عراقي في باريس
أعاني من حنين مستمر لا ينقطع إلى تجارب وذكريات وأفكار وأسرار ونساء وعوالم قائمة بذاتها لم تكتشف بعد. أستطيع القول كذلك أن ثمة لدي إحساس قوي بوجود نوع من "حقيقة كلية" هي موضوع هذا الحنين، وهي التي تغذيه على نحو مستمر. لكني أشعر كذلك بأن هذه الحقيقة لا وجود لها خارج عقلي ولا خارج حياتي الأرضية. إنها "حقيقة كلية" باطنة في ذاتي وقائمة بأكملها في عاطفتي وفي خيالي معا. عندما أحب امرأة ما على سبيل المثال، أكون مثل إنسان عادي قد أحب امرأة عادية، إلا أنني أشعر في نفس الوقت بأن الحب يجعلنا نمر معا بخبرة غير عادية. خبرة يخلقها الحب ويجعلنا نستشعرها، لا في جسمي بذاته، أو في جسم المرأة بذاته، ولكن في مكان ما بين جسمينا. يحدث ذلك، عندما نصل إلى الذروة فنشعر فجأة بأننا قد تغلبنا على انفصالنا وفنائنا وأصبحنا متحدين، وخالدين. وهذا الشعور بالاتحاد والخلود ليس مجرد وهم أو أضغاث أحلام بل تكون له كل صفات وخصائص الحقائق الفيزيقية والصلدة مهما بدا أنه شعور هش وسريع الزوال. هي إذن خبرة ليس فيها أي نوع من أنواع العلو بل توكيد على الذاتية ومحايثة الحب، الذكر في الأنثى، وبعبارة أخرى: توكيد الهوية بين الذكر وبين الأنثى. والشيء المهم هنا هو أن هذه الخبرة يمكن المرور بها واستعادتها وتكرارها إلى ما لا نهاية، وبوسائل شتى؛ بالاستعانة بالفن، كما عن طريق الحب. وفي رأيي، لا يتوقف الفن على المنفعة أو اللذة أو الأخلاق أو الدين أو السياسة أو الفلسفة، وإنما هو مستقل بذاته، وإلا لم يكن فنا. والتأكيد على مبدأ استقلال الفن بذاته هو بالضبط لكي يتمكن الفن من أداء دوره المنوط به وهو إتاحة الفرصة للإنسان الفاني أن ينتصر على انفصاله وغربته وأن يتذوق طعم الخلود.
مع رواية (عراقي في باريس) للكاتب صموئيل شمعون. . ومع الرواية أيضا أغنية الختام من فيلم (إشراق) للمخرج ستانلي كوبريك.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]