وحده واسيني من بإمكانه أن يخلط السياسة بالحبِّ ، والحقيقة التاريخيَّة بالخيال الفني دون أن تضيع من أصابعه دهشة الحكاية .. والمتعة !
هي الصدفة .. أن تصدر الرواية في نفس أيام رحيل بطلها ، يونس مارينا .. الرايس بابانا.. أو بلغة الحقيقة : أحمد بن بلَّة ، أو كما يحلو له أن يُسمَّى ( حميمد ) !
رواية اختار لها واسيني مدينة فرانكفورت منطلقا وشارع الشانزليزيه نهاية .. لتجد نفسك دون أن تدري في زنزانة اختارها العقيد بومدين لسجن أحمد بن بلَّة !
وحدها رواية من هذا الطراز يمكنها أن تحفل بالأسرار الصادقة التي اعترف بها الثائر بن بلَّة لكاتب لا يمكنه كتمانها من طينة واسيني الأعرج !
"لا أعرف.. أنا أصلا لا أعرف مبررا لوجودي في هذا المكان، فكيف أعرف الباقي؟ لو طلب مني العقيد أن أترك الكرسي لغيري كنت فعلت، أليس هو من فرضني؟ وُضِعت في هذا المكان برضاه، كان يمكن أن أذهب أيضا برضاه، أنا لم أفعل ما يؤذي هذه الأرض".. هكذا تحدث بن بلة في رواية واسيني الأعرج الأخيرة !
وربما اللحظة الأكثر فجيعة فيما حدث حينما يسرد ما حدث لأمِّه التي زارته في سجن العقيد بومدين :
"- نتلقى الأوامر من جهة عالية، ربما كانت أقوى من العقيد نفسه، طُلب منا أن نعرّي لالة الزهراء كما تسميها، قبل دخولها إليك، فعلنا وزدنا من عندنا قليلا ليعرف الجميع صرامة العقيد، عند الباب، قبل إدخالها عليك، عريناها، رأينا جسدها المتآكل بفعل الزمن، تأملناها، تضاحك بعضنا، لا تستغرب، حواسنا التي نملك ماتت منذ زمن بعيد، وحلت محلها حواس أخرى شبيهة بحواس بعض الحيوانات التي لا سلطان لها على غرائزها، أغلبها من فولاذ، لا يحركها أي شيء، تبادلنا الدوران حولها، تشممناها، وهي تصغر وتضمر، حتى شعرنا بها تنتفي وتتحول إلى شيء وتنسى أنها كانت أم رئيس البلاد نهائيا، أغمضت عيناها على بكاء مر، شعرت بنفسها أنها أصبحت فجأة لا تساوي بصقة في الطريق، لاشيء، وهذا ما كنا نوده، تهديم الخصم في ثقافتا هو أن يشعر أولا أنه وحيد ولا شيء يحميه من العزلة والموت الأكيد، بعدها فقدت وعيها، لم تكن تهمنا لالة الزهراء في شيء بقدر ما أنها أمك فقط؛ ثم أدخلناها عليك وهي لا تستطيع أن ترى وجهك وتنظر إلى عينيك من شدة الخجل، كمن ارتكب جرم زنا المحارم، أنت لم تكن تعرف، ولكنها كانت تبدو عارية أمامك لا يستر جسدها إلا خوفها عليك، نحن لم نفعل شيئا سيئا سوى أننا قمنا بواجب ظل يؤرقنا تطبيقه بالشكل الذي يرضي العقيد".
الرواية ليست سياسة .. ولا سيرة ذاتية ، بل هي خليط عجيب لا يجيده سوى الكبار الذين يمتلكون ناصية اللغة والحدث واللحظة الفارقة في حياة الشعوب ! . تحميل الرواية للتحميل المباشر أضف ردّا واضغط هنا [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]