® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2011-07-29, 4:39 pm | |
بعيدأ عن المليونيّات وأنانيّة السياسة, بعيدا عن سلّم الثورة الذى يتزاحم ويتكالب عليه السياسيون للوصول الى السلطة ,"أوشك ينهار بديمقراطيّته الفارغة فوق رأس الوطن!" بعيدا عن كلّ هذا الغلس, كلامى هذا عن أطفال الصومال عن الملائكة بجلودها السّوداء, مئة وعشرة آلاف طفل صومالي يحتضرون أمام أعين العالم اللاهي. ..."كنت أتمنّى مليونيّة تبرّعات لأجلهم" الموت هل ماعاد يعني شيئاً ولا أحداً، الموت جوعاً هل بات خارج اهتماماتنا. نوع من الضوء ينقصهُ اللون في العيون الباهظة الإتساع للأطفال الصوماليين، أو ربما كانوا ملائكة بجلود سوداء ملساء وبرّاقة.
كن قادراً على عواقب مثل هذه المشاهدة العنيفة، كن متحمساً جداً للإستفادة من ميزة هذه الفرصة الفريدة التي تتيح لك النظر الى الموت بعينيه، كن قادراً بعدها على النوم. أجلسُ، وقد ضبطت نفسي أمدّ الصور التي ترسلها الشاشة، بالكلمات. هل كنت أكتب فقط ما سبق أن كتبته عن ميتات أخرى بطرق اخرى؟ أو كانت هذه لحظة تعاطف أكثر، وفهم أكثر، كما يحدث في إتحاد الأرواح بعد الموت؟ المادة في هيئتها الحقيقية، المادة المتفسخة أجل، كما يحدث للأطفال الصوماليين، لكن في مرآة قلبي العاكسة التي تراها الآن. أُسمي هذا موتاً مخجلاً، موتاً ذليلاً، رجوعاً الى بدائية الإنسان، ومجازفة تفريغ العالم من محتواه الروحي، حيث الحياة رخيصة بشكل داعر، والشيطان راض بالطبع عن هذه الصورة. الأجساد النحيلة، متألمة وصبورة والأفواه تزفر موتها البطيء، الأضلاع النافرة وصفرة الحدقة وباطن الراحة والقدم، الأسنان الناتئة والذباب والأثداء المبذولة الفارغة. ولا املك سوى الكلمات، كلمات كلمات تنساب مثل حبات عقد وتنفرط متبعثرة في كل الإتجاهات. أطفال جائعة. اطفال ما عادت حتى تشعر بالجوع، فقط هذه الرغبة الطاهرة بالخلاص، هذا الصدّ عن العالم، عن كل ما في هذا العالم . أجساد داكنة خالية إلا من بقايا نفس وروح، انت تعرف ماذا يُشبهُ هذا؟ إلق نظرة على هذه الهياكل الرقيقة في هذا الكون الخالي من الضمير فمن الممكن ان يكون درساً جديداً لك. إشعاعات نورانية داخلية تغشى الأحشاء، لكنني أسفتُ إذ لم أزرع قنبلة في جهاز التلفزيون تفجرّ العالم. قنبلة تنفجر بصخب ولؤم تطيح بالأغنياء والفقراء، بالجوعى والشبعانين، بالزعماء العرب والزعماء الأجانب،' وكأن من يجمع مثل تلك الثروات بالأساس مغمور بالفضيلة والأخلاق. قنبلة تنفجر بمطابع الأوراق المالية المكدسة في العالم كله، بمناجم الذهب الوهّاج، بالقصور وأصحاب المليارات العرب قبل الأجانب الذين صنعوا ثرواتهم بكدّهم وعرق جبينهم!
إذن الكلمات والمادة المتألمة، الحياة، الطفولة، الحزن، الألم، الكوارث، الجوع. إنني مرتبك مثل طالب في يوم إمتحانه على الرغم من انني أعرف الإجابات. إنني مجبر أمام العيون المتوسلة لهذا الطفل الصومالي على تفجير العالم. السماء مع ذلك لا تمطر من اجلهم وهذا امر لا أعرف الإجابة عنه.
انتهى الإيقاع الكئيب لتنّقل الكاميرا على الوجوه المحتضرة، ليعود ويستقر على وجه إمرأة صومالية قالت بما بقي لها من نفاد روح للمصّور: أين الأمم المتحدة؟ أين منظمات الإغاثة؟ أين العالم؟ أين العالم الإسلامي؟ العالم الإسلامي يا امرأة !!! أيها الطفل النقي كالكريستال تعال أُرضعك، تعال ارقد بحضني وسلّمني أسرار جوعك. لماذا يدير العالم ظهره لكل هؤلاء الأطفال الجوعى، والأرض تموج بملياراتها، وبالحياة وبالأشجار والأنهر والبحيرات والثمار، وبكل الغذاء الفائض عن موائد الأرض وموائد الميسورين؟ مالذي يجعل العالم يُعرض عنهم، ينساهم، يتجاهلهم، يختفي من أمامهم. كانت هناك نظرة محدّدة وموحدة تظهر على وجوه الأطفال، لم يمكنني معها التحديد أبداً في ما إذا كانت تعنيني وحدي أم تعني كل من يعيش على هذه الأرض، كل العالم والبشر. نظرة محبطة ويائسة وتعرف أكثر مما تسمح به أعمارهم، وعاتبة في نهاية الأمر على تخلّي هذا العالم الملعون. أفكرّ أن الأمر كله مؤامرة على الصنف البشري غير الملوّث، الجفاف مؤامرة، الجوع مؤامرة خطيرة ضدهم، ضد وجودهم وترتجي اقتلاعهم من الحياة. مؤامرة على براءتهم وعلى كل شيء طري لم يُصلّبهُ الفساد، وعلى السلام الأرضي وغير المذنبين. أفكرّ بذاكرة التاريخ، كما لو شيئاً ملموساً واشرح لنفسي بإقتناع قديم وشديد مبدأ الوقت الذي يسير لغير صالح الأنقياء في الحروب والكوارث وسواها، ومبدأ الزمن المثبت بقوة بداخل المادة. مؤامرة أجل، ذات مبدأ سحري وضروري وشاعري في معناه الإجتثاثي لإبادة الضعفاء الذين مازالوا في العالم. العالم الكئيب الوحشي في تهافت ملياراته وحساباته وفذلكاته البائسة. ليست سطوة الطبيعة فحسب مستر بان كي مون، ولا فقط عراقيل النزاعات تحول دون مساعدة أولئك الأطفال، بل هي القلوب الميتة، والأفئدة التي فرغت من مشاعرها، فليس هناك ما يؤلم أكثر من رؤية أم تشهد موت أطفالها أمام عينيها، مع ذلك ما من جهات مانحة ولا أفراد يقدمون المساعدة. سوف لن ينتظر الأطفال هؤلاء زراعة بذور مقاومة الجفاف، ولا الري المستحدث، ولا البنيات التحتية الريفية وبرامج تربية الماشية. الموت لن يمهلهم كل هذا الوقت، فهل من نخوة؟ الآن تحديداً. | |
| |