التعاطف الأعمى
عمر طاهر
الشماتة العمياء والتعاطف الأعمى، كلاهما يفرض على الواحد قدراً من التوتر، الشماتة مرهقة وستقودك بمرور الوقت إلى خلل نفسى.. ربما إذا تأملت الأمر من حيث التدقيق فى التدابير الإلهية وعدالة الله وإمهاله الذى لا يعنى إهماله لشعرت بسعادة واستقرار نفسى.. ربما أخذت عبرة تنفعك فى مسيرة حياتك، لكن الشماتة مهلكة وضد الف...طرة وتجربة شعورية سلبية ظاهرها الاستمتاع وباطنها تخريب للروح.
لقد قدمت الثورة أنبل وأفضل ما لديها بأن قدمت مبارك للمحاكمة، علينا أن نتمناها محاكمة عادلة، وعلينا أن نرضى بحكم القضاء، لأننى أحلم بأن يقول التاريخ إن ثورة يناير تعاملت مع مبارك بما يليق بالثورة لا بما يليق بمبارك.
أما التعاطف الأعمى فقد حاولت أن أكون حياديا تجاهه وفشلت، التمست العذر لكثيرين تعاطفوا مع مبارك كأنهم يتابعون مسلسل «تعاطف الأمهات والخالات مع ماما نونا عند وفاتها فى مسلسل حمادة عزو»، احترمت مشاعرهم جدا.
لكننى أتوتر عندما يقابلنى أحد قائلا «ارحموا شيخوخة الراجل ومرضه وتاريخه»، الحقيقة أنا مندهش ممن يوجه هذا الكلام لمن شارك فى الثورة.. لأن المقربين من مبارك والناس الذين من لحمه ودمه كانوا أولى بأن يوجه إليهم هذا النداء.
فلا يوجد أحد يمت لمبارك بصلة قرابة أو صداقة أو عيش وملح أو زمالة احترم سن هذا الرجل وشيخوخته ومرضه، كان أولى بجمال مبارك أن يحترم سن أبيه وتاريخه، فلا يفرض نفسه على المشهد السياسى ولا يتمادى فى فرض سيطرته وهو يرى كل الناس تلوم أبيه وتهاجمه بضراوة وتتهمه بالخيانة للوطن، وهى تراه مقبلاً على مشروع التوريث، كان أجدر بجمال مبارك أن يحترم تاريخ والده وسنه ومرضه وسمعته، ويحافظ على صورة أبيه بأن يبتعد عن الصورة تماما.. لا أن يجعلها على مقاسه هو وأصدقائه المحتكرين ورجال الأعمال الفاسدين.
كان أولى بزكريا عزمى أن يحترم شيخوخة الرجل وسنه وتاريخه ويصارحه بأن الشعب خرج للشارع «علشان مابقاش طايقه»، لا أن يكذب عليه ويمنعه من أن يتنحى بكرامته قائلا إن الشعب يريد فقط تغيير الحكومة «خليك يا ريس زى ما أنت».. كان أولى بالعادلى أن يحترم سن مبارك وتاريخه فلا يغتال المتظاهرين ضده بالقناصة المحترفين.. كان أولى بصحفيى مبارك أن يحترموا سنه وتاريخه فلا ينافقونه بطريقة تجعله أضحوكة فى أعيننا.
كان أولى بصفوت الشريف أن يحترم سن الرجل ومرضه وسمعته فلا يتورط فى تدبير موقعة الجمل التى جاءت فى أعقاب خطاب مبارك، والتى جعلته يبدو قاتلا لا أمان ولا عهد له.. كان أولى بفتحى سرور أن يحترم سن الرجل وتاريخه ومرضه فلا يدير البرلمان كأنه عزبة أحمد عز صديق ابن الرئيس.. كان أولى بأنس الفقى أن يحترم سن مبارك وتاريخه ومرضه فلا يجعل تليفزيونه الرسمى محط سخريتنا جميعا.
شباب الثورة لم يتوقفوا كثيراً أمام فكرة سن الرجل ومرضه وتاريخه لأن أقرب الناس إليه لم يفكروا فيها لثانية واحدة، على الأقل الثوار تجاوزوها لمصلحة البلد.. لكن هؤلاء المقربين تجاوزوها لمصلحة مين؟