® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2012-10-02, 3:05 pm | | شعرية منذورة لصيد غير مرئي
محمد عفيفي مطر (مصر)
محمد عفيفي مطر تمثل شعرية محمد عفيفي مطر استراتيجية جمالية ومعرفية وتخييلية بلا حدود، فهي شعرية عابرة للنظريات والمناهج لأنها تمثل مقاومة جمالية ومعرفية للأنساق والمنهجية والإجرائية المغلقة.
شعرية مطر عبور جمالي معرفي بيني، تتكون دائما علي الفجوات الجمالية المركبة من النسق واللانسق معا، وتقع علي الثغرات المعرفية الصامتة والغائبة علي الحدود القصوي للنظريات والتصورات والتقاليد الجمالية السابقة والمعاصرة معا، مفككة أنساقها، ومعيدة تركيب حدودها العلمية والمنهجية وفق تصور الشعر لاتصور النظرية، لذا فهي تخضع النظرية النقدية لحدها الجمالي، ولا تخضع لحد العقل التحليلي الكامن في النظرية.
إن شعرية مطر تعلم النقد ان يتعلم من الشعر القدرة علي الإصغاء الموضوعي واللاموضوعي _ لو صح التعبير _ للعالم والواقع وأنساق العلاقات المرئية واللامرئية التي تدشن نظام المعني واللامعني فيه.
شعرية مطر ترينا الإصغاء الموضوعي للعالم عبورا مجازيا بينيا يترامي لعوالم الصمت والغياب والمجهول،والممكنات الجمالية والوجودية التي لا تنتهي،أما النظريات النقدية فهي أنساق معرفية مدبرة،وضوابط منهجية مجربة، وإجراءات عملية موطأة، لكنها جميعا عند التحقيق يقودها الإبداع الجسور، ولا تقود هي الإبداع إلا إذا كان رديئا ، فالعلم ضرورة ، والإبداع حرية ، المنهجية تدبير وتواطؤ ، والإبداع جسارة وتأسيس،ومن هنا كان الشعر الأصيل طردا تخييليا لاقتناص ما هو بطبيعته ضد الاقتناص . وبهذه المثابة الشعرية انطلق محمد عفيفي مطر يؤسس في ديوانه الجديد ((ملكوت عبد الله))، لطرديات وجدليات السلب والغياب والممكنات الكمينة المفترضة،بوصفها جدلا للغرابة والدهشة والخروج والتأسيس، ضد ألفة الرسمي والسائد والعام ، يقول الشاعر عن طرديات عبد الله في أول نصوصه " مفتتح مواسم الصيد " : ((عبد الله لا يسمع ما أحكي ويصغي لدماه قلت يا عمري الذي أوله أنت أمنذور لصيد لا يري ؟ قال : أراه شاردا منذهلا بين سماوات وأرض فاحتطب من حطب الأيام في مجمرة الأحرف واسمع وانتظرني )) .
هنا الشعر إصغاء للدماء،وليس للغة الواقع، فاللغة لا تمثل العالم ، والأفكار لا تساوي الأشياء ، والنظريات لا تطابق الثراء الحسي التعددي المذهل للواقع، ومن هنا كان شعرية الطرديات المطرية منذورة لصيد لا يري، صيد منذهل وشارد أبدا بين سموات وأراضين، صيد معلق ومرجأ في أفق الأخيلة الممكنة البعيدة،صيد يقع في أفق جدل بسبيله دوما للاكتمال الذي لايكتمل، لا أفق التكامل والتطامن، أفق الرحابة والتعدد والإمكان لا أفق التوافق والاتساق والتآلف، لذا كان هذا الديوان يمثل نصا شعريا مدهشا في المراقي الجمالية العتيدة لمطر، ديوان مطر يجمع بنية نسق التزامن الشعري البنيوي المفتوح لا نسق التعاقب،ويجمع تداخل الأنساق المتصادية لاتجاور العناصر المتجاورة، حيث تتداخل المجازات الشعرية في أول نص في " مفتتح مواسم الصيد " مع آخر نص بالديوان في (( آخر الصيد أوله)) : ((كان عبد الله ينسل خفيفا من كتاب لكتاب ذاهلا عن نفسه حتي رمته الصدفة العمياء من حالق صيد لا يصاد أفلتته ظلمة الأنواء من مخلبها ، سبعين دهرا وهو يهوي في عماء النوء لا يدري أفي مهجور " واق الواق " أم في رهبة السر علي قمة قاف سوف يلقي الطائر الأوحد والصيد المحال)).
ليس للصيد ابتداء أوانتهاء،بنية الوجود بأسرها مؤسسة علي التداخل والتدافع والصراع والترقي والتسامي،الكون كله مجازات للصيد والتدافع والتهدم والبناء،الصيد متعة الوجود ورهبته، جوهره ومراوغته، تأسيسه وانفلاشه ، ولأمر ما أولع الشعر العربي القديم بالصيد والطرد والكر والفر،وقد رأي مصطفي ناصف من قبل أن( أن الطير عامة يستوعب في خيال العربي طاقات وتصورات وقدرات كثيرة، فهو يستوعب شخصية الإنسان، ويستوعب مصيره، ويستوعب كل تجليات الروح القلقة المهمومة بوجودها، نعم هذا واضح في التراث)).
ومن حق النصوص أن يغذي بعضها بعضا"، وبعيدا عن فكرة الأغراض الشعرية،والمضامين الفنية البائسة الضريرة التي أنهكت قوة الشعر،واختزلت الثراء التعددي الفادح للخيال،نري الطرديات المطرية إذ تتصل ببنية التقاليد الجمالية العربية تنفصل عنها، تعدل منها ولاتمحوها ،تطورها إذ تستشرف أفقها التعددي المجهول، الطردية المطرية هنا إستراتيجية شعرية جسورة لإعادة تأسيس علاقات الشعر والذات والثقافة والتاريخ بالعالم ، بعد أن وقع قنيصا في سجونه الرمزية واللغوية والثقافية والسياسية ،نحن نهوي في عماء من ظلام النوء، لا ندري أمهجورون في أنساق الوهم ، وجغرافيا النبذ أم موقوفون في رهبوت أسرار سلطة الكلام العام التي هي دمار عام ، العالم قنص وقانص وقنيصة ، والشعر الأصيل محاولة خلاقة وتسلل من كتاب لكتاب ليعيد إلينا روح اللغة والتركيب والإيقاع،فالشعر كينونة جمالية في أصالة الوجود ، يقول الشاعر الشعر :
((كان من رهبته يخلقه جنحيين كونيين من ليل وعينين من الكحل البهيم وصراخا باتساع الظن والرعب سديما من هيولي صور ينقدح الإيقاع فيها بالإشارات وبالمعني الدفين كان عبد الله مشبوحا علي باب الحروف كلما استنطق حرفا ساقه للغامض الملغز في حرف سواه)) ،يحاول الشعر في النص السابق أن يدخلنا عالم الأشياء لا عالم اللغة،عالم الجسارة والخروج لاعالم الأنساق والرتابة،الشعر هنا يعيد إلينا فرحنا الوجودي القديم بالعالم المحيط بنا،يدخلنا الشعر من جديد ولأول مرة إلي بيت الأصالة الوجودية، التي غلقت أبوابها الرمزية والسلطوية العامة دون حرية وجودنا، أوغلقنا نحن عن أبواب الكون الطليق الحي في أقفال رساخ من المواصفات اللغوية والمعرفية والجمالية والحضارية السائدة ، حتي إذا انقدحت صور العالم والواقع بإيقاع الشعر صعد العالم إلي أفق إنسانيته ورحابته وتعدديته، فاتصل بروحه الدفينة عبر نضارة أشيائه، وبكارة كائناته، بعد أن نزع عنها وعنا قيود العقل الموضوعي الزائف،وغواشي الوهم اللغوي الرمزي العام، وتسلط سائدات التقاليد وسدود الاعتياد والألف والرتابة المهينة ، " يظل الشعر مشبوحا علي باب الحروف " كما يقول الشاعر حيث الشعر مصر هنا علي الزج بنا إلي منطقة الحرج اللغوي والوجودي معا ، منطقة القلق والفحص والمراجعة التي لا تسلم نفسها أبدا للطمأنينة الزائفة ، أوالاتساق الكاذب ، هذا ما نراه في صيد شعري آخر قادر علي مناورة العقل والروح والثقافة وكافة انساق العلاقات المحيطة بنا،في صيد الخفافيش التي لا تصاد لأنها بكينونتها الوجودية : (( خفة وذكاء تحويم ومكر مناورات وانقضاض ليس يوقفه اصطدام بالحصيأو بالعصا أو بالحوائط والسقوفكانت تدوم ثم ترخي جلدها العريان في غبش يذوبه الظلام شيئا فشيئا والشظايا من رفيف الفحم ترفو جبة الظلمات فالملكوت خفاش يلعلع صوته المسنون يا ولدي ابتعد واعقل جنون الصيد..... واقعد لأحكي عن خفافيش النهار من نسل آدم أو سلالات الكلام )) . ربما يتداعي إلي عقلنا الجمالي المعاصر حديث الكائنات والكونيات في تقاليد الشعر العربي القديم ،حيث الجمال يغتذي بالجمال ويستشرف جماليات ممكنة كمينة، والتقاليد تتنامي بالتقاليد عبر تحولات التشكيل والتوصيل والاستشراف والافتراض، لقد أدرك إليوت قديما أن الاتصال المعاصر بالتقاليد لا يعني المحاكاة العمياء لما فات أوانه، ولكنه يعني القدرة علي التزامن الجمالي والمعرفي بين ماض وحاضر ومستقبل، فالميراث الجمالي ديمومة جمالية معقدة في الحراك والتواصل والاستشراف والإمكان، وما وقف عليه مطر من طرديات معاصرة، لقد لحظ القدامي ألوانا منه في الصراعات المتعددة التي رصدها الشعر القديم بين الثور والوحش أو بين الثور والكلاب أو بين الذئب والشعر والواقع والحضارة،: هذه المظاهر الخارجية المتعددة للصراع والصيد والقنص هي تجليات شعرية متعددة مدارها صور المصير والحدثان وتقلبهما واختراقهما صور العيش والوجود،كان الطرد الشعري القديم لونا من ألوان التأمل الجمالي في الوجود، والعقل الجمالي العربي وهموم الثقافة العربية قديما وحديثا، فالفن قبل كل شئ خلق وإنتاج وتشييد وتأسيس، وقدرة علي التنظيم، ورغبة محمومة في الهدم الحيوي المنظم ، وإعادة التركيب والإحاطة الداخلية والخارجية معا.
الفن قدرة علي نفي المطابقة والمشابهة والتسليم، وليس غير هذا التامل الجمالي الرمزي الكامن في ظلمة الخفافيش ما يجعلنا علي مقربة من وجع الروح ، وقلق العقل، واقتناص ما يموج في جسد الواقع والثقافة من صهيل وحمحمة واجتياح، فالملكوت لدي مطر خفاش يلعلع صوته المسنون، فلا شعر دون خرافات وأساطير،لاشعر دون أسرار ومخاوف وتنبؤات، وقديما كانت الأساطير تفسر منطق الكون .
ولقد كان الوعي الإنساني العالم في بداياته الأولي وعيا أسطوريا خرافيا، حيث أسندت صفات الإنسان إلي الكائنات والأشياء والأحداث، وقد ولدت اللغة في بداياتها الأولي متلبسة بهذه الأكناف الأسطورية البعيدة، فلم تقم اللغة قديما فارقا يذكر بين الاعتقاد والمجاز، ثم احتاجت اللغة من بعد ذلك إلي أزمان متطاولة متعاقبة حتي تغيرت معها صور الوعي الإنساني، فانفصل الاعتقاد عن المجاز، وصار الاعتقاد القديم مجازا معاصرا، يفصل بينه وبين التصورات الأسطورية الأولي ما يفصل بين وعي الشيخ والطفل، ولكن الشعر لازال يمتلك أثارة من القدرة الأسطورية الأولي في وعي أشياء العالم، حيث يرد الشعر الإنسان إلي منابعه الأولي، ويرد اللغة إلي بكارتها الطازجة، ويلحم الوعي الإنساني بطفولته الحسية المباشرة، لا زال الشعر لدي مطر يحمل هذا الإرث الخرافي العتيق، إرث السر في الملكوت ، حيث ندخل منطق الأسرار و غابة الخرافات السحرية ، والإمكانات الروحية والخيالية داخل بنية المادة نفسها.
محمد عفيفي مطر يحول الكائنات الوجودية إلي كائنات أسطورية مجازية، جسد الخفافيش يمثل هنا موازيا حسيا انفعاليا لجسد الواقع والعقل والثقافة العربية المعاصرة ، حيث تتعطل سبل الاستقراء والاستدلال والبرهان وتحديد القصد والدلالة والاتجاه، لقد رأي الطراد الشعري المطري الواقع جسدا خفاشيا، وكهفا أخطبوطيا دشن من سوء المقاصد، وخفاء التوجهات،وظلامية الهويات، نحن يطيب لنا مقام الظلام، حيث خفافيش الظلام من نسل آدم أو من سلالات الكلام،نحن نوثر الحركة في أجواء غير مبينة،أو نحن نرتاح للرؤية في آفاق مشبوهة.
إن قدرا كبيرا من وهج الحقيقة يتبدي لنا الآن خارج منطق الرمز اللغوي السياسي العام، ليحط في جسد الشعر،والمغامرة،والتكشف،إن الصورة الخفاشية هنا سبيل من سبل نزع التستر علي انساق الكيد والمداهنة والمراوغة التي تبني أنظمة الواقع، وتبنين مسالك لصعوبة الرؤية والمواجهة أومقاومة الظلام ، ظلام الثقافة والنسق، والنظام الرمزي العام،الشعر يبحث دائما عن منطق الثغرات والفجوات،والنظام كل همه تدشين الإحساس العام بالعماء اللغوي والرمزي الأليف، ينزع الشعر عن الواقع رتابة الأقنعة المؤسساتية العامة ، ليدخل ملاحم الفوضي ومكذوب السرائر في الكلام ، هذا ما راود الشعر به الهدهد قائلا : ((حدقت من طيش النميمة لم تكن تدري لواحق ما استكن من الخراب علي يد الطغيان والملأ الهوام لم تستمع لملاحم الفوضي ومكذوب السرائر في الكلام أو رجفة الطوفان في العرم المكتم في عروق الصخر والغرق الذي ترتد منه الأرض مقبرة ويغدو العرش والأمم الهوام بددا يذريه الظلام .... راودته عن علم ما يدريه شاغلني بخفته وطيش النقر ما بين الشقوق نقر التلفت نافشا زهو التشكك واحتمالات اليقين)).
هذا هدهد الشعر جاء من أفق الخيال الجسور ينقر في أنظمتنا الثقافية والرمزية التي تحكم مدي حركة عقولنا ومطارح تصوراتنا،هدهد الشعر مشغول بالتنقير والتحكيك والمراجعة،هدهد الشعر يعلي زهو التشكيك علي رداءات اليقين، ومن جمال الريب علي عفن المطابقة، ومن جمود الظاهر إلي قلق الباطن، يجب علينا ألا نضن علي الكلمات في الشعر بالاستنباط،الألفاظ والصور في الشعر حيوات شيئية حسية كاملة ، ولن يصفو لنا الوعي بالشعر إلا إذا أدركنا جدل الكلمات والصور والإيقاعات في الشعر لذات الشعر.
وإذا كان الواقع يدشن ثقافة النميمة وملاحم الفوضي، ومكذوب السرائر في الكلام ، فإن هدهد الشعر قادر علي كسر هذا النسق العام، والدخول إلي ممكنات المفاجآت، والمغامرات الكمينة، حيث تتحرر اللغة من هلامها الفوضوي، ويتحرر الإدراك من رتابته المكذوبة، والمنطق من شرعيته الوهمية، يجب أن يحول الشعر اليقين العام إلي وهم عام، ويظل الواقع مفتوحا علي ممكناته التخييلية التي لا تنتهي في طردياته المجازية الجسورة للواقع والذات والثقافة والتاريخ والحضارة، يتحرك الشعر جسورا صوب ممكنات العالم الموجودة فيه بالقوة والمتجلية عبر آليات التشكيل الجمالي بالفعل، فالشعر قنص لإمكانات العالم وممكناته عبر مسالك تشكيلية متعددة ومتباينة ، لا شئ يوجد في هذا العالم إلا عبر الشكل، الصحة شكل المعاناة ضد تناثر الهذيان، والقانون العلمي التجريبي شكل يستصفي روح المادة ضد تخثرها الفيزيقي الهلامي.
*****
القصائد
محمد عفيفي مطر
مفتتح مواسم الصيد دودة مسمومة يلقطها الهدهد في غفْلته - وهو كليم الأنبياء وحفيظ السر عراف بأخبار اليقينِ لم يكدْ حتي ارتوتْ نمنمة الألوان بالشمس، ودبٌّت نشوة الخفة والسم البطيء بجناحيه، ورفٌّتْ نسمة في خفقة أو خفقتين فهوي منتفضّ الزينة، والثعلب يرنو من حقول القطن.. في وثبة قنْص سانح ينقضٌ.. فالهدهد فيِ شدقيه مطحون العظام رفع الذيل وولي هاربا.. في وثبة أو وثبتين كان منفوخا ومفضوحّ الرميم تحمل الريح نداءاتِ اشتهاءي لخشاش الأرض، كلب يرفع المعْطسّ، يهديه الشٌّميم فرٌّ من رِبْقّتِه يعويِ ويعدو،
وارتمي يعْرق أو يْحضم أو ينهش - من جوعي مقيم - فلذة أو فلذتين وارتمي حيث اشتهي تخصبه الريح بجمر القيظ، واستلْقي بقايا ميتي فوق بقايا ميتي وانتبه الثعبان فيِ مكمنه بين شقوق الأرض فازٌّاحفّ وانصبٌّ انصبابّ المرمر اللين فيِ قلب الظلام عضٌ واسترخي، فقد أفرغ نابيه - وسمٌ الصل لا يقتله - أتْخمه اللحم فلم يقدرْ علي زحفي، فنام مثلما ينْعّس حبْل مرتخي فيِ ليفه، حتي ارتأتْه حِدأة حوٌّامة فيِ أفق الصبح فحطتْ كالشهاب تنْقف الرأسّ وفيِ مخلبها ينتثر الحبل فتطويه وتعلو للسحاب يتدلٌّي ميتا، يقعي وراء القش صياد وعيناه علي الحدأة، دّوٌّتْ طلقة باترة التهديفِ.. والحدأة تهوي ظلها يفترش الأرض. فلا تخرجْ لهذا الصيد..
عبدالله لا يسمع ما أحكي ويصغي لدماه قلتْ: يا عمري الذي أولْه أنتّ.. أمنذور لصيدي لا يري؟ قال: أراه شاردا منذهلا بين سماوات وأرض فاحتطبْ من حطب الأيام فيِ مّجْمّرة الأحرف واسمعْ وانتظرْني..
١٣/٨/٧٠٠٢ رملة الأنجب
*****
مراوغة الغراب
وجه الضحي ذهب تعلو من الأفق الأقصي مراياه والطير بعض شظايا ظلمةي تركتْ أظفارها فيِ أديم الضوء رفرفة تعلو وتهبط والغربان غّوْغّقّة ترتجٌ منها رؤوس النخل والشجر والشمس تنفخ من أنفاسها صخبا ملءّ السماء وملءّ السمع والبصرِ أمي، وقد سمعّتْ، تومي وتكشف ما يطوي عليه كلام الله فيِ السورِ:
هذا ابن آدمّ يغْلي في خوالجه كِبْر الصغيرِ وطغيان الغرائز والأهواءِ من حسدي يمور مّوْرّ دمي فيِ عاصف الشررِ مدٌّ القتيل يديه قبل مقْتله بالخبز فوق إناء الماء فاندلعْت من ومْضّةِ الغدر سكين مشّطٌّبّة علي الضغينة، والغربان شاهدة تري القتيلّ علي أكتاف قاتله، تصغي لغرغرة الحصْباء تّشْرّق من هواطله. قالت: فكلٌ دم ي من يومها نطّف تسري مواريثّ فيِ الأّصلاب تّدْفق ما بين الترائبِ،
ما من جمرةي وّقّضّتْ فيِ دمع ثاكلةي مدي الدهور سوي أطيافِ ذاكرةي من دمع حواءّ فيِ الآماق ترتحل جيلا فجيلا، وفي الثٌارات تشتعل قلت: الضحي ذهب قد شقٌّقّتْه غرابيب الشهودِ وشقٌّتْ غاق مرثيةي عمقّ الفضا والصدي ترتجٌ منه رؤوس النخل والشجرِ ظلي علي الأرض ممدود.. يروٌِعني:
هذا أنا.. فمن انْحلٌّتْ مفاصله، أّرْخي يديه، علي كتفيٌّ ينهدل؟! هل كنت أحمله حتي أفرٌّ به عبر التواريخ والغربان شاهدة أن التواريخّ مّجْلي القتل مجزرة في إثر مجزرةي؟! قلت احتمله علي الأكتاف واصطبر ماثّمٌّ بين سوأة تعلو معٌّرتها عن سوأة الدفنِ في النسيان والحفرِ
28 /٨/٧٠٠٢
*****
أنساب مختارة
خّرّز من الماء مسبوك بزرقته عسل وشمس حصادي ذوٌّبتْ ذهبا فيِ خضرةي غضٌّة في بارقي من حواشيه ترقْرق من ندي الفضة روح السكينة، عش من نديفِ حريرِ القشٌ والزغبِ المنقوشِ، صوت حنين الأرض بين الطمي والسٌّبّلِ يعلو خفيا كرجْع الناي في الغّزّلِ كفكفْت من حيلي
ورميت أحبولتيِ ونسيت مكْر فخاخي كنت أبرع فيِ تمويه عقْدته بين النجيل وبين القرطم الخضِل ورأيتها رفعتْ بين السنابل والأعواد شوشّتها بالزعفران وبالحنٌاء واندلعتْ فيِ القمح أغنية مجدولة اللحن من نّفّس التكوين في السحبِ غنٌّتْ وقّنْبّرت الموالّ فانفتحتْ في القلب نافذة علي الأخوة بين الطير والبشرِ لكنها استترتْ في الوكر واجفة من خفْقة الظلٌ أو من خشْية البّلّلِ تزْقو أم انفرطتْ أوزان غنوتها؟!
هسْهّسْت أكشف عن فرعين في جميزة النسب: أختي.. أخّيٌّة إن الشدْوّ عائلة من أول الأرض حتي آخر الفّلّكِ هذيِ الكواكب مزمار تعاّورّه نفْخ البروج علي بوابة الحلّكِ والشمس بوق نفيري طالما نثرتْ أجداث مّن ذهبوا عبدا علي ملِكِ أختي.. أخية..
ما بينيِ وبينك من خّتْلِ ولا شّرّكِ فلتأْنسيِ، أمم من داثر النغم الموْءودِ.. هيتّ لكِ! فلْتّصْدحيِ.. نغم الموال أوله بدء الخليقة أْخراها أواخره قوميِ قيامةّ صوتِ الله في بّدّدي يعاد ترتيله فالخلق منبعث والشعر جوهره هسْهسْت فانطلقتْ كالسهم نافرة نحو الفضا والصدي ريح تبعثره..
٨/٠١/٧٠٠٢ رملة الأنجب
*****
مراودة الهدهد
شمس تدلٌتْ في انفطار الصبح غْرٌّتها تنوس وترتخي والغيم عصْفّرها وخدٌّدّها بألوان الشٌقائقِ والسماء تضيء زخرفةّ الكتابةِ فوق ريش الطير من أمم الحروفْ في كل سربي من غوايات القراءة ما يخفٌ ومايطوفْ فافتلْ حبائلّ صيدك العاليِ،
متون الريح والآفاق صاعدة وهابطة فأحْكمْ عقدة التخمين ما بين البصيرة والبصر هذي هي انفلتتْ إليك من السوانح قبضة الريش المرقٌّشِ فيِ اختيال التاج، والنقْرِ المشوٌّشِ في شقوق الدود والحشرات مرتبكّ التلفٌت نافشا زهْوّ التشكك واليقين غّمغمْت: هذا صاحبي الروٌاغ بين معلٌقات الشعر والكتب الغويٌّةِ، هذه أنباؤه انتثرتْ علي جنْحيْه نقشّ قطيفة مكتوبة في دهشة الذهب المضفٌرِ، قلت: أنتّ رأيتّ أشْهي ما اشْتّهيْت:
مليكة أختا علي ملأ أخي، حّدٌّقْتّ، من طيش النميمة لم تكن تدري لواحقّ ما استكّنٌّ من الخراب علي يد الطغيان والملأ الهلام لم تستمع لملاحم الفوضي ومكذوب السرائر في الكلام أورجفة الطوفان في العّرِمِ المكتٌّمِ في عروق الصخر والغرق الذي ترتد منه الأرض مقبرة ويغدو العرش والأمم الهوام بددا يذرٌِيه الظلام
أم كنتّ تعرف.. ثم ألْغّزْتّ الحروفّ علي جناحك كاشفا معني التواريخ الدفين: من خفة التحليق حول العرش والتيجان والأمم السوالف ليس إلا الدود ينغل في بقايا الهالكين!! راودْته عن علم ما يدريه، شاغلني بخفته وطيش النقر ما بين الشقوق نقر التلفت نافشا زهوّ التشكك واحتمالات اليقين..
٦١/٠١/٧٠٠٢ رملة الأنجب
*****
أبو الطٌّيٌور
راوغّتْ شمس الأصيل غنمّ الغيم وساقتْها من الأفق إلي الأفق بياضا ناعما فيِ مخمل من صهْبّةي فيِ غبشةي يدفعها الخطْو الثقيل واستضاءتْ في مرايا الماء مرآة الفضا العالي وحّفٌّتْها من البرْنوف والسٌِعدِ خلاخيل وفاح الحبق البريٌ
واسترْخي علي رعشته الصفصاف واذٌّاوب فيِ نخل من الظل يسيل كان عبدالله يقعي كاتما أنفاسه وهو يري من شغب الألوان فيضا فائرا: أجنحة شفٌافة ينْبض فيها عنكبوت شبكي من دمي، ومْض عيوني من شظايا لؤلؤي فيِ ذهب فيِ ذّرْويِ بلٌوري وكحلي فيِ بقايا كهرمان. غصٌّ بالدهشة..
»ما من أعين تبرق هذا البرق.. لو أن المرائي انسربتْ ألوانها فيها لما ظلٌّ علي الأرض كيان كي يري، أم هذه الأعين تعطي كل شيءي لونه كيما يكون!!« غصٌّ بالحيرةّ حتي استغْرقتْه سِنّة من غفلةي، واصٌايحّ الصائح من رفقته فانْتبه الصياد فيِ أعماقه بالمكر والخفة، في بغتة فخٌي محكمي من إصبعين كان ينقضٌ ويصٌّايح في ثرثرة الزهو، أبوالطيٌورِ في يمناه،
في يسراه أنشوطة خيطي للأسير كلما أرْخي له الخيطّ استجاشتْ في جناحيه الثنائيين حمٌي الطيران ثم ردٌّتْه إلي زنزانة الخيط ارتباكات علوٌي وهبوط. صاح عبدالله في رفقته: قد لّيٌّلّ الليل ولن نبقي إلي الظلمة، هيا أطلقوا هذا الحصاد الحيٌّ يسعي سعيه الحرٌّ إلي مكمنه، موعدنا قبل الأصيل.
كان عبدالله لم يقرأ كتابا بعد، لم استدْرّجّتْه من صباه رّحْبّة الكتٌّاب واستدرجه اللوح إلي أول أشكال الحروف كان يّسْتّغْويه زنْك اللوح.. فالأحرف طير طائش والسطر يغويه فيلْتّمٌ جناحا بجناح كلٌ سِرْبي ينفخ المعني بسربي بعده أو قبله والأفْق متْن قلٌّبتْه الريح من فوضي إلي شكلي
ومن معني إلي معني نقيض وأبو الطيٌورِ شّطٌاح من الهامش للطرٌّة، من مهرة ياءي لاشتباك الهاء فيِ عقْدتها حتي فم الهمزة في فتْح الكلام قال عبدالله: فليسرحْ أبوالطيٌور ما طابتْ له حرية الريح فقد أوْقّعّني في الأسر هذا الخيط من حبري وزنكي وحرير..
٩/١١/٧٠٠٢ رملة الأنجب
*****
منادمة الكروان
كان عبدالله محموما برعب الليل إذْ يهبط من مغْزله العالي ويلتفٌ نديفا من سوادِ المخمل اللين والصمتِ البهيم رعدة ترفضٌ فيِ أعضائه بالبرد والوقْدة والطٌّلٌِ الخفيف
وشظايا نيزكي فّرْفّرّ من عمق السديم تتلوٌي، تمزع الظلمةّ بالدهشة.. عبدالله بين الوعد والميعاد: كانت شظْية من مارجِ الصوتِ وحصباء الصدي تهويِ من المجهول: ”لّكْ لّكْ.. لّكّ الملّك”.
ومجهول الفّلّكْ دائر مغزله من برجه العالي، وعبدالله من رعب وطين مشرئبٌ السمع واللهفة.. هذيِ الفتنة القاسية الإيقاع تذْرو زغبّ النوم من الأعشاش والغفْوةّ من ناعسة الطير علي مجْثمها بين الغصون كان عبدالله يّسٌّاءل:
وحش كاسر “لّكْ لّكّ” في هذا العماء ناشرا سطوته؟! أم ملعب هذا الفضاء يتلهٌي فيه بالحيرة؟! صيد لا يصادْ؟! أم شهيق أفلتتْ نبرته الأولي قبيل النفخ في
مزمار إسرافيل: أم نزع وطّلْق في رميمي يستعاد؟! (ملْك مّنْ يا كروان! نحن أقعينا علي مفترق الصرخة والأصداء، لم نملك سوي الحسرة والزفرة والجوع المهان بّدّد نحن وإرث للمماليك، وهمْ في ملعب القتل رماد ودمي يبْتاعها من باعها).
أم بشير “لّكْ لّكّ” البشري وترتيل النداء كي يرد الهالكون الملكّ للمالك أبهي ما يكون مثلما اسْتّوْدّعّهم إياه من غّمْر الحلّكْ طافيا منجدلّ الدهشة من كافي ونون!!
٣١/٢١/٧٠٠٢ رملة الأنجب
*****
سلطانة الأطلال
بيني وبين خرائب الأهل القدامي - بعد أن غالتْهمو غول الفجاءة بالرحيل وتقادمتْ خطواتهم في ليل ذاكرتي وذاكرة المكان - شّرْخ بشباك وشق في جداري مائلي، وأنا أحدٌق عبر صمت معتم علٌِي أري آثارّ عرس أو بقايا مأتم أو صندلا لصبية قد أعْجّلتْها الغول عنه
أو انفراطّ الأحرف الأولي بأقلام الطباشير الملون خطها طفل صغير هي قفزة أعلو بها فوق الجدار وخطوة.. فأكون أول من يري النسيان رأي العين: آنية تكسٌّر طينها حرّقا من العطش استنامتْ فيِ نسيج العنكبوت ومراقد الحيوان والإنسان ربْقة ماعزي بليتْ وفضْل حصيرة شرب التراب ترابّها تتأكٌل الجدران تحت نضائح الملح المرقٌّدِ، والمهجٌّات العميقة والشٌِنشْنات التي اكتحلتْ بدخٌان المصابيح القديمة حفٌّها جير من الذٌّرْق المنّمٌّش.
هذه الأعشاشّ خالية.. نداء الشمس والريح الطليقة بعثرا أسرابها عّيٌّثْت في ظلم المهجٌات ارتعدت بنقرةي وبخمش أظفاري وريشي مرتعبْ من مكْمن البوم اسْتّلّلْت البومةّ الكبري، لويت جناحّها بجناحها، انتفضتْ وحاولت الهربْ ورجعتْ وهي أسيرة الفخٌّين: كفٌي والعّشّ في الضوء، وجه في مهابته كوجه الأولياء الملهمين
حّفٌّتْ به من هالة الأسفار في الظلمات شّيْبته حريرا في نديفي من زغبْ عينان واسعتان شّهْلا وان كالبحر المصفٌّي في زجاج كهوفه، لا تنظران وليستا تريان شيئا من غثاء الصبح، منقار به كِبر الملوك وكبرياء الفهم. -: أنتِ وريثة الأهل القدامي الراحلين وحفيظة الدٌِمّنِ البواليِ
والعليمة بالسرائر كيف كانت تغْتليِ بالعشق والشعر المجنٌّح بالجنون وهواجسِ الأهوالِ من غلٌي وجوع واحْتراب وانكسار. أطلقْتها بعد انحدار الشمس، -: روحي.. و اشهدي في ظلمة الملكوت هوْلّ الذاكرة..
٠١/٢١/٧٠٠٢ رملة الأنجب
*****
أمومة مغدورة
( 1 )
رغيف علي الجمر يعلو نشيش خميرته بزفير القرابة بين الأمومة والفرْن والعّرقِ المستكنٌ بحب الحصيد وللجوع ملْهبّة وغواية ثرثرةي تّتّقّطٌّع حكْيا وقهقهة وأكاذيبّ بيضاءّ. كنا بمنتصف الصيف،
والليل نّثٌ من الطٌّل معتكر بالهلال الوليد نريد لمعا خابياتي تكاد تحدٌّر فوق مصاطب بطيخنا وعساليجه لبْشة لبشة وأحاطتْ بنا ظلمة الليل، كنا بنوْبتنا في الحراسة.. قال المجرٌب: فّلتعْل في الرٌّكْية النار حتي نبدٌدّ وحشّتنا ونخيفّ الذئابْ فقد ملأتْ بالعواء ظلامّ الحقول وفي كل صبح نلملم بطيخنا المتكسٌِرّ من ضربات النيوب ونهش المخالبِ
تتركه خاويا دمه حول أطراف خضرته قال أكثرنا شغبا: فخٌ صلبي بشدْقيْه أضراسه وقواطعه المرهفات أشدٌ وأنكي بها، قطعة من شواء ستغوي معاطِسّها وتشدٌ من الجحر لابدّها، ثم نسمع طقْطقة الصلب حول الرقاب وتلك وليمة صيدي بها نشتفيِ، جلدها للبرادع،
واللحم من حول أفلاذه ستهرٌ الكلاب وأكبادها نشْتويها علي الصٌّهْد نأكلها نصفّ نيئةي فهي مرْكوز فطرتها، وهي سر الضراوة والعنفوان وكنا علي الوعد والعهد في النوْبة التالية:
( 2 )
سري الغيم تحت الهلال المحدٌّبِ، ريح تهب علي شجر يتخلٌّله الليل والنور والخوف يطلق أشباحه من وجيب دمي وارتعادي عواءّ بعيد ينادي يجاوبه من عظامي ومن ركبتيٌّ صدي سنٌّنّتْه الهواجس، قرفصْت في كتلة الرفقاء ألوذ بهم ويلوذون بي، ثم أّرْهّفّنا الانتظار عيونا وسمعا. وقبل الهزيع الأخير من الليل دوٌّتْ بأجسادنا طلقة أرعدتْ بأسنٌة فولاذها وانطباقةِ أضراسها الصلبِ صيد هوي بعواء كظيم.
( 3 )
تّقّشٌّعّ من ظلمة الليل أكثرها وتبدٌّتْ لنا الملحمة: غنيمتنا ذئبة مزٌق الفخ أعضاءها وارتمت في دماها ومن حولها خمسة من جراءي صغار تّخامشها وتدور وتقفز لاهية وتزيح بأظفارها ما تخثٌّر من دمها ثم تمرح باحثة عن مكامن أثدائها ثم تصطفٌ ترضع في هّدْأة كالنعاس الوديع.
جريت وحيدا إلي بيت أميِ تشققني شهقتي وتهدٌ كياني الدموع..
٢١/١/٨٠٠٢ القاهرة
*****
الخفافيش.. أبدا
فتٌّحت عيني فيِ ذبول الشمس وهي تجرٌ في أظلافها رملا تذريه علي شفق الغروب والظل يزحف صاعدا فوق الحوائط ناسجا دغْشّ الزوال سقيفة تدنو قتامتها رواقا لانفلات الصبْية اللاهين والمتّنّظٌرين أمام باب الليل أن تنقضٌّ أسراب من الفحم المجنٌح:
خفة، وذكاء تحويمي، ومكر مناوراتي، وانقضاض ليس يوقفه اصْطدام بالحصي أو بالعصا أو بالحوائط والسقوف كانت تدوٌم ثم ترخي جلدّها العريان في غبشي يذوٌبه الظلام شيئا فشيئا.. والشظايا من رفيف الفحم تّرْفو جبٌّةّ الظلمات فالملكوت خفاش يلعلع صوته المسنون.
- يا ولدي ابتعدْ واعقلْ جنونّ الصيد - أوهام وظن طائش هذي العصيٌ وهذه الحصباء - فاقعدْ ريثما أحكيِ عن الخفاش والخفاش صيد لا يصاد هو لوْعّة سوداء كامنة معلٌّقة بأعماق الخرائب والبقايا من بيوت أقفرتْ.. لم يبق إلا الجنٌ والخفاش، وهو الوهم والظن المثير المستفزٌ لبهجة الصياد، وهو مفتٌق الإلهام من حيّلي ومن أملي ومن حسْم وتأجيل وطقس يستعاد حتي إذا اشتبكتْ مخالبه بوجهي أنشبتْ واستغْوّرّتْ في لحمه حتي العظام
لا شيء يدفعه ليترك صيده إلا دويٌ الطبل والزمٌارْ يلعب بالغوازي العاريات وأبوك شيخ لاتليق به الفضيحة فاستمعْ لي، وانْسّ خفاشّ الظلام واقعدْ لأحكي عن خفافيش النهار من نسل آدم أو سلالات الكلام..
٤١/٢/٨٠٠٢ القاهرة
*****
مشْكاك البهجة
خلت المعالف وانطوي الفوسْفور في الأحداق واضطجعت علي وحل الزرائب وهي تجترٌ اللٌغامّ والانتظار والريح تعدو في سهوب الفجر بين جهات خفتٌّها وطيش الشدٌ والارْتخاءِ.. كان السٌّرْح من بشر وماشية علي وشك افتتاح الصبح في هرج السروحْ والنهر جيٌاش الغواية،
ليس يتركني لصحو أو منام ونداؤه لغة من البلطيٌ والشٌيلان، بهجة دهشةي بعجائب الحبٌّار والرعٌاد، مشْكاك من الفرح الملون: فضة السردين، ألوان الخطوط علي ظهور الصٌيرِ والثعبان و القرْقورِ، والضوء المشع زفارة صفراءّ أو زرقاءّ من قشر البياض كيف استطعت النوم؟!
أم هي جرعة من نهر أحلاميِ يرقْرقها النعاس؟! حتي إذا هّبٌتْ من النوم الخليقة كنت أول من يفرٌ إلي مرايا الصبح فوق الماء وهي تفور في فيض من الشمس الوليدة والغيوم في جعبتي نصف الرغيف وقطعة الجبن القديم، وعلبة الديدان طعْم الصيد، عود البوص معْتّمٌ بما لفْلفْت من خيط وغمٌّازي وصلب الشص ينبض بالتماع الشمس، والسمك ارتعاد طافر متقلب في زئبق الماء الصقيل..
٦/٥/٨٠٠٢ رملة الأنجب
*****
آخر الصيد أوٌله
”أري العنقاء تكبر أن تصادا فعاندْ من تطيق له عنادا وما نّهْنّهْت عن طلب ولكن هي الأيام لا تعطي قيادا.” أبوالعلاء المعري
كان عبدالله ينسلٌ خفيفا من كتاب لكتاب ذاهلا عن نفسه حتي رمتْه الصدفة العمياء من حالق صيدي لا يصاد أفْلتتْه ظلمة الأنواء من مخلبها، سبعين دهرا وهو يهوي في عماء النٌّوء لا يدري أفي مهجور”واق الواق” أم في رهبة السر علي قمة “قاف” سوف يلقي الطائر الأوحد والصيد المحال.
كان من رهبته يخلقه جنْحين كونيين من ليل وعينين من الكحل البهيم وصراخا باتساع الظن والرعب، سديما من هيولي صوري يّنْقدح الإيقاع فيها بالإشارات وبالمعني الدفين. كان عبدالله مشبوحا علي باب الحروف كلما استنطق حرفا ساقّه للغامض الملْغزِ في حرفي سواهّ يتغشٌّاه عماء الوعد والموعد: لا النار استبانتْ في رماد الألف عام لا ولا العنقاء تدنو فتصاد..
١١/٥/٨٠٠٢ رملة الأنجب | |
| |