كل إنسان منا يحب
الجمال ويستمتع به، ولكننا نختلف في التعامل معه، فبعضنا يحافظ على الجمال
ليزيد وينمو، وبعضنا يريد أن يحتفظ به ويتملكه فيختنق ويموت، فليست كل رغبة
في الجمال هي رغبة خالصة للتعامل الجميل، فقد يأتي التعامل مع الجمال
بطريقة غير جمالية، أو بطريقة لا أخلاقية. نرى شيئاً جميلاً في الحياة
فتطغى الرغبة في تملكه ليفسد موقفنا، نشاهد وردة جميلة فنفتن برائحتها
وتسحرنا ألوانها، لكننا عندما نقطفها لنستمتع بتملكها فإننا نمنع عنها فترة
من الحياة كانت تستطيع فيها أن تمنح المزيد من الجمال لنا وللآخرين. حبنا
للجمال عمل أخلاقي لكن: هل حبنا للتملك هو بنفس المستوى من الجمال؟
تتحدث
رواية جون فاولز (جامع الفراشات) عن هذه النقطة، حيث نجد بطل الرواية يحب
الفراشات، وتسحره ألوانها، ويستمتع بتنقلاتها بين الزهور الورود، ويفرح
برؤيتها تنتقل من مكان إلى آخر.. لم يتوقف هذا الشخص عند مرحلة الاستمتاع
بالجمال أو التوقف عنده بل انتقل إلى مرحلة "التملك"، وهو الموقف الذي
يسيطر عليه من رؤية العالم والتعامل معه، يبدأ في جمع الفراشات والاحتفاظ
بها، بل يتطور حب التملك لديه في القضاء على الفراشات والاحتفاظ بها "ميتة"
لمجرد أنه يريد أن يستمتع بألوانها، فيجرد الفراشات من أفضل ما تمنحه لنا،
إنها تمنحنا الجمال في حالة حياتها وفي انتقالها وحركتها أكثر من ألوانها
التي امتصت منها الحياة.. يخلط بطل الرواية بين حب التملك والاستمتاع
بالجمال، فيصاب بهوس التملك للفراشات ويطاردها في كل مكان.
ينتقل بطل
الرواية إلى مرحلة أخرى من الجمع "التملكي" للفراشات عندما يرى فتاة جميلة
ويسحره جمالها، ويظل مأخوذاً بفتنتها، فلا يتوقف عند المرحلة العادية من حب
الجمال أو الاستمتاع به بل يضع خطة لسجن الفتاة في قبو لا ترى فيه الدنيا
من حولها ويكتفي بأنه يحبها ويحاول أن يقنعها أن ذلك يكفيها، تحاول الفتاة
عدة مرات أن تهرب من هذا السجن الذي وضعها فيه، لا تساوم على حريتها بكل ما
يصنع لها من اهتمام وحب ورعاية، تستمر في محاولاتها رغم أنه يعاملها
معاملة في غاية الرقي والسمو.. لكن هل يكفي كل ما يفعله ذلك الشاب في إقناع
الفتاة بأن تتخلى عن حريتها مقابل حبه لها ورغبته في إسعادها بشتى الطرق؟
تنقسم
الرواية إلى جزأين: الجزء الأول يستعرض الأحداث من خلال وجهة نظر بطل
الرواية الشاب فريدريك كليج الذي يعمل موظفاً ولا يجد من العلاقات
الإنسانية ما يشبع ذاته فيحب الفتاة ميرندا جراي من بعيد ويتابع كل
تحركاتها، ويضع خطة لسجنها في قبو منزل اشتراه في الريف بعيداً عن أعين
المتلصصين، لكن القارئ يستطيع أن يستنتج برود عاطفته وعدم قدرته على
التواصل الإنساني النبيل، رغم حبه للفتاة بمفهومه الخاص.
في الجزء
الثاني سنجد الرواية في شكل مذكرات تكتبها ميرندا التي تحكي الأحداث كما
وقعت لها وتحاول أن تفسر سلوك كليج منذ بدأت تراه ويتعرف عليها إلى أن
يسجنها في القبو، وتحاول أن تصل إلى تفسير معقول لتصرفاته لكنها تفشل، لتضع
القارئ في حيرتها التي تشعر بها. هذه الحيرة التي تستولي على ميرندا تقل
حدتها بالنسبة للقارئ الذي يرى المشهد الإجمالي للأحداث من الطرفين ويستطيع
أن يفسر الموقف على الجانبين..
كيف سيعبر كليج عن موقفه؟
ماذا ستقول ميرندا في وصف حالتها؟
ما تفاصيل الأحداث التي وقعت في الرواية لجامع الفراشات؟
كيف ستكون نهاية ميرندا مع جامع الفراشات؟
هذا ما سنجده في رواية "جامع الفراشات" لجون فاولز التي حولها المخرج الكبير وليم ويلر إلى فيلم، وحصل على جوائز عالمية عديدة.