إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي جعل كلمة لا إله إلا الله للجنة مفتاحا ومولجا، وأقام الكتاب والسنة إليها طريقا ومنهجا، فالحمد لله الذي بين طريق الجنة والنار ولم يجعل له عوجا، من حاد عنه دخل جحيماً ونارا تأججا ومن شد عليه وتمسك به فاز ونجا وكان له يوم القيامة في مراقي السعادة درجا، وعاش في النعيم المقيم خالدا مبتهجا، فسبحان من جعل جنات الفردوس للمؤمنين نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا.. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، والمقام المحمود، وأول من يفتح باب جنات الخلود.. صل اللهم وبارك عليه وعلى آله المطهرين وصحبه المبرورين وتابعيه المحسنين في الأولين والآخرين في كل وقت وحين إلى يوم البعث والدين. أما بعد
أيها الأخوة المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله القائل في كتابه العزيز: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} والقائل: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} والقائل: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا*يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما} عباد الله لقد خلق الله الجن والإنس ليعبدوه، ويوحدوه ويطيعوه، ووعد من أطاعه بالجنة فضلا منه، وتوعد من عصاه بالنار عدلا منه. وليعلم أن الجنة والنار مخلوقتان الآن بدليل قوله تعالى في الجنة أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ وفي النار أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وفي الحديث الذي رواه مسلم وغيره ((إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها، وهم في أصلاب آبائهم، وبعمل أهل الجنة يعملون، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها، وهم في أصلاب آبائهم، وبعمل أهل النار يعملون)) فالجنة ثواب أولياء الله المطيعين له ولرسوله. والنار عقاب أعداء الله العاصين له ولرسوله، ولا يظلم ربك أحداً، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. والسيئة بمثلها، أو يعفو الله عنها ويغفرها لمن يشاء.. قال في الحديث القدسي: ((فمن وجد خيراً، فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه)) وفي يوم القيامة، وبعد أحداث الحشر والنشر، وقراءة الصحف، والإقرار بالأعمال الحسنة والسيئة، قال: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرٍ محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد} ولسوف ينقسم الناس إلى فريقين: فريق يذهب للجنة منعماً مكرماً، والفريق الآخر يُذهب به والعياذ بالله إلى النار معذباً مهاناً. قال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} وقد تذكر هذا المنظر خليفة المسلمين الأموي الراشد عمر بن عبدالعزيز ذات ليلة فبكى واشتد بكاءه، فاستيقظت زوجته فاطمة وبكت معه، وهي لا تدري لماذا يبكي؟ وبكى من في البيت لبكائهما حتى حضر الجيران. ولما سؤل عن ذلك قال: تذكرت منصرف يوم القيامة، فريق في الجنة وفريق في السعير. ولنتعرف في هذه اللحظات على ما يحصل عليه كل فريق فأما أهل الجنة فطعامهم كما قال{وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ*وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} وكذلك قوله{إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ*وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ*كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}وأما طعام أهل النار فقال {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ*لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ} وقال أيضاً: {إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعَامُ الْأَثِيمِ*كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} وأما عن شراب أهل الجنة فقد قال{وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً*عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً}وأما شراب أهل النار: {مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ*يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} وقال: {وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} وأما عن لباس أهل الجنة فيقول: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}وأما لباس أهل النار فيقول: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ* سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ} وقوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} النار هي ثيابهم ودفائهم وفراشهم. نعوذ بالله من حالهم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله..