْ فوقنا لينسى الخالقُ المخلوق والأشياءَ والأسماءَ في أسطورة الخلق الذي نتبادلُ - هل كنت تعرفُ ؟ - كنتُ أعرف أن بركاناً سيرسم صورةَ الكون الجديدة .- لم تَقُلْ شيئاً وأَنتَ بريدُ هذي الأرض .- كنتُ أَحاولُ فيه من الأَشباح ما يكفي ليبحث في المقابر عن حبيبِهْ .. كانت له أُمٌّ ، وكان له جنوبٌ يستقرُّ على هُبُوبِه كانت له أسطورةُ الحَدْسِ . المتوج بالمياه .. وفي دروبِهْ مَلكٌ وإِمرأَة .. وجيشٌ يحرس الصبواتِ في الجسدين من أحلامنا ولنا من الصحراء ما يكفي لنُعطيهَ زمام سرابنا وغمامِنَا ومن الهشاشة ما سيكفي كي نسلّمه منامَ منامِنا خُذْنَا . لقد هَهَّ اللسانُ فكيف نمتدح الذي طلب المديحْ ومديحُهُ فيه . وفيه الكلُّ للكلِّ . اعترفنا أننا بشرٌ ، وذُنْبا في هذه الصحراء حُبّاً . أين نخلتُنا لنعرف في التُمُور قلوبَنا ؟ والله أجْمَلُ من طريق الله . لكن الذين يسافرونْ لا يرجعون من الضياع لكي يرجعوا في الضياع . ويعرفونْ أن الطريق هو الوصول إلى البدايات الطريق المستحيلْ يا هُدْهدَ الأسرار ، جاهِدْ كي نشاهدَ في الحبيب حبيبَنَا هي رحلةٌ أَبدية للبحث عن صفة الذي ليست لَهْ صِفَةٌ . هو الموصوفُ خارجَ وَصْفِنا وصفَاتِهِ . حلِّقْ بنا لم تَبْقَ مِنَّا غيرُ رحلتنا إليه . إليه نشكو ما نُكابد في الرحيل دَمُناً نبيذُ شُعوبِهِ فوق الرخام وفوق مائدة الأصيل ( لا أنتَ إلا أنتَ ) فاخطِفْنا إليك إذا أذِنْتَ ، ودُلَّنا يوماً على الأرض السريعة قبل دَوْرَتنا مَعَ العَدَم العميق ، ودُلَّنا يوماً على شَجِرة ولدنا تحته ، سراً ، ليُخْفيَ ظلَّنا وعلى الطفولة دُلَّنا . وعلى يمام زافَ أَوَّلَ مرةٍ ليُذلَّنا يَفَعَ الصغارُ ولم يطيروا مثله . يا ليْتَنَا . يا ليتنا . ولعلَّنا سنطير في يوم من الأيام .. إنَّ الناسَ طَيْرٌ لا تطيرُ والأرضُ تكبر حين نجهلُ ، ثم تصغر حين نعرف جهلنا لكننا أحفادُ هذا الطين ، والشيطان من نار يحاول مثلنا أن يُدْرِكَ الأسرارَ عن كَثبٍ ليحرقنا ويحرق عقلنا والعقل ليس سوى دخان ، فليضعْ ! إنَّ القلوب تدلُّنا خُذْنَا إذاً يا هُدْهُدَ الأسرار نحو فَنَائنا بِفِنائه . حلِّقْ بنا واهبطْ بنا .لنودِّعَ الأْمَّ التي انتظرتْ دهوراً خيْلنا لتموت غبَّ النور أَو تحيا لنيسابورَ أرملةً تُزيِّن ليلنا هي ( لا تريد من الإله – الله إلاّ الله ) .. خذْنا والحبُّ أن لا يُدْرَكَ المحبوبُ .. أرْسَلَ عاشقٌ لفتاته فَرَسَ الغياب على صدى الناياتِ واختصر الطريق : ( أنا هِيَ ) وهي ( الأنا ) تنسلُّ من يأسٍ إلى أملٍ يعود إلىَّ يأسا لا تنتهي طُرُقي إلى أًبوابها .. طارت أنايَ ( فلا أَنا إلاَّ أَنا ..) لا تنتهي طُرُقي إلى أبوابها .. لا تنتهي طُرُق الشعوبِ – إلى الينابيع القديمةِ ذاتها . قُلْنا ستكتملُ الشرائعُ – عندما نجتازُ هذا الأرخبيلَ ونعتقُ الأسرى من الألواحِ – فلْيَجْلِسْ على إيوانِهِ هذا الفراغُ ليكمل البشريُّ فينا هجرتَهْ
عَمَّنْ تفتِّشُ هذه الناياتُ في الغابات ؟ والغرباء نحنُ ونحن أَهْلُ المعبد المهجور مهجورون فوق خيولنا البيضاءِ – ينبت فوقنا قَصَبٌ وتعبر فوقنا شهُب ونبحث عن محطتنا الأخيرةْ لم تبق أرضٌ لم نعمِّر فوقها منفى لخيمتنا الصغيرةْ هل نحن جِلْدُ الأرض ؟ عَمَّنْ تبحثُ الكلماتُ فينا وهي التي عقدَتْ لنا في العالم السفليّ محكمة البصيرةْ وهي التي بَنَتِ المعابدَ كي تُروِّضَ وحش عزلتها بمزمارٍ وصورةْ وأمامنا آثارُنا . ووراءنا آثارُنا . وهنا هناك . وأنبأتْنا الكاهناتُ: الجد يأخُذُ عَرْشَه مَعَهْ إلى القبر المقدَّس ، يأخذُ – الفتياتِ زوجاتٍ وأسرى الحرب حُرّاساً له . قد أنبأتنا الكاهناتٌ أن الأْلوهةَ توأمُ الإنسان في الهند القديمة. أنبأتنا الكاهناتٌ ما أنبأتنا الكائنات به.. ( و أنتَ تكون أيضاً مَنْ هُوَ) لكننا لم نُعْلِ تِينَتَنَا ليشنقنا عليها القادِمُون من الجنوبْ هل نحن جلدُ الأرض؟ كُنَّا إذ نَعَضُّ الصخْرَ نفتحُ- حَيَّزاً للفُلِّ.كُنا نحتمي بالله من حُرَّاسه و من الحروبْ كنا نصدِّقُ ما تعلِّمْنا من الكلمات. كان الشعر يهبطٌ- من فواكِهِ لَيْلنا، وقيودُ معزنا إلى المرعى على درب الزبيبْ الفجر أَزرقُ، ناعمٌ، رطبٌ. وكُنَّا حين نحلُمُ نكتفي بحدود منزلنا: نرى عَسَلا على الخروب، نَجْنِيه.نرى في النوم أنَّ مُرَبَّعات السمسم اكتنزتْ، فنْنخُلُهَا. نرى في النوم ما سنراه عند الفجر.كان الحلم منديل الحبيبْ لكننا لم نُعْلِ تينَتَنَا ليشنقنا عليها القادمون من الجنوبْ أنا هُدْهدٌ – قال الدليل – وطار منَّا . طارت الكلماتُ – منا . قبْلَنا الطوفان . لم نَخْلَعْ ثيابَ الأرض عنَّا – قبْلَنا الطوفانُ . لم نبدأ حروبَ النفس بعدُ . وقبلنا الطوفانُ. لم نحصدْ شعيرَ سهولنا الصفراء بعدُ وقبْلَنا الطوفانُ . لم نَصْقُلْ حجارتنا بقَرْنِ الكبش بعدُ وقبْلَنا الطوفانُ . لم نيأس من التفاح بعدُ .. ستنجب الأمُّ الحزينةُ إخوةً من لحمنا لا من جذوع الكستناء ولا الحديد . ستنجب الأُم الحزينة إخوةً ليعمِّروا منفى النشيدِ . ستنجب الأْم الحزينة إخوةً كي يسكنوا سعفَ النخيل إذا أرادوا أو سطوح خيولنا . وستنجب الأمُّ الحزينةُ إخوة ليتوِّجُوا هابيلَهُمْ ملكاً على عرش الترابْ لكنَّ رحلتنا إلى النسيان طالت . والحجاب أمامنا غطى الحجابْ ولَعَلَّ منتصفَ الطريق هو الطريق إلى الطريق من سحابْ ولعلنا ، يا هُدهدَ الأسرار ، أشباحٌ تفتِّش عن خرابْ قال: اتركُوا أجسادكم كي تتبعوني واتركوا الأرض - السرابْ كي تتبعوني . واتركوا أسماءكم . لا تسألوني عن جوابْ إن الجوابَ هو الطريقُ ولا طريقَ سوى التلاشي في الضبابْ هل مَسَّكَ ( العَطَّارُ ) بالأشعار ؟ قلنا . قال : خاطبني وغابْ في بطن وادي العشق . هل وقف ( المعرِّيْ) عند وادي المعرفةْ ؟ قلنا . فقال : طريقُهُ عَبَثٌ . سألنا : وابن سينا .. هل أجابَ عن السؤال وهل رآكَ ؟ أنا أرَى بالقلب لا بالفلسفةْ هل أنت صوفيُّ إذاً ؟ أنا هدهدٌ . أنا لا أريد . ( أنا أريدْ أنا لا أريد ) وغاب في أشواقه : عذَّبْتَنَا يا حبُّ . من سَفَرٍ إلى سَفَرٍ تُسَفِّرنا سدى . عَذَّبتنَا ، غَرَّبتنا عن أهلنا ، عن مائنا وهوائنا . خَرَّبتنَا . أفرغتَ ساعات الغروب من الغروب . سلبتنَا كلماتنا الأُولى نهبْتَ شُجَيْرةَ الدُرَّاق من أيامنا ، وسلبتنا أيامنا . يا حُبُّ قد عَذَّبتَنا ، ونهبتنَا . غرّبْتنَا عن كُلِّ شيء واحتجبْتَ وراء أوراق الخريف . نهبتنا يا حب . لم تترك لنا شيئاً صغيراً كي نُفَتِّش عنكَ وكي نقبِّل ظلِّه ، فأتركْ لنا في الروح سنبلة تحبُّكَ أَنت . لا تَكْسِر زُجَاجَ الكون حول نِدائنا . لا تضطربْ . لا تصطخبْ . واهدأْ قليلاً كي نرى فيك العناصر وهي ترفع عُرْسَها الكُليَّ نحوك . واقتربْ منا لنُدرك مَرَّةً : هل نستحقُّ بأن نكون عبيد رَعْشَتِكَ الخفيةِ ؟ لا تبعثر ما تبقَّى من حُطام سمائنا . يا حبُّ قد عذّبتنا ، يا حب ، يا هِبَةً تُبَدِّدُنا لترشد غيبنا فيهبّ هذا الغيب ليس لنا وليس لنا مصبُّ النهر، والدنيا تهبُّ أمامنا ورقاً من السّرْوِ القديم ليُرْشدَ الأشواق للأشواق . كم عذَّبتنَا يا حُبُ ، كم غيّبْتَنَا عن ذاتنا ، وسلبتنَا أسماءنا يا حُبُّ قال الهدهدُ السكرانُ : طيروا كي تطيروا . نحن عُشَّاقٌ وحَسْبْ قلنا : تَعِبْنَا من بياض العشق واشتقنا إلى أمّ ويابسةٍ وأَبْ هل نحن مَنْ كنا وما سنكون ؟ قال: توحَّدوا في كل دربْ وتبخَّروا تصِلُوا إلى مَنْ ليس تدركه الحواسُّ . وكُلُّ قلبْ كونٌ من الأسرار . طيروا كي تطيروا . نحن عُشَّاقٌ وحسبْ قلنا ، وقد مِتناً مراراً وانتشيْنَا : نحن عُشَّاقٌ وحسبْ منفىً هي الأشواقُ . منفَى حُبُّنا . نبيذُنا مَنْفىً . ومنفَى تاريخُ القلبِ . كم قلنا لرائحةِ المكان : تَحَجّرِي لننام . كم قلنا لأشجار المكان تجرَّدي من زينَةِ الغزوات كي نجد المكانْ واللا مكانُ هو المكانُ وقد نأى في الروح عن تاريخهِ منفىً هِيَ الروحُ التي تنأى بنا عن أرضنا نحو الحبيبْ منفى هي الأرضُ التي تنأى بنا عن روحنا نحو الغريبْ لم يَبْقَ سَيْفٌ لم يجد غِمْداً له في لحمنا والأخوةُ – الأعداءُ منا أسْرَجُوا خَيْلَ العَدُوِّ ليخرجوا العدو ليخرجوا من حُلْمِنا منفىً هو الماضي : قَطَفْنا خوخَ بهجتنا من الصيف العقيمْ منفىً هي الأفكارُ : شاهدنا غداً تحت النوافذ فاخترقنا أسوارَ حاضرنا لنبلغه فأصبح ماضياً في درع جُنْديِّ قديمْ والشعرُ منفى حين نَحْلُمُ ثم ننسى حين نصحو أَين كنا هل نستحقُّ غزالةً ؟ خُذْنا إلى غَدِنا الذي لا ينتهي يا هُدْهُدَ الأسرارِ ! علِّقْ وقتنا فوق المدى . حلّقْ بنا إنَّ الطبيعة كُلَّها روحٌ ، وإن الأرضَ تبدو من هنا ثدْياً لتلك الرعشة الكبرى ، وخيلُ الريح مركبةٌ لنا يا طيرُ .. طيري كي تطيري فالطبيعةُ كُلُّها رُوحٌ . ودوري حول افتتانِك باليدِ الصفراءِ ، شمسِكِ ، كي تذوبي واستديري بعد احتراقك نَحْوَ تلك الأرض ، أرضِكِ ، كي تنيري نَفَقَ السؤال الصلْب عن هذا الوجود وحائطِ الزَمَن الصغيرِ إنَّ الطبيعةَ كلها روحٌ ، وروحٌ رقصةُ الجَسَدِ الأخيرِ طيري إلى أعلى من الطيران .. أعلى من سمائِك .. كي تطيري أعلى من الحُبِّ الكبير .. من القَدَاسَةِ .. والأْلوهةِ .. والشعورِ وتحرري من كل أجنحة السؤال عن البدايةِ والمصير الكونُ أَصغرُ من جناح فراشَةٍ في ساحة القلب الكبيرِ في حَبَّة القمح التقْينَا ، وافترقْنَا في الرغيف وفي المسر مَنْ نحنُ في هذا النشيدِ لنَسْقُفَ الصحراءَ بالمطر الغزيرِ ؟ مَنْ نحن في هذا النشيدِ لنُعْتِقَ الأحياءَ من أسر القبورِ ؟ طيري بأجنحةِ انخطافِك ، يا طيورُ ، على عواصفَ من حرير لكِ أن تطيري مثل نشوتنا. يناديكِ الصدى الكونيُّ : طيري لكِ وَمْضَةُ الرؤيا . سنهبط فوق أنفسنا .. سنرجع إن صَحَوْنا سنزور وقتاً لم يكن يكفي مَسَرَّتَنا ولا طَقْسَ النُشُور مَنْ نحن في هذا النشيد لنلتقي بنقيضهِ باباً لسورِ ما نفُع فِكْرتَنا بلا بَشَرٍ ؟ ونحن الآن من نارٍ ونورِ ؟ أنا هُدْهُدٌ – قال الدليل – ونحن قلنا : نحن سرْبٌ من طيورِ ضاقتْ بنا الكلماتُ أو ضقنا بها عطشاً وشرَّدنا الصدى وإلى متى سنطير ؟ قال الهدهدُ السكرانُ : غايتُنَا المدى قلنا : وماذا خلْفَه ؟ قال المدى خلفَ المدى خلف المدى قلنا : تعبنَا . قال : لنا تجدوا صنوبرةً لترتاحُوا . سدى ما تطلبون من الهبوط ، فحلّقوا لتُحَلِّقوا . قلنا : غداً سنطيرُ ثانيةً . فتلك الأرضُ ثديٌ ناضجٌ يمتصُّه هذا الغمامُ ذهبٌ يَحُكُّ الرعشةَ الزرقاء حول بيوتنا . هل كان فيها – كلُّ ما فيها ولم نعرفْ ؟ سنرجع حين نرجع كي نراها بعُيون هُدْهُدِنا وقد مَسّت بصيرتَنا . سلامٌ حولها ولها السلامُ ولها سريرُ الكون مفروشٌ بقُطن الغْيمِ والرؤيا . تنامُ وتنامُ فوق ذراعها المائيِّ سيدةً لصورتها وصورتنا . لها قَمَرٌ صغيرٌ مثل خادمها يمشّط ظلَّها . ويمرُّ بين قلوبنا خوفاً من المنفى ومن قَدرِ الخرافة ، ثم يُشعِلُهُ الظلامُ سهراً لحال النفس قرب المُعجزات . أمِنْ هنا وُلدَ الكلامُ ليصير هذا الطين إنساناً ؟ عرفناها لننساها وننْسى سمك الطفولة حول صرتها . أعن بُعدٍ نرى ما لا نَرَى في القرب ؟ كم كانتْ لنا الأيامُ أحصنةً على وَتَرِ اللغةْ كم كانتِ الأنهارُ ناياتٍ . ولم نَعْلَمْ . وكم سَجَنَ الرخامُ مِنّا الملائكةً ولم نعرفْ . وكم ضَلِّتْ هنا مصرٌ وشامُ للأرضِ . أرضٌ كان هُدْهُدُنا سجيناً فوقها . في الأرض روحٌ – شَرَّدَتْها الريحُ خارجها . ولم يترك لنا نوحُ الرسائل كُلَّها ومشى المسيحُ إلى الجليل فصفَّقَتْ فينا الجروحُ . هنا اليمامُ كلماتُ موتانا . هنا أطلال بابل شامةٌ في إبْطِ سيرتنا . هنا جَسَدٌ من التفاح يسبح في المجرَّة . والمياهُ له حزامُ يسري مع الأبد المجسّد في مدائحنا ، ويرجع نحو ذاتِهْ أمّاً تُغَطّينا بفَرْو حنانها العاري ، وتُخْفي ما فَعَلْنا بالرئة وبنار وردتها،وتخفي حرب سيرتنا ، وما صنع الحسامُ بخريطة الأعشاب حول شواطئ الزغَبِ المقدّس . أُمُّنا هي أمنا أم الإثنيين والفُرْس القدامى أمُّ أفلاطون زارادشت أفلوطين أم السهرورْدِي أمُّ الجميع . وكُلُّ طفلٍ سيّد أَمه . ولها البداية والختامُ وكأنها هِي ما هِي الميلادُ إن شاءتْ ، وإن شاءت هي الموتُ الحرامُ أطعمتِنا وأكلتِنا يا أمنا كي تُطْعِمي أولادنا يا أمَّنا ، فمتى الفِطامُ ؟ يا عنكبوت الحُبِّ . إن الموتَ قتلٌ . كم نحبُّك كَمْ نحبك فارحمينَا لا تقتلينا مرةً أُخرى ولا تلدي الأفاعي قرب دِجْلة .. واتُركينا نسري على الغزلان خصْرك قرب خصْركِ ، والهواءُ هو المقامُ واستدرجينَا مثلما يُسْتَدْرَجُ الحَجَلُ الشقيُّ إلى الشِباك ، وعانقِينَا هل كنتِ أنتِ قبيل هجرتنا ولم نعرف ؟ يغيرنا الهيامُ فنصير مثل قصيدة فتحتْ نوافذَهَا ليحملَها ويُكمِلها الحمامُ معنىً يُعيد النسْغَ للشجر الخفيِّ على ضفاف الروح فينَا طيري إذاً ، يا طَيْرُ في ساحات هذا القلب طيري ما نفع فِكْرَتنا بلا بَشَرٍ .. ونحن الآن من طين ونور ؟ - هل كنتَ تعرف أيِّ تاجٍ فوق رأسك ؟ - قَبْرُ أُمِّي وأَنا أَطيرُ وأَحملُ الأسرار والأَخبار أُمِّي فوق رأسي مهرجانُ هُوَ هُدْهُدٌ ، وهو الدليل وفيه ما فينا ، يعلِّقه الزمانُ جرساً على الوديانِ . لكنّ المكان يضيق في الرؤيا وينكسر الزمانُ ماذا ترى .. ماذا ترى في صورة الظل البعيدةِ ؟ - ظِلَّ صورته علينا فلْنحلِّق كي نراه ، فلا هُو / إلاّ هُو ( يا قلب .. يا أُمِّي ، ويا أُختي ) ويا امرأتي تدفَّقْ كي تراهُ وله .. لهدْهُدِنَا عُروشُ الماء تحت جَفَافِهِ تَعْلُو ويعلو السنديانُ للماء لَوْنُ الحَقْل يرفَعُهُ النسيمُ على ظهور الخيل فجْرَا للماء طعْمُ هَديَّة الإنشاد وهو يَهُبُّ من بستان ذكرى للماء رائحةُ الحبيب على الرخام تزيدنا عَطَشاً وسُكْراً للمائ شَكْلُ هُنَيْهَةِ الإشراق حين تَشُقُّنا نِصْفَيْنِ : إنساناً وطيْرَاً وله .. لهُدْهُدِنَا خيولُ الماء تحت جفافه تعلو ، ويعلو الصولجانُ وله .. لهُدْهُدِنَا زمانٌ كان يحمله ، وكان له لسانُ وله .. لهُدْهُدِنَا بلاد كان يحملها رسائلَ للسماوات البعيدةْ لم يَبْقَ دِينٌ لم يجرِّبْهُ ليمتحن الخليقةَ بالرحيل إلى الإلهْ لم يَبْقَ حُبُّ لم يعذبه ليخترق الحبيبَ إلى سواهْ وهو المسافر دائماً . من أنتَ في هذا النشيد ؟ أنا الدليلُ وهو المسافر دائماً . من أنتَ في هذا النشيد ؟ أنا الرحيلُ ( يا قلب .. يا أُمي وأختي ) تدفقْ كي يراكَ المستحيلُ – وكي تراه وتأخذني نحو مرآتي الأخيرة . قال هُدهُدُنَا وطارْ هل نحن ما كنا ؟ على آثارنا شَجَرٌ وفي أسفارنا قَمَرُ جميلُ ولنا حياةٌ في حياة الآخرين هناك . لكنا أَتيْنَا – مُكرهينَ إلى سمرقَنْدَ اليتيمِة . ليس في أجدادنا مَلِكٌ نُعيدُهْ تركتْ لنا الأيام إرْثَ الناي فِي الأًيام .. أقربُهُ بعيدُهْ ولنا من الأمطار ما لشُجيْرَةِ اللبلاب . نحن الآن ما كنا وعُدْنَا مُكرهينَ إلى الأساطير التي لم تَتَّسع لوصُولنا ، لم نستطعْ أن نَحْلبَ الأغنامَ قرب بيوتنا ، ونُرَتِّبَ الأَيام حول نشيدنا ولنا هناك معابدٌ ، ولنا هنا رَبٌ يمجده شهيدُهْ ولنا من الأزهار ( مِسْكُ الليل ) يُوصِدُهُ نهارٌ لا يريدُهْ ولنا حياةٌ في حياة الآخرين . لنا هنا قمحٌ وزيتٌ – نحن لم نقطع من الصفصاف خيْمَتَنَا ، ولم نصنع مِنَ – الكبريت آلهةً ليعبدها الجنود القادمون . لقد وجدْنا – كل شيء جاهزاً : أسماءنا مكسورةً في جَرَّةِ – الفُخَّار .. دَمْعَ نسائنا بُقَعاً من التوت القديم على الثياب .. بنادقَ الصيد القديمة .. واحتفالاً سابقاً لا نستعيدُهْ الفَقْر مكتظ بآثار الغياب الآدميَّ . كأنَّنا كُنَّا هنا وهنا من الأدوات ما يكفي لنصب خيمةً فوق الرياحْ لا وَشْمَ للطوفان فوق تَجَعَّيِد الجَبَل الذي اخضرَّتْ حدودُهْ لكنَّ فينا أًلفَ شعبٍ مَرَّ ما بينا الأغاني والرماحْ جئنا لنعْلَم أننا جئنا لنرجعَ من غياب لا نريدُهْ ولنا حياةٌ لم نُجَرِّبْها ، وملحٌ لم يخلِّدنا خلودُهُ ولنا خطى لم يَخْطُها قبلنا أًحَدٌ .. فطيرِي طيري ، إذاً ، يا طيرُ في ساحات القلب طيري وتجمِعي من حول هُدْهُدِنَا ، وطيري .. كي .. تطيري!
_________________
حسن بلم
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
رسالة sms :
عدد المساهمات : 11575
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر :
2013-03-20, 9:05 pm
oubran & Mahmoud Darwish - A lombre des mots - in the Shade of the Words"FULL"