هناك بعض الكتب ترجعك الى القراءة بعد فترات هبوط , كتب لا تستطيع سوى ان تقف عند كل صفحة لاخذ ملاحظات مقتطفات و ربما تلاوة جزء منها بصوت عال على الحاضرين من الاسرة , كتب شديدة التأثير حتى انها تعلق بالذهن لفترات غير قصيرة , كتب تنصح الجميع بقرأتها حالا دون تأخير , كتب تجبر ناقد "سخيف" مثلى على منح ال5 نجوم كاملة بلا اقتطاع , كتب تستحق ان توضع فى لائحة كتب غيرت نظرتى للعالم.....
عن كتاب حيونة الانسان ممدوح عدوان الذى اوصى به بلال فضل بعد موقعة النستو الشهيره اتحدث
يبدأ الكتاب ككتاب سيكولوجى او فى علم المجتمع يتحدث عن التعذيب و التنكيل و تأثير ذلك على اطرافه ثم يتحول الى كتاب سياسى من الدرجة الاولى يروى لك ما ما تراه بعينك فى مجتمعك الان , كتاب يفتح عينيك و ينبهك بالا تتحول يوما الى حيوان ممنهج بلا عقل , مبرمج بلا تأثير, يخرج بك من ضيق جلاد و معذب فى السجن الى خراب مجتمع فسد من داخله ليخرج لنا نموذج الجلاد و الضحية
يتسأل المؤلف فى فصل خاص: هل نحن جلادون؟...يواجه القارئ-بكل قسوة- الا يتخيل نفسه دائما مظلوم و ضحية للعنف او مجرد مشاهد لحيونه الاخريين انت كقارئ ربما تكتشف فى ذاتك نقطة سوداء من السادية..حتى الاضحية من الحيوانات..الرقص فى الزار...التمثيل بجثة الحسين...اذا فالامر ليس القتل فى حد ذاته بل احيانا نشوة الدم
هل انت كقارئ تحتقر اديان/اجناس/أمم بعينها؟..هل انت كقارئ تحتقر جنس/عرق بعينه؟..هل تخترع اعذار دائما بتفوق انسان على انسان لمجرد معتقد مقتنع به او لون بشره ...هل تخترع اعذار بيولوجية او سيكولوجيا لتجعل الذكر متفوقا على الانثى؟..هل مازالت متخيل ان للذكر مثل حظ الانثيين فى كل شئ و ليس فقط الميراث؟...اعجبنى جدا مواجهه الكاتب لقارئه و احيانا مهاجمته بتلك الطريقه
*******************
يتبنى الكاتب نظرية ان الادب و الفن مرآة المجتمع فيشتهد بكثير من الروايات و السينما على وجة نظر المجتمع فتجد ان "طاغور"متحدث رسمى باعماله عن اهل الهند و هكذا..الفن سفير الشعوب و بعد عشرات السنين تنسى أسماء رؤساء الوزراء و جنرالات السياسه...فيفا لا ارت
ان احد اجمل مميزات هذا الكتاب انه يطلع قارئه على كثير من الدراسات و الروايات و القصص و فن المسرح و حتى الافلام باسمائها و ملخصها ,و يستطيع القارئ النابه المتحمس ان يستخرج اسماء عشرات من الكتب و الافلام للاطلاع تكفيه لشهر على الاقل بعد انتهائه من حيونه الانسان خاصه ما ورد فى فصل الانتى يوتوبيا *******************
فى فصل :ولادة الوحش بين الجلاد و الضحية...يدخل الكاتب قارئه ذلك العالم الذى يغض عنه الجميع الطرف...عالم التعذيب بكل فظاعته و وحشيته المطلقة...بكل تفاصيل عذابه
و يخوض مع قارئه رحله بين الادب و الواقع ليكشف تأثير السجن بشكل عام و التعذيب بشكل خاص..ما اقسى ما قرأت ! !...ما اثقله على نفسى و ادعو الله ان ينسينى ما قرأت او على الاقل الا يدخله فى احلامى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*******************
فصل أخر ممتع هو :مسؤولية الضحايا...يبرر الكاتب بان ذلك الخوف و الرعب هو من يصنع جلادينا كما يصنع جلادينا الخوف و الرعب...يغرى الشخص الضعيف بظلمة و التطاول عليه و يرى ان دعامه اى مجتمع ديموقراطى حقيقى تتمثل فى تكوين مجموعة من المواطنين لا يخافون من المطالبة بحقهم حتى و ان لم يحصلوا عليه ففى المره التاليه ربما يخشى الظالم من ظلمه...فالنظام يعتمد على اشاعه الخوف فى العموم و ليس كسب المعركة كل يوم مع كل مواطن
لكنه لا يغض الطرف عن مسؤوليه المجتمع فى صنع ذلك المواطن الفأر الذى يخشى حتى من التفكير كما انها تحول مجموعة اخرى على مجرد"سياط" و ليسوا بشر كما قال سارتر ..لكن الطرفان خاسرين فى معركة لا يكسبها سوى النظام السلطوى
و فى فصل خاص تناول قضية فى منتهى الخطورة...ففى مرحلة ما من دائرة العنف و تحت وطأه التعذيب النفسى او البدنى يتحول هذا الضحية الى جلاد خسر نفسه...تفقد دائرة العنف انسانية جميع الاطراف فنرى ان اشد من عذبوا البشر هم من تعذبوا فى السابق ربما انتقاما من الجميع فى جسمان الضحية التالية و هكذا تكتمل المأساة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*******************
و اجمل فصول الكتاب "السلطة السلطوية" يتناول تطبيق كل ما سبق لخلق مجتمع مشوه بلا حدود..سلسلة طويلة من الذل و الاذلال المتبادل,كيف يحول افراد المجتمع حياة غيرهم الى الجحيم على الارض..كيف يتحول نظام العدالة الى نظام قمعى فى افراده,كيف يساهم الجميع باسم الدين او الثورة او الوطن فى سلب حقوق بعضهم..فهؤلاء لجان شعبية لحماية الثورة و هؤلاء دعاه الدين و هؤلاء منظموا الاخلاق..انظمة موازية للعداله هدفها الاول كبت حريتهم بذاتهم , كيف تتحول الغوغائية الى نظام
اما فى فصل "الدولة القمعية" فيتحول الكتاب الذى بدأ ككتاب فى حقوق الانسان و سيكولوجيا التعذيب و الاهانه الى كتاب سياسى من الدرجة الاولى الممتاز , يضع هذا السيناريو لكل المجتمعات الفاشية هذا الطاغية الذى لا يعترض ان تسعة من اصل كل عشره يكرهونه مدام ذلك الواحد مسلح, و تلك الحاشية الفاسدة المفسدة التى تتنفس رياء و مداهنه بعد ان ذاقت طعم الثراء بعد فقر , عن هولاء المبررين الذين لا هم لهم سوى الاشاره عن ذلك النصف الممتلئ بالماء الاسن من الكوب , عن اعلام فاسد يمجد للحاكم فيصوره مبتسما مع الاطفال مقارنة مع اعلام وطنى يسخط عليه الجميع ان اثار قضايا الفساد او طالب بالحريات و يقال له ان يغلق فمه والا شمت فينا الاعداء , عن من يتخيلون ان اهانه القائد اهانه للوطن مع ان البلاد المتقدمة بمئات السنين الضوئيه يحاكم فيها قاداتها فلا تزد سوى تقدما و فخرا...و بذلك تكتمل اركان الدولة القمعية بلا نقصان
فى فصل خاص ندرس تلك الحاشية...كيف تنمحى شخصياتهم و يصبحوا ما نراه؟ بالاستعانة بمشهد رائع من رواية مقتل الرجل الكبير لابراهيم عيسى يضحك و يبكى فى ذات الوقت..هل المال كافى ان ظل السلطة مغرى الى تلك الدرجه؟..كيف يتحولوا الى "المفوهين" من يخطبون فلا يهتم احد بالسماع..من تنشر اسماؤهم و صورهم و لا يهتم احد برؤيتها..بثرثرتهم عن روعة الحكم ,عن قاعدتهم الذهبيه بانك حين تكذب و تكذب الالف المرات فهناك من سيصدقك فى النهاية و الاسوء ان تصدق انت نفسك , ان تزيف الحقائق اما بالكذب الكامل او باخفاء نصف الحقيقة و الادعاء بان الاحوال ليس ملائمه
و اقسم انى حين قرأت تلك السطور حددت اسماء بعينها فى كل الانظمه لتمثل نفس
ربما كان الفصل الاكثر انتظارا منى هو فصل الدين و الحكم, كيف يستخدم الدين كدعامه للحكم قبل اى شئ , كيف يصير رجال الدين -حتى البلدان العلمانيه- فى اساس الحكم على الاقل بمبدأ المنفعة المتبادلة...امدح حاكمك ,لتدعو له على انتظامه فى الصلاه مثلا و لتهنئ بقنواتك الفضائيه لتحكى عن الجن عند التثاؤب و لتجمع تبرعات حين يحلو لك..تحدث عن القدر و خروج الامر من يد البشر ,اوعدهم بالجنة و الحور العين فى الاخرة و ان الجزاء قادم لا محالة لكن لا تصور المشاهد كمظلوم بل قل كلكم راع او لعل القائد هو ممثل يسوع على الارض...صور القائد الرحيم يصلى "امام الشاشات" بخشوع ..ادعوا له على المنابر بصوت عال..و لتكن خطبة الجمعة غدا عن خطط سيادته التى لا يفهمها احد سواه
فلتمدح الحاكم و الا فلا تتحدث فى السياسة من الاصل, اخترع نسب لرئيسكم من نسل النبى فان لم يقتنع احد بكلامك فتسطيع التراجع دائما بانك تقصد انه من نسل الصحابى فلان
لاحظ ان رئيس جمهورية مصر الحالى و السابق اشيع بان الاول نسل عمر بن الخطاب و الثانى من نسل النبى مباشرة
اتلو على الناس مغبه الخروج عن الحاكم,عن ان ظلم السلطان مئه عام افضل من تخبط شهر , ولا مانع من ان تخبرهم ان السلطان الظالم هو وسيله للتكفير الذنوب اذا اردت ان تصبح شيخا معارضا..تردد ان الديموقراطية بدعه ثم اتلو الحديث و اكمله باننا و الديموقراطية فى النار للابد...اذا لم تكن تفهم فتلك مصيبة و ان كنت تفهم فالمصيبة اعظم
**********************
قلت للطاغية انت لا الحاشية بسبب المحنة الدامية...فى هذا الفصل الرائع يروى لنا الخدعة الاقدم فى تاريخ الديكاتورية ان حجه الرئيس العادل و الحاشية الفاسدة التى تحجبه عن الموبقات فلا يرى او سمع..و ما اجمل ان يروج بان قائد تلك الحاشية هو شخص بعينة فيصب العامه غضبهم على هؤلاء فالحجاج هو دائما هدام الكعبه بينما اميره عبد الملك بن مراون حمل وديع بل و مظلوم احيانا..نغض الطرف بان القائد هو من يصنع الحاشيه و ليس العكس ....فالبلطجى تاريخيا شبيه بالحرس الجمهورى فحين كان يسرق العامه من حراس الوالى كان الجميع يتحدث عن سماحة سيادته [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ************