ولد "يوسف إدريس" لأسرة متوسطة الحال بإحدى قرى محافظة الشرقية عام 1927، التحق بالمدارس الحكومية حتى المرحلة الثانوية، ليكمل بعدها مشواره التعليمي بكلية الطب جامعة القاهرة ثم ليتخرج فيها عام 1951. على هذا فقد عايش في مرحلة الشباب فترة حيوية من تاريخ مصر من جوانبه الثقافية والسياسية والاجتماعية، حيث الانتقال من الملكية بكل ما فيها من متناقضات، إلى الثورة بكل ما حملته من آمال، ثم النكسة وما خلفته من هزائم نفسية وآلام ، ثم النصر في 73 بكل ما كان ينطوي عليه من استرداد لعزة وكرامة الشخصية المصرية، ثم الانفتاح وما تبع ذلك من آثار على المجتمع المصري من تخبط وتغير في بنيته الثقافية والنفسية والاجتماعية.. إنه رجل عاش كل هذه التقلبات، ليس كما يعيشها الإنسان العادي، بل كما يعيشها الفنان المبدع الذي تؤثر فيه تفاصيل الأحداث، ويعمل على أن يرصدها ليتمكن من تأثيره عليها، فجاء أدبه معبرا عن كل مرحلة من هذه المراحل، وناطقا برأيه عما يتغير ويحدث حولنا في هذا البلد وما يحدث في أبنائها، ولاسيما أنه كان في مطلع شبابه متأثرا بالفكر الماركسي بكل ما يحمله من هموم اجتماعية.
كان كاتبنا غزير الثقافة واسع الاطلاع بالشكل الذي يصعب معه عند تحديد مصادر ثقافته أن تقول إنه تأثر بأحد الروافد الثقافية بشكل أكبر من الآخر.. حيث اطلع على الأدب العالمي وخاصة الروسي وقرأ لبعض الكتاب الفرنسيين والإنجليز، كما كان له قراءاته في الأدب الآسيوي وقرأ لبعض الكتاب الصينيين والكوريين واليابانيين، وإن كان مما سجله النقاد عليه أنه لم يحفل كثيرا بالتراث الأدبي العربي وإن كان قد اطلع على بعض منه. هذا من ناحية أدبية وفنية وثقافية عامة ساهمت في تشكيل وعيه العقلي والأدبي، ولعل ممارسته لمهنة الطب وما تنطوي عليه هذه الممارسة من اطلاع على أحوال المرضى في أشد لحظات ضعفهم الإنساني، ومعايشته لأجواء هذه المهنة الإنسانية ما أثر في وعيه الإنساني والوجداني بشكل كبير، مما جعل منه إنسانا شديد الحساسية شديد القرب من الناس شديد القدرة على التعبير عنهم، حتى لتكاد تقول إنه يكتب من داخلهم وليس من داخل نفسه.
بدأ نشر قصصه القصيرة منذ عام 1950، ولكنه أصدر مجموعته القصصية الأولى "أرخص ليالي" عام1954، لتتجلى موهبته في مجموعته القصصية الثانية "العسكري الأسود" عام1955، الأمر الذي دعا عميد الأدب العربي "طه حسين" لأن يقول: "أجد فيه من المتعة والقوة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء مثل ما وجدت في كتابه الأول (أرخص ليالي) على تعمق للحياة وفقه لدقائقها وتسجيل صارم لما يحدث فيها.."
وهي ذات المجموعة التي وصفها أحد النقاد حينها بقوله: "إنها تجمع بين سمات ديستوفسكي وسمات كافكا معا". لم يتوقف إبداع الرجل عند حدود القصة القصيرة والتي صار علما عليها، حتى إنها تكاد تعرف به وترتبط باسمه، لتمتد ثورته الإبداعية لعالمي الرواية والمسرح.
حديث عن الحرية
تمتع "يوسف إدريس" بسمات شخصية كان على رأسها الإقدام والجسارة والجرأة، ولم تختلف صفحات قصصه ورواياته كثيرا عن تلك السمة المميزة لصفحة شخصيته، فاتسمت هي الأخرى بالجسارة، فهو من أصحاب الأقلام الحرة، على الرغم من أنه ظهر في مرحلة تجلّى القمع فيها في أسوأ صوره، من تكميم لأفواه المبدعين، وسحق لآدميتهم، وتشريد الداعين للحرية بطردهم من وظائفهم، أو سجنهم، أو التنكيل بهم.. إلا أنه بين كل هذه الألغام في طريق الكلمة الصادقة الحرة عمل دائما على أن يقول ما يريد وقتما يريد، وبعد أن فرح بالثورة وأخذ بجانب بدايته كطبيب في القصر العيني –حينها- يهتم بكتابة إبداعاته القصصية حتى وصل لأن يكون مسئول القسم الأدبي بمجلة روزاليوسف، سرعان ما بدأ انتقاده لرجال الثورة وسياسة "عبد الناصر"، الأمر الذي أدى به عام 1954 إلى السجن، مما جعله يعتبر نفسه في النهاية لم ينل حريته التي تمكنه من قول كل شيء.. بل بعضا من كل شيء؛ فنراه يتكلم عن هذه الحرية المفقودة ويقول: "إن كل الحرية المتاحة في العالم العربي لا تكفي كاتباً واحداً لممارسة فعل كتابته بالجسارة التي يحلم بها".
وعن هذه النفس الإنسانية المتوقدة داخل يوسف إدريس يقول د. جابر عصفور: "كان "يوسف إدريس" واعياً بالأسباب السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية التي تحول بين المبدعين وممارسة جسارتهم الإبداعية إلى المدى الذي يعصف بالمحرمات التي كادت تشمل كل شيء، والممنوعات التي يتسع مداها بالقدر الذي يتسع به مدى الاستبداد والتسلط مقروناً بالتعصب والتطرف على كل مستوى من المستويات. وأغلب الظن أن "يوسف إدريس" كان واعياً بمعنى من المعاني بالجذور القديمة والأصول الراسخة للقمع في تراثنا، تلك الجذور والأصول التي أودت بحياة الكثيرين من المبدعين على امتداد العصور".
القصة بين الواقعية والعامية
تميزت القصة عند "يوسف إدريس" بالواقعية، حيث أخذ يصور الحياة اليومية ولاسيما للمهمشين من طبقات المجتمع، كما أنه جنح إلى استخدام العامية في قصصه، وإلى استخدام لغة سهلة بسيطة، وكان يرى أن الفصحى لا يمكن أن تعبر عن توجهات الشعب وطموحاته، كما أن الحوار يعد ركنا هاما من أركان القصة عنده، ويمثل جزءا من التطور الدرامي للشخصيات، والتي غالبا ما كانت من البسطاء الذين يصارعون من أجل الصمود أمام مشاق الحياة، ولعل في الظروف التي كان يعيشها الشعب المصري حينها، وضغط الفقر والحرمان من أبسط حقوقه الإنسانية ما يفسر اتجاه كاتبنا نحو هذا النوع من الأبطال في قصصه ومن الأسلوب الذي اتخذه للتعبير عنهم من خلال الحوار والذي جاء لتقريب ما يدور داخل شخصياته من تصعيد نفسي وتصعيد للأحداث.
عمد "يوسف" إلى التكثيف والتركيز في قصصه القصيرة حتى كان يقول عن تعمده هذا المنحى: "إن الهدف الذي أسعى إليه هو أن أكثف في خمس وأربعين كلمة.. أي في جملة واحدة تقريبا- الكمية القصوى الممكنة من الإحساس، باستخدام أقل عدد ممكن من الكلمات". وعليه فقد كان "يوسف إدريس" يعتبر الإيجاز في القصة القصيرة من أهم الخصائص الأسلوبية التي على الكاتب أن يناضل من أجل تحقيقها، وفي ذلك يقول: "فالقصة القصيرة أكثر الأشكال الأدبية إيجازا فعبارة "أهلا حمادة" تشبه القنبلة الذرية في صغرها وفعاليتها ومع ذلك فهذه القنبلة يمكن تصنيعها-فقط-على أيدي أناس ذوي موهبة"
حياته في سطور
طبيب بالقصر العيني، القاهرة، 1951-1960؛ حاول ممارسة الطب النفساني سنة 1956، مفتش صحة، صحفي محرر بالجمهورية، 1960، كاتب بجريدة الأهرام، 1973 حتى عام 1982. حصل على كل من وسام الجزائر (1961) ووسام الجمهورية (1963 و 1967) ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى (1980). سافر عدة مرات إلى جل العالم العربي وزار (بين 1953 و 1980) كلاً من فرنسا، إنجلترا، أمريكا واليابان وتايلندا وسنغافورة وبلاد جنوب شرق آسيا. عضو كل من نادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب ونادي القلم الدولي. متزوج من السيدة رجاء الرفاعي وله ثلاثة أولاد المهندس سامح والمرحوم بهاء والسيدة نسمة.
مؤلفاته
قصص
أرخص ليالي، رة، سلسلة "الكتاب الكبير الذهبي"، روز اليوسف، ودار النشر القومي، 1954.
جمهورية فرحات، قصص ورواية قصة حب، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي" روز اليوسف، 1956. مع مقدمة لطه حسين. صدرت جمهورية فرحات بعد ذلك مستقلة، ثم مع ملك القطن، القاهرة، دار النشر القومية، 1957. وفي هذه المجموعة رواية: قصة حب التي نُشرت بعدها مستقلة في كتاب صادر عن دار الكاتب المصري بالقاهرة.
البطل، القاهرة، دار الفكر، 1957.
حادثة شرف، بيروت، دار الآداب، والقاهرة، عالم الكتب، 1958.
أليس كذلك؟، القاهرة، مركز كتب الشرق الأوسط، 1958. وصدرت بعدها تحت عنوان: قاع المدينة، عن الدار نفسها.
آخر الدنيا، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي" روز اليوسف، 1961.
العسكري الأسود، القاهرة، دار المعارف، 1962؛ وبيروت، دار الوطن العربي، 1975 مع رجال وثيران والسيدة فيينا.
قاع المدينة، القاهرة، مركز كتب الشرق الأوسط، 1964.
لغة الآي آي، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي"، روز اليوسف، 1965.
النداهة، القاهرة، سلسلة "رواية الهلال"، دار الهلال، 1969؛ ط2 تحت عنوان مسحوق الهمس، بيروت، دار الطليعة، 1970.
بيت من لحم، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
المؤلفات الكاملة، ج 1:القصص القصيرة، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
ليلة صيف، بيروت، دار العودة، د.ت. والكتاب بمجمله مأخوذ من مجموعة: أليس كذلك؟
أنا سلطان قانون الوجود، القاهرة، مكتبة غريب، 1980.
أقتلها، القاهرة، مكتبة مصر، 1982.
العتب على النظر، القاهرة، مركز الأهرام، 1987.
روايات
الحرام، القاهرة، سلسلة "الكتاب الفضي"، دار الهلال، 1959.
العيب، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي"، دار الهلال، 1962.
رجال وثيران، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة، 1964.
البيضاء، بيروت، دار الطليعة، 1970.
السيدة فيينا، بيروت، دار العودة 1977.
نيويورك 80، القاهرة، مكتبة مصر، 1980.
(نظرة) حارة في القاهرة
مسرحيات
1- ملك القطن (و) جمهورية فرحات، القاهرة، المؤسسة القومية. 1957 مسرحيتان.
2- اللحظة الحرجة، القاهرة، سلسلة "الكتاب الفضي"، روز اليوسف، 1958.
3- الفرافير، القاهرة، دار التحرير، 1964. مع مقدمة عن المسرح المصري.
4- المهزلة الأرضية، القاهرة سلسلة "مجلة المسرح" 1966.
5- المخططين، القاهرة، مجلة المسرح، 1969. مسرحية باللهجة القاهرية.
6- الجنس الثالث، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
7- نحو مسرح عربي، بيروت، دار الوطن العربي، 1974. ويضم الكتاب النصوص الكاملة لمسرحياته: جمهورية فرحات، ملك القطن، اللحظة الحرجة، الفرافير، المهزلة الأرضية، المخططين والجنس الثالث.
8- البهلوان، القاهرة، مكتبة مصر، 1983. 9- أصابعنا التي تحترق
مقالات
1- بصراحة غير مطلقة، القاهرة، سلسلة "كتاب الهلال"، 1968.
2- مفكرة يوسف إدريس، القاهرة، مكتبة غريب، 1971.
3- اكتشاف قارة، القاهرة، سلسلة "كتاب الهلال"، 1972.
4- الإرادة، القاهرة، مكتبة غريب، 1977.
5- عن عمد اسمع تسمع، القاهرة، مكتبة غريب، 1980.
6- شاهد عصره، القاهرة، مكتبة مصر، 1982.
7- "جبرتي" الستينات، القاهرة، مكتبة مصر، 1983، وهو متضمن حوار بينه وبين الأستاذ محمد حسنين هيكل.
8- البحث عن السادات، طرابلس (ليبيا)، المنشأة العامة. 1984.
9- أهمية أن نتثقف.. يا ناس، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1985.
10- فقر الفكر وفكر الفقر، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1985.
11- خلو البال، القاهرة، دار المعارف، 1986.
12- انطباعيات مستفزة، القاهرة، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1986.
13- الأب الغائب، القاهرة، مكتبة مصر، 1987.
14- عزف منفرد، القاهرة، دار الشروق، 1987.
15- الإسلام بلا ضفاف، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989.
16- مدينة الملائكة، القاهرة، الهيئة المصرية…، 1989.
17- الإيدز العربي، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1989.
18- على فوهة بركان، محمود فوزي، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 1991. حوار.
19- ذكريات يوسف إدريس، القاهرة، المركز المصري العربي للنشر والصحافة والتوزيع، 1991.