العز بن عبد السلام.. بائع الملوك في السوق بقلم محمود الغنّام
يلقّب العزّ بن عبد السلام بـ"سلطان العلماء"، كما كان يلقب أيضاً بـ"بائع الملوك".. ولكلّ هذا أسبابه بالتأكيد.
ففي وقت كَثُر فيه علماء السلطان، كان العز سلطان العلماء.. وكان يعيش في دمشق، وكان الحاكم هو الملك الصالح عماد الدين إسماعيل، وقد كان يقدّر الشيخ العز بن عبد السلام لما وجده يتميز به من علم ودين وفقه؛ فولاه الخطابة في الجامع الأموي الكبير في دمشق، وبعد قليل نشب خلاف على السلطة بين الصالح إسماعيل بدمشق وابن أخيه نجم الدين أيوب بمصر، وهو الخلاف الذي اشتد حتى أقدم الصالح إسماعيل على موالاة الصليبيين والاستعانة بهم على قتال أخيه؛ ولكن أين سلطان العلماء؟ هل يسكت على الاستنصار بالصليبيين على المسلمين؟
لم يسكت العز بن عبد السلام.. بل استنكر ما فعله الصالح إسماعيل، وصعد المنبر وخطب في الناس خطبة عصماء، وأفتى بحُرمة بيع السلاح للفرنجة، وبحُرمة الصلح معهم، وقال في آخر خطبته: "اللهم أبرم لهذه الأمة أمرَ رُشْد، يعزّ فيه أهل طاعتك، ويذلّ فيه أهل معصيتك"، ثم نزل من المنبر دون الدّعاء للحاكم الصالح إسماعيل (كعادة خطباء الجمعة)؛ فاعتبر الملك ذلك عصياناً وشقًّا لعصا طاعته؛ فغضب على العزّ وسجنه؛ فلما ثار الناس من أجل العز بن عبد السلام، أخرجه الملك من سجنه وأمر بإبعاده عن الخطابة في الجوامع، فترك العزّ الشّام وسافر إلى مصر.
ولم تنته مواقف الشيخ العز بن عبد السلام حين أتى مصر، ولم يُثنه عن الحق حسنُ استقبال الملك الصالح نجم الدين أيوب وترحيبه به؛ فبعد أن أكرم الملك مثواه، وولاّه الخطابة والقضاء. كان أول ما لاحظه العزّ بعد توليه القضاء في مصر هو قيام المماليك -وهم مملوكون لغيرهم ولكنهم اكتسبوا النفوذ من قربهم من الحاكم- بالبيع والشراء وقبض الأثمان والتزوّج من الحرائر، وهو ما يتعارض في نظره مع الشرع؛ إذ هم في الأصل عبيد لا يحق لهم ما يحق للأحرار؛ فامتنع أن يُمضي لهم بيعاً أو شراء، فتألّبوا عليه وشكوه إلى الملك الصالح الذي لم تُعجبه بدوره فتوى العزّ؛ فأمره أن يعْدل عن فتواه؛ فلم يأتمر بأمره؛ بل طلب من الملك ألا يتدخل في القضاء؛ إذ هو ليس من شأن السلطان، وأدّى به إنكاره لتدخّل السلطان في القضاء أن قام فجمع أمتعته ووضعها على حماره ثم قال: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}. فتجمّع أهل مصر حوله، واستعدّ العلماء والصلحاء للرحيل معه؛ فخرج الملك الصالح يترضّاه، وطلب منه أن يعود وينفّذ حكم الشرع.
وكان الأمر يستلزم حيلة من أجل إنفاذ بيع الأمراء المماليك وتصرفهم في الدولة؛ حيث إنهم كانوا كثرة وقوة، وكان لهم شأن عظيم في مصر، ولكن كل الحيل اصطدمت بصخرة العز بن عبد السلام الذي كان نِعم المنفذ لشرع الله، ثم اقترح عليهم أن يبيع هؤلاء المماليك الأمراء لبيت مال المسلمين.. كيف ذلك؟ أن يعقد لهم مجلساً في السوق وينادي عليهم بالبيع لصالح بيت مال المسلمين. وعندما نصحه أحد أبنائه بألا يتعرّض للأمراء خشية بطشهم، ردّ عليه بقوله: "أأبوك أقلّ من أن يُقتل في سبيل الله؟"، ولهذا سُمّي العز بن عبد السلام بـ"بائع الملوك".
وفي آخر دولة الأيّوبيين تولّت الحكم شجرة الدر، وهي امرأة، وكان العزّ بن عبد السلام من الذين استنكروا الأمر وعارضوه جهرة، لاعتقاده أن ذلك مخالف للشرع، ولم يدم حكم شجرة الدرّ سوى 80 يوماً؛ إذ تنازلت عن عرشها للأمير عز الدين أيبك الذي تزوّجته وبقيت تحكم من خلاله.
وبعد أن اشتد خطر التتار ووصول أخبار فظائعهم في البلاد الإسلامية، عمل العزّ على تحريض الحاكم واستنفاره لملاقاة التتار الزاحفين. واستعد قطز لملاقاة التتار، وليستعين على الجهاد أمر قطز بجمع الأموال من الرّعية للإعداد للحرب؛ ولكن هنا وقف العزّ بن عبد السلام في وجهه، وطالبه ألا يأخذ شيئاً من الناس إلا بعد إفراغ بيت المال، وبعد أن يخرج الأمراء وكبار التجار من أموالهم وذهبهم المقادير التي تتناسب مع غناهم، حتى يتساوى الجميع في الإنفاق؛ فنزل قطز على حكم العزّ بن عبد السلام.
وهكذا سجل التاريخ مواقف مشهودة للعز بن عبد السلام، وقف فيها مع الحق ولم يخشَ في الله لومة لائم.. لم يداهن أو ينافق أو حتى يسكت عن الحق خوفاً من أحد ولا طمعاً في شيء.. بل كان الحق هو سلاحه الوحيد.. وقف العز بن عبد السلام جاهراً بالحق فسطّرت مواقفه بحروف من ذهب في ذاكرة الأجيال وأصبح سلطان العلماء.. فهل يفقه علماء السلطان أن الحق أحق أن يُتبع.
*********************
_________________
حسن بلم
دونا
® عضو مميّز ®
رسالة sms :
عدد المساهمات : 259
نوسا البحر :
2012-01-24, 4:50 pm
رحم الله هذا الشيخ المجاهد الذى لم يكن يخاف فى الله لومة لائم جزاك الله خيرا على الموضوع
_________________
promise.soulnm
® عضو مميّز ®
رسالة sms : اشتقت اليك يا مطر الشتاء
اما زلت بعيدا ام قرب اللقاء?
تذكرنى دموعى بدموع السماء
وشوق قلبى بعصف الجو بعد الصفاء
متى تعود وتخلصنى من الجفاء؟
اظل اذكرك فصفتى هى الوفاء
بقلمى
عدد المساهمات : 193
العمر : 34
الاٍقامة : تحت المطر
العمل : معلمه
نوسا البحر :
2012-01-26, 7:51 pm
"أن الحق أحق أن يُتبع" كلمه رائه فعلا الحق احق ان يتبع اللهم اهدنا الصراط المستقيم جزاك الله خيرا اخى الكريم الكبير دائما ما تحسن الاختيار ورحم الله الشيخ العز بن عبد السلام
_________________
[b][i]اعرض عن الناس واجتنب لقاءهم تعش سليم القلب وخالى البال وان دعتك ضرورة للقائهم فاحرص على نفسك من الاهوال ان فعلت خيرا ما تركوك بحالك وان اسات اليهم صوبو نحوك كل النبال